فهذه رسالة أذكِّر فيها نفسي وإخوتي الكرام بأهمية بالخشوع في الصلوات، وهي رسالة مهمة لكلِّ من يرغب أن تَقْوى همَّتُه للخير والطاعات، وتضعُف رغبته في المعاصي والسيئات.
فأقول - وبالله التوفيق -: لقد أمَرَ ربُّنا سبحانه وتعالى بالاستعانة بالصبر والصلاة، فقال عز وجل: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [سورة البقرة 45 - 46].
أي: اطلبوا العونَ على جميع ما تُؤمِّلون من أمور الدُّنيا والآخِرة، وعلى تحمُّل المشاقِّ والمصائبِ بالصَّبر والصَّلاة، والصَّلاةُ ثقيلةٌ وذات مشقَّة على الأنفُس، لكنَّها سهلةٌ وخفيفةٌ على مَن خشَع، فخضَع لله تعالى واطمأنَّ إليه قلبُه، وظهرَ أثرُ ذلك الخشوعِ على جوارحهِ، وهؤلاءِ الخاشعون هم الموقِنون بعودتهم إلى الله تعالى، والحشرِ إليه يوم القِيامة[1].
فالصلاة إذًا - معاشر الكرام - من أعظم ما يُعين على فعل الطاعات، وترك المنكرات، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [سورة العنكبوت 45].
قال السعدي رحمه الله تعالى: "ووجه كون الصلاة تَنهى عن الفحشاء والمنكر: أن العبد المقيم لها، المتمِّمَ لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبُه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغْبتُه في الخير، وتقلُّ أو تُعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتُها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها"[2].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة البقرة 110].
وفي هذه الآية يحثُّ الله تعالى عِباده المؤمنين على الاشتغال بأداءِ الصَّلاة بحدودها وفروضها وخشوعها تامَّةً كما أمَر الله عزَّ وجلَّ، وإيتاء الزَّكاة كما شُرِعَتْ، ووعدهم بأنَّهم مهما فعَلوا من خير، فلن يَضيعَ، بل هو محفوظٌ ومدَّخَرٌ لهم عند البصير العليم، الذي لا تَخفى عليه خافيةٌ من أعمالهم الظاهِرة والباطِنة[3].
والخشوع - معاشر الكرام - هو رُوح الصلاة، فإذا فقد من الصلاة كانت مجرد حركات لا حياة فيها[4]؛ قال ابن جزي في التفسير: "الخشوع حالة في القلب من الخوف والمراقبة والتذلل لعظمة المولى جل جلاله، ثم يظهر أثر ذلك على الجوارح بالسكون والإقبال على الصلاة، وعدم الالتفات والبكاء والتضرع[5].
وقد ربط الله عز وجل فلاح المؤمنين بخشوعهم في صلاتهم[6]، فقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون 1 - 2]؛ أي: قد فاز وظفِر بخَيرِ الدُّنيا والآخرةِ المُؤمِنونَ الذين آمَنوا بكُلِّ ما وجبَ عليهم الإيمانُ به[7]، الذينَ مِن صِفاتِهم أنَّهم في صَلاتِهم خاضِعونَ، مُتَذلِّلونَ لله ساكِنونَ، مُتدَبِّرونَ لِما يقولونَ فيها[8].
وبعد ما سبق ذكره من آيات قرآنية كريمة، نذكر - إخوتي الكرام - عددًا من الأحاديث النبوية الشريفة في بيان فضل الخشوع وأهميته[9]:
♦ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ"؛ [أخرجه مسلم (228)].
