سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3) - منتديات تراتيل شاعر

 ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

» ٌاليوم الوطني «  
     
..{ ::: فعاليات اليوم الوطني :::..}~
 
 


العودة   منتديات تراتيل شاعر > ۩۞۩ تراتيـل الاسلاميـة ۩۞۩ > هدي نبينا المصطفى ▪●

هدي نبينا المصطفى ▪● عليه افضل الصلاه والتسليم قِسِمْ خاص للدّفاعْ عنْ صفْوة و خيْر خلقِ الله الرّسول الكريمْ و سِيرَته و سيرة أصحابِهِ الكِرامْ و التّابعينْ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 12-08-2015, 06:10 AM
عبدالعزيز غير متواجد حالياً
Kuwait     Male
لوني المفضل Azure
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل : Oct 2015
 فترة الأقامة : 3254 يوم
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم : 4177334
 معدل التقييم : عبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
3856 سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)




سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام

الحلقة التاسعة :
(( تأسيس الدولة ))
الحلقة العاشرة :

(( الغزوات 1 ))
الحلقة الحادية عشرة :

(( الغزوات 2 ))
الحلقة الثانية عشرة :

(( الغزوات 3 ))

يُتبع بقية الغزوات في الموضوغ القادم إن شاء الله


سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام




sdvm kfd hgvplm ugdi hgwghm ,hgsghl td 100 pgrm(3) hgvplm hgwghm pgrm3 sdvm ugdi ,hgsghl




 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 06:10 AM   #2


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)




الحلقة التاسعة (تأسيس الدولة )

بناء مجتمع جديد

قد أسلفنا أن نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في بني النجار كان يوم الجمعة ‏[‏12 ربيع الأول سنة 1 هـ/ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م‏]‏، وأنه نزل في أرض أمام دار أبي أيوب، وقال‏:‏ ‏[‏هاهنا المنزل إن شاء الله‏]‏، ثم انتقل إلى بيت أبي أيوب رضي الله عنه


بناء المسجد النبوي


وأول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هو بناء المسجد النبوي، واختار له المكان الذي بركت فيه ناقته صلى الله عليه وسلم، فاشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وأسهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبِن والحجارة ويقول‏:‏

‏[‏اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة ** فاغْفِرْ للأنصار والمُهَاجِرَة‏]‏

وكان يقول‏:‏

‏[‏هذا الحِمَالُ لا حِمَال خَيْبَر ** هــذا أبـَــرُّ رَبَّنَا وأطْـهَر‏]‏

وكان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة في العمل، حتى إن أحدهم ليقول‏:‏

لئن قَعَــدْنا والنبي يَعْمَل ** لـذاك مِــنَّا العَمَــلُ المُضَلَّل

وكانت في ذلك المكان قبور للمشركين، وكان فيه خرب ونخل وشجرة من غَرْقَد، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخَرِب فسويت، وبالنخل والشجرة فقطعت، وصفت في قبلة المسجد، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، وجعلت عضادتاه من حجارة، وأقيمت حيطانه من اللبن والطين، وجعل سقفه من جريد النخل، وعُمُده الجذوع، وفرشت أرضه بالرمال والحصباء، وجعلت له ثلاثة أبواب، وطوله مما يلى القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، والجانبان مثل ذلك أو دونه، وكان أساسه قريبًا من ثلاثة أذرع‏.‏

وبني بجانبه بيوتًا بالحجر واللبن، وسقفها بالجريد والجذوع، وهي حجرات أزواجه صلى الله عليه وسلم، وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبي أيوب‏.‏

ولم يكن المسجد موضعًا لأداء الصلوات فحسب، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته، ومنتدى تلتقى وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها، وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبث الانطلاقات، وبرلمان لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية‏.‏

وكان مع هذا كله دارًا يسكن فيها عدد كبير من فقراء المهاجرين اللاجئين الذين لم يكن لهم هناك دار ولا مال ولا أهل ولا بنون‏.‏

وفي أوائل الهجرة شرع الأذان، تلك النغمة العلوية التي تدوى في الآفاق، وتهز أرجاء الوجود، تعلن كل يوم خمس مرات بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتنفي كل كبرياء في الكون وكل دين في الوجود، إلا كبرياء الله، والدين الذي جاء به عبده محمد رسول الله‏.‏ وقد تشرف برؤيته في المنام أحد الصحابة الأخيار عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأقره النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة بكاملها مروية في كتب السنة والسيرة‏.‏


المؤاخاة بين المسلمين



ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بجانب قيامه ببناء المسجد‏:‏ مركز التجمع والتآلف، قام بعمل آخر من أروع ما يأثره التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، قال ابن القيم‏:‏ ثم أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، أخي بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوى الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ‏
}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 75‏]‏ رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة‏.‏

وقد قيل‏:‏ إنه أخي بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية‏.‏‏.‏‏.‏ والثبت الأول، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة فيما بينهم، بخلاف المهاجرين مع الأنصار‏.‏ اهـ‏.‏

ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، وتسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يكون أساس الولاء والبراء إلا الإسلام‏.‏

وقد امتزجت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة وإسداء الخير في هذه الأخوة، وملأت المجتمع الجديد بأروع الأمثال‏.‏

روى البخاري‏:‏ أنهم لما قدموا المدينة أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن وسعد ابن الربيع، فقال لعبد الرحمن‏:‏ إني أكثر الأنصار مالًا، فاقسم مالى نصفين، ولى امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي، أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال‏:‏ بارك الله لك في أهلك ومالك، وأين سوقكم‏؟‏ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقِطٍ وسَمْنٍ، ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صُفْرَة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏مَهْيَمْ‏؟‏‏]‏ قال‏:‏ تزوجت‏.‏ قال‏:‏ ‏[‏كم سقت إليها‏؟‏‏]‏ قال‏:‏ نواة من ذهب‏.‏

وروى عن أبي هريرة قال‏:‏ قالت الأنصار للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل‏.‏ قال‏:‏ ‏[‏لا‏]‏، فقالوا‏:‏ فتكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة‏.‏ قالوا‏:‏ سمعنا وأطعنا‏.‏

وهذا يدلنا على ما كان عليه الأنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين، ومن التضحية والإيثار والود والصفاء، وما كان عليه المهاجرون من تقدير هذا الكرم حق قدره، فلم يستغلوه ولم ينالوا منه إلا بقدر ما يقيم أودهم‏.‏

وحقًا فقد كانت هذه المؤاخاة حكمةً فذةً، وسياسةً حكيمةً، وحلًا رشيدًا لكثير من المشاكل التي كان يواجهها المسلمون، والتي أشرنا إليها‏.‏


ميثاق التحالف الإسلامي



وكما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد هذه المؤاخاة بين المؤمنين، قام بعقد معاهدة أزاح بها ما كان بينهم من حزازات في الجاهلية، وما كانوا عليه من نزعات قبلية جائرة، واستطاع بفضلها إيجاد وحدة إسلامية شاملة‏.‏ وفيما يلى بنودها ملخصًا‏:‏

هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم‏:‏
1ـ إنهم أمة واحدة من دون الناس‏.‏
2ـ المهاجرون من قريش على رِبْعَتِهم يتعاقلون بينهم، وهم يَفْدُون عَانِيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين‏.‏
3ـ وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحًا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل‏.‏
4ـ وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دَسِيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين‏.‏
5ـ وإن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان ولد أحدهم‏.‏
6ـ ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر‏.‏
7ـ ولا ينصر كافرًا على مؤمن‏.‏
8 ـ وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم‏.‏
9ـ وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم‏.‏
10ـ وإن سلم المؤمنين واحدة؛ لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم‏.‏
11 ـ وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله‏.‏
12 ـ وإنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن‏.‏
13 ـ وإنه من اعتبط مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول‏.‏
14 ـ وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه‏.‏
15 ـ وإنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثًا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صَرْف ولا عَدْل‏.‏
16 ـ وإنكم مهما اختلفـتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله ـ عز وجل ـ وإلى محمـد صلى الله عليه وسلم‏.‏


أثر المعنويات في المجتمع

بهذه الحكمة وبهذا التدبير أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد مجتمع جديد، كانت صورته الظاهرة بيانا وآثارًا للمعاني التي كان يتمتع بها أولئك الأمجاد بفضل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهدهم بالتعليم والتربية، وتزكية النفوس، والحث على مكارم الأخلاق، ويؤدبهم بآداب الود والإخاء والمجد والشرف والعبادة والطاعة‏.‏

سأله رجل‏:‏ أي الإسلام خير‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏]‏‏.‏

قال عبد الله بن سلام‏:‏ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جئت، فلما تبينت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال‏:‏ ‏[‏يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام‏]‏
وكان يقول‏:‏ ‏[‏لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه‏]‏
ويقول‏:‏ ‏[‏المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده‏]‏
ويقول‏:‏ ‏[‏لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏]‏
ويقول‏:‏ ‏[‏المؤمنون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله‏]‏‏.‏
ويقول: [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً] ويقول: [لا تباغضوا، ولا تحاسدون، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام]. ويقول: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة] ويقول: [ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء]. ويقول: [ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جانبه]. ويقول: [سِباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر]. وكان يجعل إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ويعدها شعبة من شعب الإيمان . ويقول: [الصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار]. ويقول: [أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُرى كساه الله من خُضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيم المختوم] ويقول: [اتقوا الناء ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة]. وبجانب هذا كان يحث حثاً شديداً على الاستعفاف عن المسألة، ويذكر فضائل الصبر والقناعة، فكان يعد المسألة كدوحاً أو خدوشاً أو خموشاً في وجه السائل اللهم إلا إذا كان مضطراً. كما كان يبين لهم ما في العبادات من الفضائل والأجر والثواب عند الله، وكان يربطهم بالوحي النازل عليه من المساء ربطاً مؤثقاً، فكان يقرؤه عليهم ويقرؤونه: لتكون هذه الدراسة إشعاراً بما عليهم من حقوق الدعوة وتبعات الرسلة، فضلاً عن ضرورة الفهم والتدبر. وهكذا هذب تفكيرهم، وربع معنوياتهم، وأيقظ مواهبهم، وزودهم بأعلى القيم والأقدار، حتى وصولا إلى أعلى قمة من الكمال عرفت في تاريخ البشر بعد الأنبياء. يقول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة؛ وأبرها قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، وابتعوهم على أثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. ثم إن هذا الرسول القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يتمتع من الصفات المعنوية والظاهرة، ومن الكمالات المواهب، والأمجاد والفضائل، ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال بما جعتله تهوى إليه الأفئدة، وتتفانى عليه النفوس، فما يتكلم بكلمة إلا ويبادر صحابته رضي الله عنهم إلى امتثالها، وما يصدر من إرشاد أو توجيه إلا ويتسابقون إلى العمل به. بمثل هذا استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني في المدينة مجتمعاً جديداً أروع وأشرف مجتمع عرفة التاريخ، وأن يضع لمشاكل هذا المجتمع حلاً تنفست له الإنسانية الصعداء، بعد أن كانت قد تعبت في غياهب الزمان ودياجير الظلمات. وبمثل هذه المعنويات الشامخة تكاملت عناصر المجتمع الجديد الذي واجه كل تيارات الزمان حتى صرف وجهتها، وحول مجرى التاريخ والأيام.




 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 06:11 AM   #3


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)



الحلقة العاشرة (( غزواته ..... 1 ))

فَصْلٌ [ الإِذْنُ بِالقِتالِ وَفَرْضُ الجِهادِ ]



وَلَمّا اسْتَقَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَدِينَةِ ، وَأَيّدَهُ اللّهُ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ . وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ . وَمَنَعَتْهُ أَنْصَارُ اللّهِ مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ رَمَتْهُمْ الْعَرَبُ وَالْيَهُودُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدٍ وَشَمّرُوا عَنْ سَاقِ الْعَدَاوَةِ وَالْمُحَارَبَةِ .


وَاَللّهُ يَأْمُرُ رَسُولَهُ <96> وَالْمُؤْمِنِينَ بِالْكَفّ وَالْعَفْوِ وَالصّفْحِ حَتّى قَوِيَتْ الشّوْكَةُ . فَحِينَئِذٍ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَلَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ تَعَالَى ( 22 : 39 ) أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنّ اللّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . وَهِيَ أَوّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ ([1]) .


ثُمّ فُرِضَ عَلَيْهِمْ قِتَالُ مَنْ قَاتَلَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى ( 2 : 190 ) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ - الْآيَةَ . ثُمّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ كَافّةً فَقَالَ ( 9 : 37 ) وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافّةً - الْآيَةَ .


بَعْضُ خَصَائِصِ رَسُولِ اللّهِ


وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَايِعُ أَصْحَابَهُ فِي الْحَرْبِ عَلَى أَنْ لَا يَفِرّوا وَرُبّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ . وَرُبّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ . وَرُبّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ .

وَبَايَعَهُمْ عَلَى الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ .

وَبَايَعَهُمْ عَلَى التّوْحِيدِ وَالْتِزَامِ طَاعَةِ اللّهِ وَرَسُولِهِ .

وَبَايَعَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْأَلُوا النّاسَ شَيْئًا . فَكَانَ السّوْطُ يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِهِمْ . فَيَنْزِلُ فَيَأْخُذَهُ وَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إيّاهُ ([2]) .

وَكَانَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ يَأْتُونَهُ بِخَبَرِ عَدُوّهِ . وَيَطّلِعُ الطّلَائِعَ وَيَبُثّ الْحَرْثَ وَالْعُيُونَ ، حَتّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ عَدُوّهِ شَيْءٌ .

وَكَانَ إذَا لَقَى عَدُوّهُ دَعَا اللّهَ وَاسْتَنْصَرَ بِهِ وَأَكْثَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ وَالتّضَرّعِ لَهُ .

وَكَانَ كَثِيرُ الْمُشَاوَرَةِ لِأَصْحَابِهِ فِي الْجِهَادِ .

وَكَانَ يَتَخَلّفُ فِي سَاقَتِهِمْ . فَيُزْجِي الضّعِيفَ وَيُرْدِفُ الْمُنْقَطِعَ .

وَكَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا ([3]) .

وَكَانَ يُرَتّبُ الْجَيْشَ وَالْمُقَاتِلَةَ وَيَجْعَلُ فِي كُلّ جَنْبَةٍ كُفُؤًا لَهَا . وَكَانَ يُبَارِزُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرِهِ . وَكَانَ يَلْبَسُ لِلْحَرْبِ عُدّتَهُ . وَرُبّمَا ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ كَمَا فَعَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ([4]) .

وَكَانَ لَهُ أَلْوِيَةٌ ، وَكَانَ إذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا ثُمّ قَفَلَ ([5]) <97> وَكَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُغِيرَ يَنْتَظِرُ . فَإِذَا سَمِعَ مُؤَذّنًا لَمْ يُغِرْ وَإِلّا أَغَارَ ([6]) .

وَكَانَ يَجِبُ الْخُرُوجُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بُكْرَةً .

وَكَانَ إذَا اشْتَدّ الْبَأْسُ اتّقَوْا بِهِ ([7]) .

وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ إلَى الْعَدُوّ .

وَكَانَ يُحِبّ الْخُيَلَاءَ فِي الْحَرْبِ .

وَيُنْهِي عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ([8]) .

وَيُنْهِي عَنْ السّفَرِ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوّ ([9]) .



أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ




وَأَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ - لِوَاءُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السّنَةِ الْأُولَى ، بَعَثَهُ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ خَاصّةً يَعْرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ جَاءَتْ مِنْ الشّامِ ، فِيهَا أَبُو جَهْلٍ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ حَتّى بَلَغُوا سَيْفَ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ ، فَالْتَقَوْا وَاصْطَفَوْا لِلْقِتَالِ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ .

وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ . فَلَمْ يَقْتَتِلُوا .



سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ



ثُمّ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي شَوّالٍ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فِي سَرِيّةٍ إلَى بَطْنِ رَابِغَ فِي سِتّينَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ خَاصّةً . فَلَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ رَابِغَ . فَكَانَ بَيْنَهُمْ الرّمْيُ . وَلَمْ يَسُلّوا السّيُوفَ . وَإِنّمَا كَانَتْ مُنَاوَشَةٌ .

وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ أَوّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ ، ثُمّ انْصَرَفَ الْفَرِيقَانِ وَقَدّمَ ابْنُ إسْحَاقَ سَرِيّةَ حَمْزَةَ .

سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ



ثُمّ بَعَثَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ إلَى الْخَرّارِ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ، يَعْتَرِضُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ . وَعَهِدَ إلَيْهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْخَرّارَ ، وَكَانُوا عِشْرِينَ . فَخَرَجُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ يَسِيرُونَ بِاللّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنّهَارِ . حَتّى بَلَغُوا الْخَرّارَ ، فَوَجَدُوا الْعِيرَ قَدْ مَرّتْ بِالْأَمْسِ . ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّانِيَةُ .

غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ



<98> فَغَزَا فِيهَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَزْوَةَ الْأَبْوَاءِ . وَكَانَتْ أَوّلَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ . خَرَجَ فِي الْمُهَاجِرِينَ خَاصّةً يَعْتَرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . وَفِيهَا وَادَعَ بَنِي ضَمْرَةَ عَلَى أَنْ لَا يَغْزُوَهُمْ وَلَا يَغْزُوَهُ وَلَا يُعِينُوا عَلَيْهِ أَحَدًا .

غَزْوَةُ بُوَاطٍ



ثُمّ غَزَا بُوَاطًا فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ . خَرَجَ يَعْتَرِضُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمِائَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . فَبَلَغَ بُوَاطًا - جَبَلًا مِنْ جِبَالِ جُهَيْنَةَ - فَرَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .

خُرُوجُهُ لِطَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ

ثُمّ خَرَجَ فِي طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ . وَقَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَاقَهُ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَثَرِهِ حَتّى بَلَغَ سَفْوَانَ مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ كُرْزٌ .

غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ



ثُمّ خَرَجَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَعْتَرِضُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ ذَاهِبَةً إلَى الشّامِ . وَخَرَجَ فِي ثَلَاثِينَ بَعِيرًا يَتَعَاقَبُونَهَا . فَبَلَغَ ذَاتَ الْعُشَيْرَةِ مِنْ نَاحِيَةِ يَنْبُعَ . فَوَجَدَ الْعِيرَ فَاتَتْهُ بِأَيّامٍ . وَهِيَ الّتِي خَرَجُوا لَهَا يَوْمَ بَدْرٍ لَمّا جَاءَتْ عَائِدَةً مِنْ الشّامِ . وَفِيهَا : وَادَعَ بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ .

بَعْثُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ

ثُمّ بَعَثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ فِي رَجَبٍ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كُلّ اثْنَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ . فَوَصَلُوا إلَى نَخْلَةَ ، يَرْصُدُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَتَبَ لَهُ كِتَابًا . وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ . فَلَمّا فَتَحَ الْكِتَابَ إذَا فِيهِ إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا ، فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ بِنَخْلَةَ بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ قُرَيْشًا ، وَتَعَلّمْ لَنَا أَخْبَارَهَا ([10]).

< 99> فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ لَا يَسْتَكْرِهُهُمْ فَقَالُوا : سَمْعًا وَطَاعَةً . فَلَمّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطّرِيقِ أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرَهُمَا . فَتَخَلّفَا فِي طَلَبِهِ . وَمَضَوْا حَتّى نَزَلُوا نَخْلَةَ .

قَتْلُ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ

فَمَرّتْ بِهِمْ عِيرُ قُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَتِجَارَةً فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ ، فَقَتَلُوهُ وَأَسَرّوا عُثْمَانَ وَنَوْفَلًا ابْنَيْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ مَوْلَى بَنِي الْمُغِيرَةِ . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ نَحْنُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ . فَإِنْ قَاتَلْنَاكُمْ انْتَهَكْنَا الشّهْرَ الْحَرَامَ وَإِنْ تَرَكْنَاهُمْ اللّيْلَةَ دَخَلُوا الْحَرَمَ . ثُمّ أَجْمَعُوا عَلَى مُلَاقَاتِهِمْ . فَرَمَى أَحَدُهُمْ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ فَقَتَلَهُ وَأَسَرُوا عُثْمَانَ وَالْحَكَمَ . وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ . ثُمّ قَدِمُوا بِالْعِيرِ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتّى عَزَلُوا مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسَ . فَكَانَ أَوّلُ خُمُسٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوّلُ قَتْلٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوّلُ أَسْرٍ . فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا فَعَلُوهُ . وَاشْتَدّ إنْكَارُ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ . وَزَعَمُوا : أَنّهُمْ وَجَدُوا مَقَالًا . فَقَالُوا قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ . وَاشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ ( 2 : 217 ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ الْآيَةَ . يَقُولُ سُبْحَانَهُ هَذَا الّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ - وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا - فَمَا ارْتَكَبْتُمُونَهُ مِنْ الْكُفْرِ بِاَللّهِ وَالصّدّ عَنْ سَبِيلِهِ وَبَيْتِهِ وَإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ

مَعْنَى الْفِتْنَةِ



و " الْفِتْنَةُ " هُنَا الشّرْكُ كَقَوْلِهِ ( 2 : 193 ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَقَوْلِهِ ( 6 : 23 ) ثُمّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا وَاللّهِ رَبّنَا مَا كُنّا مُشْرِكِينَ أَيْ مَا تَكُنْ عَاقِبَةُ شِرْكِهِمْ وَآخِرَةُ أَمْرِهِمْ إلّا أَنْ أَنْكَرُوهُ وَتَبَرّءُوا مِنْهُ .

وَحَقِيقَتُهَا : الشّرْكُ الّذِي يَدْعُو إلَيْهِ صَاحِبُهُ وَيُعَاقِبُ مَنْ لَمْ يَفْتَتِنْ بِهِ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ( 85 : 10 ) إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُوا الْآيَةَ . فُسّرَتْ بِتَعْذِيبِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِحْرَاقِهِمْ بِالنّارِ لِيَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ .

وَقَدْ تَأْتِي " الْفِتْنَةُ " وَيُرَادُ بِهَا : الْمَعْصِيَةُ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( 9 : 49 ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي - الْآيَةَ . <100> وَكَفِتْنَةِ الرّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ وَكَالْفِتَنِ الّتِي وَقَعَتْ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ .

وَأَمّا الّتِي يُضِيفُهَا اللّهُ لِنَفْسِهِ فَهِيَ بِمَعْنَى الِامْتِحَانِ وَالِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ .

وَقْعَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى يَوْمَ الْفُرْقَانِ

فَلَمّا كَانَ فِي رَمَضَانَ بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَ الْعِيرِ الْمُقْبِلَةِ مِنْ الشّامِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا أَمْوَالُ قُرَيْشٍ ُ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْخُرُوجِ إلَيْهَا ُ فَخَرَجَ مُسْرِعًا فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَبِضْعَ عَشْرَةَ رَجُلًا . وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنْ الْخَيْلِ إلّا فَرَسَانِ فَرَسٌ لِلزّبَيْرِ وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ . وَكَانَ مَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا ُ يَعْتَقِبُ الرّجُلَانِ وَالثّلَاثَةَ عَلَى بَعِيرٍ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُمّ مَكْتُومٍ .

فَلَمّا كَانَ بِالرّوْحَاءِ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ .

وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ُ وَالرّايَةَ إلَى عَلِيّ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .

وَلَمّا قَرُبَ مِنْ الصّفْرَاءِ : بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ يَتَحَسّسَانِ أَخْبَارَ الْعِيرِ .


وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ مَخْرَجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ . وَبَعَثَهُ حَثِيثًا إلَى مَكّةَ ُ مُسْتَصْرِخًا قُرَيْشًا بِالنّفِيرِ إلَى عِيرِهِمْ . فَنَهَضُوا مُسْرِعِينَ . وَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ سِوَى أَبِي لَهَبٍ . فَإِنّهُ عَوّضَ عَنْهُ رَجُلًا بِجُعْلٍ . وَحَشَدُوا فِيمَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ . وَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُمْ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إلّا بَنِي عَدِيّ فَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ وَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 8 : 47 ) بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَجَمَعَهُمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( 8 : 43 ) وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ .


وَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ خُرُوجُ قُرَيْشٍ : اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ . فَتَكَلّمَ الْمُهَاجِرُونَ ُ فَأَحْسَنُوا ثُمّ اسْتَشَارَهُمْ ثَانِيًا . فَتَكَلّمَ الْمُهَاجِرُونَ . ثُمّ ثَالِثًا . فَعَلِمَتْ الْأَنْصَارُ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ إنّمَا يَعْنِيهِمْ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : كَأَنّك تُعَرّضُ بِنَا يَا رَسُولَ اللّهِ - وَكَانَ إنّمَا يَعْنِيهِمْ لِأَنّهُمْ بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ دِيَارِهِمْ - وَكَأَنّك تَخْشَى أَنْ <101> تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَنْصُرُوك إلّا فِي دِيَارِهِمْ . وَإِنّي أَقُولُ عَنْ الْأَنْصَارِ ُ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ . فَامْضِ بِنَا حَيْثُ شِئْت ُ وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْت ُ وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْت ُ وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْت . وَأَعْطِنَا مِنْهَا مَا شِئْت . وَمَا أَخَذْت مِنْهَا كَانَ أَحَبّ إلَيْنَا مِمّا تَرَكْت . فَوَاَللّهِ لَئِنْ سِرْت بِنَا حَتّى تَبْلُغَ الْبَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنّ مَعَك ُ وَوَاللّهِ لَئِنْ اسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْرَ لَخُضْنَاهُ مَعَك .


وَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ : إذَنْ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى ( 5 : 24 ) فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ نُقَاتِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْك ُ وَمِنْ خَلْفِك ُ وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك . فَأَشْرَقَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا سَمِعَ مِنْهُمْ . وَقَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا . فَإِنّ اللّهَ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ . وَإِنّي قَدْ رَأَيْت مَصَارِعَ الْقَوْمِ ([11]) .


وَكَرِهَ بَعْضُ الصّحَابَةِ لِقَاءَ النّفِيرِ وَقَالُوا : لَمْ نَسْتَعِدّ لَهُمْ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 8 : 5 - 8 ) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ لِشُرَكَائِهِمْ - إلَى قَوْلِهِ - وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ .


وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَدْرٍ . وَخَفَضَ أَبُو سُفْيَانَ . فَلَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ . وَكَتَبَ إلَى قُرَيْشٍ : أَنْ ارْجِعُوا فَإِنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتُحْرِزُوا عِيرَكُمْ . فَأَتَاهُمْ الْخَبَرُ . فَهَمّوا بِالرّجُوعِ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَقْدَمَ بَدْرًا ُ فَنُقِيمَ بِهَا ُ نُطْعِمَ مَنْ حَضَرَنَا وَنَسْقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ . وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ . فَلَا تَزَالُ تَهَابُنَا أَبَدًا وَتَخَافُنَا .


فَأَشَارَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ عَلَيْهِمْ بِالرّجُوعِ فَلَمْ يَفْعَلُوا . فَرَجَعَ هُوَ وَبَنُو زُهْرَةَ . فَلَمْ يَزَلْ الْأَخْنَسُ فِي بَنِي زُهْرَةَ مُطَاعًا بَعْدَهَا .


وَأَرَادَ بَنُو هَاشِمٍ الرّجُوعَ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَا تُفَارِقُنَا هَذِهِ الْعِصَابَةُ حَتّى نَرْجِعَ فَسَارُوا ُ إلّا طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . فَرَجَعَ .


وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ عَلَى مَاءِ أَدْنَى مِيَاهِ بَدْرٍ . فَقَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : إنْ رَأَيْت أَنْ نَسِيرَ إلَى قُلُبٍ - قَدْ عَرَفْنَاهَا - كَثِيرَةَ الْمَاءِ عَذْبَةً فَتَنْزِلُ عَلَيْهَا . وَنَغُورُ مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ ؟ وَأَنْزَلَ اللّهُ تِلْكَ اللّيْلَةَ مَطَرًا وَاجِدًا ُ صَلّبَ <102> الرّمَلَ . وَثَبّتَ الْأَقْدَامَ . وَرَبَطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ . وَمَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَوْضِعِ الْمَعْرَكَةِ . وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ . وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ إنْ شَاءَ اللّه فَمَا تَعَدّى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَوْضِعَ إشَارَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا طَلَعَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ جَاءَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ُ جَاءَتْ تُحَادّك ُ وَتُكَذّبُ رَسُولَك . اللّهُمّ فَنَصْرُك الّذِي وَعَدْتنِي . اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاة وَقَامَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاسْتَنْصَرَ رَبّهُ وَبَالَغَ فِي التّضَرّعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ . وَقَالَ اللّهُمّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتنِي ُ اللّهُمّ إنّي أَنْشُدُك عَهْدَك وَوَعْدَك . اللّهُمّ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ ([12]) .


فَالْتَزَمَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ حَسْبُك مُنَاشَدَتَك رَبّك ُ يَا رَسُولَ اللّهِ . أَبْشِرْ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُنْجِزَن اللّهُ لَك مَا وَعَدَك . وَاسْتَنْصَرَ الْمُسْلِمُونَ اللّهَ وَاسْتَغَاثُوهُ . فَأَوْحَى اللّهُ إلَى الْمَلَائِكَةِ ( 8 : 12 ) أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ وَأَوْحَى اللّهُ إلَى رَسُولِهِ ( 8 : 9 ) أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ بِكَسْرِ الدّالِ وَفَتْحِهَا . قِيلَ إرْدَافًا لَكُمْ . وَقِيلَ يُرْدِفُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا ُ لَمْ يَجِيئُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً .


فَلَمّا أَصْبَحُوا أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ فِي كَتَائِبِهَا . وَقَلّلَ اللّهُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ حَتّى قَالَ أَبُو جَهْلٍ - لَمّا أَشَارَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بِالرّجُوعِ خَوْفًا عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ التّفَرّقِ وَالْقَطِيعَةِ إذَا قَتَلُوا أَقَارِبَهُمْ - إنّ ذَلِكَ لَيْسَ بِهِ . وَلَكِنّهُ - يَعْنِي عُتْبَةَ - عَرَفَ أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمْ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ عَلَيْهِ . وَقَلّلَ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ أَيْضًا فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا .


وَأَمَرَ أَبُو جَهْلٍ عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ - أَخَا عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ - أَنْ يَطْلُبَ دَمَ أَخِيهِ . فَصَاحَ . وَكَشَفَ عَنْ اسْتِهِ يَصْرُخُ وَاعَمْرَاهُ وَاعَمْرَاهُ . فَحَمَى الْقَوْمُ . وَنَشِبَتْ الْحَرْبُ .


وَعَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ . ثُمّ انْصَرَفَ وَغَفَا غَفْوَةً . وَأَخَذَ الْمُسْلِمِينَ النّعَاسُ ُ وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْرُسُهُ . وَعِنْدَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ُ <103> وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَثِبُ فِي الدّرْعِ . وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ ( 54 : 45 ) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ


وَمَنَحَ اللّهُ الْمُسْلِمِينَ أَكْتَافَ الْمُشْرِكِينَ . فَتَنَاوَلُوهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا . فَقَتَلُوا سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ .


وَخَرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ : يَطْلُبُونَ الْمُبَارَزَةَ . فَخَرَجَ إلَيْهِمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ُ فَقَالُوا : أَكْفَاءٌ كِرَامٌ . مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ . إنّمَا نُرِيدُ مِنْ بَنِي عَمّنَا . فَبَرَزَ إلَيْهِمْ حَمْزَةُ ُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِب ِ ُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . فَقَتَلَ عَلِيّ قِرْنَهُ الْوَلِيدَ . وَقَتَلَ حَمْزَةُ قِرْنَهُ شَيْبَةَ . وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ . فَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ عَلَى قِرْنِ عُبَيْدَةَ فَقَتَلَاهُ . وَاحْتَمَلَا عُبَيْدَةَ قَدْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ . فَقَالَ لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيّا لَعَلِمَ أَنَا أَوْلَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ

وَنُسَلّمُهُ حَتّى نُصَرّعْ حَوْلَهُ

وَنُذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ


وَمَاتَ بِالصّفْرَاءِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ ( 22 : 19) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ الْآيَةَ . فَكَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَنَا أَوّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ([13]) .


وَلَمّا عَزَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْخُرُوجِ وَذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ . فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسٌ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ . فَقَالَ ( 8 : 48) لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ . فَلَمّا تَعَبّئُوا لِلْقِتَالِ وَرَأَى الْمَلَائِكَةَ فَرّ وَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَقَالُوا : إلَى أَيْنَ يَا سُرَاقَةُ ؟ فَقَالَ ( 8 : 48) إِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ .


وَظَنّ الْمُنَافِقُونَ وَمِنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَنّ الْغَلَبَةَ بِالْكَثْرَةِ فَقَالُوا ( 8 : 50 ) غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ فَأَخْبَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَنّ النّصْرَ إنّمَا هُوَ بِالتّوَكّلِ عَلَى اللّهِ وَحْدَهُ .


وَلَمّا دَنَا الْعَدُوّ : قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَعَظَ النّاسَ . وَذَكّرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِي الصّبْرِ وَالثّبَاتِ مِنْ النّصْرِ وَأَنّ اللّهَ قَدْ أَوْجَبَ الْجَنّةَ لِمَنْ يُسْتَشْهَدُ فِي سَبِيلِهِ .


فَأَخْرَجَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ يَأْكُلُهُنّ . ثُمّ قَالَ لَئِنْ حَيِيت حَتّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إنّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ " فَرَمَى بِهِنّ وَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ .


< 104> وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِلْءَ كَفّهِ تُرَابًا ُ فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ . فَلَمْ تَتْرُكْ رَجُلًا مِنْهُمْ إلّا مَلَأَتْ عَيْنَيْهِ . فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( 8 : 17 ) وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى .


وَاسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَأَتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ .


وَلَمّا وَضَعَ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْعَدُوّ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ - وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَاقِفٌ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْعَرِيشِ - رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَجْهِ سَعْدٍ الْكَرَاهِيَةَ . فَقَالَ كَأَنّك تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ ؟ قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللّهُ فِي الْمُشْرِكِينَ . وَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ


وَلَمّا بَرَدَتْ الْحَرْبُ وَانْهَزَمَ الْعَدُوّ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ مُعَوّذٌ وَعَوْفٌ - ابْنَا عَفْرَاءَ - حَتّى بَرَدَ . فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَقَالَ لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ لِلّهِ وَرَسُولِهِ . ثُمّ قَالَ لَهُ هَلْ أَخْزَاك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ ؟ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ ؟ فَاحْتَزّ رَأْسَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ . ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ قَتَلْته ُ فَقَالَ " آللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ ؟ - ثَلَاثًا - ثُمّ قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ . وَنَصَرَ عَبْدَهُ . وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ . انْطَلِقْ فَأَرِنِيهِ . فَانْطَلَقْنَا ُ فَأَرَيْته إيّاهُ . فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِ قَالَ هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمّةِ ([14]) .


وَأَسَرَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيّا . فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ - وَكَانَ يُعَذّبُهُ بِمَكّةَ - فَقَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ ؟ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . ثُمّ اسْتَحْمَى جَمَاعَةً مِنْ الْأَنْصَارِ .


وَاشْتَدّ عَبْدُ الرّحْمَنِ بِهِمَا ُ يَحْجِزُهُمَا مِنْهُمْ فَأَدْرَكُوهُمْ . فَشَغَلَهُمْ عَنْ أُمَيّةَ بِابْنِهِ عَلِيّ فَفَرَغُوا مِنْهُ ثُمّ لَحِقُوهُمَا . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ اُبْرُكْ . فَبَرَكَ وَأَلْقَى عَلَيْهِ عَبْدُ الرّحْمَنِ بِنَفْسِهِ . فَضَرَبُوهُ بِالسّيُوفِ مِنْ تَحْتِهِ حَتّى قَتَلُوهُ . وَأَصَابَ بَعْضُ السّيُوفِ رِجْلَ عَبْدِ الرّحْمَنِ . وَكَانَ أُمَيّةُ قَدْ قَالَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ الْمُعَلّمُ فِي صَدْرِهِ بِرَيْشِ النّعَامِ ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ .


< 105> وَانْقَطَعَ يَوْمَئِذٍ سَيْفُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ . فَأَعْطَاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَذْلًا مِنْ حَطَبٍ فَلَمّا أَخَذَهُ وَهَزّهُ عَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا طَوِيلًا ُ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ بِهِ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ الرّدّةِ . وَلَمّا انْقَضَتْ الْحَرْبُ أَقْبَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى وَقَفَ عَلَى الْقَتْلَى . فَقَالَ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ . كَذّبْتُمُونِي . وَصَدّقَنِي النّاسُ . وَخَذَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النّاسُ . وَأَخْرَجْتُمُونِي . وَآوَانِي النّاسُ . ثُمّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا حَتّى أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ - قَلِيبِ بَدْرٍ - ثُمّ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ُ وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ُ وَيَا فُلَانُ وَيَا فُلَانُ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تُخَاطِبُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جَيّفُوا ؟ فَقَالَ مَا أَنْتَ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ [ وَلَكِنَّهُم لا يَقْدِرونَ أَنْ يُجِيبُوا ] ([15]) .


ثُمّ ارْتَحَلَ مُؤَيّدًا مَنْصُورًا ُ قَرِيرَ الْعَيْنِ مَعَهُ الْأَسْرَى وَالْمَغَانِمُ . فَلَمّا كَانَ بِالصّفْرَاءِ قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَضَرَبَ عُنُقَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ . ثُمّ لَمَا نَزَلَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ : ضَرَبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ .


ثُمّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ مُؤَيّدًا مَنْصُورًا . قَدْ خَافَهُ كُلّ عَدُوّ لَهُ بِالْمَدِينَةِ . فَأَسْلَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْإِسْلَامِ .


وَجُمْلَةُ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا : ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَ عَشْرَةَ رَجُلًا . وَاسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَ أُنَاسٌ قَدْ أَسْلَمُوا . فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَبَسَهُمْ أَهْلُهُمْ بِمَكّةَ . وَفَتَنُوهُمْ فَافْتَتَنُوا . ثُمّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ . فَأُصِيبُوا فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ ( 4 : 97 ) إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ .


قَسْمُ غَنَائِمِ بَدْرٍ

ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِالْغَنَائِمِ فَجُمِعَتْ فَاخْتَلَفُوا . فَقَالَ مَنْ جَمَعَهَا : هِيَ لَنَا . وَقَالَ مَنْ هَزَمَ الْعَدُوّ لَوْلَانَا مَا أَصَبْتُمُوهَا ، وَقَالَ الّذِينَ يَحْرَسُونَ رَسُولَ اللّهِ <106> صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهَا مِنّا . قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ : فَنَزَعَهَا اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا . فَجَعَلَهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 8 : 1 ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ الْآيَاتِ .


وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ نَبِيّهِ بْنِ وَهْبٍ . قَالَ " فَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَسْرَى عَلَى أَصْحَابِهِ . وَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأَسْرَى خَيْرًا فَكَانَ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مُصْعَبٌ شُدّ يَدَك بِهِ . فَإِنّ أُخْتَه ذَاتُ مَتَاعٍ . فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ يَا أَخِي ، هَذِهِ وَصِيّتُك بِي ؟ فَقَالَ مُصْعَبٌ إنّهُ أَخِي دُونَك . قَالَ عَزِيزٌ وَكُنْت مَعَ رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ قَفَلُوا ، فَكَانُوا إذَا قَدِمُوا طَعَامًا خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ . لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا ، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ إلّا نَفَحَنِي بِهَا . قَالَ فَأَسْتَحِي فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمَا . فَيَرُدّهَا عَلَيّ مَا يَمَسّهَا .


أُسَارَى بَدْرٍ

وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي الْأَسْرَى ، وَهُمْ سَبْعُونَ . وَكَذَلِكَ الْقَتْلَى سَبْعُونَ أَيْضًا . فَأَشَارَ الصّدّيقُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ فِدْيَةٌ تَكُونُ لَهُمْ قُوّةً . وَيُطْلِقَهُمْ لَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ لِلْإِسْلَامِ . فَقَالَ عُمَرُ لَا وَاَللّهِ مَا أَرَى ذَلِكَ . وَلَكِنّي أَرَى أَنْ تُمَكّنَنَا ، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ . فَإِنّ هَؤُلَاءِ أَئِمّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُ الشّرْكِ فَهَوَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ . فَقَالَ " إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيَلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللّينِ وَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيُشَدّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتّى تَكُونَ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَةِ . وَإِنّ مَثَلَك يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ إذْ قَالَ ( 14 : 36 ) فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنّ مَثَلَك يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ عِيسَى ، إذْ قَالَ ( 5 : 118 ) إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ الْآيَةَ . وَإِنّ مَثَلَك يَا عُمَرُ كَمَثَلِ مُوسَى ، قَالَ ( 10 : 88 ) رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ الْآيَةَ . وَإِنّ مَثَلِك يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ قَالَ ( 71 : 67 ) رَبّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيّارًا ثُمّ قَالَ أَنْتُمْ الْيَوْمَ عَالَةٌ . فَلَا يَنْفَلِتَن مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِفِدَاءِ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى ( 8 : 67 مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الْآيَتَيْنِ ([16])


قَالَ عُمَرُ فَلَمّا كَانَ مِنْ الْغَدِ غَدَوْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ قَاعِدٌ - هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ - يَبْكِيَانِ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ <107> أَخْبِرْنِي مَا يُبْكِيك ؟ وَصَاحِبَك ؟ فَإِنْ وَجَدْت بُكَاءً بَكَيْت ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا .

فَقَالَ أَبْكِي لِلّذِي عَرَضَ عَلَيّ أَصْحَابُك مِنْ الْغَدِ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ . فَقَدْ عَرَضَ عَلَيّ عَذَابَهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ - لِشَجَرَةِ قَرِيبَةٍ مِنْهُ - وَقَالَ لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مَا سَلِمَ مِنْهُ إلّا عُمَرُ ([17]) .


وَقَالَ الْأَنْصَارُ له صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُرِيدُ أَنْ نَتْرُكَ لِابْنِ أُخْتِنَا الْعَبّاسِ فِدَاءَهُ فَقَالَ لَا تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا ([18]) .


 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 06:12 AM   #4


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)



الحلقة الحادية عشرة (( غزواته 2 ))

ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّالِثَةُ مِنْ الْهِجْرَةِ .

غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ

فَكَانَتْ فِيهَا غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ . وَكَانُوا مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ . فَنَقَضُوا الْعَهْدَ . فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ لَيْلَةً . فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَشَفَعَ فِيهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ . وَأَلَحّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ . فَأَطْلَقَهُمْ لَهُ وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ . وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ .


غَزْوَةُ أُحُد

وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُد ٍ فِي شَوّالٍ .

وَذَلِك أَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمّا أَوْقَعَ بِقُرَيْشِ يَوْم َ بَدْرٍ ، وَتَرَأّسَ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ لِذَهَابِ أَكَابِرِهِمْ أَخَذَ يُؤَلّبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَيَجْمَعُ الْجُمُوعَ . فَجَمَعَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِ آلَافٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَالْحُلَفَاءِ وَالْأَحَابِيشِ . وَجَاءُوا بِنِسَائِهِمْ لِئَلّا يَفِرّوا . ثُمّ أَقْبَلَ بِهِمْ نَحْوَ الْمَدِينَةِ . فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ .

فَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِمْ . وَكَانَ رَأْيُهُ أَنْ لَا يَخْرُجُوا . فَإِنْ دَخَلُوهَا قَاتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السّكَكِ وَالنّسَاءُ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ وَوَافَقَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَي ّ - رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ - عَلَى هَذَا الرّأْيِ . فَبَادَرَ جَمَاعَةً مِنْ فُضَلَاءِ الصّحَابَةِ - مِمّنْ فَاتَهُ بَدْرٌ - وَأَشَارُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ بِالْخُرُوجِ . وَأَلَحّوا عَلَيْهِ .

فَنَهَضَ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا : اسْتَكْرَهَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْخُرُوجِ . ثُمّ قَالُوا : إنْ أَحْبَبْت أَنْ تَمْكُثَ بِالْمَدِينَةِ فَافْعَلْ فَقَالَ " مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوّهِ " .

< 108> فَخَرَجَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَى رُؤْيَا : رَأَى " أَنّ فِي سَيْفِهِ ثُلْمَةً وَأَنّ بَقَرًا تُذْبَحُ . وَأَنّهُ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ . فَتَأَوّلَ الثّلْمَةَ بِرَجُلِ يُصَابُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْبَقَرَ بِنَفَرِ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقْتَلُونَ وَالدّرْعُ بِالْمَدِينَةِ " فَخَرَجَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ " عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَالصّبْرِ عِنْدَ الْبَأْسِ إذَا لَقِيتُمْ الْعَدُوّ . وَانْظُرُوا مَاذَا أَمَرَكُمْ اللّهُ بِهِ فَافْعَلُوا " . فَلَمّا كَانَ بِالشّوْطِ - بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ - انْخَذَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بِنَحْوِ ثُلُثِ الْعَسْكَرِ وَقَالَ عَصَانِي . وَسَمِعَ مِنْ غَيْرِي مَا نَدْرِي : عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَهُنَا أَيّهَا النّاسُ ؟


فَرَجَعَ وَتَبِعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو - وَالِدُ جَابِرٍ - يُحَرّضُهُمْ عَلَى الرّجُوعِ . وَيَقُولُ " قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ ادْفَعُوا ، قَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمْ نَرْجِعْ " فَرَجَعَ عَنْهُمْ وَسَبّهُمْ . وَسَأَلَ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِحُلَفَائِهِمْ مِنْ يَهُودَ . فَأَبَى ، وَقَالَ " مَنْ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ ؟ " . فَخَرَجَ بِهِ بَعْضُ الْأَنْصَارِ ، حَتّى سَلَكَ فِي حَائِطٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ مِنْ الْمُنَافِقِينَ - وَكَانَ أَعْمَى - فَقَامَ يَحْثُو التّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ فِي حَائِطِي ، إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ . فَابْتَدَرُوهُ لِيَقْتُلُوهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا أَعْمَى الْقَلْبِ أَعْمَى الْبَصَرِ " .


وَنَفَذَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي الدّنْيَا . وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى أُحُدٍ وَنَهَى النّاسَ عَنْ الْقِتَالِ حَتّى يَأْمُرَهُمْ .


فَلَمّا أَصْبَحَ يَوْمُ السّبْتِ تَعَبّأَ لِلْقِتَالِ . وَهُوَ فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ فَارِسًا . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الرّمَاةِ - وَكَانُوا خَمْسِينَ - عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُفَارِقُوا مَرْكَزَهُمْ وَلَوْ رَأَوْا الطّيْرَ تَخْتَطِفُ الْعَسْكَرَ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْضَحُوا الْمُشْرِكِينَ بِالنّبْلِ لِئَلّا يَأْتُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ . وَظَاهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ .


وَأَعْطَى اللّوَاءَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، وَجَعَلَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنّبَتَيْنِ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ <109> وَعَلَى الْأُخْرَى : الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو . وَاسْتَعْرَضَ الشّبَابَ يَوْمَئِذٍ . فَرَدّ مَنْ اسْتَصْغَرَ عَنْ الْقِتَالِ - كَابْنِ عُمَرَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالْبَرَاءِ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَعَرَابَةَ الْأَوْسِيّ - وَأَجَازَ مَنْ رَآهُ مُطِيقًا .


وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ . وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ . فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ . وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ .


وَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْفَهُ إلَى أَبِي دُجَانَةَ .


وَكَانَ أَوّلَ مَنْ بَدَرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَبُو عَامِرٍ - عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ - الْفَاسِقُ . وَكَانَ يُسَمّى الرّاهِبَ . وَهُوَ رَأْسُ الْأَوْسِ فِي الْجَاهِلِيّةِ . فَلَمّا جَاءَ الْإِسْلَامُ شَرَقَ بِهِ وَجَاهَرَ بِالْعَدَاوَةِ . فَذَهَبَ إلَى قُرَيْشٍ يُؤَلّبُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَعَدَهُمْ بِأَنّ قَوْمَهُ إذَا رَأَوْهُ أَطَاعُوهُ . فَلَمّا نَادَاهُمْ وَتَعَرّفَ إلَيْهِمْ قَالُوا : لَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ . فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ . ثُمّ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا شَدِيدًا . ثُمّ أَرْضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ .


وَأَبْلَى يَوْمَئِذٍ أَبُو دُجَانَةَ وَطَلْحَةُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ ، وَالنّضْرُ بْنُ أَنَسٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بَلَاءً حَسَنًا . وَكَانَتْ الدّوْلَةُ أَوّلَ النّهَارِ لِلْمُسْلِمِينَ . فَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللّهِ وَوَلّوْا مُدْبِرِينَ . حَتّى انْتَهَوْا إلَى نِسَائِهِمْ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ الرّمَاةُ قَالُوا : الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ . فَذَكّرَهُمْ أَمِيرُهُمْ عَهْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَسْمَعُوا . فَأَخْلَوْا الثّغْرَ وَكَرّ فُرْسَانُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ فَوَجَدُوهُ خَالِيًا . فَجَاءُوا مِنْهُ وَأَقْبَلَ آخِرُهُمْ حَتّى أَحَاطُوا بِالْمُسْلِمِينَ فَأَكْرَمَ اللّهُ مَنْ أَكْرَمَ مِنْهُمْ بِالشّهَادَةِ - وَهُمْ سَبْعُونَ - وَوَلّى الصّحَابَةُ .


وَخَلَصَ الْمُشْرِكُونَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَرَحُوهُ جِرَاحَاتٍ وَكَسَرُوا رُبَاعِيّتَهُ . وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ . فَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . وَأَدْرَكَهُ الْمُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ . فَحَالَ دُونَهُ نَحْوَ عَشَرَةٍ حَتّى قُتِلُوا . ثُمّ جَلَدَهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى أَجْهَضَهُمْ عَنْهُ . وَتَرّسَ أَبُو دُجَانَةَ عَلَيْهِ بِظَهْرِهِ وَالنّبْلُ يَقَعُ فِيهِ وَهُوَ لَا يَتَحَرّكُ .


وَأُصِيبَتْ يَوْمَئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ . فَأُتِيَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّهَا بِيَدِهِ . فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ .


