الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أعانك الله ووفقك لكل خير
إذا أردت أن تنال محبة الله فعليك بِترك معصيته ، وأن تُحبّ ما يُحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ولن يَجِد عبد حلاوة الإيمان حتى يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما .
قال عليه الصلاة والسلام : ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يُحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار . رواه البخاري ومسلم .
وتقوى الله وحُسن الْخُلُق مما يُحبب العبد إلى مولاه .
قال عليه الصلاة والسلام : اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تَمْحُها ، وخَالِق الناس بِخُلُق حَسَن . رواه الإمام أحمد والترمذي .
قال ابن القيم رحمه الله :
جَمَعَ النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوي الله وحسن الخلق ؛ لأن تقوى الله يُصلِح ما بين العبد وبين ربه ، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خَلْقِه ، فتقوى الله تُوجِب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو إلى محبته . اهـ .
وكثرة قراءة القرآن ، وإدمان النظر في المصحف ؛ مما يُحببك إلى الله .
ففي الحديث : مِنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ؛ فَلْيَقْرَأْ فِي الْمُصْحَفِ . رواه البيهقي في شُعب الإيمان . وحسنه الألباني .
قال عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا ، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ . رواه البيهقي في شُعب الإيمان .
وقال ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : " أَدِيمُوا النَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ ". رواه البيهقي في شُعب الإيمان .
فَهنيئا لأهْل القرآن ، الذين هُم أهْل الله وخاصته .
وهنيئا لِمَن عَمَر وقته بِقراءة القرآن ، واسْتَغَلّ شَهْر القرآن ، فجعَلَه عامِرًا بِقِراءة القرآن ، ليجد في صحائفه يوم القيامة أمثال الجبال مِن الحسنات .
قال ابن القيم رحمه الله :
الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها عشرة : [ أي الجالبة لمحبة الله ]
أحدها : قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به ، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهّم مراد صاحبه منه .
الثاني : التّقرّب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنـها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .
الثالث : دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال ، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذِّكر .
الرابع : إيثار محابِّه على محابِّك عند غَلَبَات الهوى ، والتّسنُّم إلى محابِّـه ، وإن صعب المرتَقَى .
الخامس : مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ، ومشاهدتـها ومعرفتها ، وتقلُّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها ، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحَـبّـه لا محالة ، ولهذا كانت المعطِّلة والفرعونية والجهمية قطّاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب .
السادس : مشاهدة بِـرِّهِ وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة ، فإنـها داعية إلى محبّتِه .
السابع : ـ وهو من أعجبها ـ انكسار القلب بكُليّته بين يدي الله تعالى ، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسمـاء والعبارات .
الثامن : الخلوة به وقت النـزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
التاسع : مجالسة المحبين الصادقين والْتِقَاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام ، وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ، ومنفعة لغيرك .
العاشر : مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
فمن هذه الأسباب العشرة وصل المُحِبُّون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب .
وملاك ذلك كله أمران :
1 ـ استعاد الروح لهذا الشأن .
2 ـ وانفتاح عين البصيرة . وبالله التوفيق . اهـ .
وأما ما يُحبب الله إليك : فأمور ، منها :
أن تعلم أن كل ما يأتيك مِن خير ؛ أنه مِن الله تبارك وتعالى ؛ فلا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يصرف السيئات إلا هو تبارك وتعالى .
وأن تتذكر أن الله أرحم بك مِن أمّك الرؤوم .
وأن مِن نعمته عليك أن هداك للإيمان ، كما قال تعالى : (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ) .
وأنه يستر عبده ولا يفضحه .
وأن نعمه تتوالى حتى على مَن يعصيه ، بل حتى على الكفّار .
وأنه يُعافي عباده ويرزقهم ويتحبب إليهم بأصناف النِّعم .
وأن العبد مهما عصى الله عز وجل ، فإن الله يقبل توبته ، بل ويَفرح بتوبة عبده إذا تاب وأناب .
قال ابن القيم :
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبّد له ، ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه ، إنما العجب من مالك يتحبّب إلى مملوكه بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه ، مع غناه عنه !
كفى بك عِزّاً أنك له عبد *** وكفى بك فخراً أنه لك رب
وقال - رحمه الله - :
ليس العجيب من قوله : ( يُحِبُّونَه ) إنما العجب من قوله : ( يُحِبُّهُم ) ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنا إليه ! إنما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا . اهـ .
وليس هناك ما يُلجئ الإنسان إلى المعصية ؛ لأن الله لم يَجعل المعصية مما لا يُستطاع تركه ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ . رواه البخاري ومسلم .
فلم يَقُل عليه الصلاة والسلام في التَّرْك والانتهاء : فانتهوا ما استطعتم ! وإنما قال : " إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ " ؛ لأنه لا عُذْر لأحدٍ بِفْعل الْمُحرَّم .
والمسألة تحتاج على صبر ومُصابَرة ، وإلى جِهاد ومُجاهدة ، وانتصار على النفس والهوى والشهوة ، وعدم استسلام للشيطان .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، إنه ليس مِن شيء يُقَرِّبكم مِن الجنة ويُبعدكم مِن النار إلاّ قد أمَرتكم به ، وليس شيء يُقَرّبكم مِن النار ويُبعدكم من الجنة إلاّ قَد نهيتكم عنه ، وإن الروح الأمين نَفث في رُوعي ، أنه ليس مِن نفس تموت حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله وأجْمِلوا في الطلب ، ولا يَحملكم استبطاء الرِّزق على أن تُطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يُنال ما عند الله إلاّ بطاعته .
وفي رواية : فإن الله لا يُنال فَضله بِمعصية . رواه ابن أبي شيبة والحاكم ، وله شاهِد مِن حديث أبي أمامة رضي الله عنه عند الطبراني وأبي نُعيم في " الحلية " ، ومِن حديث حذيفة رضي الله عنه عند البزّار ، ومِن حديث جابر رضي الله عنه عند ابن ماجه بِنحوه .