أول حقّ لله على
عباده الذين خلقهم ورباهم بنعمه:
حق التوحيد وعدم الشرك به .
حقّ الله من أعظم الحقوق التي يجب أن يؤديها العبد تجاه ربه، والحقوق في الإسلام وُضعت كي تنظم العلاقة بين الإنسان وربه وبين أقاربه والمجتمع والناس في بيئته، وبأداء الحقوق والوفاء بها تكون النتيجة مرضية له وهي الفلاح، فالإنسان الذي يؤدي حقّ الله بكل ما يشمله يفوز بالخيرات ويفوز بالجنة فالجنة هي الفوز العظيم لكل شيء يؤديه الإنسان تجاه ربه والناس فقال الله سبحانه وتعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ} فالجنة هي الفوز العظيم والحقيقي الذي يناله الإنسان بأعماله الصالحة وعبادته الخالصة لوجه الله تعالي، والحق في الإسلام بوجه عام هو الشيء الثابت الذي لا يجب إنكاره، بل هو من الثوابت التي لا تتغير، والحقوق هي الأشياء التي نص عليها الشرع ووجوب أدائها بواسطة الإنسان تجاه ربه والناس وذلك لما يترتب عليها من الكثير من المصالح الدنيوية والدينية وعند الإخلال بأي جزء منها تفسد الأمور والمصالح الدنيوية والدينية.
حقّ الله هو أعظم الحقوق وأولاها بالتقديم والذكر والاستفاضة في تذكير الناس به، فهو حق الله الذي خلقنا وصورنا في أحسن صورة وهدانا ورزقنا، وهو الذي إذا قضى أمرًا فإنه يقول كن فيكون، وذلك مصداقًا للقرآن الكريم في الكثير من آياته:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، وأول حق لله على
عباده الذين خلقهم ورباهم بنعمه هو حق التوحيد وعدم الشرك به، وهو الذي يتخلص في الآيات التي ذكرت في القرآن الكريم مثل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وقال سبحانه وتعالى أيضًا في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فالله خلق الإنسان ليعبده، لذلك من حق الله على
عباده أن يعبدوه حق العبادة ولا يشركوا به شيئًا، والعبادة ليست على الإنسان فقط، بل العبادة على كل شيء خلقه الله من الجن والإنسان، وكذلك الطيور فالطيور تسبح ربها وتعبده فهو خالقها ورازقها فقال الله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
ما هي أعظم حقوق الله على عباده
إن أعظم وأول حقوق الله على
عباده هو التوحيد وعدم الشرك به، وعدم إشراك أي أحد ولا شيء معه في العبادة، وكان هذا الحق من أوائل الأشياء التي أظهرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الإسلام، فقد ظهر الإسلام في بيئة جاهلة كلها مشركين، يتخذون شركاء لله في العبادة، فجاء الإسلام بالدعوة للتوحيد وليس هذا فقط فقد كان المشركون بمكة موحدين، يؤمنون أن الله موجود ويصرفون إليه جزءًا من العبادة ويعلمون أن الله هو الخالق والرازق صاحب القوة حيث صورهم الله سبحانه وتعالى في القرآن فقال: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، وفي سورة يونس يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.
كان المشركون يتحججون بأنهم لا يعبدونهم إلا تقربًا من الله وأنهم يتخذونهم شفعاء فقط ولا يعبدونهم من دون الله لأنهم كانوا بالفعل يؤمنون بوجود الله فذكرهم القرآن في سورة الزمر وهم يبررون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} وفي سورة يونس: {هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ}، لذلك كان أول شيء دُعي إليه هو التوحيد وعدم الشرك بالله وعبادة الله وحده حقّ العبادة، ولأن الإسلام نزل في بيئة شرك مليئة بالأصنام فكان لا بد من تبيان أهمية التوحيد في بدايات الدعوة، وجعل أول وأعظم حق من حقوق الله على
عباده هو عبادته وتوحيده وعدم الشرك به.