< 110> وَصَرَخَ الشّيْطَانُ إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَرّ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بِقَوْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ . ثُمّ اسْتَقْبَلَ النّاسَ وَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، فَقَالَ يَا سَعْدُ إنّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنّةِ مِنْ دُونِ أُحُدٍ . فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ . وَوَجَدَ بِهِ سَبْعُونَ جِرَاحَةً .


وَقَتَلَ وَحْشِيّ الْحَبَشِيّ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . رَمَاهُ بِحَرْبَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَبَشَةِ .


وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوَ الْمُسْلِمِينَ . فَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَهُ تَحْتَ الْمِغْفَرِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ . فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ . فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . وَنَهَضُوا مَعَهُ إلَى الشّعْبِ الّذِي نَزَلَ فِيهِ .


فَلَمّا أَسْنَدُوا إلَى الْجَبَلِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ كَانَ يَزْعُمُ بِمَكّةَ أَنّهُ يَقْتُلُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا اقْتَرَبَ مِنْهُ طَعَنَهُ رَسُولُ اللّهِ " صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فِي تَرْقُوَتِهِ فَكَرّ مُنْهَزِمًا . فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ مَا بِك مِنْ بَأْسٍ . فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ كَانَ مَا بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَحَازِ لَمَاتُوا أَجْمَعِينَ . فَمَاتَ بِسَرِفَ . وَحَانَتْ الصّلَاةُ فَصَلّى بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسًا .


وَشَدّ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ . فَلَمّا تَمَكّنَ مِنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حَنْظَلَةُ جَنْبًا . فَإِنّهُ سَمِعَ الصّيْحَةَ وَهُوَ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِهِ - قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إلَى الْجِهَادِ فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ


وَكَانَ الْأُصَيْرِمُ - عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ - يَأْبَى الْإِسْلَامَ . وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ : قَذَفَ اللّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِهِ لِلْحُسْنَى الّتِي سَبَقَتْ لَهُ . فَأَسْلَمَ وَأَخَذَ سَيْفَهُ . فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ بِأَمْرِهِ . فَلَمّا طَافَ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ وَجَدُوا الْأُصَيْرِمَ - وَبَهْ رَمَقٌ يَسِيرُ - فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذَا الْأُصَيْرِمَ . ثُمّ سَأَلُوهُ مَا الّذِي جَاءَ بِك ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك ، أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ؟ فَقَالَ بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْت . <111> وَمَاتَ مِنْ وَقْتِهِ . فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ " هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ " وَلَمْ يُصَلّ لِلّهِ سَجْدَةً قَطّ ([19])


وَلَمّا انْقَضَتْ الْحَرْبُ أَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْجَبَلِ وَنَادَى : أَفِيكُمْ مُحَمّدٌ ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ . فَقَالَ أَفِيكُمْ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ . فَقَالَ أَفِيكُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ .


فَقَالَ أَمّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كَفَيْتُمُوهُمْ . فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ يَا عَدُوّ اللّهِ إنّ الّذِينَ ذَكَرْتهمْ أَحْيَاءٌ وَقَدْ أَبْقَى اللّهُ لَك مَعَهُمْ مَا يَسُوءُك . ثُمّ قَالَ اُعْلُ هُبَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَلَا تُجِيبُوهُ ؟ " قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ " قُولُوا : اللّهُ أَعْلَى وَأَجَلّ " ثُمّ قَالَ لَنَا الْعُزّى ، وَلَا عُزّى لَكُمْ قَالَ " أَلَا تُجِيبُوهُ ؟ " قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ " قُولُوا : اللّهُ مَوْلَانَا . وَلَا مَوْلَى لَكُمْ " ([20]) ثُمّ قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ . وَالْحَرْبُ سِجَالٌ فَقَالَ عُمَرُ لَا سَوَاءٌ قَتْلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ .


وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ النّعَاسَ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدٍ . وَالنّعَاسُ فِي الْحَرْبِ مِنْ اللّهِ . وَفِي الصّلَاةِ وَمَجَالِسِ الذّكْرِ مِنْ الشّيْطَانِ .


وَقَاتَلَتْ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ . كَأَشَدّ الْقِتَالِ وَمَا رَأَيْتهمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ([21])


وَمَرّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بِرَجُلِ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَهُوَ يَتَشَحّطُ فِي دَمِهِ - فَقَالَ يَا فُلَانُ أَشَعَرْت أَنّ مُحَمّدًا قُتِلَ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : إنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَقَدْ بَلَغَ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ فَنَزَلَ ( 3 : 144 ) وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ الْآيَةَ .


وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ . وَأَظْهَرَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ .


وَأَكْرَمَ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ . فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ : إحْدَى وَسِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، أَوّلُهَا ( 3 : 121 - 180 ) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ الْآيَاتِ .


وَلَمّا انْصَرَفَتْ قُرَيْشٌ تَلَاوَمُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ . وَقَالُوا : لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا ، أَصَبْتُمْ شَوْكَتَهُمْ ثُمّ تَرَكْتُمُوهُمْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُمْ رُءُوسٌ يَجْمَعُونَ لَكُمْ . فَارْجِعُوا حَتّى نَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ .


< 112> فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَنَادَى فِي النّاسِ بِالْمَسِيرِ إلَيْهِمْ وَقَالَ " لَا يَخْرُجُ مَعَنَا إلّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ " فَقَالَ لَهُ ابْنُ أُبَيّ : أَرْكَبُ مَعَك ؟ قَالَ لَا . فَاسْتَجَابَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ - عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الْقَرْحِ الشّدِيدِ - وَقَالُوا : سَمْعًا وَطَاعَةً . وَقَالَ جَابِرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُحِبّ أَنْ لَا تَشْهَدَ مَشْهَدًا إلّا كُنْت مَعَك . وَإِنّمَا خَلّفَنِي أَبِي عَلَى بَنَاتِهِ فَأْذَنْ لِي أَسِيرُ مَعَك . فَأَذِنَ لَهُ .


فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ حَتّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ فَرَجَعُوا إلَى مَكّةَ . وَشَرَطَ أَبُو سُفْيَانَ لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ شَرْطًا عَلَى أَنّهُ إذَا مَرّ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يُخَوّفَهُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ أَنّ قُرَيْشًا أَجْمَعُوا لِلْكَرّةِ عَلَيْكُمْ لِيَسْتَأْصِلُوا بَقِيّتَكُمْ . فَلَمّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ قَالُوا ( 3 : 173 ) حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الرّابِعَةُ . فَكَانَتْ فِيهَا وَقْعَةُ خَبِيبٍ وَأَصْحَابِهِ فِي صَفَرٍ .


وَقْعَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ


وَفِي هَذَا الشّهْرِ بِعَيْنِهِ مِنْ السّنَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ . وَفِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ . وَنَزَلَ فِيهَا سُورَةُ الْحَشْرِ . ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الْخَامِسَةُ .


غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ


فَكَانَتْ فِيهَا غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ غَارّونَ . فَسَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ وَالنّعَمَ وَالشّاهَ . وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ السّبْيِ جُوَيْرِيّةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، سَيّدُ الْقَوْمِ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ . فَكَاتَبَهَا ، فَأَدّى عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَزَوّجَهَا ، فَأَعْتَقَ الْمُسْلِمُونَ - بِسَبَبِ هَذَا التّزَوّجِ - مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ . وَقَالُوا : أَصْهَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ


قِصّةُ الْإِفْكِ


<113> وَفِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَانَتْ قِصّةُ الْإِفْكِ . وَذَلِك أَنّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ بِقُرْعَةِ - وَتِلْكَ كَانَتْ عَادَتُهُ مَعَ نِسَائِهِ - فَلَمّا رَجَعُوا : نَزَلَ فِي طَرِيقِهِمْ بَعْضُ الْمَنَازِلِ . فَخَرَجَتْ عَائِشَةُ لِحَاجَتِهَا ، ثُمّ رَجَعَتْ . فَفَقَدَتْ عِقْدًا عَلَيْهَا . فَرَجَعَتْ تَلْتَمِسُهُ . فَجَاءَ الّذِينَ يُرَحّلُونَ هَوْدَجَهَا . فَحَمَلُوهُ . وَهُمْ يَظُنّونَهَا فِيهِ . لِأَنّهَا صَغِيرَةُ السّنّ . فَرَجَعَتْ - وَقَدْ أَصَابَتْ الْعِقْدَ - إلَى مَكَانِهِمْ . فَإِذَا لَيْسَ بِهِ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ . فَقَعَدَتْ فِي الْمَنْزِلِ وَظَنّتْ أَنّهُمْ يَفْقِدُونَهَا ، وَيَرْجِعُونَ إلَيْهَا . فَغَلَبَتْهَا عَيْنَاهَا . فَلَمْ تَسْتَيْقِظْ إلّا بِقَوْلِ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ : إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، زَوْجَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَكَانَ صَفْوَانُ قَدْ عَرّسَ فِي أُخْرَيَاتِ الْجَيْشِ لِأَنّهُ كَانَ كَثِيرَ النّوْمِ . فَلَمّا رَآهَا عَرَفَهَا - وَكَانَ يَرَاهَا قَبْلَ الْحِجَابِ - فَاسْتَرْجَعَ . وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَرَكِبَتْ وَمَا كَلّمَهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً . وَلَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ إلّا اسْتِرْجَاعَهُ . ثُمّ سَارَ يَقُودُ بِهَا ، حَتّى قَدِمَ بِهَا . وَقَدْ نَزَلَ الْجَيْشُ فِي نَحْرِ الظّهِيرَةِ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ النّاسُ تَكَلّمَ كُلّ مِنْهُمْ بِشَاكِلَتِهِ . وَوَجَدَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ عَدُوّ اللّهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ مُتَنَفّسًا . فَتَنَفّسَ مِنْ كَرْبِ النّفَاقِ وَالْحَسَدِ . فَجَعَلَ يَسْتَحْكِي الْإِفْكَ وَيَجْمَعُهُ وَيُفَرّقُهُ . وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَقَرّبُونَ إلَيْهِ به .


فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ : أَفَاضَ أَهْلُ الْإِفْكِ فِي الْحَدِيثِ . وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلّمُ . ثُمّ اسْتَشَارَ فِي فِرَاقِهَا . فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَلِيّ بِفِرَاقِهَا ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أُسَامَةُ بِإِمْسَاكِهَا .


وَاقْتَضَى تَمَامُ الِابْتِلَاءِ أَنْ حَبَسَ اللّهُ عَنْ رَسُولِهِ الْوَحْيَ شَهْرًا فِي شَأْنِهَا ، لِيَزْدَادَ الْمُؤْمِنُونَ إيمَانًا ، وَثَبَاتًا عَلَى الْعَدْلِ وَالصّدْقِ . وَيَزْدَادَ الْمُنَافِقُونَ إفْكًا وَنِفَاقًا وَلِتَتِمّ الْعُبُودِيّةُ الْمُرَادَةُ مِنْ الصّدّيقَةِ وَأَبَوَيْهَا ، وَتَتِمّ نِعْمَةُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَلِيَنْقَطِعَ رَجَاؤُهَا مِنْ الْمَخْلُوقِ وَتَيْأَسَ مِنْ حُصُولِ النّصْرِ وَالْفَرَجِ إلّا مِنْ اللّهِ .


فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعِنْدَهَا أَبَوَاهَا . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ " يَا عَائِشَةُ إنْ كُنْت بَرِيئَةً فَسَيُبَرّئُك اللّهُ وَإِنْ كُنْت قَدْ أَلْمَمْت بِذَنْبِ فَاسْتَغْفِرِي . فَإِنّ الْعَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ . ثُمّ تَابَ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ " .


< 114> قَالَتْ لِأَبِيهَا : أَجِبْ عَنّي رَسُولَ اللّهِ . قَالَ وَاَللّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللّهِ .

فَقَالَتْ لِأُمّهَا مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَتْ أُمّهَا مِثْلَ ذَلِكَ .


قَالَتْ فَقُلْت : إنْ قُلْت إنّي بَرِيئَةٌ - وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّي بَرِيئَةٌ - لَا تُصَدّقُونِي . وَلَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا . إلّا أَبَا يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ ( 12 : 18 ) فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ


قَالَتْ فَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَمّا أَنَا : فَعَلِمْت أَنّ اللّهَ لَا يَقُولُ إلّا الْحَقّ . وَأَمّا أَبَوَايَ فَوَاَلّذِي ذَهَبَ بِأَنْفَاسِهِمَا ، مَا أَقْلَعُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا خِفْت أَنّ أَرْوَاحَهُمَا سَتَخْرُجَانِ . فَكَانَ أَوّلَ كَلِمَةٍ قَالَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا اللّهُ يَا عَائِشَةُ فَقَدْ بَرّأَك .


