قبل أن نحدد موضع
سجود السهو لابد أن نعرف هل هذه المسألة على سبيل الأفضلية أم على سبيل الوجوب؟
المذهب: أنها على سبيل الأفضلية وأن المصلي لو سجد قبل
السلام فيما موضعه بعد
السلام أو سجد بعد
السلام فيما موضعه قبل
السلام خالف الأفضل ولا إثم عليه، وهو قول عامة العلماء بل نقل ابن حجر في الفتح 3/ 94-95: عن الماوردي والنووي وغيرهما حكاية الإجماع على جواز السجود قبل
السلام أو
بعده في جميع مسائل
السهو وأن الخلاف إنما هو في الأفضلية.
والقول الثاني: أن ذلك على سبيل الوجوب فما جاء في الشرع موضعه قبل
السلام يجب فعله قبل
السلام وما جاء
بعده يجب فعله بعد السلام، وقالوا: أن هذا هو الذي دلت عليه الأدلة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما قبل
السلام " ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم " رواه مسلم وقال فيما بعد السلام: " ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين " متفق عليه، وأن الأصل في الأمر الوجوب، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات (صـ62ـ): " وما شرع من السجود قبل
السلام يجب فعله قبل السلام، وما شرع بعد
السلام لا يفعل إلا
بعده وجوباً، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وعليه يدل كلام أحمد وغيره من الأئمة".
متى يكون
سجود السهو قبل
السلام ومتى يكون بعده؟
المذهب: أن السجود كله قبل
السلام إلا في موضعين يكون بعد السلام:
الأول: أن يسلم من نقصان في صلاته ساهياً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين.
الثاني: إذا شك الإمام في صلاته وتحرى وبنى على غالب ظنه فإنه يسجد بعد
السلام وهذا رواية عن الإمام أحمد، وسبقت الرواية الأخرى للمذهب وأن الشك عندهم قسم واحد يبني فيه على اليقين وهو الأقل ويسجد قبل السلام.
والقول الراجح والله أعلم: أن أسباب
سجود السهو الثلاثة على ما يلي:
أولاً: النقص: يكون السجود فيه قبل السلام.
ويدل على ذلك: حديث عبدالله بن بحينة المتفق عليه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبَّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم " فهنا النبي صلى الله عليه وسلم أنقص التشهد وسجد قبل السلام.
ثانياً: الزيادة: يكون السجود فيه بعد السلام.
ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة في الصحيحين في قصة ذي اليدين حينما سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة الرباعية من ركعتين ولما نبَّهَهُ ذو اليدين والصحابة رجع وأتم صلاته ثم سلم ثم سجد سجدتي
السهو ثم سلّم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا زاد التسليم فكان سجوده بعد السلام، وسبق أن ذكرنا أنه لا يُنظر في النقص والزيادة إلا بعد إتمام الصلاة، فقصة ذي اليدين من حكم عليها قبل إتمام الصلاة تصوَّر أنها نقصاً ومن حكم عليها بعد أن أتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم تبيَّن له أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في صلاته سلاماً.
ثالثاً: الشك: وسبق قريباً أن ذكرنا أن الشك لا يخلو من حالين:
الأولى: شك يترجح فيه أحد الطرفين فيعمل بالراجح ويبني عليه ويسجد بعد السلام
ويدل على ذلك: حديث ابن مسعود في الصحيحين تقدم قريباً
الثانية: شك لا يترجح فيه أحد الطرفين فتبني فيه على اليقين وتسجد قبل السلام.
ويدل على ذلك: حديث أبي سعيد عند مسلم وتقدم قريباً.
وهذا التفصيل هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية حيث ذكر هذا التفصيل في الاختيارات (صـ62) وقال: " فهذا القول الذي نصرناه تستعمل فيه جميع الأحاديث الواردة في ذلك ".
فائدة: المذهب أن من ترك
سجود السهو إذا كان قبل
السلام متعمداً بطلت صلاته لأنه داخل الصلاة فهو واجب فيها كمن ترك التشهد الأول، وأما إذا كان
سجود السهو بعد
السلام فإنه يأثم بتركه ولا تبطل صلاته لأنه خارج الصلاة فهو واجب لها وليس فيها كإقامة الصلاة واجبة للصلاة ولو تركها عمداً لم تبطل الصلاة فهي خارج الصلاة.
مستلة من الفقه الواضح في المذهب والقول الراجح على متن زاد المستقنع (كتاب الصلاة)