10-26-2022, 11:55 PM
|
|
|
|
حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين
حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين
حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين، لأنَّ حاجتهم إلى النبوَّة والرِّسالة أشد مِن حاجتهم إلى الطَّعام والشَّراب؛ لأنَّ الإنسان مدَني بالطَّبع كما يقرِّر علماءُ الاجتماع، ومعنى كونه مدنيًّا بطبعه أنَّه لا يَستغني عن الناس، ولا يَستغني الناسُ عنه، فهو محتاجٌ إلى الناس؛ لأنَّ الله خلقه على طبيعة وجبلَّة لا يتمكَّن معها من سَدِّ حاجاته بنفسه؛ فهو يحتاج إلى الطَّعام، والخبزة التي يأكلها لا يمكن أن يَعملها بنفسه فلا بدَّ فيها من الحَبِّ، والحبوب تحتاج إلى مقدِّمات كثيرة؛ فهي تحتاج إلى حَرث الأرض، والحَرْث يحتاج إلى محراث، والمحراث لا بدَّ له مِن نجَّار وحدَّاد، كما أنها لا تصِل إليه إلَّا بعد ريٍّ وزراعة، وحصاد ودياس، وطحان وعجان، وكل هذه لا تكفي فيها يدُ إنسان واحد؛ بل قد صار لكلِّ واحدة منها فئة من الناس يحترفونها، وكذلك لا يَستغني الإنسان عن ملابس يلبسها، وهي لا تَصِل إليه إلَّا بعد أن يحترف فيها خَلْق كثير لجلب المادَّة الخام ونسجها وصناعتها وخياطتها إلى غير ذلك، ولكلِّ واحد منها آلات تحتاج إلى عمل أيد كثيرة، والإنسان في حاجاته لا يقف عند حدٍّ، فلو تُرك الناس لأنفسهم لسلب القويُّ الضَّعيفَ، والغنيُّ الفقيرَ، والعزيز الذليلَ، ولصاروا كحيوانات الغابات؛ بل قد تكون حيوانات الغابات خيرًا منهم؛ لذلك كانوا في أمسِّ الحاجة إلى نِظام يكفل لكلِّ ذي حقٍّ حقه، ولما كانت البشريَّة تعجز عن وضع مثل هذا النِّظام لخضوع الإنسان لمؤثِّرات بيئية ونفسيَّة تؤثِّر بالضَّرورة على معارفه، وما يراه هذا حسنًا قد يراه الآخر قبيحًا على حدِّ قول الشاعر:
يُقضى على المرءِ في أيَّام مِحنتِه
حتى يَرى حسَنًا ما ليس بالحسَنِ
ولما كانتِ الأنظمةُ الوضعيَّةُ التي يضعها النَّاسُ لا بقاء لها ولا دوام ولا شمول، اقتَضتْ حكمةُ العليم الحكيم أن يضَع للإنسانيَّة النظامَ الذي يكفل سعادةَ البشر في العاجلة والآجلة، وهو العليم الخبير بخَلقِه؛ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، فهو الذي يضَع لهم التشريعات، ويبيِّن لهم الأحكام، ويبعث بها رسله، ويُنزل بها كتبه؛ فالناس في أمَسِّ الحاجة إلى النبيين والمرسلين.
ولما اقتضَتْ حكمةُ الله تبارك وتعالى أن يجعل أولَ إنسان - وهو آدم أبو البشر - نبيًّا، وأعطاه الشريعةَ التي يسير على مناهجها هو وبنوه على قَدْر حاجتهم حينذاك في عباداتهم ومعاملاتهم، ثمَّ تتوالى النبوَّات، ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، فتتابعتِ النُّبوَّات مِن آدم إلى أن ختمَهم الله بحبيبه ورسولِه وخيرِ خلقه وأفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أشار اللهُ تبارك وتعالى إلى أنَّ سلسلة الأنبياء والمرسلين كانت متتابعة؛ حيث يقول: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ﴾ [المؤمنون: 44] متتابعة.
ولو قال قائل: إنَّ قريشًا أقسموا ﴿ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ﴾ [فاطر: 42]، يعني: اليهود والنَّصارى، فلما جاءهم أعظم المنذرين محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ [فاطر: 42]، وهو يُشعر أنَّ جزيرة العرب قد خلَتْ مِن المنذِرين قبلَ محمد صلى الله عليه وسلم.
فالجواب: أنَّ قريشًا يريدون نذيرًا جديدًا؛ لأنَّ جزيرة العرب لم تَخْل مِن ذِكر دين إبراهيم وإسماعيل، وقد استمرَّتِ الجزيرةُ العربية على دِين إسماعيل وأبيه إبراهيم حتى جاء عمرو بن لُحَي بأصنام مِن الشام ونصَبها في جزيرة العرب، فدخل أهلُ الجزيرة في الوثنيَّة، حتى جاءهم شيخُ المنذِرين محمد صلى الله عليه وسلم فدالَتْ دولةُ الأصنام.
