عندما نمر بظرف صعب، أو نتمنى أمراً مستبعد الحصول، فإن هناك تفكيراً يجعل أملنا في تحقيق ما ندعو له ضعيفاً، فندعو
الله بفتور.
هذا التفكير هو: "كثيرون غيري مروا بظرف مشابه، وأراهم خيراً مني، وقد دعوا
الله فلم يَستجب لهم. فلا يتوقع أن يستجيب لي من باب أولى".
إخواني، دعوني أشارككم الجواب الذي أجبت به نفسي عن هذا السؤال، ووجدت له أثراً عظيماً في علاقتي بالله تعالى، وأحسب أنه من الأسباب العظيمة لاستجابة
الدعاء.
الجواب: "انظر إلى علاقتك بالله
تعالى كعلاقة
خاصة لا تتأثر بما يحصل مع الآخرين".
قد يكون كثيرون غيرك وقعوا في مثل بلائك بل أشد، ولم يُرفع عنهم، مع أنهم دعوا
الله كثيراً، ومع أنهم أحسن منك عبادة وأكثر تقوى.. لا
علاقة لك أنت.. ادعُ بيقينٍ وطمعٍ في كرم
الله ولا تقارن بغيرك.. ما الأدلة على هذا؟
1. المقارنة بالآخرين "غيري أفضل ولم يُرفع بلاؤه فمن باب أولى أنا" هي نوع من
الحساب. والله
تعالى يقول: {
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران من الآية:37]، فتفريج الكربات وتحقيق الأمنيات وكل أشكال الأرزاق من الخلاق لا تخضع لحساب.
2. من مقاصد الدين تطميع العبد في
رحمة الله وتكوين رجاء عظيم في عطائه. والمقارنة المذكورة تنافي هذا المقصد الجليل.
3. إذا كانت المقارنة المذكورة صحيحة، فعلى ماذا الدعاء إذاً؟! سأنظر إلى غيري فأقارن فيكون الرد جاهزاً: "لم يُحقق لهم ما دعوا له فلن يـُحقق لي" فتتعطل عبودية الدعاء في كثير من الحالات.
4. انظر إلى بلاء الآخرين لتصبر كما يصبرون طالما أنك في بلائك. لكن لا يصح أن ترهن التفريج عنك بالتفريج عنهم.
5. أحياناً ننتظر الفرج على غيرنا لأننا نحس أن في ذلك "إثباتاً لرحمة الله" واستجابته للدعاء! مع أن أدلة الرحمة والاستجابة متتابعة لا يحدها حد لولا النسيان وقلة التأمل.
6. يشهد لمعنى العلاقة الخاصة حديث رواه
البخاري قال فيه نبينا صلى
الله عليه وسلم: «
ومَثَلُكم ومَثَلُ اليهودِ والنصارى، كمَثَلِ رجلٍ استَعمَل عُمَّالًا، فقال: مَن يَعمَلُ لي إلى نصفِ النهارِ على قيراطٍ، فعمِلَتِ اليهودُ، فقال: مَن يَعمَلُ لي من نصفِ النهارِ إلى العصرِ، فعمِلَتِ النصارى، ثم أنتم (المسلمون)
تَعمَلونَ منَ العصرِ إلى المَغرِبِ بقيراطَينِ قيراطَينِ، قالوا (اليهود والنصارى-من مات على
التوحيد منهم قبل بعثة
النبي)
: نحن أكثَرُ عملًا وأقلُّ عَطاءً، قال: هل ظلمتُكم من حقِّكم؟ قالوا: لا، قال: فذاكَ فضلي أوتيه مَن شئتُ» (
صحيح البخاري [5021]).
محل الشاهد أن
الله لا يظلم أحداً، بل يعطي كل محسن أكثر مما يستحق، لكنه قد يختار أناساً لفضلٍ زائدٍ. لاحظ أن اسمه (فضلٌ) وليس حقاً واجباً عليه سبحانه. فللمسلم أن يرجو أن يكون من الذين اختصهم
الله تعالى بمزيد فضل.
7. الذين تراهم خيراً منك قد لا يحقق
الله لهم ما طلبوه من رفع البلاء مثلاً لأنهم خير منك! فيدخر لهم دعاءهم محو سيئات ورفع درجات، لأنه سبحانه يعلم أن إيمانهم يتحمل، ويرزقهم سبحانه مع ذلك
الرضا بقضائه ونعيماً لقلوبهم، ويكون بذلك قد استجاب دعاءهم بما هو أنفع لهم مما طلبوه في الحقيقة، بينما قد يعلم سبحانه أن فيك ضعفاً (عودك طري) فيرحم ضعفك، ويجعل استجابة دعائك برفع البلاء.
لأجل ما سبق جميعاً، ادع
الله بيقين، واجعل علاقتك به سبحانه خاصة، واطمع في أن تكون من أهل الحظوة عنده، كأنك تقول: "يا رب، أنا لا شأن لي بفلان وفلان ممن لم يُرفع بلاؤهم، أنت أرحم بهم وأعلم بما يصلحهم. ما أعلمه أنا هو أنني عبد لربٍّ كريم لا حد لعطائه، ولا رب لي سواه فأرجوه، يرزق من يشاء بغير حساب، فاستجب يا كريم".