12-12-2021, 10:32 AM
|
|
|
|
حكم الاستهانة بالمصحف
الحمد لله... مَرَّ بنا - في مقال سابق - الفرقُ بين القرآن والمصحف، أنَّ المصحف: اسمٌ للمكتوب من القرآن الكريم، المجموع بين الدَّفَّتين. فينبغي أن يكون له من التَّقدير والاحترام والتَّعظيم والصِّيانة من العيوب والنَّقائص، لما يحتويه من كلام الله تعالى.
والاستهانة - عياذاً بالله - بالمصحف، أو بشيء منه، لها صور متعدِّدة: كاتِّخاذِ الفأل منه، أو الاتِّكاء والتَّوسُّد عليه، أو إتلافِه وتمزيقِه، أو الكتابةِ عليه، أو إدخالِه في أماكن التَّخلِّي، أو الوصيَّة بدفنه مع الميِّت في قبره، أو إلقائِه في القاذورات، أو بَلِّه بالرِّيق، أو بلعِ شيء منه، أو تخطِّيه، أو تركِه على الأرض، أو اتِّخاذِه وتعليقِه للبركة من غير قراءة فيه، أو تلويثِه، أو جَحْدِ شيء منه، أو وطئِه بالرِّجل أو مدِّها إليه، أو الجلوس عليه، أو وضعِ شيء فوقه، أو سبِّه، أو الاستخفافِ به، إلى غيرِ ذلك من الصُّور الكثيرة التي تكلَّم عنها أهل العلم، وأوردوها في مصنَّفاتهم، وحذَّروا من فعلها والاستهانة بها.
وسيكون الحديث عن بعض هذه الصُّور الفجَّة، مع ذكر شيء من حكمها، فيما قاله أهل العلم في ذلك.
صور من الاستهانة بالمصحف:
الصُّورة الأولى: الاتِّكاء والتَّوسُّد على المصحف.
حُكم الاتِّكاء: صرَّح غير واحد من أهل العلم بحرمة الاتِّكاء على المصحف؛ لكون ذلك امتهاناً وقلَّة احترام له، وهو الذي نصَّ عليه القرطبيُّ في تفسيره[1] وتذكاره[2]، وحكاه غير واحد من الحنابلة عن ابن عبد القوي رحمه الله.
قال ابن مُفْلح رحمه الله: «قال ابن عبد القوي في كتابه مجمع البحرين: إنَّه يحرم الاتِّكاء على المصحف، وعلى كتب الحديث، وما فيه شيء من القرآن، اتِّفاقاً»[3].
حُكم توسُّد المصحف[4]: المستقرئ لنصوص العلماء في هذا الشَّأن يخلص إلى أنَّ القول بتحريم توسُّد المصحف على سبيل الامتهان محلُّ وفاق بينهم؛ بل صرَّح بعضهم باعتبار قصد الامتهان للقرآن كفر وردَّة مَنْ فَعَله.
أمَّا إذا انتفى عن التَّوسد قصد الامتهان والابتذال، فلأهل العلم في حكمه ثلاثة أقوال: التَّحريم، والكراهة، والإباحة[5].
والرَّاجح في التَّوسد: أنه محرَّم على الإطلاق؛ لأنَّ صورة الامتهان في التَّوسد حاصلة، ويستثنى من ذلك حال الضَّرورات؛ لكونها تُبيح المحظورات.
وقد صرَّح بالتَّحريم جمع من أهل العلم: كالنَّووي[6]، والزَّرْكَشِي[7]، والهيتمي[8]، وابن قدامة[9]، وغيرهم.
الصُّورة الثَّانية: إتلاف المصحف وتمزيقه.
حكمها: لا خلاف بين أهل العلم - رحمهم الله - في تحريم إتلاف المصاحف على وجه الاستخفاف، بل قد صرَّح بعضهم بكون ذلك باباً من أبواب الرِّدَّة[10]، والعياذ بالله من هذا الحال.
فإن كان الإتلاف لا على وجه الاستخفاف، ويمكن الانتفاع به، فلا يجوز إتلافه، صرَّح بذلك غير واحد من أهل العلم، كابن عبد الهادي الحنبلي - رحمه الله - حيث قال: «ولا يجوز دفن مصحف صحيح، ولا غسله»[11].
الحالات التي يجوز فيها إتلاف المصاحف:
جوَّز أهل العلم - رحمهم الله - إتلاف المصاحف إذا تحقَّق فيها واحد من جملة أسباب[12]:
1- إذا كانت عتيقةً بالية قد تعطَّل نفعُها.
