المقدمة:
الحمد لله الذي جعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف، والصلاة والسلام على من حثنا على الإنفاق، سيدنا محمد
بن عبدالله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد:
فقد استمعت إلى شيخنا العلامة الشيخ عبدالله باه، إمام المركز الإسلامي للدعوة إلى الكتاب والسنة بدكار، يتحدث
عن
أهمية الصدقة للفرد والمجتمع، وعن الإسلام وحبه للتعاون والتعارف والتعاطف والتعاضد فيما بيننا وأنه فتح باب
التيسير في إخراج الصدقات دون تكلف على الناس؛ فأحببنا أن نكتب موضوعًا حول "أهمية
الصدقة للمسلم في
الدنيا والآخرة"
لعل الله يشرح به صدور خلقه المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تعريف الصدقة:
هو تبرع بشيء مباح في سبيل الله دون تحديد نِصاب وزمان.
فيدخل فيها الأفعال والأقوال الحسنة، المادية والمعنوية، والأموال كالذهب والفضة والأوراق النقدية، والحيوانات
المأكولة والمركوبة، والأطعمة والمشروبات والنباتات كالقمح والتمر، والجمادات كأوقاف المباني والسيارات والملابس، وغيرها.
حكم إخراج الصدقة:
مستحبة بخلاف الزكاة.
الدليل من الكتاب والسنة:
أ- القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
ب- السُّنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصدق بعدل تمرة من كسبٍ طيِّب، لا يقبل الله
إلا الطيِّبَ، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يُرَبِّيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل))؛ متفق عليه.
الفرق بين
الصدقة والزكاة:
1-
الصدقة أعم من الزكاة؛ فكل زكاة صدقة، وليس كل صدقة زكاة.
2-
الصدقة مستحبة، والزكاة واجبة.
3-
الصدقة غير محددة بنصاب وزمان، بينما الزكاة محددة بنصاب وزمان ومكان.
الدليل على أن
الصدقة ليست لها وقت محدد:
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].
أما الزكاة:
أ- الأموال كالذهب والفضة: يبلغان النصاب ويحول عليهما الحول.
ب- البهائم: بلوغ النصاب ويحول عليها الحول.
ت- الحرث: يخرج في يوم حصاده.
ث- مصارف الزكاة: هم الأشخاص المذكورون في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
الحكمة في إخراج الصدقة:
1- أنها تورث المحبة.
2- التعارف.
3- تنشر الرحمة.
4- تقلل الفقر في المجتمع.
5- تبث في المجتمع روح التعاضد والترابط.
ضوابط إخراج الصدقة:
1- أن يكون المُتصدَّق به مباحًا؛ فلا يصح إخراج المحرمات قلَّ أو كثر؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة: 100].
2- أن تكون خالصة لوجه الله؛ فلا تصح صدقة أخرجت لغير الله؛ قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].
3- ألَّا تكون رياء ولا من أجل المَنِّ والأذى؛ قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ
وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 264].
4- أن يتصدق بما يحب لا مما يكره؛ قال تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].
فضل
الصدقة في
الدنيا والآخرة:
أما في الدنيا:
1-
الصدقة تتضاعف، وتنمو وتُبارَك؛ قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276].
2- الملائكة يدعون للمتصدقين؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم يصبح العباد فيه
إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا))؛ متفق عليه.
3-
الصدقة تطفئ غضب الرب؛ جاء في حديث ابن عباس وعمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وعبدالله بن جعفر
وأم سلمة وأبي أمامة ومعاوية بن حيدة رضي الله عنهم أجمعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدقة السر تطفئ غضب الرب))؛ حسنه الألباني.
4-
الصدقة تشفي المريض؛ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((داووا مرضاكم بالصدقة))؛ حسنه الألباني.
أما في الآخرة:
1-
الصدقة تدرك صاحبها في القبر؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من إحدى ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ رواه مسلم.
2- المتصدق تحت ظل عرش الرحمن؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله
في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلَّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله
ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه))؛ متفق عليه.
أمنيات المنافقين بعد الموت:
بعدما يوارَى المنافق تحت الثرى، ينكشف له الحقيقة ويبدأ يندم، فأول ما يتمناه هو إخراج الصدقة؛ قال تعالى:
﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10].
الخاتمة:
أسأل الله رب العزة والجبروت أن يجزي الكاتب والناشر والقارئ والمصحح خيرًا، وما ذلك على الله بعزيز.
_ عبد الإله جاورا أبو الخير.