وفي هذا الحديثِ يَقولُ عمرُو بْنُ سعيدِ بْنِ العاصِ: "كنتُ عِندَ عُثْمانَ، فدَعَا بطَهورٍ"، والطَّهورُ: هو الماءُ الطَّاهِرُ الذي يُستخدَمُ للوُضوءِ والاغتِسال وتطهير النجاسات، فقالَ عثمانُ بنُ عفَّانَ رضيَ الله عنه: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "ما مِنْ امرئٍ مُسلمٍ تحضُرُه صلاةٌ مكتوبةٌ"، أي: يأتي عليهِ أو يدخلُ عليه وقتٌ لصلاةٍ مفروضةٍ مِن الفرائضِ الخَمْسِ، "فيُحْسِنُ وُضوءَها وخُشوعَها ورُكوعَها"، أي: فيُؤدِّي هذهِ الأمورَ بشُروطِها وكيفيَّاتِها على أحسنِ وجهٍ، فيُسبِغُ الوضوءَ ويُعطي كلَّ عضوٍ حقَّه من الماءِ، ثم يخشعُ في صلاتهِ بأن تكونَ الجوارحُ كلُّها مُقبلةً على اللهِ تعالى مُستَحْضِرةً عظَمَتَهُ، ويُتِمُّ أركانَ الصَّلاةِ مثلَ الركوعِ وغيرِهِ، "إِلَّا كانَتْ كَفَّارةً لما قَبْلَها مِنَ الذُّنوبِ ما لَمْ يُؤْتَ كَبِيرةٌ"، أي: كانتْ هذِهِ الأعمالُ سَبَبًا لتكْفيرِ اللهِ تعالى وغُفْرانِهِ لذُنوبِهِ وخَطاياهُ منَ الصَّغائِرِ، أمَّا الكَبائرُ فأمرُها إلى اللهِ تعالى، وهذا الفَضلُ مِن اللهِ تعالى فضلٌ عامٌّ وليسَ مُختصًّا بوقتٍ مُحددٍ بلْ هو ممتدٌّ الدَّهْرَ كلَّه، أي: العامَ كلَّه وعلى مرِّ الزَّمانِ، والكبائرُ: المقصودُ بها الذُّنوبُ العَظيمةُ، وهي كلُّ ذَنبٍ أُطْلِقَ عليه في القُرآنِ أو السُّنَّةِ، أو أجمع العلماء أنَّه كَبيرةٌ، أو أنَّه ذنبٌ عَظيم، أو أُخْبِر فيه بشِدَّةِ العقابِ، أو كانَ فيه حَدٌّ، أو شُدِّدَ النَّكيرُ على فاعلِه، أو ورَد فيه لَعْنُ فاعلِه، والكبائر تكفر بالتوبة، بل الشرك الذي هو أكبر الكبائر يغفره الله تعالى بالتوبة الصادقة؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [سورة الزمر 53].
وفي الحديث: تَفضَّلُ اللهِ سبحانَه على عِبادِه بأنْ جَعَلَ أداءَ العِباداتِ بشروطِها سببًا للمَغفرةِ.
وفيه: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُرغِّب الناسَ في الطَّاعاتِ والعباداتِ بذِكرِ الأَجْرِ والثَّوابِ عليْها.
وفيه: بيانُ فَضلِ المداومَةِ على العِباداتِ وأنَّها سببٌ لمغفرةِ الذُّنوبِ.
♦ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ وَالثُّلُثَ وَالرُّبُعَ"، حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ؛ [أخرجه أحمد (15522)، وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون: إسناده صحيح على شرط مسلم].
وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ وَالثُّلُثَ وَالرُّبُعَ"، حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ، أي: لا يَكونُ له مِن أجْرِها إلَّا قَدْرُ ما عَقَلَ مِنْها وخشَع فيها، وما أدَّى مِن شُروطِها وأركانِها، فرُبَّما يَكونُ له أجر الصلاة كاملة، أو أيُّ جزءٍ مِن هذه الأجزاءِ، وهذا الاختِلافُ يَدُلُّ على اختِلافِ أجْرِ المُصلِّين.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الخُشوعِ في الصَّلاةِ والزَّجرُ عن الانشِغال فيها بغيرِ اللهِ تعالى.
وفيه: أن الخُشوع والتَّدبُّر رُوحُ الصَّلاةِ، وأن المسلِم مأمورٌ بهِما في كلِّ صَلاتِه، فيَنبَغي له ألَّا يَنشَغِلَ بأمورِ الدُّنيا عن ربِّه الواقفِ بين يدَيه؛ حتَّى يَفوزَ بالأجر والثَّواب، ورضوان الله الرحيم التَّواب.
