بسم الله الرحمن الرحيم
اسمه وكنيته:
هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي المَعافري، الإشبيلي نشأة، الفاسي مدفنا، المَعافري نسبا.
مولده وطلبه العلم:
ولد بإشبيلية سنة 467 هجرية، في أسرة جمعت بين علوم الدين والمناصب الدنيوية والسياسية. فأبوه كان عالما فقيها، شاعرا ماهرا، خطيبا مفوها، تقلب في عدة مناصب سياسية.
بدأ المترجم طلب العلم في سن مبكرة، فأخذ بإشبيلية القرآن والقراءات، والحديث واللغة، والفقه والحساب.
ومن شيوخه بإشبيلية: أبوه عبد الله، وخاله الوزير الحسين بن محمد الهوزَني، وأبو عبد الله ابن منظور، وأبو محمد ابن مزربع.
ثم رحل إلى قرطبة؛ فأخذ عن أعلامها؛ كأبي عبد الله ابن عتّاب، وأبي مروان ابن السراج وغيرهما. حتى حذق العلوم، وشُهد له بالتقدم فيها.
رحلته للمشرق:
لم يقنع ابن العربي بالعلم الذي ارتوى منه بالمغرب العربي حتى اشرأبت نفسه للرحلة للمشرق سنة 485 هـ، للدهق من أعلامه، وإضافة علوم وتجارب رجالاته إلى ما أخذه بالمغرب، ودامت رحلته في طلب العلم عدة سنين.
فقد تنقل في حواضر المشرق الإسلامي، والتقى بكبار العلماء والشيوخ على مختلف تخصصاتهم ومواقعهم، وضرب سهما وافرا في مختلف العلوم.
فأخذ بمصر عن جماعة، وبالشام عن أبي بكر الطرطوشي، وبالعراق التي دخلها مرتين صحب خلالهما الإمامين الكبيرين أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي. ولقي بالحجاز عبد الله ابن الحسين الطبري المكي.
ثم عاد المترجم إلى إشبيلية بعد غيبته الطويلة، ودوّن رحلته في كتاب: "ترتيب الرحلة للترغيب في الملة".
توليه القضاء:
عاد ابن العربي من المشرق إلى إشبيلية بثروة علمية هائلة، وكانت حصيلته العلمية داخل الأندلس وخارجها، وقد جمع بين المعارف وتكلم في أنواعها، وحرص على أدائها ونشرها، وتمييز صحيحها من سقيمها بما تحصله من معرفة المذاهب الأربعة، والتبحر في العلوم الاثني عشر من علوم الشريعة، والعارضة الكبيرة التي امتلكها نتيجة معاشرته مختلف المذاهب وأربابها.
ثم استقضي بإشبيلية فقام بهذه المهمة أجمل قيام، وكان من أهل الصرامة في الحق والشدة والقوة على الظالمين، والرفق بالمساكين، ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم.
تآليفه:
ترك المترجم تآليف سارت بها الركبان، تميزت بوسع الاطلاع، وعمق التفكير، وقوة العارضة، ورجحان الحجة، والمناظرة والبحث، ومن أبرزها:
1- "أنوار الفجر" في التفسير، أتمه في ثمانين ألف ورقة.
2- "أحكام القرآن" في التفسير كذلك.
3- "الناسخ والمنسوخ".
4- "القبس شرح موطأ مالك بن أنس".
5- "عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي".
...وغير ذلك من المؤلفات الكثيرة والتي طبع العديد منها.
تلامذته:
أخذ عنه جمهور من أعلام الأندلس والمغرب، وأثنوا عليه وعلى علمه وكفاءته، منهم: ابنه القاضي محمد، والقاضي عياض بن موسى اليحصبي، وأبو زيد السهيلي، وأحمد ابن خلف الطلاعي، وعبد الرحمن بن ربيع الأشعري، والقاضي أبو الحسن الخلعي...وغيرهم.
فهو فقيه مالكي بالدرجة الأولى، مجتهد ناقد، حر الرأي والضمير، قوي العارضة، متمكن من أصول الفقه ووسائل الترجيح، يصدق فيه ما وصفه به ابن بشكوال بقوله:
"كان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، متقدما في المعارف كلها، متكلما في أنواعها، نافذا في جميعها، حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق وحسن المعاشرة، وكثرة الاهتمام وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود".
وإلى هنا تم ما رمت جمعه، وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد، وصلى وسلم على نبيه ورسوله خير العباد، وآله وصحبه وكل مهدي هاد.
وفاته:
توفي – رحمه الله تعالى - في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة منصرفه من مراكش، وحمل إلى فاس حيث دفن فيها.