2- إذا تنجَّست بما يتعذَّر معه تطهيرها.
3- إذا دخلها خلل يُخاف معه على الجُهَّال من الضَّلال، إمَّا لكثرة السَّقْط فيها، أو كثرة اللَّحن، أو دُسَّ فيها ما ليس منها، أو كان رَسْمُها مخالفاً لرسم المصحف الإمام.
الصُّورة الثَّالثة: إدخال المصحف في أماكن التَّخلِّي.
حكمها: لا خلاف بين أهل العلم في حظر إدخال المصحف في أماكن التَّخلِّي ونحوها لغير ضرورة؛ لكون الدُّخول بها مع انتفاء الضَّرورة ضرباً من الامتهان، وإخلالاً بما يجب لها من التَّعظيم.
وجمهور أهل العلم - رحمهم الله - على تحريم الدُّخول بالمصحف إلى الخلاء، وأماكن قضاء الحاجة، سواء كان ذلك في البنيان أو خارجها، ما لم تدع إلى ذلك ضرورة[13].
الصُّورة الرَّابعة: إدخال المصحف في القبر.
حكمها: صرَّح غير واحد من أهل العلم بتحريم دفن المصحف مع الميِّت في القبر؛ لكون ذلك بدعة في الدِّين، إذ لم ينقل عن السَّلف الصَّالح أنهم فعلوه، وفيه تعريض المصحف للتَّلوُّث بصديد الميِّت إذا انفجر.
وقد أفتى بعض أهل العلم بوجوب نبش القبر إذا دفن فيه مصحف، لا سيَّما إذا طُمِعَ بالانتفاع بالمصحف، بأن يخرج سليماً، وأُمِنَ من كشف عورة الميِّت.
وبعضهم أفتى بعدم انفاذ وصيَّة مَنْ أوصى بدفن المصحف معه؛ لأنه يؤول إلى امتهان القرآن وتلويثه، وهو أمر محرَّم[14].
الصُّورة الخامسة: بلع شيء من المصحف.
حكمها: الظَّاهر من كلام أهل العلم - رحمهم الله - أنه لا يجوز لأحد أن يبتلع شيئاً من المصحف، لا على سبيل الاستشفاء، ولا غيره؛ لكونه بدعة في الدِّين، وامتهاناً للكتاب المبين، وذلك بتعريضه لأخلاط الجوف المستقذرة، وقد صرَّح غير واحد من أهل العلم بتحريم بَلْعِ قرطاسٍ كُتِبَ فيه قرآنٌ، أو اسمٌ من أسماء الله تعالى، وممَّن صرَّح بذلك: الهيتمي[15]، والرَّملي[16]، والعبَّادي[17] من علماء الشَّافعية - رحمهم الله جميعاً.
الصُّورة السَّادسة: التَّبرُّك بالمصحف.
حكمها: إنَّ التَّبرُّك بالمصحف بوضعه في المنزل، أو المكتب، أو السَّيارة، دون القراءة فيه البتَّة، يُعَدُّ ضرباً من البدع، وصورةً فجَّة من صور هجره والاستهانة به، واستعماله في غير ما أُنزل له[18].
فقد جاء عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه قال: «اقْرَؤُوا القُرآنَ ولا تَغُرَّنَّكُمْ هذه المَصَاحِفُ المُعَلَّقَةُ، فَإِنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ قَلْباً وَعَى القُرآنَ»[19].
وجاء في (الآداب الشَّرعية) عن ابن الجوزي رحمه الله: «وينبغي لمن كان عنده مصحف، أن يقرأ فيه كلَّ يوم آيات يسيره؛ لئلاَّ يكون مهجوراً»[20].
الصُّورة السَّابعة: تلويث المصحف.
حكمها: لا خلاف بين أهل العلم - رحمهم الله - في تحريم تلويث المصحف بأيِّ نوع من أنواع الملوِّثات؛ بل صرَّح بعض أهل العلم بأنه لا يحل تلويث المصحف بما هو مستقذر، ولو كان ذلك طاهراً، كالرِّيق أو البزاق مثلاً، ولقد اشتدَّ نكير بعض أهل العلم على مَنْ اعتاد بَلَّ الإصبع بريقه عند تقليب ورق المصحف ليسهل عليه ذلك، ولو لم يكن بصنيعه هذا قاصداً لتلويث المصحف[21].
فإنْ توفَّر قَصْدُ التَّلويث فالظَّاهر أنَّ القول بتكفيره محلُّ وفاق بين أهل العلم. ونصَّ أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي - رحمه الله - في فنونه - على أنَّ مَنْ قَصَدَ كَتْبَ القرآن بنجس إهانةً له، فالواجب قتلُه[22].