فَقَالَ أَبَوَيّ قُومِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قُلْت وَاَللّهِ لَا أَقُومُ إلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إلّا اللّهَ " ([22]) . وَكَانَ حَسّانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِمّنْ قِيلَ عَنْهُ إنّهُ يَتَكَلّمُ مَعَ أَهْلِ الْإِفْكِ فَقَالَ يَعْتَذِرُ إلَى عَائِشَةَ . وَيَمْدَحُهَا :

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تَرَنّ بَرِيئَةً

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ

عَقِيلَةُ حَيّ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ

كِرَامِ الْمَسَاعِي . مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ

مُهَذّبَةٌ قَدْ طَيّبَ اللّهُ خَيْمَهَا

طَهّرَهَا مِنْ كُلّ سُوءٍ وَبَاطِلِ

لَئِنْ كَانَ مَا قَدْ قِيلَ عَنّي قُلْته

فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيّ أَنَامِلِي

وَكَيْفَ ؟ وَوُدّي مَا حَيِيت ، وَنُصْرَتِي

لِآلِ رَسُولِ اللّهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ


وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَرْضَى أَنْ يَذْكُرَ حَسّانُ بِشَيْءِ يَكْرَهُهُ وَتَقُولُ إنّهُ الّذِي يَقُولُ

فَإِنّ أَبِي ، وَوَالِدَتِي ، وَعِرْضِي

لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُمْ وَقَاءَ


فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْقِصّةِ أَوّلَ سُورَةِ النّورِ مِنْ قَوْلِهِ ( 24 : 1 - 26 ) الّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .


غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ



<115> وَفِي هَذِهِ السّنَةِ - وَهِيَ سَنَةُ خَمْسٍ - كَانَتْ وَقْعَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوّالٍ . وَسَبَبُهَا : أَنّ الْيَهُودَ لَمّا رَأَوْا انْتِصَارَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ، خَرَجَ أَشْرَافُهُمْ - كَسَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ - وَغَيْرِهِ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ يُحَرّضُونَهُمْ عَلَى غَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَعَدَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ النّصْرَ لَهُمْ . فَأَجَابَتْهُمْ قُرَيْشٌ . ثُمّ خَرَجُوا إلَى غَطَفَانَ : فَاسْتَجَابُوا لَهُمْ ثُمّ طَافُوا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ مَنْ اسْتَجَابَ .


فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ - وَقَائِدُهُمْ أَبُو سُفْيَانَ - فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ . وَوَافَقَهُمْ بَنُو سُلَيْمٍ بِمَرّ الظّهْرَانِ ، وَبَنُو أَسَدٍ ، وَفَزَارَةُ وَأَشْجَعُ وَغَيْرُهُمْ . وَكَانَ مَنْ وَافَى الْخَنْدَقَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ .


فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَسِيرِهِمْ إلَيْهِ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ . فَأَشَارَ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ بِحَفْرِ خَنْدَقٍ يَحُولُ بَيْنَ الْعَدُوّ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَبَادَرَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . وَعَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ . وَكَانَ فِي حَفْرِهِ مِنْ آيَاتِ نُبُوّتِهِ مَا قَدْ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِهِ .


وَخَرَجَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ . فَلَمّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ الشّدّةِ وَالْجُوعِ . قَالَ

اللّهُمّ لَا عَيْشَ إلّا عَيْشُ الْآخِرَةِ

فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ


فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ

نَحْنُ الّذِينَ بَايَعُوا مُحَمّدًا

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا


وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . فَتَحَصّنَ بِالْجَبَلِ مِنْ خَلْفِهِ - جَبَلُ سَلْعٍ - وَبِالْخَنْدَقِ أَمَامَهُ . وَأَمَرَ بِالنّسَاءِ وَالذّرَارِيّ فَجُعِلُوا فِي آطَامِ الْمَدِينَةِ .


وَانْطَلَقَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَدَنَا مِنْ حِصْنِهِمْ فَأَبَى كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ . فَلَمْ يَزَلْ يُكَلّمُهُ حَتّى فَتَحَ لَهُ . فَلَمّا دَخَلَ الْحِصْنَ قَالَ جِئْتُك بِعِزّ الدّهْرِ . جِئْتُك بِقُرَيْشِ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ ، عَلَى قَادَتِهَا لِحَرْبِ مُحَمّدٍ قَالَ بَلْ جِئْتنِي <116> وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ جِئْتنِي بِجِهَامِ قَدْ أَرَاقَ مَاءَهُ . فَهُوَ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ لَيْسَ فِيَة شَيْءٌ .


فَلَمْ يَزَلْ حَتّى نَقَضَ الْعَهْدَ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ . وَسُرّ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَشَرَطَ كَعْبٌ عَلَى حُيَيّ أَنّهُمْ إنْ لَمْ يَظْفَرُوا بِمُحَمّدِ أَنْ يَجِيءَ حَتّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي حِصْنِهِمْ فَيُصِيبُهُ مَا يُصِيبُهُمْ فَشَرَطَ ذَلِكَ وَوَفَى لَهُ .


وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ الْخَبَرُ . فَبَعَثَ إلَيْهِمْ السّعْدَيْنِ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِيَتَعَرّفُوا الْخَبَرَ . فَلَمّا دَنَوْا مَعَهُمْ وَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا يَكُونُ . وَجَاهَرُوهُمْ بِالسّبّ . وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .


فَانْصَرَفُوا وَلَحّنُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَحْنًا .


فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " اللّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ " .


وَاشْتَدّ الْبَلَاءُ وَنَجَمَ النّفَاقُ . وَاسْتَأْذَنَ بَعْضُ بَنِي حَارِثَةَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الذّهَابِ إلَى الْمَدِينَةِ . وَقَالُوا ( 33 : 13) إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا


وَأَقَامَ الْمُشْرِكُونَ مُحَاصِرِينَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهْرًا . وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لِأَجْلِ الْخَنْدَقِ ، إلّا أَنّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ - مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ - أَقْبَلُوا نَحْوَ الْخَنْدَقِ . فَلَمّا وَقَفُوا عَلَيْهِ قَالُوا : إنّ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُهَا . ثُمّ تَيَمّمُوا مَكَانًا ضَيّقًا مِنْهُ وَجَالَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ فِي السّبْخَةِ وَدُعُوا إلَى الْبَرَازِ . فَانْتَدَبَ لِعَمْرِو : عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَبَارَزَهُ . فَقَتَلَهُ اللّهُ عَلَى يَدَيْ عَلِيّ . وَكَانَ مِنْ أَبْطَالِ الْمُشْرِكِينَ .


وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ . وَلَمّا طَالَتْ هَذِهِ الْحَالُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُصَالِحَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَالْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ - رَئِيسَيْ غَطَفَانَ - عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ وَيَنْصَرِفَا بِقَوْمِهِمَا . وَجَرَتْ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى ذَلِكَ . وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّعْدَيْنِ . فَقَالَا : إنْ كَانَ اللّهُ أَمَرَك : فَسَمْعًا وَطَاعَةً . وَإِنْ كَانَ شَيْئًا تُحِبّ أَنْ تَصْنَعَهُ صَنَعْنَاهُ . وَإِنْ <117> كَانَ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا ، فَلَا . لَقَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً إلّا قُرًى أَوْ بِيَعًا . أَفَحِينَ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَعَزّنَا بِك ، نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا ؟ وَاَللّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ . فَصَوّبَ رَأْيَهُمَا .


وَقَالَ " إنّمَا هُوَ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، لَمّا رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ " .


ثُمّ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ - وَلَهُ الْحَمْدُ - صَنَعَ أَمْرًا مِنْ عِنْدِهِ خَذَلَ بِهِ الْعَدُوّ .


فَمِنْ ذَلِكَ أَنّ رَجُلًا مِنْ غَطَفَانَ - يُقَالُ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ - جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ قَدْ أَسْلَمْت ، فَمُرْ بِي بِمَا شِئْت . فَقَالَ " إنّمَا أَنْتَ رَجُلٌ وَاحِدٌ . فَخَذّلْ عَنّا مَا اسْتَطَعْت . فَإِنّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ " . فَذَهَبَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ - وَكَانَ عَشِيرًا لَهُمْ - فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِإِسْلَامِهِ . فَقَالَ إنّكُمْ قَدْ حَارَبْتُمْ مُحَمّدًا . وَإِنّ قُرَيْشًا إنْ أَصَابُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا ، وَإِلّا انْشَمِرُوا قَالُوا : فَمَا الْعَمَلُ ؟ قَالَ لَا تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ حَتّى يُعْطُوكُمْ رَهَائِنَ . فَقَالُوا : قَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ . ثُمّ مَضَى إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ هَلْ تَعْلَمُونَ وُدّي لَكُمْ وَنُصْحِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ إنّ الْيَهُودَ قَدْ نَدمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ وَإِنّهُمْ قَدْ أَرْسَلُوا إلَى مُحَمّدٍ أَنّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ رَهَائِنَ يَدْفَعُونَهَا إلَيْهِ ثُمّ يُمَالِئُونَهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ سَأَلُوكُمْ فَلَا تُعْطُوهُمْ . ثُمّ ذَهَبَ إلَى غَطَفَانَ . فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ .


فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّبْتِ مِنْ شَوّالٍ بَعَثُوا إلَى يَهُودَ إنّا لَسْنَا مَعَكُمْ بِأَرْضِ مُقَامٍ وَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ . فَاغْدُوَا بِنَا إلَى مُحَمّدٍ حَتّى نُنَاجِزَهُ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِمْ إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَ مِنْ قَبْلِنَا حِينَ أَحْدَثُوا فِيهِ . وَمَعَ هَذَا فَلَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ حَتّى تَبْعَثُوا لَنَا رَهَائِنَ .


فَلَمّا جَاءَهُمْ رُسُلُهُمْ قَالُوا : قَدْ صَدَقَكُمْ وَاَللّهِ نُعَيْمٌ . فَبَعَثُوا إلَيْهِمْ إنّا وَاَللّهِ لَا نَبْعَثُ إلَيْكُمْ أَحَدًا . فَقَالَتْ قُرَيْظَةُ قَدْ صَدَقَكُمْ وَاَللّهِ نُعَيْمٌ . فَتَخَاذَلَ الْفَرِيقَانِ .


وَأَرْسَلَ اللّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ جُنْدًا مِنْ الرّيحِ فَجَعَلَتْ تُقَوّضُ خِيَامَهُمْ وَلَا تَدَعُ لَهُمْ قَدْرًا إلّا كَفَأَتْهَا ، وَلَا طُنُبًا إلّا قَلَعَتْهُ وَجُنْدًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ يُزَلْزِلُونَ بِهِمْ وَيُلْقُونَ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ كَمَا قَالَ اللّهُ ( 33 : 9 ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا . <118> وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ } يَأْتِيهِ بِخَبَرِهِمْ . فَوَجَدَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَقَدْ تَهَيّئُوا لِلرّحِيلِ . فَرَجَعَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِرَحِيلِهِمْ .


فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ ، رَاجِعًا وَالْمُسْلِمُونَ إلَى الْمَدِينَةِ . فَوَضَعُوا السّلَاحَ . فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ وَقْتَ الظّهْرِ فَقَالَ أَقَدْ وَضَعْتُمْ السّلَاحَ ؟ إنّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَضَعْ أَسْلِحَتَهَا ، انْهَضْ إلَى هَؤُلَاءِ - يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ - فَنَادَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلّيَن الْعَصْرَ إلّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ " ([23]) .


فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ سِرَاعًا ، حَتّى إذَا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ قَالَ يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ هَلْ أَخْزَاكُمْ اللّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ ؟ ([24]) .


وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ . وَقَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ . فَقَالَ لَهُمْ رَئِيسُهُمْ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : إنّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا ، خُذُوا أَيّهَا شِئْتُمْ نُصَدّقُ هَذَا الرّجُلَ وَنَتّبِعُهُ . فَإِنّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ النّبِيّ الّذِي تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ .


قَالُوا لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التّوْرَاةِ أَبَدًا .

قَالَ فَاقْتُلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَاخْرُجُوا إلَيْهِ مُصْلِتِي سُيُوفَكُمْ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ .

قَالُوا : فَمَا ضَرّ الْعَيْشِ بَعْدَ أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا ؟


قَالَ فَانْزِلُوا اللّيْلَةَ . فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمّنُوكُمْ فِيهَا لِأَنّهَا لَيْلَةُ السّبْتِ - لَعَلّنَا نُصِيبُ مِنْهُمْ غُرّةً . قَالُوا : لَا نُفْسِدُ سَبْتَنَا . وَقَدْ عَلِمْت مَا أَصَابَ مَنْ اعْتَدَوْا فِي السّبْتِ . قَالَ مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ - مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمّهُ لَيْلَةً مِنْ الدّهْرِ حَازِمًا . ثُمّ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَحَكّمَ فِيهِمْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ الرّجَالُ وَتُقْسَمُ الْأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ . وَأَنْزَلَ اللّهُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ صَدْرَ سُورَةِ الْأَحْزَابِ . وَذَكَرَ قِصّتَهُمْ فِي قَوْلِهِ ( 33 : 9 - 27 ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ - إلَى قَوْلِهِ - وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ السّادِسَةُ .


 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 06:13 AM   #5


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)




الحلقة الثانية عشر ة (( غزواته ... 3 ))

صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ


وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةُ الْحُدَيْبِيَةِ . وَعِدّةُ الصّحَابَةِ إذْ ذَاكَ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ . وَهُمْ أَهْلُ الشّجَرَةِ ، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرّضْوَانِ . <119> خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ مُعْتَمِرًا ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا . فَلَمّا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلّدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَبَعَثَ عَيْنًا مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ . حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنَهُ فَقَالَا : إنّي تَرَكْت كَعْبَ بْنَ لُؤَيّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيّ قَدْ جَمَعُوا جُمُوعًا ، وَهُمْ مُقَاتِلُوك ، وَصَادّوك عَنْ الْبَيْتِ .


حَتّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ " .


فَمَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتّى إذَا هُوَ بِغَبَرَةِ الْجَيْشِ . فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا . وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ فِي ثَنِيّةِ الْمِرَارِ ، الّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا : بَرَكَتْ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النّاسُ حَلْ حَلْ . فَقَالُوا : خَلَأْت الْقَصْوَاءَ فَقَالَ " مَا خَلَأْت الْقَصْوَاءَ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقِ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ . ثُمّ قَالَ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطّةً يُعَظّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللّهِ إلّا أَعْطَيْتهمْ إيّاهَا " .


ثُمّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ بِهِ . فَعَدَلَ حَتّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ ، عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ . فَلَمْ يَلْبَثْ النّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ . فَشَكَوْا إلَيْهِ . فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ . وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ فَوَاَللّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرّيّ حَتّى صَدَرُوا عَنْهُ ([25]) .


وَفَزِعَتْ قُرَيْشٌ لِنُزُولِهِ . فَأَحَبّ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ رَجُلًا . فَدَعَا عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ لِي بِمَكّةَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ يَغْضَبُ لِي إنْ أُوذِيت ، فَأَرْسِلْ عُثْمَانَ . فَإِنّ عَشِيرَتَهُ بِهَا ، وَإِنّهُ يُبَلّغُ مَا أَرَدْت . فَدَعَاهُ فَأَرْسَلَهُ إلَى قُرَيْشٍ ، وَقَالَ " أَخْبِرْهُمْ أَنّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ وَإِنّمَا جِئْنَا عُمّارًا ، وَادْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ رِجَالًا بِمَكّةَ مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ . فَيُبَشّرُهُمْ فِي الْفَتْحِ وَأَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ مُظْهِرٌ دِينَهُ بِمَكّةَ حَتّى لَا يَتَخَفّى فِيهَا الْإِيمَانُ " .


فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ . فَمَرّ عَلَى قُرَيْشٍ . فَقَالُوا : إلَى أَيْنَ ؟ فَقَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَدْعُوكُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ وَيُخْبِرُكُمْ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالِ . وَإِنّمَا جِئْنَا عُمّارًا . قَالُوا : قَدْ سَمِعْنَا مَا تَقُولُ . فَانْفُذْ إلَى حَاجَتِك .


وَقَامَ إلَيْهِ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، فَرَحّبَ بِهِ . وَحَمَلَهُ عَلَى الْفَرَسِ ، وَأَرْدَفَهُ أَبَانٌ حَتّى جَاءَ مَكّةَ . <120> وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ خَلَصَ عُثْمَانُ مِنْ بَيْنِنَا إلَى الْبَيْتِ .


فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَا أَظُنّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَنَحْنُ مَحْصُورُونَ " قَالُوا : وَمَا يَمْنَعُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَقَدْ خَلَصَ ؟ قَالَ " ذَلِكَ ظَنّي بِهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ حَتّى نَطُوفَ مَعَهُ " .


وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي أَمْرِ الصّلْحِ . فَرَمَى رَجُلٌ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ رَجُلًا مِنْ الْفَرِيقِ الْآخَرِ . فَكَانَتْ مَعْرَكَةٌ . وَتَرَامَوْا بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ . وَصَاحَ الْفَرِيقَانِ وَارْتَهَنَ كُلّ مِنْهُمَا مَنْ فِيهِمْ .


وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ . فَدَعَا إلَى الْبَيْعَةِ . فَتَبَادَرُوا إلَيْهِ وَهُوَ تَحْتَ الشّجَرَةِ . فَبَايَعُوهُ عَلَى أَنْ لَا يَفِرّوا . فَأَخَذَ بِيَدِ نَفْسِهِ وَقَالَ " هَذِهِ عَنْ عُثْمَانَ " ([26]) .


وَلَمّا تَمّتْ الْبَيْعَةُ رَجَعَ عُثْمَانُ فَقَالُوا لَهُ اشْتَفَيْت مِنْ الطّوَافِ بِالْبَيْتِ . فَقَالَ بِئْسَمَا ظَنَنْتُمْ بِي . وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ مَكَثْت بِهَا سَنَةً وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَا طُفْت بِهَا حَتّى يَطُوفَ . وَلَقَدْ دَعَتْنِي قُرَيْشٌ إلَى الطّوَافِ فَأَبَيْت . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولُ اللّهِ أَعْلَمُ بِاَللّهِ وَأَحْسَنُنَا ظَنّا .


وَكَانَ عُمَرُ أَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْبَيْعَةِ وَهُوَ تَحْتَ الشّجَرَةِ ، فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ كُلّهُمْ . لَمْ يَتَخَلّفْ إلّا الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ .


وَكَانَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ آخِذًا بِغُصْنِهَا يَرْفَعُهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ بَايَعَهُ أَبُو سِنَانٍ وَهْبُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيّ ، وَبَايَعَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ فِي أَوّلِ النّاسِ وَوَسَطِهِمْ وَآخِرِهِمْ .


فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرِ خُزَاعَةَ - وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ - فَقَالَ إنّي تَرَكْت ابْنَ لُؤَيّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيّ : قَدْ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ ، مَعَهُمْ الْعَوْذُ الْمَطَافِيلُ . وَهُمْ مُقَاتِلُوك وَصَادّوك عَنْ الْبَيْتِ . فَقَالَ " إنّا لَمْ نجئ لِقِتَالِ أَحَدٍ . وَإِنّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ . وَإِنّ قُرَيْشًا نَهَكَتْهُمْ الْحَرْبَ وَأَضَرّتْ بِهِمْ . فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتهمْ وَيُخَلّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النّاسِ . فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النّاسُ فَعَلُوا ، وَإِلّا فَقَدْ جَمّوا ، وَإِنْ أَبَوْا إلّا الْقِتَالَ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْتُلَنّاهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي ، أَوْ لَيُنْفِذَن اللّهُ أَمْرَهُ " .


< 121> قَالَ بُدَيْلٌ سَأُبَلّغُهُمْ مَا تَقُولُ . فَانْطَلَقَ حَتّى أَتَى قُرَيْشًا ، فَقَالَ إنّي قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرّجُلِ وَسَمِعْته يَقُولُ قَوْلًا . فَإِنْ شِئْتُمْ عَرَضْته عَلَيْكُمْ .


فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُحَدّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءِ . وَقَالَ ذَوُو الرّأْيِ مِنْهُمْ هَاتِ مَا سَمِعْته يَقُولُ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ كَذَا وَكَذَا .


فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إنّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِهِ . فَقَالُوا : ائْتِهِ . فَأَتَاهُ . فَجَعَلَ يُكَلّمُهُ . فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ . فَقَالَ عُرْوَةُ أَيْ مُحَمّدُ ، أَرَأَيْت لَوْ اسْتَأْصَلْت قَوْمَك ، هَلْ سَمِعْت بِأَحَدِ مِنْ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَك ؟ وَإِنْ تَكُنْ الْأُخْرَى ، فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرَى أَوْ شَابّا مِنْ النّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرّوا وَيَدْعُوك .


فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : اُمْصُصْ بَظْرَ اللّاتِ ، أَنَحْنُ نَفِرّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ ؟ .


قَالَ عُرْوَةُ مَنْ ذَا يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ . قَالَ أَمَا وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَك عِنْدِي - لَمْ أُجْزِك بِهَا - لَأَجَبْتُك .


وَجَعَلَ يُكَلّمُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَرْمُقُ أَصْحَابَهُ . فَوَاَللّهِ مَا انْتَخَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُخَامَةً إلّا وَقَعَتْ فِي كَفّ رَجُلٍ مِنْهُمْ . فَدَلّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ وَإِذَا أَمَرَ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ . وَإِذَا تَوَضّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ . وَإِذَا تَكَلّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ . وَمَا يَجِدُونَ إلَيْهِ النّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ .


فَرَجَعَ عُرْوَةُ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ وَاَللّهِ لَقَدْ وَفَدْت عَلَى الْمُلُوكِ - كِسْرَى ، وَقَيْصَرَ . وَالنّجَاشِيّ - وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت مَلِكًا يُعَظّمُهُ أَصْحَابُهُ كَمَا يُعَظّمُ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ مُحَمّدًا . وَاَللّهِ مَا انْتَخَمَ نُخَامَةً إلّا وَقَعَتْ فِي كَفّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلّكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ . ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِجَمِيعِ مَا تَقَدّمَ ثُمّ قَالَ وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا .


قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ " دَعُونِي آتِهِ فَقَالُوا : ائْتِهِ . فَلَمّا أَشْرَفَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " هَذَا فُلَانٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظّمُونَ الْبُدْنَ . فَابْعَثُوهَا لَهُ " فَفَعَلُوا وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبّونَ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ . قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَصُدّوا عَنْ الْبَيْتِ . فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ . <122> فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ " .


فَفَالَ هَاتِ اُكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَك كِتَابًا . فَدَعَا الْكَاتِبَ وَهُوَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - فَقَالَ " اُكْتُبْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ " فَقَالَ سُهَيْلٌ أَمّا الرّحْمَنُ فَمَا أَدْرِي مَا هُوَ ؟ وَلَكِنْ اُكْتُبْ " بِاسْمِك اللّهُمّ " كَمَا كُنْت تَكْتُبُ . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاَللّهِ لَا نَكْتُبُهَا إلّا " بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ " فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ " ثُمّ قَالَ " اُكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ " فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاَللّهِ لَوْ نَعْلَمُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ مَا صَدَدْنَاك عَنْ الْبَيْتِ وَلَكِنْ اُكْتُبْ " مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ " فَقَالَ " إنّي رَسُولُ اللّهِ وَإِنْ كَذّبْتُمُونِي ، اُكْتُبْ مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ " ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " عَلَى أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ . فَنَطُوفَ بِهِ " فَقَالَ سُهَيْلٌ وَاَللّهِ لَا تُحَدّثُ الْعَرَبُ أَنّنَا أَخَذْنَا ضَغْطَةً وَلَكِنْ ذَاكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ . فَقَالَ سُهَيْلٌ " وَعَلَى أَنْ لَا يَأْتِيَك رَجُلٌ مِنّا ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِك ، إلّا رَدَدْنَهُ إلَيْنَا " فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ " سُبْحَانَ اللّهِ كَيْفَ يُرَدّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا ؟ " .


فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلَ مَكّةَ يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ حَتّى رَمَى بِنَفْسَةِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ . فَقَالَ سُهَيْلٌ هَذَا أَوّلُ مَا أُقَاضِيك عَلَيْهِ أَنْ تَرُدّهُ إلَيّ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ " فَقَالَ إذًا وَاَللّهِ لَا أُصَالِحُك عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَأَجِزْهُ لِي " قَالَ مَا أَنَا بِمُجْتَزّهِ لَك . قَالَ " بَلَى فَافْعَلْ " قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ . قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ أُرَدّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْت مُسْلِمًا ؟ أَلَا تَرَوْنَ مَا لَقِيت ؟ وَكَانَ قَدْ عُذّبَ فِي اللّهِ عَذَابًا شَدِيدًا - قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : " وَاَللّهِ مَا شَكَكْت مُنْذُ أَسْلَمْت إلّا يَوْمَئِذٍ . فَأَتَيْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْت نَبِيّ اللّهِ ؟ فَالَ . بَلَى . قُلْت : أَلَسْنَا عَلَى حَقّ وَعَدُوّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ قَالَ بَلَى . قُلْت عَلَامَ نُعْطِي الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ وَنَرْجِعُ وَلَمّا يَحْكُمُ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَعْدَائِنَا ؟ فَقَالَ إنّي رَسُولُ اللّهِ وَهُوَ نَاصِرِي . وَلَسْت أَعْصِيهِ . قُلْت . أَوَ لَسْت تُحَدّثُنَا : أَنّا نَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ قَالَ بَلَى ، أَفَأَخْبَرْتُك أَنّك تَأْتِيهِ الْعَامَ ؟ قُلْت : لَا . قَالَ فَإِنّك آتِيهِ وَمُطّوّفٌ بِهِ . قَالَ فَأَتَيْت أَبَا بَكْرٍ . فَقُلْت لَهُ مِثْلَمَا قُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَرَدّ عَلَيّ كَمَا رَدّ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَوَاءً وَزَادَ فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتّى نَمُوتَ .


