الجواب :
الحمد لله
أولاً :
روى البخاري (1149) ، ومسلم (2458) عن أبي هريرة رضي الله عنه : “ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه : عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ ( يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ ) ، قَالَ : مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا ، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ ، مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ " .
وعند الترمذي (3689) أن بلالاً رضي الله عنه قال : " مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ ، إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا ، وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ " وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .
فحديث بلال رضي الله عنه ، دال على استحباب المداومة على
الوضوء ، وعلى استحباب الصلاة عقب كل وضوء .
وليس في الحديث ما يدل على استحباب
الوضوء لكل نافلة .
قال النووي رحمه الله :
" وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ عَقِبَ الْوُضُوءِ ، وَأَنَّهَا سُنَّةٌ ، وَأَنَّهَا تُبَاحُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ : عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ ، وَهَذَا مذهبنا " انتهى من " شرح مسلم " للنووي (8/13) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
" وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِدَامَةِ الطَّهَارَةِ " انتهى من " فتح الباري " (3/35) .
ثانياً :
ذكر أهل العلم رحمهم الله : أن تجديد
الوضوء إنما يستحب في حق من صلى بالوضوء الأول.
قال النووي رحمه الله :
" اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ .
وَمَتَى يُسْتَحَبُّ ؟ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ ، أَصَحُّهَا : إنْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ ، فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ".
انتهى من " المجموع " (1/495) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (21/376) :
" وإنما تكلم الفقهاء فيمن صلى بالوضوء الأول : هل يستحب له التجديد ؟
وأما من لم يصل به : فلا يستحب له إعادة
الوضوء ، بل تجديد
الوضوء في مثل هذا بدعة ، مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما عليه المسلمون ، في حياته وبعده ، إلى هذا الوقت " انتهى .
ويستثنى من استحباب تجديد
الوضوء ، إذا كانت إحدى الصلاتين تابعة لأخرى ، كالسنن الرواتب مع فرائضها ، وصلاة التراويح مع الوتر ، أو كانت الصلاتين مجموعتين لبعضهما ، كمن جمع بين المغرب والعشاء ، فلا يستحب في هذه الحال تجديد
الوضوء ؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قد ثبت بالتواتر أنه صلى بالمسلمين يوم عرفة الظهر والعصر جميعا ، جمع بهم بين الصلاتين ، وصلى خلفه ألوف مؤلفة لا يحصيهم إلا الله ، ولما سلم من الظهر ، صلى بهم العصر ولم يحدث وضوءا ، لا هو ولا أحد ، ولا أمر الناس بإحداث وضوء ، ولا نقل ذلك أحد ، وهذا يدل على أن التجديد لا يستحب مطلقا ... .
وكان يصلي تارة الفريضة ثم النافلة ، وتارة النافلة ثم الفريضة ، وتارة فريضة ثم فريضة ، كل ذلك بوضوء واحد .
وكذلك المسلمون صلوا خلفه في رمضان بالليل ، بوضوء واحد ، مرات متعددة .
وكان المسلمون على عهده يتوضئون ، ثم يصلون ما لم يحدثوا ، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة ، ولم ينقل عنه - لا بإسناد صحيح ولا ضعيف - : أنه أمرهم بالوضوء لكل
صلاة ، فالقول باستحباب هذا يحتاج إلى دليل " انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/371-372) .
والله أعلم .