يتعرَّض المسلم لمواقف شديدة كثيرة في حياته لا يستطيع فيها أن يخرج من المأزق بكل ما أوتي من قوة، ويُعَلِّمنا رسولُ
الله صلى
الله عليه وسلم في مثل هذه المواقف أن نُعلن توكُّلنا على الله؛ لأن
الله قادر على كل شيء، وهو الذي يقدر على كشف كربنا، ودحر عدونا، والدفع عنا وعن المؤمنين، وكان هذا الإعلان هو سُنَّته صلى
الله عليه وسلم، وسُنَّة الأنبياء من قبله؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي
الله عنهما، قَالَ: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى
الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173]».
وفي قصة جريج العابد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه، أنَّ النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم، حين ذكر أمر الجارية المؤمنة التي اتُّهِمَت ظُلمًا بالزنا قَالَت: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
فهي تُقَال هكذا عند الشدائد، مع الأخذ في الاعتبار أن المسلم ينبغي أن يأخذ بكل أسباب النجاة من المأزق مع قوله: حسبنا
الله ونعم الوكيل.
ولا يجوز له أن يركن إلى قولها دون عمل،
بل إن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم وَسَّع مداركنا في قول هذه الكلمة المـُنجية، فذكر أنها لا تُقال فقط للنجاة من كربات الدنيا؛ ولكن تُقال أيضًا للنجاة من كربات الآخرة؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي
الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ».
فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ: «قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا».
فلْيكن هذا شعارنا في الكربات الشديدة، وعند الخوف من الظالمين، وعند التفكُّر في أهوال الساعة.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
د. راغب السرجاني