المسجد العُمَري في درعا.. آبِدَةٌ عُمَرِيَّةٌ خَاْلِدَةٌ" بُني بأمر من الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء زيارته لمدينة دَرْعَا سنة 14هـ.
"أَذْرِعَات" أو "يَذْرِعَات" هو الاسم القديم لمدينة دَرْعَ، وهي من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان، وقد عاصرت مدن نينوى وبابل وروم، وتعود جذورها إلى العصر الحجري، وتفيد المصادر التاريخية أنّ الإنسان سكنها لأوَّل مرَّة في القرن الخامس قبل الميلاد، و"الأموريون" هم أول من استقر فيها.
وكانت دَرْعَا جزءًا من ممالك عدَّة منها: الآشورية، والكلدانية، والفارسية، وكانت العاصمة الاقتصادية للمملكة الرومانية.
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: حَوْرَان كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة، ذات قرى كبيرة ومزارع، قصبتها بُصْرَى، ومنها أَذْرِعَات وإِزْرَع وغيرهما.
تقع مدينة دَرْعَا في أقصى جنوب الجمهورية العربية السورية بالقرب من حدود المملكة الأردنية، وهي المنفذ الحدودي الوحيد في جنوب البلاد، وتبعد عن العاصمة دمشق (100) كم، ومساحتها (4000) ك
.
وتنقسم مدينة دَرْعَا إلى قسمين رئيسيين هما:
1- البَلَد: وهي البلدة القديمة، وفيها
المسجد العمري الذي بُني بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
2- والمَحَطَّة: نسبة لمَحَطَّةِ قطار الحجاز الذي أسسه العثمانيون (وقيل غير ذلك).
وتضم هذه المحافظة بالإضافة إلى مدينة دَرْعَا عدة مدن رئيسية أهمها:
1- نَوَى: مدينة الإمام النووي رحمه الله تعالى.
2- إِزْرَع: مدينة الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى.
3- بُصرَى الشام: مدينة الإمام الحافظ المحدِّث عماد الدين أبو الفداء (ابن كثير) الأذرعي الدمشقي صاحب التفسير، وهي المدينة القديمة التي ذكرها النبي
بقوله: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى"[1].
4- دَاعِل: (دائيل سابقًا) وتُعْرف بمدينة الشهداء؛ وذلك لما قدَّمت من شهداء أيام الاحتلال الفرنسي لسوري، وكذلك أيام القصف الإسرائيلي لها في السبعينيات، وهي المدينة العريقة التي عسكر فيها الصحابي الجليل القائد عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بجيشه سنة 15هـ قبيل معركة اليرموك، وتحتوي على عديد من الآثار الرومانية، وفيها
المسجد العمري الكبير الذي كان معبدًا رومانيًّا.
5- جَاسِم: مدينة تاريخية سميت بهذا الاسم نسبة إلى جاسم بن آرام بن سام بن نبي الله نوح عليه السلام، جعلها الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد انتهاء معركة اليرموك منطلقًا لفتح بيت المقدس، ومنها انطلق أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- إلى بيت المقدس، واستخلف على الناس معاذ بن جبل رضي الله عنه.
وعليه فيمكن لأهل دَرْعَا أن يفخروا ويقولوا: مِنْ دَرْعَا انطلقت الجيوش الإسلامية لفتح بيت المقدس، ومنها -إن شاء الله- ستنطلق الجيوش لتحريره، وهي مدينة الشاعر المشهور أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي (ت 231هـ).
عمر بن الخطاب في درعا
دخل الجيش الإسلامي إلى مدينة دَرْعَا فاتحًا بقيادة أمين الأمة أبي عبيد بن الجراح -رضي الله عنه- في سنة 14هـ الموافق 635م، وتم تحريرها من الروم الذين كانوا يحكمونه، وعقد -رضي الله عنه- صلحًا مع أهلها.
وحين قدم الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى دَرْعَا آخر سنة 14هـ استقبله أبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- وأهل دَرْعَا بالغناء والضرب على الدفوف، ثم أمر -رضي الله عنه- ببناء مسجد لهم في وسط المدينة؛ ليكون منارة للعلم والهدى.
المساجد العمرية بمحافظة درعا
إذا أردنا الحديث عن
المسجد العمري في دَرْعَا البَلَد، فإننا لا بد أن نذكر أشقاءه من المساجد العمرية المنتشرة بمحافظة دَرْعَا، والتي تعدُّ من أهم المحطات التي تؤرخ لمراحل تاريخية عرفتها المدينة ومنها:
المسجد
العمري في مدينة
درعا البلد
هو أحد المساجد الأثرية المنتشرة في محافظة درع، ويقع وسط البلدة القديمة، وهو بناء أثري يعود باسمه إلى الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أمر ببنائه عندما زار المدينة سنة 14ه، وأشرف على بداية بنائه جمع من الصحابة منهم: أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما. وقد حافظ
المسجد على شكله القديم حتى دخلت عليه عمليات الترميم الحديثة وغيَّرت بعضًا من معالمه القديمة، إلا أن هذه الترميمات والتعديلات لم تطل منارته وواجهته القبلية، وأصبح
المسجد بمخططه الحديث عبارةً عن نسخة مصغرة عن الجامع الأموي بدمشق من حيث احتوائه على أروقة بديعة، وحرم واسع للصلاة، وصحن خارجي مكشوف، ومئذنة شامخة.
