توجيهات
أسرية (2)
القدوة والاقتداء
الحمد لله رب العالمين وصلى والله وسلم وبارك على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين
جُبلت الأنفس إخوتي الكرام على النظر في أفعال الآخرين والاقتباس منها ولهذا جاء في الحديث الذي يروريه مسلم رحمه الله في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) ومن مجالات هذا الحديث الدلالة على الخير (القدوة) وهي ترجمة الأقوال والتوجيهات إلى واقع ملموس يراه الأبناء فيقتدون به، ولهذا قال عمرو بن عتبة لمؤدب ولده (ليكن أول صلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت)
وهكذا المربي أيًا كان معلمًا أو غيره من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات هو موضع
القدوة بل إن
القدوة داخل البيت والأسرة هي دائرة أخص مما يجعلنا نهتم بها أكثر من غيرها، ولعل من الدلائل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير صلاة الرجل ما كان في بيته إلا المكتوبة) وفي حديث آخر (فإن الله جاعل من صلاته في بيته خيرا) كل هذا أخي الكريم لمقاصد عظيمة ومنها أن يقتدي أهل البيت كلهم بأبيهم وأخيهم ونحوهم بإقامة تلك الصلاة والمحافظة عليها، فهم عندما يرونهم محافظين على صلاة الوتر والضحى والرواتب ونحوها مثلًا فهم سيقتدون بهم وسيفعلون مثل فعلهم وهذا جانب مهم وهو مثال للقدوة ويُقاس عليه المجالات الحياتية الأخرى مما يتعلق بالأقوال والأفعال سواءً كان في أمور العبادة البحته أو في الأخلاق والتعاليم ونحو ذلك فيمكن أن يكون قدوة في المزاح وفي المرح، فلا يقول إلا حقًا، وقدوة في الكلام والصدق فلا يقول إلا صدقًا، وقدوة في الحوار فتراه متفاهمًا في تربيته وتوجيهاته، وقل مثل هذا في الصدقة فتجده جوادًا، وغير ذلك في كثير من مجالات العمل داخل الأسرة فإن الابن مهما كان مستواه في الخير والصلاح فإنه بحاجة ماسة إلى
القدوة الماثلة أمامه يراها درسًا متحركًا أينما اتجه وجدها، وإنّ أعظم قدوة وأسوة يرجع إليه الناس كلهم جميعًا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تبارك وتعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة) وعندما سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت الإجابة دقيقةً شاملةً مختصرة، قالت رضي الله عنها (كان خُلقه القرآن) ولعله أن لا يغيب عن ذهن الأبوين الكريمين أن
القدوة الحسنة في الأبوين وفي الرفقة الصالحة وفي الأخ الأكبر وفي المعلم ونحوهم، هي من أهم العوامل في صلاح الولد وتربيته فاختر أخي الأب الكريم
القدوة لولدك في هذا وأمثاله
إخوتي الكرام أهمس في آذانكم أن اهتماكم في صلاح الابن الأكبر هو مما يساعدكم على صلاح من دونه، فهو لا شك سيكون قدوة لإخوانه ينظرون إلى أفعاله وأقواله فيفعلون مثل ما يفعل وأيضًا سيشاطركم التربية إذا كان هو موضع
القدوة الحسنة لهم، لهذا كان على الأبوين أن يركزا جهودهما على الأكبر ثم من دونه ليكونوا قدوة لمن بعدهم
أما إذ ا كان الأمر داخل الأسرة على نطاق سلبي بحيث يسمع الأولاد التربية الايجابية ويرون معها واقعًا سلبيًا مضادًا فإن هذا مما يستشكله المتربي من الأبنا، والبنات فتراه يأمرهم بالصدق ويسمعون منه كذبًا ويأمرهم بالصدقة ويرونه بخيلًا لا يُنفق، ويسمعون منه أهمية صلة الرحم ويرونه قاطعًا ونحو ذلك من هذه المتضادات، فإنهم إذا سلكو هذا المسلك فقد لا تؤثر فيهم المواعظ أو التوجيهات، فكونوا وفقكم الله معهم على مستوى المسؤولية لترونهم شموع إصلاح وأقمار هداية
أخي الكريم قد يعتريك أحيانًا موجة غضب سواءً كنت أبًا أو أخًا أو أمًا أو غيرهم داخل الأسرة فلا بد أن لا يغيب عن ذهنك ما بنيته خلال أيام كثيرة في موجة غضب سريعة على أحد أفراد الأسرة من الصغار أو الكباىر فعليك بالتروّي وبُعد النظر والتعامل الأمثل مع مثل هذا الغضب، فعليك أن تجعل موجة الغضب هذه كعاصفة تنتظر هدوءها، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وغيّر هيئتك، فإن كنت قائمًا فاجلس أو فارق المكان أو توضأ حتى تهدأ فسترى الفرق الكبير والبون الشاسع في تصرفك الأخير عن تصرفك الأول حال الغضب لو فعلته
وهذا لا شك أنه شاقٌّ على النفس لكنه على المربي المدرك الفاهم يكون يسيرًا لأنه يتصرف حسب الحكمة والعقل وليس حسب الطيش والحمق والانتصار للنفس فهو ينظر إلى المكاسب أمامه فيحافظ عليها
ولا تنس أخي الكريم أنك في الأسرة موضع
القدوة لأبنائك فإذا رأوك حال غضبك متأنيًا متعقلًا كانو هم كذلك، حتى هم مع أبنائهم مستقبلًا حال غضبهم حتى مع الآخرين يكونون كذلك وهذا ظاهر جدًا من صفات بعض الآباء والأبناء الذين نشاهدهم في الواقع المعاصر وإن مما يساعدك على أن تكون موضع قدوة صالحة بين أبنائك وبناتك وداخل أسرتك، (الدعاء) بأن تدعوا الله تبارك وتعالى أن يجعلك أسوة حسنة صالحة نافعة لهم كما أنه أيضًا من الوسائل أن يكون هناك درس داخل الاسرة عن
القدوة الحسنة وضرب الأمثلة الواقعية من هذا
أيضًا من الوسائل النزول إلى الواقع العملي فحث الابناء والبنات أن يكون كل منهم قدوة للآخرين سواءً كانوا داخل الأسرة أو في محيط صداقاتهم أو في محيط مدارسهم أو في محيط أعمالهم
أخي الكريم إن هذه من الوسائل التي يمكن الاستعانة بها بعد الله تبارك وتعالى على
القدوة الحسنة
أسأل الله تعالى لي ولك أخي الأب وأختي الأم الكريمين وجميع أولادنا التوفيق والسداد في تصرفاتنا وجميع أحوالنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.