♦ وَعَنْ أَبِي الْعَلَاءِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ: خِنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا"، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي؛ [أخرجه مسلم (2203)].
وفي هذا الحديث أن عُثْمَانَ بنَ أبي العَاصِ رضِي اللهُ عنه أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "يا رسولَ الله، إنَّ الشيطانَ قد حال بيني وبينَ صلاتِي وقِراءَتِي" أي: نَكَّدني فيها ومَنعَني لذَّتَها والفَراغَ للخشوعِ فيها، وصرفني وألْهَاني عن أداءِ الصَّلاة والقِراءةِ كما يَنبغي، "يَلْبِسُها عليَّ" أي: يَخلِطها ويُشكِّكني فيها، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ذاك"، أي: هذا الَّذي لَبَس عليك صَلاتَك وقِراءتَك "شَيْطانٌ" وهو خاصٌّ مِن الشياطين، "يُقال له: خِنْزَبٌ، فإذا أَحْسَسْتَه"، أي: أَدْرَكْتَه وشعرت بوسوسته "فتعوَّذْ بالله منه"؛ فإنَّه لا خَلاصَ مِن وَسْوَسَتِه إلَّا بالاستعانة بالله تعالى، والاستعاذةِ به، "واتْفُلْ على يسارِك ثلاثًا"؛ أي: ثلاث مرَّاتٍ إرغامًا للشياطين وت****ًا لَهم، والتَّفْلُ: شَبِيهٌ بالبَزْقِ، وهو أقلُّ منه، فقال عُثْمَانُ: "ففعَلْتُ ذلك" أي: ما ذُكر من التعوُّذِ والتَّفْلِ "فأَذْهَبَه الله عنِّي"؛ أي: الوَسْوَاسَ.
وفي الحديث: حِرصُ الشياطين من الجن والإنس على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّهم لا يَنفَكُّون عنِ ذلك، فهم ألد أعدائهم، ولا يَزالُون يدفَعُون إلى الناس إيرادات الباطلِ؛ نعوذ بالله تعالى منهم ومن شرورهم.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الشياطين، وبيانُ أنَّهم يترصَّدُون لابنِ آدَمَ في كلِّ طُرُقِ الخَيرِ.
وفيه: أن كراهية العبد لوساوس الشياطين، وسعيه في الخلاص منها علامة على صدق الإيمان ومتانة الدين وصحة اليقين.
وفيه: أنَّ المُؤمِن يَنبَغي عليه الاستعانة بالله تعالى والاستعاذة به للتخلص من وَساوِسِ الشياطين ودفعها.
♦ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ، قَالَ: "إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ، وَأَجْمِعِ الْيَأْسَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ"؛ [أخرجه ابن ماجه (4171)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (3381)].
وفي هذا الحديثِ يَقولُ أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ رَضِي اللهُ عَنه: "جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، علِّمْني وأوجِزْ"، أي: علمني كلامًا ينفعني، وليكن كلامًا مختصرًا، فلا أنساه لكونه أسهَلَ للضَّبطِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إذا قُمتَ في صَلاتِك"، أي: شَرَعتَ وبدَأْتَ، "فصَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ"، أي: صلاة تاركٍ لِمَا سِوى اللهِ، بالاستِغْراقِ في مُناجاةِ مَوْلاك، صلاةَ مَن يُودِّعُ الدُّنْيا وكأنَّها آخِرُ صَلاةٍ لك، فحَسِّنْ خاتِمةَ عمَلِك، وأقصِرْ طولَ أمَلِك؛ لاحتِمالِ قُربِ أجَلِك، "ولا تَكلَّمْ بكلامٍ يُعتذَرُ مِنه"، أي: لا تتَحدَّثْ بكلامٍ تَحتاجُ للاعتذارِ عَنه لِقُبحِه وما فيه مِن الإثمِ، والاعتذارُ هنا يشمل الاعتذار إلى اللهِ تعالى بالتَّوبةِ من قول معين؛ لأنَّ ترْكَ الذَّنْبِ المعين خير إتيانه وطلَبِ المغفرةِ، ويشمل أيضًا الاعتذار مِن النَّاسِ بعد الإساءة إليهم، والمرادُ: حفظ اللسان والابتعاد عن كل قول يوجب الاعتذار منه، "وأجْمِعِ اليأسَ"؛ أي: اعقِدِ العَزْمَ وأحكِمْه في قلبِك على قَطْعِ الأمَلِ "عمَّا في أيدي النَّاسِ"، أي: مِن مَتاعِ الدُّنيا؛ فإنَّك إنْ فعَلتَ ذلك استَراحَ قلبُك، ولا يَتِمُّ ذلك إلَّا بتقصيرِ الأَمَلِ، وتقديرِ أنَّه لا زَمانَ تعيشُ فيه وتُؤمِّلُه من الأوقاتِ المُستقبَلةِ.