والداخل إلى
المسجد من بوابته الشمالية الرئيسية تظهر أمامه أربعة أروقة تحيط بصحن المسجد، والرواق الجنوبي هو أكبره، حيث يعتبر إيوان الصلاة والحرم والمحراب امتداده شرقًا وغربًا. أما سقف
المسجد فيشبه جميع الأبنية القديمة في دَرْعَا، إذ يرتكز على القناطر الحجرية تليها بشكل معاكس حوامل بارزة من كل جهة، وتليها عوارض أكثر بروزًا للربط بين الحوامل وتغطية الفراغات، ويعلو العوارض طبقة من القطع الحجرية الصغيرة المنحوتة والمخلوطة بالكلس، ثم طبقة سميكة من التراب.
وللمسجد ثلاثة أبواب رئيسية يفتح أكبرها وهو الباب الشمالي على الأروقة الداخلية للمسجد، أما البابان الغربي والشرقي فيفتحان على فضاءات خارجية.
المسجد
العمري في مدينة إزرع
يقع
المسجد العمري في وسط مدينة إِزْرَع في منطقة أثرية بين كنيستي مار الياس ومار جرجس القديمتين، بُنِي أيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المسجد
العمري في بصرى الشام
يقع
المسجد العمري المعروف محليًّا بمسجد العروس في مدينة بُصْرَى الشام وسط البلدة القديمة، وعلى مقربة من القلعة الرومانية الأثرية.
بُني أيام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويعرف بالمسجد
العمري نسبة إليه، ويتألف من صحن مكشوف تتوسطه ميضأة مربعة، داخلها نافورة ماء، ويحيط بها عمود رخامي وتاج دوري ارتفاعه متران.
هذ، ويوجد في مدينة بُصْرَى عديد من المساجد الأثرية القديمة كمسجد فاطمة الذي تعود عمارته إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري (العصر الأيوبي)، ويقع بين الكاتدرائية ودير الراهب بحير، وتعود مئذنته التي يصل ارتفاعها إلى (19) مترًا إلى عهد السلطان المملوكي الناصر محمد أمر الأمير أيوب بن مجد الدين عيسى النجراني.
ومسجد مبرك الناقة، وله أهمية خاصة في تاريخ العمارة الإسلامية، حيث يعتبر أقدم مبنى أثري في سوري، أنشئ ليكون مدرسة دينية، ولا يوجد نماذج أقدم منه قائمة في سورية، ويعود تاريخ بنائه إلى بداية العهد الإسلامي، ويقع في الزاوية الشمالية الشرقية من مدينة بصرى.
ويعتقد أن هذا
المسجد أقيم في المكان الذي بركت فيه ناقة النبي
عند زيارته لمدينة بُصْرَى مع عمه أبو طالب قبل البعثة، وهذه الرواية يؤكدها العلامة ابن كثير في كتابه السيرة النبوية، والعلامة علي بن محمد بن حبيبي الماوردي في كتابه أعلام النبوة، والعلامة تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابه إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، حيث قال رحمه الله: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله
في المرة الأولى وهو ابن ثنتي عشرة سنة، فلما نزل بصرى من الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له.
التاريخ الثقافي للمسجد
العمري بدرعا البلد
تميزت دَرْعَا حضاريًّا وثقافيًّا عبر التاريخ، حيث شهدت أرضها الدورات الحضارية المتعاقبة، ويكاد لا يخلو مكان في دَرْعَا إلا وبه الآثار والأوابد الشاهدة على تواصل الثقافة والحضارة.
وقد أنجبت هذه المدينة المئات من العلماء والأدباء والساسة والقياديين وكان
المسجد العمري هو منطلقهم العلمي والثقافي، فمنهم من وفد إلى
المسجد للالتقاء بعلمائه، ومنهم من أَمَّه وخطب فيه، أو دَرَسَ ودرَّس فيه، ومن أشهرهم:
1- الإمام النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعي، علامة الفقه والحديث، مولده ووفاته في مدينة نوى -40 كم إلى الغرب من دَرْعَا- وإليها نسبته.
2- ابن قيم الجوزية الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُرَعِي، نسبة إلى مدينة إِزْرَع -35 كم إلى الشمال من دَرْعَا-، وهو من أركان الإصلاح الإسلامي، وأحد كبار العلماء، تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهذب كتبه ونشر علمه، وسُجِن معه في قلعة دمشق.