هذا، وبعض النَّاس يَذكر عددًا معيَّنًا للأنبياء والمرسلين، والواقع أنَّه لم يصِحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد لعدَد الأنبياء والمرسَلين، وإنَّما ذكَر القرآنُ العظيم خمسةً وعشرين منهم، جمَع ثمانيةَ عشر منهم في مقام واحد من سورة الأنعام في قوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 83 - 86]، فهؤلاء الثَّمانية عشر رسولًا ذكَرهم الله تعالى في مقامٍ واحد مِن سورة الأنعام، وذكر في مواضع أخرى مِن القرآن الكريم اسمَ سبعة منهم، جمَعَهم بعضُ الشُّعراء في قوله:
في تِلك حجَّتنا منها ثمانيةٌ
مِن بعد عشرٍ ويَبقى سبعةٌ وهُمُ
إدريسُ هودٌ شُعيبٌ صالحٌ وكذا
ذو الكِفلِ آدمُ بالمختارِ قد خُتِموا
وقد أشار اللهُ تبارك وتعالى إلى كَثرة الأنبياء، وأنَّ منهم مَن قصَّ خبره على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم مَن لم يَقْصُص عليه؛ حيث يقول عزَّ وجل في سورة غافر: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾ [غافر: 78]؛ فالأنبياء والمرسَلون لا يَعلم عددَهم إلَّا الله وحده، والقول بحَصْرهم في عددٍ معيَّن قولٌ على الله بغير عِلمٍ ما دام لم يَثبت شيء مِن ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون لا غِنى لهم عن قَصص الأنبياء؛ لأنَّها النموذج الكامل للحياة العالية السعيدة.
أعظم وظائف الأنبياء والمرسلين:
وأعظَم وظائف النبيِّين هي: دعاية الخلق إلى الخالق بإخلاص توحيده وعبادته، وأنَّه لا إلهَ إلَّا الله؛ ولذلك يقول اللهُ عزَّ وجلَّ في سورة الأنبياء: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، كما أنَّ مِن أهمِّ وظائف النبيِّين والمرسَلين رَسْمَ أكمل المناهج للحياة البشريَّة السعيدة ببيان ما ينفع الناس وحضهم عليه، وتحذيرهم مِن الشرور والآثام، والتعدِّي والظلم، وكل ما يُلحق الضَّررَ بعباد الله وخلق الله؛ كالزِّنا والسرقة وشرب الخمر والاعتداء على العباد وسائر الموبقات والفواحش والجرائم، فهم يأمرون الناسَ بالخير وينهونهم عن الشرِّ، حتى يكون المجتمع المستمسك بمنهج النبوَّة والرسالة مجتمعًا سعيدًا مثاليًّا.
وعلى رأس وظائف النبيِّين والمرسَلين كما أشرتُ هو إخلاص التوحيد لله وحده، بمعنى: أنَّ العبد يؤمن بربوبيَّة الله وألوهيَّته وأسمائه الحُسنى وصفاتِه العُلا ويفرده بالتوحيد؛ فلا يبذل أيَّ شيء مِن العبادة إلَّا لله وحده، فيكون إخباته لله، وقنوتُه لله، وإنابته لله، ورجاؤه في الله، وخوفه مِن الله، وأقصى حبه لله، وأنَّ غاية الذلَّة إنَّما تبذل لله وحده، فهو وحده المستحق لأعلى درجات الحبِّ مع بَذل أقصى غاية الذلِّ له لا شريك له، ولا شكَّ أنَّ كل أمَّة تَستمسك بمنهج النبوَّة والرسالة تَسعدُ في العاجلة والآجلة، وكل انحِرافٍ عن منهج الأنبياء والمرسَلين يدني الأمَّة مِن أسباب هلاكها ودمارِها، ولقد كان مِن فضل الله علينا نحن المسلمين أن جعَل نبيَّنا ورسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أكملَ الأنبياء، ومنهجه أكمل المناهج وأبقاها وأنقاها وأشملها وأعمها، وختم به النبوَّةَ والرسالة، وجعل منهجه مهيمنًا على جميع المناهج، وقد ضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسه مع إخوانه الأنبياء مثَلًا؛ فقال فيما رواه البخاريُّ ومسلم واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ مَثَلي ومثَل الأنبياء مِن قبلي كمثل رجل بَنى بيتًا، فأحسنه وأجمله، إلَّا موضع لبنة مِن زاوية، فجعل الناس يَطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلَّا وُضعتْ هذه اللَّبنة))، قال: ((فأنا اللَّبنة، وأنا خاتَم النبيين)).
وإلى فصلٍ قادم إن شاء الله، والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ph[m hgkhs Ygn hgkfd~Adk ,hglvsQgdk hgkfd~Adk ph[m
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
6 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
10-27-2022, 10:16 AM
|
#2
|
رد: حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين
جزاك الله خير غلاتي
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
10-27-2022, 01:36 PM
|
#3
|
رد: حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين
جزاك الله خير
يعطيك العافية على ما قدمت
لقلبك السعادة
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
10-28-2022, 06:01 AM
|
#4
|
رد: حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
10-28-2022, 09:52 PM
|
#5
|
رد: حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
10-30-2022, 07:14 PM
|
#6
|
رد: حاجة الناس إلى النبيِّين والمرسَلين
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ عَ آلمَوضوعْ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـ بآلريآحينْ
دمْت بـِ طآعَة الله ..}
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
| | | | | |