بينما كانت تعد لطفلها طعام الإفطار، وبأول لقمة وضعها بفمه سألها سؤالا: “ما هي قيمة حياتي أمي؟!”
التفتت إليه والدته في دهشة وحيرة من أمرها: “إنه سؤال كبير للغاية”، فكرت قليلا ومن ثم قالت لابنها: “احتفظ بفكرتك، قليلا وسأعود إليك”.
عادت إليه والدته وبيدها شيئا من مجوهراتها، وقالت: “خذ هذا الحجر واخرج لتعرف قيمته، وعندما تعود بعدما تعلم قيمته الفعلية سأخبرك حينها وأجيبك عن سؤالك”.
أمسك الطفل به جيدا وذهب للخارج، وبعد الكثير من الوقت عاد لوالدته متحمسا…
الأم: “وأخيرا عدت، أخبرني ماذا وجدت؟”
الابن: “عندما خرجت وجدت بائعا للفاكهة، فسألته عن قيمة هذا الحجر، فأمسك به جيدا وأمعن النظر قائلا (لا أعلم، ولكني من الممكن أن أعطيك موزة مقابله)،
لم أقبل عرضه لأنني شعرت أن قيمة الحجر أعلى من ذلك؛ فاستردته منه وأكملت طريقي وبالتحديد للمتحف، وسألت مديره (كم من المال يمكنك أن تدفع لي مقابل هذا الحجر؟)،
فأمسك به قائلا (لقد أعجبت كثيرا بحماسك، ولكن المتحف لا يهتم كثيرا باقتناء مثل هذه الأحجار)، فأعطاني إياه وأكملت طريقي وبهذه المرة توجهت مباشرة للجواهرجي وقد أخبرني
(إن الجوهرة التي بيدك لم أرى طوال حياتي مثلها، هذه الجوهرة هي أكثر جوهرة مثالية رأيتها بحياتي ولا يمكن تقييمها، من وجهة نظري إنها جوهرة لا تقدر بثمن).
أمي ما قيمتها الفعلية، وما علاقة قيمتها بقيمة حياتي؟!”
الأم: “أريد منك أن تتعلم أن الناس سيقيمون قيمتك من وجهة نظرهم هم، سيقيمونك من حيث علمهم وإيمانهم بك، ولكن مهما كان تقييمهم بك لا ينافي إطلاقا حقيقة أنك
لا تقدر بثمن على الإطلاق؛ لذلك أريد منك أن تتذكر دوما أن تحط نفسك بأناس يقدرون قيمتك مثل الجواهرجي الذي قدر قيمة الجوهرة هذه، هم من سيقدرون قيمتك بكل حب واهتمام وحنان”.
القصـــــــــــة الثانيــــــــــة:
في إحدى الأيام أودع رجل عطارا جاره بالسوق عقدا نفيسا وباهظ الثمن للغاية أمانة أراد أن يحفظه ممن حوله، وبعد مرور بضعة أشهر أراد الرجل أن يعطيه لابنته الوحيدة التي جاءت من سفرها،
ولكن العطار أنكر عليه عقده، وأقسم أنه لم يأخذ منه شيئا.
استاء الرجل من العطار وما فعله معه، فذهب للخليفة عضد الدولة وساعدها ليشكو إليه أمر العطار جاره وما فعله معه، كان الخليفة حكيم للغاية، فطلب من الرجل أن يذهب للسوق ويجلس
بجانب محل العطار لمدة ثلاثة أيام على التوالي، وباليوم الرابع سيمر الخليفة بجواده ومعه رجاله، طلب منه الخليفة ألا يقوم من مكانه له، وإذا سأله عن شيء فعليه أن يجيبه على قدر السؤال ليس إلا،
وبمجرد أن ينصرف القاضي من أمامه عليه أن يذكر العطار بأمر عقده في الحال.
وبالفعل نفذ الرجل كل ما طلبه منه الخليفة بالحرف الواحد، وباليوم الرابع جاءه الخليفة مع رجاله، والكل من حول الرجل استقام باستثنائه، اقترب الخليفة من الرجل وسأله قائلا: “لم أرك منذ زمن”.
فأجابه الرجل قائلا دون أن يقف بمكانه، وبشكل بدا عليه اللامبالاة أيضا: “سأمر عليك ريثما أفيق بإذن الله”.
استأذن منه الخليفة بالرحيل، وبعدها قبل أن يذكر الرجل العطار بأمر عقده، وجد العطار نفسه هرع إليه مسرعا يسأله عن الشيء الذي فقده، فأخبره بأمر العقد، فأمسكه من
يده وتظاهر بأنه يبحث عنه بكل مكان بمحل عطارته، وفي النهاية وجده وأعطاه إياه.
ذهب الرجل للخليفة مرة أخرى ليؤكد له أن خطته التي رسمها له قد نجحت نجاحاً باهراً، وأن العطار قد أعطاه العقد، فأمر الخليفة بالإتيان بالعطار وعاقبه أشد عقاب على خيانته.