3- ابن كثير الدمشقي الإمام الحافظ المحدث إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البُصْرَوِي، نسبة إلى مدينة بصرى -45كم إلى الشرق من دَرْعَا- ثم الدمشقي، أبو الفداء: حافظ ومؤرخ وفقيه، ولد في قرية من أعمال بصرى الشام، وانتقل إلى دمشق سنة 706ه، ورحل في طلب العلم، ومن أشهر مصنفاته: البداية والنهاية، شرح صحيح البخاري، طبقات الفقهاء الشافعية، تفسير القرآن الكريم المعروف بتفسير ابن كثير، توفي -رحمه الله تعالى- بدمشق سنة 774هـ.
4- إسحاق بن إبراهيم الأذرعي، أحد الثقات من عباد الله الصالحين، حدث عن محمد بن الخضر بن علي الرافعي، ويحيى بن أيوب بن ناوي العلاف، وأبي زرعة، وأبي عبد الرحمن النسائي، وأبي الحسن الرازي وغيرهم، وقال أبو الحسن الرازي: كان الأذرعي من أَجِلَّة أهل دمشق وعبادها وعلمائه، ومات يوم عيد الأضحى سنة 344هـ.
5- الإمام شهاب الدين، أبو العباس، الأَذرعي، نزيل حلب ومفتيها وشيخ الشافعية فيه، ولد في دَرْعَا سنة 708ه، وهو شيخ البلاد الشمالية، وفقيه تلك الناحية، ومفتيه، والمشار إليه بالعَلَم، قال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: أمتع الله ببقائه، واشتهرت فتاويه في البلاد الحلبية.
6- القاضي محمد بن محمد بن أبي العز الأذرعي، ولد في دَرْعَا سنة 663هـ ودرس بالمدرسة الظاهرية، وكان إمامًا فقيهًا شاعرًا مفتيً، توفي بدمشق سنة 722هـ.
7- ابن وهيب الأذرعي قاضي القضاة شمس الدين ابن وهيب الأذرعي، ولد في دَرْعَا سنة 595هـ وعاش بدمشق، وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وابن ملاعب والموفق الحنبلي، وتفقه ودرس وأفتى، وصار مشارًا إليه في المذهب.
قال عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: كان من العلماء الأخيار كثير التواضع قليل الرغبة في الدنيا. توفي في دمشق سنة 673هـ.
8- أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم الأذرعي أبو العباس ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد، كان إمامًا مفتيًا فاضلاً تصدر بالجامع الحاكمي وناب في الحكم، ومات سنة 741هـ.
9- مفتي الحنابلة الصدر شهاب الدين أبو العباس أحمد بن سالم بن أبي الهيجاء الأذرعي الحنبلي ابن قاضي نابلس بدمشق، مات بدمشق ودفن بقاسيون سنة 747ه، سمع من ابن البخاري ثلاثيات مسند أحمد وبعض المشيخة.
10- ومن أبرز المعاصرين الذين وفدوا إلى
المسجد العمري الإمام الشيخ أحمد نصيب المحاميد من قرية نصيب -10 كم إلى الشرق من دَرْعَا-، التحق بحلقة الشيخ علي الدقر (ت 1362هـ)، وأخذ من محدث الشام الحافظ محمد بدر الدين الحسني (ت 1354هـ)، وقرأ عليه من صحيحي البخاري ومسلم، وأخذ على شيخه الشيخ محمود العطار (ت 1362هـ) مسند الإمام الشافعي وسمع على شيخه أبو الخير الميداني (ت 1380هـ)، حديث الرحمة المسلسل بالأولية الإضافية والمسلسل بالدمشقيين، توفي -رحمه الله تعالى- في دمشق سنة 1421هـ.
11- ومن أبرز مَنْ وفد إلى
المسجد ودرَّس فيه مفتي دَرْعَا العلامة الشيخ عبد العزيز بن جبر أبا زيد الأذرعي رحمه الله تعالى (ت 1423هـ)، ولد ونشأ في مدينة دَرْعَ، ورحل إلى دمشق وطلب العلم فيها على علامتها الشيخ علي الدقر، ومحدث الشام ومفتيها العلامة بدر الدين الحسني رحمه الله تعالى.
هذا ولا يزال
المسجد العمري يؤدي دوره الرائد في مدينة دَرْعَ، فالداخل إليه ينبهر بتَحَلُّق طلاب العلم حول مشايخهم، ويطرب سمعه بأصوات الناشئة في حلقات القرآن الكريم، وهذا عهد من أهالي مدينة دَرْعَا لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن هذا
المسجد سيبقى كما أراده رضي الله عنه، منارةً للعلم والهدى، وينطلق من أعلى منارته صوت الحق قائلاً: الله أكبر، الله أكبر.. لا إله إلا الله.
المصدر: مجلة الوعي الإسلامي.
hgls[] hgulvd td ]vuh hgulvd