الحمد لله حمد الشاكرين وصلى الله وسلم على خير البرية أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين،،
مما لا شك فيه أيها الإخوة الكرام أن
الأسرة هي المأوى والسكن الذي يجد أبناء
الأسرة فيه راحتهم بل ويتربّون من خلاله بل إن
الأسرة هي المدرسة الأولى التي يتلقى فيها أفرادها تعاليمهم الأولية بل وينشؤون نشأة حسب ما يتلقون فيها وشيء بهذه المنزلة لابد أن تراعى فيه
آداب وأخلاق لتسير عجلة هذه
الأسرة على المنهج السوي السليم وقد وصفت عائشة رضي الله عنها أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها (كان خلقه القرآن) فلابد أيها الإخوة من مراعاة هذه الآداب والأخلاق.
أخي الكريم سأقف معك خلال هذه الحلقة على عدد من الآداب والأخلاق الأسرية التي يتعين علينا جميعًا أن نتحلى بها لتدوم عشرتنا ولتزهوا أسرنا بكل ما يكون قوام لها على إعداد جيل إيجابي منتج متماسك تسوده المودة والمحبة ولربما حصلت بعض الخلافات الأسرية لوجود الخلل في التزام هذه الآداب والأخلاق ونحوها، فمن تلك الآداب :
الأول : قول بسم الله عند دخول المنزل، فإن هذه البسملة لها تأثيرها العجيب في حصول الخير ودرء الشر فهي بركة واستعانة وهي أيضًا يسيرة في لفظها وعظيمة في معناها فلنلزمها ولنعلمها صغارنا ليلزموها.
الثاني: الكلام الطيب من بعضهم لبعض، فإنه كالدواء على الجرح ويستر كل عين فله تأثيره العجيب في استجلاب النفوس، ومن شواهد ذلك ما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنّا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعًا، فأقبلت فاطمة ابنته رضي الله عنها فقال: مرحبًا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه، فهذا الترحيب والتوسيع ونحوهما في المجلس مما يجعل الرباط وثيقًا داخل
الأسرة لأن ذلك قائم على الإحترام المتبادل وأيضًا تقول عائشة رضي الله عنها: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه) فليست الألفاظ السيئة من خلقه صلى الله عليه وسلم بل إنه لا يقول إلا خيرًا فقد خدمه أنس رضي الله عنه عشر سنين فما عاتبه على شيء لم يفعله أو على شيء فعله.
الثالث: ترك الغيبة ونحوها وهي التي تعاني منها بعض الأسر شعروا أم لم يشعروا فعن عائشة رضي الله عنها قالت: حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فقال (ما يسرّني أني حكيت رجلًا وأن لي كذا وكذا) فلا بد من حفظ اللسان عن آفات الغيبة والنميمة والكذب ونحوها.
الرابع: مساعدة الأهل في ما يمكن عمله منها فهي تعطي
الأسرة مبدأً عظيمًا وهو أنهم يعملون بروح الفريق الواحد فعن الأسود رحمه الله قال: سألت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت رضي الله عنها: يكون في مهنة أهله، أي في خدمتهم، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
الخامس: عدم إظهار الخلافات العائلية أمام الأولاد فإن إظهارها أمامهم يزعزع تماسك الأسرة، فالزوجان الحكيمان يعرفان أن المضرة في هذا منعكسة على الأولاد ولربما أزالت جانبًا من التربية التي اجتهد فيها الزوجان في أولادهم فهذه الخلافات يجب أن تقلل ولا تكون أمام الأولاد وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )
السادس: عدم نشر الأسرار لهذه
الأسرة وخروجها من محيطها، فإن هذا مما تتّسع معه المشاكل وتكون هذه الأسرار في حديث بعض الناس، وهذا لا شك أنه يسبب الفرقة والتنازع في هذه الأسرة.
السابع: إشاعة خُلق الرفق في البيت حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيرًا أدخل عليهم الرفق) ولا شك أن هذا من أسباب السعادة المنشودة فالرفق يكون في الكلام والتعامل على حد سواء فلا فوضى واستعجال وحمق في هذا ولا ذاك.
الثامن: الممازحة والملاطفة التي تكون بحق وصدق من غير جرح للمشاعر فهي من أسباب السعادة لهذه
الأسرة لجلب الألفة وقد كان عليه الصلاة والسلام يمازحهم ويلاطفهم كما كان يفعل مع الحسن والحسين، فإن هذا لا شك أنه يُزيل الملل والروتين ويجدّد العِلاقات ويقوّيها.
التاسع: الإهداء من بعض أفراد
الأسرة لبعض، ولو كانت الهدية قليلة فلها أثرها الفعّال.
العاشر: أن يكون لأهل البيت جلسة دورية أيًا كان وقتها مما يناسبهم، يتجاذبون فيها أطراف الحديث فهي مما يؤلف القلوب ويجمعها ويصفّي النفوس ويهذّبها لا سيما إذا كان فيها طرح علمي او تربوي او نحو ذلك.
الحادي عشر: حسن الإنصات لحديث المتحدث والإعجاب به وعدم مقاطعته ومجادلته، فإن هذا يزيد في طرح المتحدث مما يريد طرحه على أفراد أسرته، أما مع الفوضى والمقاطعة الجدلية العقيمة فإن مجلس هذه
الأسرة يتنازع ويتفرق ولا يجتمع كما يجب أن يكون.
الثاني عشر: السلام عند دخول البيت على الأهل وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة كلهم ضامن على الله وذكر منهم من دخل على أهله بسلام) حسّنه الألباني ومعنى ذلك كما قال أهل العلم أي بفضل من الله تبارك وتعالى وبوعده الصادق أن يحفظ هؤلاء الثلاثة المذكورين في الحديث من الضرر والخيبة والضياع، ويُروى في حديث أنس(إذا دخلت على أهل بيتك فسلّم عليهم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك) وحديث أنس يُستأنس به في هذا المجال في السلام على الأهل فالسلام كله خير وبركة.
الثالث عشر: الاستئذان عند دخول الغرف الخاصة خصوصًا في أوقاتهم الخاصة حتى لا يقع نظره على عورة ونحو ذلك.
الرابع عشر: التغافل عن زلات بعضهم البعض فإن الخطأ من طبيعة بني آدم، فلا تدقق في كل كلمة أو في كل تصرف وكن مرنًا.
الخامس عشر والأخير: نشر ثقافة الشكر والدعاء بين أفراد
الأسرة على إنجازٍ أو خدمةٍ أيًا كانت وله الأثر البالغ في التواد بينهم ومزيد جهود وذلك يكون بين الزوجين أو منهما لأولادهما أو العكس أو بين الإخوة أنفسهم.
أيها الإخوة الكرام إن هذه الآداب والأخلاق الخمسة عشر ليست كل ما يمكن ذكره، فقد يكون هناك أخلاق وآداب قد لا يتّسع المقام لذكرها، وكم هو جميل أن يعرف أهل البيت صغارًا وكبارًا هذه الآداب ويتخلّقوا بها فإنهم سيكونون صفوةً في المجتمع وقد تمتد هذه الأخلاق إلى مجتمعهم الأسري الكبير وإلى الجيران ونحوهم، حتى يكون أفراد هذه
الأسرة مثاليين في هذا المجتمع.
وفقنا الله جميعًا لحسن العمل وإلى الذرية الصالحة والخلق الحسن وصلى الله وسلم على نبينا