الملا عبود الكرخي
الحديث عن الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي (1861 – 1946م) متجدد، على الرغم من كدّ السنين وتوالى الأيام، فالحديث عنه حداثوي؛ لأن شعره يركز على الوعي؛ ولأن الحداثة لا تقاس بالزمن بل بالقيمة، كما يقول أدونيس.
لم يكن الكرخي إنساناً بسيطاً، لانه نظم شعره على لسان العامة، فالعامة اليوم يحسب لقيمتهم ألف حساب، لا سيما في ابداعاتهم الشعبية التي أخذت الدراسات والبحوث منها مأخذاً كبيراً، خاصة في المراكز الفولكلورية العالمية، التي دأبت على دراسة شعرهم وحكاياتهم وأغانيهم ورقصهم وألعابهم وعاداتهم وتقاليدهم وألفاظهم وتراكيبهم وما إلى ذلك، لما في تفكير العامة من ابعاد سايكولوجية ومعرفية وانثروبولوجية، وبناء على ذلك فأن الأبعاد المعرفية والفنية التي تكلل شعره، نابعة من بناء شخصيته الشعبية، فقد تغلغلت أفكار الكرخي في أفكار الأوساط الشعبية، كما تغلغلت أفكارهم في أفكاره، وسرى ذلك في دم الكرخي، ولحم العامة ودمهم، فالذي جعل شعره وشخصيته يلامسان قلوب العامة؛ هو التناص مع أمثالهم وكناهم وعاداتهم وتقاليدهم وموروثهم اللفظي الشفاهي، وما الى ذلك مما يجري على ألسنة طبقات العامة، فصار كما قال الرصافي: «تالله لم تظهر الدنيا حقيقتها.. إلا بما راقني من شعر عبود.. شعر لو امتلكت قلبي عواطفه.. لكان دون إله العرش معبودي».
تساؤل
لماذا صار شعر عبود معبود الرصافي؟ وحلّ افتراضياً – مجازيّا، محل إله العرش عند الرصافي، أليس لأن فيه ما يلامس شغاف قلوب العراقيين، قال الكرخي: «انا بالشط ويكولولي لاتعجّج.. اتفقوا حالا وثبتوا
عجاجتنه».
لكن كيف يعجّج من كان في الشط؟ فالبريء مدان من الآخر، لا سيما النواب آنذاك، اذ طالبوا بغلق جريدته الكرخ، لأنه كشف حقيقتهم، ان هذا المثل لكثافته وايجازه ليعوّض عن مقالة كاملة لملامسته قلوب العامة لانه تناص مع
أمثالهم.
سخرية
الكرخي ناقد اجتماعي ساخر، بل مُضِحك، قال معزيا أحدهم بوفاة بقرته: «كوموا عزّوا شيخنا عبد الحكـــــــيم.. في ممات الهايشه التشبه الريم.. شيخنا عبد الحكيم أعني الخطيب.. والمـــــدرّس والمـــعلّـــم واللّـبــيــــب.. إمام في جامــع الفـــلـــوجــة أديب.. قصير قامة أسمر مسلوع ذميم.. أيها الشيخ المــــحنّــــك والـــجـــلـــيــــــل.. وفاقد الصفراء أم ذيل الطويل.. أدعو أن يلهمكم الصبر الجــمــــيـــل.. ربّنا الجبّار ذو العرش العظيم».
استطاع في هذه الأبيات ان يرسم لوحة بارونامية، عكس بها نقده الاجتماعي الساخر من طريق مباشر أو غير مباشر حين كشف هوية الشخص المعزّي، بأنه إمام جامع ليخلق التضاد في نفسية القارئ، فكيف يقبل إمام الجامع بقبول التعازي عن حيوان (كالهايشة)؟ وان يقبل من الآخر التعزية والصبر
الجميل.
وفود
حين وفدت على العراق فرق الفنانين من مصر آنذاك، رأى الكرخي ان هذه الفرق تجبي المبالغ الطائلة من جيوب أبناء البلاد الخالية، فقال: «راح (أبو جاسم) وربعه.. هم (المذهبجّية) تسعة.. ليت روحه بلا رجعة.. بجاه الله العالي شأنه.. قاري (ياجارة الوادي).. تطرِبلْها الخنفسانة.. ياعراقيين هاكم.. خبر فيه ابتلاكم.. (يوسف الوهبي) إجاكم.. اهرعوا اندلّوا مكانه.. وجوق (سركس) من لفانه.. اهرعوا اندلّوا
مكانه».
فالكرخي في هذه الابيات كسب القارئ من انحاء عدة، منها: انه كنّى (محمد عبد الوهاب) الموسيقار الكبير والمغني بـ(أبو جاسم) وفي هذه الكناية تندر وسخرية؛ لأنها كناية عراقية وليست مصرية، ثم هي من باب الذم بما يشبه المدح، زيادة على أن الكرخي في هجائه هذا وظّف تراكيب عراقية تلامس شغاف قلوب العراقيين، مثل (ريت روحه بلا رجعة.. بجاه الله العالي شأنه) ثم أنه استعمل أسلوب الت**** حين نعت أغنية (ياجارة الوادي) لمحمد عبد الوهاب، بأنها لاتطرب إلا الخنفسانة، ثم شرع يتندر أكثر فأكثر حين تناول شخصية (يوسف وهبي) وجوق (سركس) عندما حطوا بالبلد، فليس من ورائهم غير الهم والغم وهو تناص مع قول العامة (ماكو ورا فلان غير الهم والغم) حين يستنبطون شخصية
رحيل /سمو /معاذير غربة خلود حكاية عشق و عين هيبة شموع
أما عن كفة الأصحاب ، أنا حظي عظيم
محاطة باصدقاء* مثل النور
ياربّ لا تجعلني أرى فيهم حزناً ولا همَّاً ولا تعباً ،
واجعلني أرى فيهم فرحاً و سروراً
[/LEFT]
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ aksGin على المشاركة المفيدة: