تقع نباتا علي الضفة الغربية لنهر النيل بالقرب من قرية كريمة بشمال السودان , وكانت عاصمة مملكة كوش من القرن التاسع إلي القرن السابع قبل الميلاد , واستطاعت مملكة نباتا السيطرة علي مصر فيما عرف بملوك الاسرة 25.
في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد كانت مصر تعاني من الفوضى والضعف في الوقت الذي أسس النوبيون فيه مملكة قوية في كوش , ويبدأ حكام هذه المملكة بملك يدعي الارا وهو الذي أسس " نباتا " كعاصمة دينية للنوبة وهي تبعد 400 كم للشمال من الخرطوم, ويعد الارا شخصية لها تقدير في الثقافة والوجدان والذاكرة النوبية ومد نفوذ مملكة نباتا حتى جزيرة اليفانتين ومدينة طيبة بالأقصر , ويلي ذلك الحاكم " كاشتا" وهو اسم يعني " المنتسب إلي كوش" , وكان نفوذه يمتد إلي جزء كبير من صعيد مصر وقام هذا الملك بتعيين ابنته امنرديس الأولي كزوجة للإله أمون في معبد الكرنك بالاقصر وهو منصب يعني أن ابنته أصبحت كبيرة كاهنات أمون في اكبر معابد مصر وهو معبد الكرنك .
تولي امر المملكة بعد ذلك بعنخي , وكان يعرف باسم مختصر وهو بي , وامتد نفوذ هذا الملك مثل سابقه , ولكن احد حكام مدن الدلتا وهي مدينة سايس بكفر الشيخ أقام حلفا مع حاكم الاشمونين بالمنيا , وكان الاخير تابعا للملك بعنخي والذي لم يعجبه هذا الأمر فقرر في عامه العشرين إرسال جيش , وظهر الملك في معركته وكأنه يخوض " حربا مقدسة" , وسجل تفاصيل هذه الحرب في لوحة سميت ب " لوحة النصر" , وفي هذه اللوحة طلب من جنوده أن يتطهروا قبل خوض المعركة , وقدم قرابين بنفسه إلي الإله أمون في معبده بالكرنك , واستطاع حصار الاشمونين خمسة أشهر حتى سيطر عليها , وهرب حاكم سايس ولجأ إلي احدي الجزر بالدلتا , وأرسل إلي بعنخي خطابا يعلن خضوعه له وتقبل بعنخي ذلك , وعاد بعنخي إلي نباتا لأنه كان يفضلها وترك أخيه شاباكا في مصر , وبعد سبعة سنوات من حملته العسكرية مات ودفن في هرم بالكورو , ولأنه كان عاشقا للخيول دفنت معه خيوله الأربعة في نفس المقبرة.
خلف بعنخي أخيه شاباكا والذي مد النفوذ النوبي من نباتا إلي الدلتا وهو الذي حافظ علي ممتلكات مصر في بلاد الشام في مواجهة الآشوريين وقد لجأ أماني حاكم اشدود إلي شاباكا هربا من الآشوريين , ومن أهم الآثار التي تنسب إليه حجر أصبح يعرف باسمه وهو " حجر شاباكا" , وتوفي بعد 15 سنة في الحكم ودفن في الكورو , وتولي الحكم بعد ذلك شاباتاكا وكان نفوذه يمتد من النوبة إلي الدلتا ولكن كانت هناك قوة إقليمية ناشئة في الشرق الادني القديم وهي أشور في وسط وشمال العراق الحالي ولذا اتبع مع ملكها القوي سرجون الثاني سياسة ذات دهاء , فأثناء حياة هذا الملك الآشوري كانت العلاقة بينهما مسالمة وهو الذي سلمه حاكم اشدود الذي لجأ لمصر في عهد سلفه ولكن بمجرد وفاته مد نفوذه في فلسطين وأرسل جيشا مرتين في هذه المنطقة بقيادة أخيه الأمير طاهرقا.
