الأخلاق.. مشترك إنساني عام من القيم والفضائل التي جبل الله الناس عليها، فأصناف البشرية كلها تعترف بالمعاني الفاضلة والأخلاق العالية، وأصول هذه
الأخلاق قدر متفق عليه، بل هناك فلسفة خاصة للأخلاق والفضائل في كل أمة وتراث وعصر وثقافة، فالصدق والكرم والوفاء والعدل والصبر والتسامح معانٍ محمودة في كل القيم الإنسانية، وفي مقابل ذلك معانٍ مذمومة فيها: كالكذب والظلم والزور والعقوق والبخل وغيرها.
وهذا معنى أصالة
الأخلاق وعظمتها وقوتها وسيادتها الفعلية على منظومة القيم الإنسانية، وذلك معنى فطرية الأخلاق، فالفطرة فيها أصول
الأخلاق التي يحتاجها الإنسان، حتى إن الجاهلية الأولى كان العرب فيها يمتدحون مكارم الأخلاق، ويعدونها دليلاً على عقل الرجل وسيادته، فكانوا يمدحون الصدق والأمانة والكرم والشجاعةوغيرها،
ولو قرأت في تراث كل أمة فستجد عندها قدراً معروفاً من أصول
الأخلاق لا تختلف فيه لبقاء الفطرة في عناصرها، وذلك معنى حديث الصحيحين: « كل مولود يولد على الفطرة »، ولقد جاءت الرسالات السماوية لتذكي المعاني الفطرية، وتؤكد القيم المشتركة بين بني الإنسان، وتزيدها وضوحاً، وتحث الناس على فعلها، وتعدهم بالأجر والثواب، وتحذرهم من تركها بالوعيد والعقاب،
وجاءت أيضا هذه الشرائع السماوية لتضع الأطر المحددة لتطبيقات هذه الأخلاق، وبهذا نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إنمابعثت لأتمم صالح
الأخلاق » أخرجه أحمد ، فكأن المعنى والله أعلم أن صالح
الأخلاق موجودة في الفطرة فجاء البيان النبوي ليتممها، فبذلك تكتمل للإنسان أخلاقه الفطرية،مع
الأخلاق المكتسبة التي يتعلمها من الشرائع السماوية.
والأخلاق من تزكية النفوس، فحقيقة
الأخلاق في داخل النفس، وإنما السلوك العملي تعبير مباشر عن ذلك، ونتيجة له، ولذلك إذا كان القلب فاسداً لا يستطيع الإنسان أن يستمر في التظاهر والمجادلة بالأخلاق السطحية، فبعض الناس قد يتكلفون الأخلاق، لكن ذلك لن يدوم إن لم يكن ذلك نابعاً من اعتراف داخلي بقيمة هذه
الأخلاق وحب لها، ومثل ذلك الخلق المؤقت، يعني أن في النفس ضعفاً أخلاقياً تنكشف النفس فيه لأدنى امتحان، يقول الحسن البصري: "ما أخفى رجل شيئا إلا ظهر على فلتات لسانه وقسمات وجهه" .