وفي الحديثِ: بيانُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأهَمِّ الأمورِ الَّتي إذا أخَذ العبدُ بها، تمَّتْ أمورُه وأفلَح؛ مِن إحسان الصَّلاةِ وإتمام خشوعها، والمُحافَظةِ على اللِّسانِ، والتَّعلُّقِ باللهِ تعالى وحده، وتَرْكِ الطَّمعِ فيما في أيدي النَّاسِ.
وفيه: أن النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان مُعلِّمًا ومُرشِدًا لأُمَّتِه، وأنه قد علَّمَنا كلَّ سبل الخيرِ، ووضَّح لنا طريقَ النجاة والفلاح والسعادة.
♦ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" - ثَلَاثًا - فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا"؛ [أخرجه البخاري (757)].
وفي هذا الحَديثِ يَروي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَل المَسجِدَ فدَخَل رجُلٌ، فصلَّى مُتعَجِّلًا صَلاتَه، ولم يَطمَئنَّ في قيامِه ورُكوعِه وسُجودِه، ولَمَّا انتَهى مِن صَلاتِه سلَّمَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فرَدَّ عليه السَّلامَ، ثُمَّ أمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإعادةِ تلكَ الصَّلاةِ؛ لأنَّها بَطَلَت بِسَببِ تَركِ الطُّمأنينةَ فيها، فأعاد الصلاة ولكنْ مِن دُونِ طُمأنينةٍ أيضًا؛ بأنْ صَلَّى مُتعَجِّلًا صلاتَه، ولم يُعْطِ لكلِّ رُكنٍ حقَّه مِن السَّكينةِ والطُّمأنينةِ وحُسنِ القِراءةِ والذِّكرِ، فأمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإعادتِها، لكن الرجل أعادها بنفس الطريقة الخاطئة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادتها، فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي" كيف تَكونُ الصَّلاةُ الصَّحيحةُ، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فكَبِّرْ" يعني تكبيرةَ الإحرامِ، "ثُمَّ اقرَأْ ما تَيَسَّر معك مِن القُرآنِ"، بعد الفاتحة لأن قراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة[10]، قال: "ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا"، فحافِظْ على الاعتِدالِ وحُسْنِ الأداءِ في القيام، والطُّمأنينةِ في الرُّكوعِ والسُّجودِ والرفع منهما، وترْكِ التَّعجُّلِ في سائرِ صَلاتِك.
وفي الحديثِ: الأمرُ بالطُّمأنينةِ في الصَّلاةِ.
وفيه: حُسنُ التَّعليمِ بالرِّفق، دُونَ التَّغليظِ والتَّعنيفِ.
وفيه: حُسنُ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولُطْفُ مُعاشَرتِه مع أصحابِه.
وفي الحديث: أن الصَّلاةَ عِمادُ الدِّينِ، وأن النبيَّ الكريمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَّن كيفيَّتَها قولًا وعملًا.
وفيه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُراجِعُ مَن يُسيءُ في صَلاتِه، ويُعلِّمُه الطَّريقةَ الصَّحيحةَ لأدائِها.
وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ [أخرجه أبو داود (904)، وصححه الألباني].