فَوَاَللّهِ إنّهُ لَعَلَى الْحَقّ . فَعَمِلْت لِذَلِكَ أَعْمَالًا " . <123> فَلَمّا فَرَغَ مِنْ قَضِيّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ " قُومُوا فَانْحَرُوا . ثُمّ احْلِقُوا " قَالَ فَوَاَللّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتّى قَالَهَا ثَلَاثَ مَرّاتٍ . فَلَمّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، قَامَ وَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتّى نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ .


فَلَمّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا . وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا ، حَتّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمّا . ثُمّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 60 : 10 ) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ - حَتّى بَلَغَ - بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ فَطَلّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرْكِ .


وَفِي مَرْجِعِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَزَلَ اللّهُ سُورَةَ الْفَتْحِ ( 48 : 1 إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ - الْآيَةَ . فَقَالَ عُمَرُ أَوَ فَتْحٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ الصّحَابَةُ هَذَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا لَنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ ( 48 : 4 ، 5 ) هُوَ الّذِي أَنْزَلَ السّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ - الْآيَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ - فَوْزًا عَظِيمًا


وَلَمّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ جَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ - رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - مُسْلِمًا ، فَأَرْسِلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ وَقَالُوا : الْعَهْدَ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَك . فَدَفَعَهُ إلَى الرّجُلَيْنِ . فَخَرَجَا بِهِ حَتّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ . فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ .


فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِهِمَا : إنّي أَرَى سَيْفَك هَذَا جَيّدًا . فَقَالَ أَجَلْ . وَاَللّهِ إنّهُ لَجَيّدٌ لَقَدْ جَرّبْت بِهِ ثُمّ جَرّبْت فَقَالَ أَرِنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ . فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ . فَضَرَبَهُ حَتّى بَرَدَ . وَفَرّ الْآخَرُ . حَتّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ . فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا " فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِ قَالَ قُتِلَ وَاَللّهِ صَاحِبِي ، وَإِنّي لَمَقْتُولٌ .


فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ ، فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ قَدْ أَوْفَى اللّهُ ذِمّتَك ، قَدْ رَدَدْتنِي إلَيْهِمْ فَأَنْجَانِي اللّهُ مِنْهُمْ . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " وَيْلَ أُمّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ " .


فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنّهُ سَيَرُدّهُ إلَيْهِمْ . فَخَرَجَ حَتّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ . وَتَفَلّتَ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلٍ . فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ . فَلَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ - قَدْ أَسْلَمَ - إلّا لَحِقَ بِهِ .


حَتّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ . فَوَاَللّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرِ لِقُرَيْشِ خَرَجَتْ إلَى الشّامِ إلّا اعْتَرَضُوا لَهَا ، فَقَاتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ . فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تُنَاشِدُهُ اللّهَ وَالرّحِمَ لَمّا أَرْسَلَ إلَيْهِمْ فَمَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ .



غَزْوَةُ خَيْبَر


وَلَمّا <124> قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، مَكَثَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ يَوْمًا ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا . ثُمّ خَرَجَ إلَى خَيْبَرَ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ وَقَدِمَ أَبُو هَرِيرَةَ حِينَئِذٍ الْمَدِينَةَ مُسْلِمًا . فَوَافَى سِبَاعًا فِي صَلَاةِ الصّبْحِ . فَسَمِعَهُ يَقْرَأُ وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ فَقَالَ - وَهُوَ فِي الصّلَاةِ - وَيْلُ أَبِي فُلَانٍ لَهُ مِكْيَالَانِ إذَا اكْتَالَ بِالْوَافِي ، وَإِذَا كَالَ كَالَ بِالنّاقِصِ .


وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ : خَرَجْنَا إلَى خَيْبَرٍ . فَقَالَ رَجُلٌ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيّاتِكَ ؟ فَنَزَلَ يَحْدُو وَيَقُولُ

لَا هُمّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا

فَأَنْزِلَن سَكِينَةً عَلَيْنَا

وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا

إنّا إذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا

وَبِالصّيَاحِ عَوّلُوا عَلَيْنَا




وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا


فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَنْ هَذَا السّائِقُ ؟ " قَالُوا : عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ . قَالَ " رَحِمَهُ اللّهُ " ([27]) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْلَا مَتّعْتنَا بِهِ ؟ .


قَالَ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ . فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ . فَلَمّا تَصَافّوا خَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ -

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبٌ

شَاكّي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبُ




إذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلْهَبُ


فَنَزَلَ إلَيْهِ عَامِرٌ وَهُوَ يَقُولُ -

قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي عَامِرٌ

شَاكّي السّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرُ


فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ . فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ فَعَضّهُ . فَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ - وَكَانَ سَيْفُهُ قَصْرًا - فَرَجَعَ إلَيْهِ سَيْفٌ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَمَاتَ .


قَالَ سَلَمَةُ فَقُلْت لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَعَمُوا أَنّ عَامِرًا حَبَطَ عَمَلُهُ فَقَالَ " كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ إنّ لَهُ أَجْرَانِ - وَجَمَعَ بَيْنَ إصْبَعَيْهِ - إنّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ ، قَلّ عَرَبِيّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ " ([28]) . <125> وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَالَ " قِفُوا " فَوَقَفَ الْجَيْشُ .


فَقَالَ " اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبّ الْأَرَضِينَ السّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَلْنَ وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ . فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا ، وَخَيْرَ مَا فِيهَا . وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرّ أَهْلِهَا ، وَشَرّ مَا فِيهَا . أَقْدِمُوا بِاسْمِ اللّهِ " .


فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً . وَكَانَتْ أَرْضًا وَخْمَةً شَدِيدَةَ الْحَرّ . فَجَهَدَ الْمُسْلِمُونَ جَهْدًا شَدِيدًا . فَقَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ . فَوَعَظَهُمْ وَحَضّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ .


وَكَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ أَسْوَدُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي رَجُلٌ أَسْوَدُ اللّوْنِ قَبِيحُ الْوَجْهِ مُنْتِنُ الرّيحِ لَا مَالَ لِي . فَإِنْ قَاتَلْت هَؤُلَاءِ حَتّى أُقْتَلَ أَدْخُلْ الْجَنّةَ ؟ قَالَ " نَعَمْ " فَتَقَدّمَ . فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا رَآهُ " لَقَدْ حَسّنَ اللّهَ وَجْهَك ، وَطَيّبَ رِيحَك . وَكَثّرَ مَالَك " وَقَالَ " لَقَدْ رَأَيْت زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ تَتَنَازَعَانِ جُبّةً عَلَيْهِ . وَتَدْخُلَانِ فِيمَا بَيْنَ جِلْدِهِ وَجُبّتِهِ " .


فَافْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمَ بَعْضَهَا ، ثُمّ تَحَوّلَ إلَى الْكَعْبَةِ ، وَالْوَطِيحِ ، وَالسّلَالِمِ . فَإِنّ خَيْبَرَ كَانَتْ جَانِبَيْنِ الْأَوّلُ الشّقّ وَالنّطَاةُ ، الّذِي اُفْتُتِحَ أَوّلًا . وَالثّانِي : مَا ذَكَرْنَا .


فَحَاصَرَهُمْ حَتّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ الصّلْحَ . وَنَزَلَ إلَيْهِ سَلّامُ ابْنُ أَبِي الْحَقِيقِ فَصَالَحَهُمْ عَلَى حَقْنِ الدّمَاءِ وَعَلَى الذّرّيّةِ وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ ، وَيُخَلّونَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَرْضٍ . وَعَلَى الصّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْحَلْقَةِ إلّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ .


فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ قَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ مِنْكُمْ . فَدَعْنَا نَكُونُ فِيهَا . فَأَعْطَاهُمْ إيّاهَا ، عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهَا وَزَرْعِهَا .


ثُمّ قَسَمَهَا عَلَى سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا ، كُلّ سَهْمٍ مِائَةُ سَهْمٍ . فَكَانَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتّمِائَةِ سَهْمٍ . نِصْفُهَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ . وَالنّصْفُ الْآخَرُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ



 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 10:19 AM   #6


بدر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 806
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 09-07-2024 (05:19 PM)
 المشاركات : 69,312 [ + ]
 التقييم :  455858
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : White
شكراً: 9,960
تم شكره 3,535 مرة في 1,774 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)



جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
لاعدمنا روعتك
ولك احترامي وتقديري


 
 توقيع : بدر

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 10:21 AM   #7


ملاك الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 716
 تاريخ التسجيل :  Aug 2015
 أخر زيارة : 09-10-2018 (11:02 PM)
 المشاركات : 500,671 [ + ]
 التقييم :  1019494
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 SMS ~
من جنون عشقــــي...
أحلم بك كل ليله....
وحين أستيقظ
أجد رائحة عطـــرك
تملاء سريرى ووسادتى
بل كل أركــان غرفتي
فيزيد إشتياقــــى إليك
لوني المفضل : Crimson
شكراً: 22,905
تم شكره 24,630 مرة في 12,520 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)



جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْتِ بــِطآعَة الله ..~


 
 توقيع : ملاك الورد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 03:32 PM   #8


αℓмαнα غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 397
 تاريخ التسجيل :  Nov 2014
 أخر زيارة : 07-16-2022 (12:39 PM)
 المشاركات : 82,377 [ + ]
 التقييم :  2930524
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Coral
شكراً: 2,368
تم شكره 2,572 مرة في 1,242 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)




جَزآك آلمولٍى خٍيُرٍ " .. آلجزآء .. "
و ألٍبًسِك لٍبًآسَ
" آلتًقُوِىَ "وً " آلغفرآنَ "
وً جَعُلكٍ مِمَنً يٍظَلُهمَ آلله فٍي يٍومَ لآ ظلً إلاٍ ظله .~
وً عٍمرً آلله قًلٍبًك بآلآيمٍآنَ .~
علًىَ طرٍحًك آلًمَحِمًلٍ بنًفُحآتٍ إيمآنٍيهً .!


 
 توقيع : αℓмαнα

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 06:35 PM   #9


شموخ وايليه متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 146
 تاريخ التسجيل :  Mar 2014
 أخر زيارة : يوم أمس (07:47 PM)
 المشاركات : 271,106 [ + ]
 التقييم :  54974664
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Mintcream
شكراً: 16,261
تم شكره 19,218 مرة في 7,916 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)



جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه


 
 توقيع : شموخ وايليه

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-08-2015, 07:57 PM   #10


لقياك عيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 196
 تاريخ التسجيل :  May 2014
 أخر زيارة : 09-06-2024 (04:23 PM)
 المشاركات : 39,032 [ + ]
 التقييم :  6586
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 SMS ~
إنتي ما جبرتي تلفتين النظر
إنتي من الله مُلفته💙
لوني المفضل : White
شكراً: 743
تم شكره 132 مرة في 88 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3)



جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك


 
 توقيع : لقياك عيد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
100, الرحمة, الصلاة, حلقة3, سيرة, عليه, والسلام, نبي

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

Forum Jump

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(1) عبدالعزيز هدي نبينا المصطفى ▪● 39 01-06-2016 05:35 AM
سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(2) عبدالعزيز هدي نبينا المصطفى ▪● 35 12-21-2015 01:44 PM
درع النبي عليه الصلاة والسلام عبدالعزيز الصوتيات والمرئيات الاسلاميه ▪● 28 12-08-2015 10:57 PM
سيرة النبي المختار عليه الصلاة والسلام بطريقة سؤال وجواب عبدالعزيز هدي نبينا المصطفى ▪● 31 11-24-2015 12:10 PM
سيرة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في حلقات ♪ تْرآتْيِلَ آلروُحَ ♥♥ هدي نبينا المصطفى ▪● 82 10-21-2015 07:32 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 12:31 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Security team

mamnoa 4.0 by DAHOM