الصُّورة الثَّامنة: وطء المصحف.
حكمها: لا خلاف بين أهل العلم - رحمهم الله - في كفر مَنْ وَضَعَ رجلَه على المصحف مستخفّاً به؛ وكون ذلك باباً من أبواب الرِّدَّة، وصنيعاً يُشعر بإسقاط حرمة المصحف، وكذلك الجلوس مباشرة على المصحف استخفافاً به[23].
فإنْ كان مضطرّاً إلى وطء المصحف، أو الجلوس عليه فقد صرَّح بعدم كفره غيرُ واحد من أهل العلم، إعمالاً للعمومات الدَّالة على رفع الإثم عن المضطر.
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (1/29).
[2] انظر: التذكار في أفضل الأذكار (ص185).
[3] الآداب الشرعية (2/297).
[4] المقصود بتوسُّد المصحف هنا: جعله تحت الرَّأس عند النَّوم، أو تحت الوساد. قال ابن الأثير رحمه الله في «النِّهاية» (5/182): «الوِسادُ والوِسادة: المِخَدَّة. والجمع: وَسائِدُ، وقد وسَّدْتُه الشَّيء فَتَوَسَّده، إذا جَعَلْتَه تحتَ رأسِه».
[5] انظر تفصيل هذه الأقوال في كتاب: المُتْحَف في أحكام المصحف (ص472-473).
[6] انظر: التبيان في آداب حملة القرآن (ص232).
[7] انظر: البرهان في علوم القرآن (2/107).
[8] انظر: الفتاوى الحديثية (ص163).
[9] انظر: المغني (3/150).
[10] انظر: التبيان في آداب حملة القرآن (ص202)؛ مجموع فتاوى ابن تيمية (12/382)؛ الآداب الشرعية (2/297).
[11] مغني ذوي الأفهام، لابن عبد الهادي (ص25).
[12] انظر: الإتقان في علوم القرآن (2/172)؛ تفسير القرطبي (1/54-55)؛ الآداب الشرعية (2/296)؛ المعيار المعرب، للونشريسي (1/29-30)؛ تحفة المحتاج وحواشيها، للهيتمي (1/323-324)؛ المُتْحَف في أحكام المصحف (ص37-41).
[13] انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد، للمرداوي (1/94)؛ حاشية ابن عابدين (1/119)؛ المغني (1/158).
[14] انظر: تحفة المحتاج (3/127)؛ حاشية ابن عابدين (1/670)؛ المعيار المعرب (1/319).
[15] انظر: الفتاوى الحديثة (ص165).
[16] انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (1/126).
[17] انظر: حاشية العبادي على تحفة المحتاج (1/155-156).
[18] انظر: الإتقان في علوم القرآن (2/170).
[19] رواه الرازي في «فضائل القرآن وتلاوته» (ص154) (رقم 125)؛ والبخاري في «خلق أفعال العباد» (1/87) (رقم 273)؛ وابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/133) (رقم 30079)؛ والدَّارمي في «سننه» (2/306) (رقم 3319)؛ وصحَّحَ إسنادَه الحافظُ ابنُ حجر في «فتح الباري»: (9/79).
[20] الآداب الشرعية (2/309).
[21] انظر: حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (1/153).
[22] انظر: الفروع، لابن مفلح (1/193)؛ كشاف القناع عن متن الإقناع (6/168).
[23] انظر: الشِّفا بتعريف حقوق المصطفى (2/304)؛ قواعد الأحكام، لابن عبد السلام (1/19)؛ التبيان، للنووي (ص202، 232)؛ الفروع (1/193)؛ تحفة المحتاج وحواشيها (1/61، 160)؛ الفتاوى الهندية، للشِّيخ نظام وجماعة من علماء الحنفيَّة بالهند (5/322)؛ حاشية ابن عابدين (3/56).
p;l hghsjihkm fhglwpt
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ شموع الحب على المشاركة المفيدة:
|
|
12-12-2021, 12:39 PM
|
#2
|
رد: حكم الاستهانة بالمصحف
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ اسم مؤقت على المشاركة المفيدة:
|
|
12-12-2021, 03:58 PM
|
#3
|
رد: حكم الاستهانة بالمصحف
أشكرك على مرورك الرآآئع
تتعطر وتشرف متصفحي بحضورك
لكِ أعذب زهور اليآسمين
دمتِ بكل خير
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
| | |