جعل الله تعالى للأم مكانة خاصة في الأسرة والمجتمع تتناسب ودورها الخطير، فقد أمر الإسلام بحسن صحبة الوالدين ولو كانا مشركين، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15].
كما أمر نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بحسن صحبة الأم بوجه خاص حتى ولو كان مشركة، وهذا ما يتضح من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حيث قالت: "قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم التي عاهدوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قدمت عليّ أمي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم هي أمك" الحديث[1].
كما أمر الله تعالى بالتواضع والرحمة وخفض الجناح للوالدين فقال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء].
كما قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ﴾ [العنكبوت: 8].
إلا أن للأم، نظراً لما تلاقيه من عناء في الحمل والوضع والتربية واحتضان الأبناء والسهر عليهم، مكانة خاصة في الإسلام؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14].
كما قال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ [الأحقاف: 15].
والكره هنا هو المشقة، وحمله وفصاله أي مدة حمله وفطامه من الرضاع.
كذلك روى البخاري ومسلم أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثمن من؟ قال: "أمك". قال: ثمن من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك"[2].
وعند ابن ماجه عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله من أبرُّ؟ قال: "أُمَّك"، قال: ثم من؟ قال: "أُمَّك"، قال: ثم من؟ قال: "أباك"، قال ثم من؟ قال: "الأدنى فالأدنى"[3].
كما روى ابن ماجه حديثا عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما؟ قال: هما جنتك ونارك)[4]. يعني إن أرضيتهما دخلت الجنة وإن أسخطتهما دخلت النار.
وللأم فضل كبير على أبنائها؛ فهي تحمل جنينها في أحشائها تسعة أشهر، تحمله وهنا على وهن، وتضع طفلها بين آلام المخاض وفرحة قدومه، وترضعه وتسهر عليه، وتعاني في تربية أبنائها من المشقة الممتزجة بالحنان الدافق والإيثار على نفسها في كل شيء[5].
لذلك كما كان للأم مكانتها في الإسلام في الكتاب والسنة، كان عليها أيضا مسؤولية كبيرة في تربية الأجيال التربية الإسلامية الحقة، والتي لها بصماتها في مستقبل الأبناء الذين يساهمون في بناء المجتمع ومستقبل الأمة الإسلامية.
وكما ذكرنا فإن الأسرة هي نواة المجتمع فإذا صلحت وقويت أركانها صلح المجتمع كله، وصمد أمام الرياح العاتية والأعاصير العاصفة والأزمات الشديدة، وأصبح المجتمع مجتمعا مثاليا، منتجا سعيدا، متماسك البناء قوي الأركان.. أما إذا فسدت الأسرة، كانت ضعيفة هشّة تنهار أمام أول عاصفة تواجهها، وبالتالي تؤثر على المجتمع ككل فلا يصمد أمام الأنواء وينهار أمام العواصف العاتية.
لذلك كان لقيام الأسرة في الإسلام أهميتها الكبيرة والخطيرة في نظر المشرّع، وكان لها شروط ينبغي مراعاتها حتى تقوم على أساس سليم، وتستقيم أمورها وتسير في ركب الحياة في طريقها الصحيح الذي مهده لها الإسلام تمهيداً جيداً تبدأ باختيار الزوجة التي هي أم المستقبل، وأيضا الزوج وهو أب المستقبل، ثم المباركة بإتمام الزواج الميمون بما شرعه الله تعالى.
والزواج حصن يردّ عن المرء جموح الغزيرة، ويحفظ العرض، ويحول دون التردي في مزالق الفواحش، كما أنه وسيلة للهدوء النفسي والقلبي، والسكن والمودة والرحمة، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].
فكل من الزوجين ملاذ للآخر يسكن إليه، فيتراحمان ويتوددان، ويتعاطفان فيعطف بعضهما على بعض.
كما أن هدف الزواج أيضا التناسل كما ذكرنا سابقاً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"[6].
كما ورد في حديثه ما يحض الشباب على الزواج بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه عبد الله رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"[7].
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو أيوب الأنصاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح" أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب[8].
وللتأكيد على اختيار المرأة المؤمنة الصالحة يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾ [النساء: 25].
أي أن على المؤمن أن يختار المرأة المحصنة العفيفة غير المسافحة، أي غير المجاهرة بالزنى، ولا مصاحبة أصدقاء للزنى سرا، سواء الحرّة أو الأمة[9].
كما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهمية اختيار المرأة للزواج من بين النساء المسلمات المؤمنات القانتات العفيفات بقوله في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"[10].
أي: لصقت يداك بالتراب إن لم تظفر بذات الدين. وهو كناية عن التنبؤ له بالفقر، وسوء الحال. ولا يراد به حقيقة الدعاء عليه، وإنما الحث على الزواج من ذات الدين. كما ورد عند الترمذي في حديث رواه عن جابر وقال: حديث حسن صحيح[11].
كذلك أشار النبي إلى أن أفضل متاع الحياة الدنيا هو المرأة الصالحة؛ فقد ورد عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"[12].
وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم باختيار المرأة الصالحة للزواج فقد حضَّ أيضا على اختيار المنجبة الودود الولود التي يبغي بها استمرار النسل عند المسلم، فقد ذكر عن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وأنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: (لا). ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة. فقال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"[13]. كما ورد عن طلحة، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انكحوا فإني مكاثر بكم"[14].
إلا أن الذرية الصالحة الطيبة هي هبة من الله تعالى يرزق من يشاء بها، ويمنعها عمن يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يقول تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50].
كما نهى الله تعالى ورسوله عن الزواج من الزانيات. قال تعالى: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3].