تعدد
الكسوف والخسوف خلال هذه السنوات فكيف هي حال القلوب والجوارح مع المعاصي والتوبة منها؟!
يقول تعالى (
وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) روى البخاري ومسلم واللفظ له – عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (
إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ ).
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: (
هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:” قَوْله: (
فَأَفْزَعُوا ): أَيْ اِلْتَجِئُوا وَتَوَجَّهُوا، وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى الْمُبَادَرَة إِلَى الْمَأْمُور بِهِ، وَأَنَّ الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه عِنْد الْمَخَاوِف بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار سَبَب لِمَحْوِ مَا فرطَ مِنْ الْعِصْيَان ؛ يُرْجَى بِهِ زَوَال الْمَخَاوِف، وَأَنَّ الذُّنُوب سَبَبٌ لِلْبَلَايَا وَالْعُقُوبَات الْعَاجِلَة وَالْآجِلَة “
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:”
الكسوف إنذار من الله لعقوبة انعقدت أسبابها، وليس هو عذاباً، لكنه إنذار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (
يخوف الله بهما عباده ) ولم يقل: يعاقب الله بهما عباده، بل هو تخويف، ولا ندري ما وراء هذا التخويف، قد تكون هناك عقوبات عاجلة أو آجلة في الأنفس أو الأموال أو الأولاد أو الأهل، عقوبات عامة أو خاصة، ما ندري،
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (
إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله )…
والكسوف له سببان:
السبب الأول:
التخويف: تخويف العباد إذا كثرت الذنوب، ورانت المعاصي على القلوب، نسأل الله العافية.
والسبب الثاني:
كوني قَدَري: وهو ما يذكره الناس من أن سبب
الكسوف حيلولة القمر بين الشمس والأرض، وسبب الخسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، ولا يمتنع أن يجعل الله عز وجل أسباباً طبيعية لتخويف العباد “.
وقد ثبتت سبعة أشياء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها عند
الكسوف وكلها
ثابتة وهي:
الصلاة،
والدعاء،
والاستغفار،
والتكبير،
والذكر،
والصدقة،
والعتق تدل على عِظم الأمر.
وأختم بهذا الوصف الدقيق لحال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خسفت الشمس في زمانه(
خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ)
أخطأ الرسول صلى الله عليه وسلم من الفزع فلَبِس رداءَ بعض نسائه، قالت أَسْمَاء – رضي الله عنها -: ((
كَسَفَتِ الشَّمْسُ على عَهْدِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فَفَزِعَ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ، حتى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذلك)) رواه مسلم. “
قال النووي – رحمه الله تعالى -: “
معناه: أنَّه لشِدَّة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذَ رداءه، فأخذ دِرعَ بعض أهل البيت سهوًا، ولم يعلم ذلك؛ لاشتغالِ قلْبه بأمر الكسوف، فلمَّا عَلِم أهل البيت أنَّه ترك رداءَه لَحِقَه به إنسان”.
ونقرأ وصفَ صلاته صلى الله عليه وسلم فنجدها صلاةً طويلة جداً على غير المعهود من صلاته طلباً لرفع هذا الأمر العظيم الذي حدث قال ابن عبَّاس – رضي الله عنهما -: “فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا من قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وقال جابر – رضي الله عنه -: “فَأَطَالَ الْقِيَامَ حتى جَعَلُوا يَخِرُّونَ”، وقالت أَسْمَاءُ – رضي الله عنها -: “فَقُمْتُ حتى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ”، وفي رواية قالت: “فَقُمْتُ معه فَأَطَالَ الْقِيَامَ حتى رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ، ثُمَّ أَلْتَفِتُ إلى الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ، فَأَقُولُ: هذه أَضْعَفُ مِنِّي فَأَقُومُ، فَرَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حتى لو أَنَّ رَجُلاً جاء خُيِّلَ إليه أَنَّهُ لم يَرْكَعْ”
فما بال بعض القلوب قد صَدِئت !
د.حياة بنت سعيد باأخضر