ويأتي بعد ذلك أعظم ملوك هذه الاسرة وهو الملك طاهرقا وقام هذه الملك بالبناء في معبد الكرنك ويعتبره المؤرخ الإغريقي سترابون بأنه " من الملوك القدامى محترفي التكتيك العسكري" وفي عهده حاولت أشور غزو مصر في عدة حملات , وفي الأولي اقترب الملك أشور اسرحدون الاقتراب من الحدود المصرية , والثانية في العام 17 من حكم طاهرقا بسبب أن الأخير ساعد بعض المدن الفلسطينية في التمرد علي الحكم الآشوري ودخل الملك الآشوري هذه المرة مدينة منف واسر احد أعضاء الاسرة المالكة وهرب طاهرقا إلي النوبة , وعاد طاهرقا وسيطر علي مصر مرة ثانية وفي هذه الأثناء توفي الملك الآشوري وتولي ابنه اشوربانيبال , وغزا الأخير مصر مرة أخري ووصل إلي طيبة, وعاد طاهرقا مرة أخري إلي النوبة حتى مات فيها ودفن في نوري.
خلفه علي الحكم تانوات أمون ابن أخيه والذي يعد أخر ملوك الذين حكموا مصر ضمن ملوك الاسرة 25 , وبدأ عصره بالعودة إلي مصر , وسيطر حتى مدينة منف وقتل الحاكم الذي وضعه الآشوريين وهو نيكاو الأول , وعاد الآشوريون مرة ثانية وتتبعوه حتى طيبة واحرقوها , وعاد تانوات أمون إلي النوبة , وظل يحكم فيها حتى توفي عام 653 ق م ودفن في جبانة العائلة في الكورو.
في منتصف القرن السابع ق م عاد النوبيون يحكمون نباتا و مروي فقط بدءا من عصر الملك التينيرسا وانتهاء بالملك مالونقان , وانتهت مملكة كوش في 590 ق م علي يد الملك بسماتيك الثاني عندما قام بحملة علي النوبة ودمر نباتا , وفقدت نباتا مكانتها لصالح مدينة مروي في الجنوب بسبب ظهور معدن الحديد , واكتملت النهاية في عام 23 ق م عندما قام الرومان بحملة أخري أنهت تماما علي نباتا.
وهكذا يبدوا ان حكام تباتا بدأوا حكمهم في نباتا بالسودان في الشلال الرابع ..و مدوا حكمهم إلي الشمال ..في الأول وصلوا حتى الفانتين بأسوان..ثم بعد ذلك الصعيد كله..وفي النهاية امتد حكمهم لمصر كلها , واستخدم حكام هذه الاسرة اللغة المصرية القديمة كلغة رسمية وعبدوا الالهة المصرية وكان إلههم الرسمي هو الإله أمون .
وتميز ملوك نباتا بالسماحة الدينية وعندما وصل الملك بعنخي الأقصر خلع عتاده العسكري وطلب من جنوده عمل المثل ودخلوا إلي معبد الإله أمون بالكرنك ليقوموا بالصلاة , وعندما وصل إلي منف قام بنفس الفعل ودخل ليصلي في معبد بتاح بميت رهينة, وقام الملك شاباكا بنفس العمل في معبد بتاح وقام بنسخ مذهب الخلق علي حجر بدلا من البردية المهترئة وأصبح هذا الحجر يعرف باسم حجر شاباكا.
دافع ملوك الاسرة 25 عن مصر وممتلكاتها في الشرق الادني القديم وبدأ هذا الأمر مع الملك شاباكا ثم طاهرقا و تانوات أماني , وكان طاهرقا قائد عسكري من الطراز الفريد لدرجة أن مؤرخي الإغريق لقبوه ب سيد المناورات الحربية , وهو الاسم الوحيد من بين ملوك الاسرة 25 والتي ذكره العهد القديم , وحارب ملوك هذه الاسرة باسم مصر ضد الآشوريين.
فضل ملوك هذه الاسرة الدفن في موطنهم الذي نشأوا فيه وهو مملكة نباتا , ولذا فان مقابرهم موجودة في الكورو و نوري , واتخذت مقابرهم شكل الهرم , وامتلأت غرف دفنهم بالنصوص الهيروغليفية الدينية , والتوابيت ذات الطراز المصري.
كان اقتصاد مملكة كوش قائما علي معدن الذهب والعلاقات التجارية التي تربطها بمصر وخاصة في عصر الاسرة 26 , وتميزت حضارة مملكة كوش بالتمصير الثقافي وخاصة في الرسوم والمناظر , وأيضا في اللغة المصرية التي كانت اللغة الرسمية المستخدمة , وحتى العبادة كانت موجهة إلي أمون وشيد له معبدا ضخما شبيه بمعابد الكرنك في الأقصر وهو معبد أمون بجبل البركل.