وهذا الحديثُ بيانٌ لِما كان عليه النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن خَشيةِ الله، وفيه يَحكِي عبدُالله بنُ الشِّخِّيرِ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّه رأى رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُصلِّي وفي صَدْرِه أَزِيزٌ كَأزيِزِ الرَّحَى، و"أَزيزُ الرَّحَى" وهو صوتُ الطاحونةِ في دَورانِها عند طَحنِ الحَبِّ، أي: إنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم يبْكِي في صَلاته فيُسْمَعُ لصَدْرِه صَوْتٌ يَجِيشُ فيه مِن البُكَاءِ، وهكَذا كان النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أُشْرِبَ قلبُهُ خَوْفَ اللهِ تعالى، واستَولى عليه حتى كأنَّه عَاينَ الله تعالى؛ فينبغي للمُسْلِم أنْ يكونَ دائِمَ الخوْفِ مِن اللهِ تعالى، لا سيما في الصَّلاةِ الَّتي هي مِن أفضلِ الطَّاعَاتِ، فإن الأجر متوقف على أدائها بخُشوعٍ وخَوْفٍ من الله سُبْحانه وتعالى.
وفي الحديثِ: بيانٌ لِما كان عليه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من شِدَّةِ الخَوْفِ مِن اللهِ جلَّ وعلا، وما كانَ عليه مِن الخُشوعِ في الصَّلاةِ.
وفيه: أن البُكَاءَ مِن خَشيةِ الله سِمَةُ الأنبِياءِ والصَّالحينَ الأتقياء.
♦ وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ؛ [أخرجه أبو داود (862)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود].
وفي هذا الحديث يقولُ عبدُالرَّحمنِ بنُ شِبْلٍ رَضِي اللهُ عَنْه: "نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم عن نَقْرةِ الغُرابِ"، أي: نَهى عنِ الصَّلاةِ السَّريعةِ غيرِ المطمئنَّةِ الَّتي لا يُؤدِّي فيها المصلِّي الصَّلاةَ بخُشوعٍ وخُضوعٍ، ولا يَأتي بها على الوجهِ الأكمَلِ لها، وخاصَّةً عندَ السُّجودِ فلا يَطمَئِنُّ في سُجودِه، بل يضَعُ رأسَه ويرفَعُه سريعًا مِثلَ الغُرابِ الَّذي يَنقُرُ الأرضَ، "وافتِراشِ السَّبُعِ"، أي: نهَى عن مَدِّ المصلِّي ذراعَيْه على الأرضِ وهو ساجدٌ، وهذه هيئةُ السِّباعِ عِندَ جُلوسِها ولا تُوحي بالوَقارِ والخشوعِ والتَّذلُّلِ للهِ في الصَّلاةِ، بل يَرفَعُ مِرفَقَيه عنِ الأرضِ مُباعِدًا بهِما عن جانِبَيه كما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم يَفعَلُ[11].
"وأن يُوطِّنَ الرَّجُلُ المكانَ في المسجِدِ كما يُوطِّنُ البعيرُ"، أي: ونَهَى أنْ يَعْتادَ الرَّجلُ الصَّلاةَ في مَكانٍ ثابتٍ في المسجدِ ولا يُغيِّرُه كأنَّه بَعيرٌ يَعرِفُ مَكانَ جُلوسِه لا يُغيِّرُه؛ ولعلَّ مِن حِكمةِ ذلك: أنَّ في تَغييرِ الأماكنِ تكثيرًا لِمَواضِعِ الصَّلاةِ والسُّجودِ في المسجِدِ، فتَشهَدُ هذه الأماكِنُ لِمَن صلَّى علَيها، وأيضًا لأنَّ اتخاذَ مكانٍ مُعيَّنٍ في المسجدِ قد يُصيِّرُ العبادةَ طَبعًا فيه وتَثقُل في غيرِه، والعبادةُ إذا صارتْ طبعًا فسَبيلُها التركُ، أو تُفقَدُ لذَّةُ العبادةِ بكثرةِ الإلفِ والحِرصِ على هذا المكانِ بحيثُ لا يَدْعوه إلى المسجدِ إلَّا مَوضِعُه؛ وهذا الحديث خاص بالمسجد، وللعبد اتخاذ مكان من بيته للصلاة فيه بلا حرجٍ[12]، كما أنه إذا بكر للصلاة فله أن يصلي في أفضل الأماكن، وهو خلف الإمام، ولو كان ذلك يحصل دائمًا لكان خيرًا، لكن المنهي عنه اعتياد الصلاة في مكان ليس بفاضل في المسجد[13].
