في الليلة الخامسة من شهر مايو عام 1100م، ظهر القمر ساطعًا في السماء، وبعد ذلك تضاءل ضوؤه شيئًا فشيئًا، وبحلول الليل كان منطفئًا تمامًا دون سبب واضح، وبقيت حادثة اختفاء القمر مثار بحث علمي على مدى ما يقرب من ألف عام.
بركان "هيكلا"
وعلى مدى سنوات طويلة ظل العلماء يعتقدون أن ثورانًا كبيرًا لبركان "هيكلا" في أيسلندا تسبب في اختفاء القمر، لكن دراسة جديدة أجراها عالم المناخ المعروف سيباستيان جيليه بجامعة جنيف في سويسرا، تعني أن ثوران بركان "هيكلا" لم يكن السبب المباشر وراء اختفاء القمر.
سحابة عملاقة من جسيمات غنية بالكبريت
وحسب الدراسة التي نشرت نتائجها في شهر أبريل 2020، فقبل نحو ألف عام، حدث اضطراب كبير في الغلاف الجوي للأرض، إثر تدفق سحابة عملاقة من الجسيمات الغنية بالكبريت في جميع أنحاء طبقة "الستراتوسفير" المحيطة بالكرة الأرضية، مما جعل السماء مظلمة لأشهر أو حتى سنوات، قبل أن تسقط هذه الطبقة في النهاية على الأرض.
و"الستراتوسفير" هي الطبقة الرئيسية الثانية من الغلاف الجوي للأرض، فوق طبقة "التروبوسفير" مباشرة، وتحت طبقة "الميزوسفير".
وحسب موقع "الحرة"، أصبحت هذه الحقيقة العلمية مثبتة لأن الباحثين قاموا بحفر وتحليل عينات اللب الجليدية في الأرض، وأخذوا عينات من أعماق الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية، والتي حاصرت رذاذ الكبريت الذي نتج عن الانفجارات البركانية التي وصلت إلى طبقة الستراتوسفير واستقرت مرة أخرى على السطح.
وتمكن الجليد من المحافظة على أدلة البراكين على مدى فترات زمنية طويلة بشكل لا يصدق، وفق تعبير موقع "ساينس أليرت" لكن تحديد التاريخ الدقيق لحدث يظهر في طبقات لب الجليد لا يزال عملًا صعبًا.
وللتحقق أكثر، قام الفريق بفحص سجلات العصور الوسطى لخسوف القمر الغريب المظلم الذي يمكن أن يتوافق زمنيًا مع الضباب بسبب سحابة عملاقة من الجسيمات الغنية بالكبريت في طبقة الستراتوسفير الرئيسي.
وقال الفريق إن الظواهر البصرية الرائعة في الغلاف الجوي المرتبطة بالهباء الجوي البركاني على ارتفاعات عالية قد جذبت انتباه المؤرخين منذ العصور القديمة.
ووفقًا لسجلات وكالة ناسا المستندة إلى الحساب الفلكي، كان من الممكن ملاحظة 7 خسوفات كلية للقمر في أوروبا في العشرين عامًا الأولى من الألفية الماضية، بين 1100 120 م.
حقيقة تاريخية موثقة
وفي المؤلف التاريخي بيتربورو كرونيكل، هو أحد السجلات الأنغلو سكسونية، جاء وصفًا لما حدث؛ فإنه "في الليلة الخامسة من شهر مايو، ظهر القمر ساطعًا في المساء، وبعد ذلك تضاءل ضوؤه شيئًا فشيئًا بحيث أنه بمجرد حلول الليل، كان منطفئًا تمامًا، لم يكن هناك ضوء ولا جرم سماوي، ولم يُشاهد أي شيء على الإطلاق".
ومنذ ذلك الحين، ناقش العديد من علماء الفلك هذا الخسوف الغامض والظلام غير المعتاد للقمر، حتى ظن البعض أنه اختفى.
وبعد قرون من حدوثه، كتب عالم الفلك الإنكليزي جورج فريدريك تشامبرز عن ذلك، قائلاً: "من الواضح أن هذا الكسوف كان مثالاً على كسوف "أسود" عندما يصبح القمر غير مرئي تمامًا بدلاً من أن يضيء باللون النحاسي المألوف".
وتشير الدراسة الجديدة إلى أنه على الرغم من أن الحدث معروف جيدًا في تاريخ علم الفلك، إلا أن الباحثين لم يشيروا أبدًا إلى أنه ربما كان سببه وجود الهباء الجوي البركاني في الستراتوسفير، على الرغم من أن هذا هو السبب الأكثر ترجيحًا.
وكتب الباحثون: "نلاحظ أنه لا يوجد دليل آخر على حجاب الغبار البركاني، مثل تعتيم الشمس وتوهجات الشفق الأحمر والهالات الشمسية المحمرّة، خلال تحقيقاتنا للأعوام 1108-1110م".