ََوفي الحديث: أن الطُّمأنينة في الصَّلاةِ ركنٌ من أركانِها، وأن الخُشوع والتدبُّر رُوحُها، وأن المسلِم مأمورٌ بهِذا في كلِّ صَلاتِه، وفيه: أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم علَّمَنا كثيرًا مِن الأمورِ الَّتي ينبَغي البُعدُ عنها في الصَّلاةِ وفي المساجدِ، وعلَّمَنا الهيئاتِ الصَّحيحةَ في الصَّلاةِ وكيفيَّةَ الخشوعِ فيها، كما نَهانا عن الهيئاتِ المستقبَحةِ، وَعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ"؛ [أخرجه ابن ماجه (277)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (226)].
وفي هذا الحديثِ يقولُ ثَوبانُ رضِي اللهُ عَنه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "استَقيموا"، وهذا أمرٌ بالاستِقامةِ على الطَّريقِ المستقيمِ، طريقِ الهُدى، "ولَن تُحْصوا"، أي: ولن تَستطيعوا أن تَستكمِلوا وتَعُدُّوا كلَّ وُجوهِ الخيرِ والطَّاعات، وفي ذلك إشارة إلى أهمية الاستعانةِ باللهِ تعالى على عبادته، كما قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [سورة الفاتحة 5].
ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "واعْلَموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ"؛ يعني أنَّ خير أعمالكم أيها المسلمون الصلاة، لِما فيها مِن الإقبالِ على اللهِ تعالى والخُشوعِ والتَّذلُّلِ له، وخضوع القلب والجَوارِحِ، فهي أفضَل الأعمالِ، وأتَمها دَلالةً عَلَى الاسْتِقامَةِ، والانقِطاعِ إلى الله تعالى، والإقبالِ عَلَيه، والاشتِغال بِه عمَّن دونَه، ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ولا يُحافِظُ على الوضوءِ إلَّا مؤمِنٌ"، أي: أن محافظة العبد على الوضوء علامة على قوة الإيمان، ومتانة الدين، وصحة اليقين[14].
وفي الحديثِ: الحثُّ على الاستِقامةِ على الطَّريقِ المستقيمِ معَ طلَبِ العونِ مِن اللهِ.
وفيه: أنَّ المحافظةَ على الوضوءِ مِن شِيَمِ المؤمِنين.
وفيه: أنَّ المحافظةَ على الصَّلاةِ مِن علامات الاستقامةِ.
وفيه: أن الاهتمامَ بإقامة الصلاة إقامةً ظاهرة وباطنة من أهم المهمات، وأجلِّ القُربات، وأفضلِ الأعمال الصالحات.
وفيه: أن الإسلام أمَرَ بالتَّوسُّطِ في كلِّ الأمورٍ، وأمر بعَمَلِ الطَّاعاتِ بقَدْرِ الاستطاعةِ دونَ تكلُّفٍ أو تشدُّدٍ.
هذا، واعلموا - رحمكم الله تعالى وغفر لكم - أن الصلوات تتفاضل بحسب تجريد الإخلاص لله تعالى والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم تفاضلًا لا يحْصِيهِ إِلا اللَّهُ تَعَالَى[15]، كما جاء عَنْ حَسّانِ بْنِ عَطِيَّةَ قالَ: "إنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونانِ فِي صَلاةٍ واحِدَةٍ، وإنَّ بَيْنَهُما مِنَ الفَضْلِ لَكَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ"، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ "أنَّ أحَدَهُما يَكُونُ مُقْبِلًا عَلى اللَّهِ بِقَلْبِهِ، والآخَرَ ساهٍ غافِلٌ"[16].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في بيان أنواع القبول وسبب التفاضل بين الأعمال: "الْقَبُولُ لَهُ أَنْوَاعٌ:
♦ قَبُولُ رِضَا وَمَحَبَّةٍ وَاعْتِدَادٍ وَمُبَاهَاةٍ وَثَنَاءٍ عَلَى الْعَامِلِ بِهِ بَيْنَ الْمَلأ الأَعْلَى.
♦ وَقَبُولُ جَزَاءٍ وَثَوَابٍ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الأَوَّلِ.
♦ وَقَبُولُ إِسْقَاطٍ لِلْعِقَابِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ثَوَابٌ وَجَزَاءٌ؛ كَقَبُولِ صَلاةِ مَنْ لَمْ يُحْضِرْ قَلبَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلاتِهِ إِلا مَا عَقِلَ مِنْهَا، فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَلا يُثَابُ عَلَيْهَا.
وَالأَعْمَالُ تَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الإِيمَانِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالتَّعْظِيمِ، وَالإِجْلالِ، وَقَصْدِ وَجْهِ الْمَعْبُودِ وَحْدِهِ دُونَ شَيْءٍ مِنَ الْحُظُوظِ سِوَاهُ، حَتَّى لِتَكُون صُورَةُ الْعَمَلَيْنِ وَاحِدَةً، وَبَيْنَهُمَا فِي الْفَضْلِ مَا لا يحصيه إلا الله تعالى، وتتفاضل أيضًا بتجريد المتابعة، فبين العملين من الفضل بحسب ما يتفاضلان به في المتابعة، فتتفاضل الأعمال بحسب تجريد الإخلاص والمتابعة تفاضلًا لا يحْصِيهِ إِلا اللَّهُ تَعَالَى، فَتَأَمَّلَ هَذَا فَإِنَّهُ يُزِيلُ عَنْكَ إِشْكَالاتٍ كَثِيرَةً، وَيُطْلِعُكَ عَلَى سِرِّ الْعَمَلِ وَالْفَضْلِ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ"[17]، يَضَعُ فَضْلَهُ مَوَاضِعَهُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالشَّاكِرِينَ"[18].
والله تعالى أعلم.
يا رب اجعلنا من أهل الخشوع والقيام والجهاد والقرآن[19]، وارزقنا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ في غير ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ؛ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ[20].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وانصر عبادك المجاهدين، "اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"[21].
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا"[22].
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الصافات 180 - 182].
"اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"[23].
[1] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 617-624، 627-628)، ((القواعد النورانية الفقهية)) لابن تَيميَّة (ص: 42)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (28/ 31)، ((الصلاة وأحكام تاركها)) لابن القيم (ص: 140)، ((تفسير ابن كثير)) (1/ 251-254)، ((تفسير السعدي)) (ص: 51، 52)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/ 480)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/ 45-54)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 40-46 من سورة البقرة).
[2] تفسير السعدي (ص: 632)، ويُنظر: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه"؛ لخالد المالكي على الرابط التالي: https:/ / www.alukah.net/ sharia/ 0/ 144143/
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/ 425-427)، ((تفسير ابن كثير)) (1/ 383-384)، ((تفسير السعدي)) (ص: 62)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 104-113من سورة البقرة).
[4] ((معنى الخشوع وأهميته وكيفية حصوله)) بموقع الشبكة الإسلامية.
[5] ((تفسير ابن جزي)) (2/ 48).
[6] ((معنى الخشوع وأهميته وكيفية حصوله)) بموقع الشبكة الإسلامية.
[7] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 5)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/ 5، 6)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/ 105)، ((تفسير السعدي)) (ص: 547)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/ 305)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 1-11 من سورة المؤمنون).
[8] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 6، 10)، ((تفسير السمعاني)) (3/ 462)، ((الإيمان)) لابن تيمية (ص: 26)، ((تفسير السعدي)) (ص: 547)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 1-11 من سورة المؤمنون).
[9] مرجع شروح الأحاديث: ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
[10] يُنظر: ((قراءة الفاتحة في الصلاة)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[11] ورد في صفة السجود عدد من الأحاديث منها ما يلي:
- حديث أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ"؛ [أخرجه البخاري (532)].
- وحديث الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ، وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ"؛ [أخرجه مسلم (494)].
- وحديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ؛ [أخرجه البخاري (390)].
- وحديث مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ؛ [أخرجه مسلم (496)]، ومعنى بهمة: صغار الغنم. [شرح حديث ((مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ، لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ)) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية].
[12] ومن الأدلة على جواز اتخاذ مكان في البيت للصلاة الحديثان التاليان:
- عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ - يَا رَسُولَ اللَّهِ - فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟" فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ [أخرجه البخاري (667)].
- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ؛ [أخرجه البخاري (333)]، وفي هذا الحديثِ تَروي أمُّ المؤمنينَ مَيْمونةُ رَضيَ اللهُ عنها زوجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها كانت في وقتِ حَيضِها ونُزولِ الدَّم عليها لا تُصلِّي في تلك الفترةِ، ومع ذلك رُبَّما تكونُ مُنبسِطةً على الأرضِ بمحاذاة مكان صلاة رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيتِه، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي على "خُمْرَتِه"، وهي سَجَّادةٌ صغيرةٌ تُصنع من سَعَفِ النخل، سُمِّيتْ خُمْرَةً؛ لسَترِها الوجهَ والكفَّينِ مِن حَرِّ الأرض وبَرْدِها، وكان إذا سجَد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصابَها بعضُ ثوبِه الشَّريفِ، وفي هذا الحديث دَلالةٌ على جواز اتخاذ مكان في البيت للصلاة. [يُنظر: ((شرح حديث: أمّ المؤمنينَ مَيْمونة رَضيَ اللهُ عنها زوج النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها كانت في وقتِ حَيضِها ونُزولِ الدَّم عليها لا تُصلِّي في تلك الفترةِ...)) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية، ((حكم تخصيص مكان في البيت للصلاة)) بموقع الإسلام سؤال وجواب].
[13] والدليل على تفضيل الصلاة خلف الإمام والقرب منه، حديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" ثَلَاثًا، "وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ"؛ [أخرجه مسلم (432)]، وقول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لِيَلِني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى"، فيه الحثُّ على أنْ يُسارِع أهلُ العِلْم والفَهْم إلى الصَّلاة في الجماعاتِ؛ ليكونوا خَلْف الإمامِ وبالقرب منه.
وقوله: "ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" ثَلَاثًا: أي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الجملة ثلاث مرات لبيان طريقة تنظيم الصفوف المثلى، وهي تقدم أهل العلم والفهم، ثم من هم دونهم في العلم والفهم، ثم من هم دونهم، ثم من هم دونهم.
وقوله: "وإيَّاكم وهَيْشاتِ الأسواق": تحذيرٌ من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يَحدُث في المسجد مثل ما يحدث في السوق: من ارْتفاعٍ للأصواتِ، وصخب ولغَط، ومُنازعات وفِتن؛ [يُنظر: ((شرح حديث: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"...)) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية].
[14] ويؤكد هذا المعنى حديث أَبِي بُرَيْدَةَ، قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ: "يَا بِلَالُ، بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ إِلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مُرَبَّعٍ مُشَرَّفٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ. فَقُلْتُ: أَنَا عَرَبِيٌّ، لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقُلْتُ: أَنَا قُرَشِيٌّ، لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ؟ فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ"، فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا، وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِهِمَا"؛ [أخرجه الترمذي (3689)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].
[15] يُنظر: ((المنار المنيف في الصحيح والضعيف))؛ لابن القيم (ص: 32-33).
[16] أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (2/ 24).
[17] قال الله تعالى: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 45- 46].
[18] ((المنار المنيف في الصحيح والضعيف))؛ لابن القيم (ص: 32-33).
[19] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ: أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"؛ [أخرجه ابن ماجه (215)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (179)].
[20] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ"؛ [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)].
[21] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؟ قُولُوا: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"؛ [أخرجه أحمد (7982)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (844)].
[22] عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا"؛ [أخرجه مسلم (2722)].
[23] عن عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"؛ [أخرجه البخاري (3370)]، ومما جاء في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث أُبَي بن كعب أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ"، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ"، قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ"؛ [أخرجه الترمذي (2457)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي].