الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين؛ أما بعد:
فإن من أهم المسؤوليات التي ينبغي أن يهتم بها الوالدان، ويسعيا إليها - تسييرُ أولادهم على منهج تربوي ذي خطوط عريضة خلال
اليوم والليلة؛ حتى يكون ذلك سجيَّةً للأولاد، متدرجين في تنفيذه؛ حتى يكون ذلك مألوفًا عندهم، وفي هذه الحلقة سأطرح عشر همسات كمقدمات لهذا المنهج، ثم أذكر عشرين عنصرًا من مفردات هذا المنهج، راجيًا من الوالدين الكريمين تحرير ذلك وإنزاله إلى الواقع العملي للأولاد، كما أهمس في آذان الأولاد الكرام أن يكونوا خيرَ معين لتنفيذ ذلك المنهج.
الهمسة الأولى: من أهمية السير على برنامج تربوي
للأسرة - ولو كان عامًّا - أن هذه الأسرة تنضبط في سلوكها، وتعيش اتفاقًا وتفاهمًا فيما بينها؛ حيث سمت أفكارهم وعقولهم عن الخلاف والفرقة، ومن هنا يكون هذا البرنامج وقائيًّا لكثير من المشاكل التي حدثت عند بعض الأسر؛ لقلة وعيهم وثقافتهم، وبنائيًّا لهم في الوقت نفسه.
الهمسة الثانية: على تلك الأسر التي لم تجعل لها طرحًا تربويًّا فيما بينهم أن يسارعوا إلى ذلك؛ لأنه قد فاتهم خير كثير، فالأسرة ليست مجتمعًا مؤقتًا بشهر أو شهرين وتنتهي، بل هي مجتمع دائم ما دامت حياتهم، فعليهم مشكورين مأجورين أن يتفهموا أهمية ذلك البرنامج في بث الوعي لدى أولادهم، ما يجعل تلك الأسرة في مقدمة الأسر خُلقًا وسلوكًا وعلمًا وعملًا.
الهمسة الثالثة: هؤلاء الأولاد هم التجارة الرابحة إذا صلحوا، وقد يكونون وباءً - لا قدر الله - إذا فسدوا؛ فكان لزامًا وضع السبل العملية لصلاحهم ودرء فسادهم، وما يكونوا عليه من الصلاح أو الفساد، سينعكس في الغالب على أولادهم سلبًا أو إيجابًا إلا ما شاء الله.
الهمسة الرابعة: عند أهل العلم ما يسمى بالوظائف الشرعية خلال
اليوم والليلة، وهي سائر الأعمال الصالحة في يومهم وليلتهم، وهي موجودة بحمد الله تعالى في أسرنا على سبيل الإجمال، لكن هل الأبوان الكريمان وضعا خطة لهم ولأولادهم في تفعيل ذلك؟ فهي من أهم الأسباب للاستقرار الأسري من جميع الوجوه.
الهمسة الخامسة: معشر الأبوين الكريمين، اجعلا هذا البرنامج مشروعًا طويل الأمد إن أردتم صلاحًا وإصلاحًا بإذن الله تعالى، واجعلوا له جُلَّ اهتمامكم، فنجاحه نجاح لكم ولأسرتكم المباركة، مجتهدين في تذليل العقبات الطارئة، متصفين ببعد النظر وعدم التوقف لعوائق يمكن تجاوزها.
الهمسة السادسة: على الأبوين الفاضلين الكريمين مشاركة بعض الأولاد في إعداد بعض الأذكار القولية والعملية خلال
اليوم والليلة، والاجتهاد في تحفيظها للأولاد، فلا يتحركون إلا بذكر غالبًا، فكم ستربحون ويربحون من الأجور! وكم ستجنون من الاطمئنان النفسي والعاطفي لكم ولهم!
الهمسة السابعة: هذا البرنامج لا يعرف الاستعجال المفرط في التنفيذ، ولا انتظار النتائج في زمن يسير، بل هو طويل المدى قوي المفعول في الصلاح والإصلاح بإذن الله تعالى، لكنه يأتي على مراحل كل مرحلة تبني ما بعدها.
الهمسة الثامنة: التنويع في البرنامج الأسري
التربوي مهم جدًّا؛ حتى يستجلب كل فرد منهم ما يستهوونه من مفردات هذا البرنامج، كما أنه يُلاحظ التفريق بين الصغار والكبار.
الهمسة التاسعة: التجارب الإيجابية داخل الأسرة يحسُن أن تكون حديث المجالس؛ ليستفيد منها الآخرون، فهي دعوة عظيمة وصدقة جارية، وما يدريك أن كلمة أو تجربة تذكرها في مجلس يتصحح بسببها مفاهيمُ كثيرٍ من الأسر والأفراد؛ فلا تبخل على إخوانك وجلسائك بهذا.
الهمسة العاشرة: شكر كبير وجزيل للأسر التي تفطنت لتربية أولادها على مائدة النبوة، فجعلت لهم برنامجًا يسيرون عليه.
هذه عشر مقدمات بين يدي هذا البرنامج المقترح، يُرجى الانتباه لها فهي ضوابط للبداية والاستمرار والتفعيل، وسأطرح عشرين عملًا من الأعمال والمفردات التي يمكن للأبوين الكريمين أن يرسما منها برنامجًا لأولادهم، فليحررا منها ما يراه مناسبًا لهم ولأولادهم، وليزيدا عليها ما يفتحه الله تعالى عليهما؛ ليصبح برنامجًا مختارًا تسير عليه تلك الأسرة في يومها وليلتها.
وهذه الأعمال هي كالآتي:
الأول: أن يحفظ الأولاد أذكار الاستيقاظ من النوم؛ ليبدؤوا يومهم بهذا الذكر، وليكن الاستيقاظ في الوقت المشروع لصلاة الفجر، وإن تمت المحاولة على أن يتقدم قليلًا ليدرك الجميع شيئًا من الخير العظيم في آخر الليل وساعة الإجابة؛ فهو دأب الصالحين وقرة عيون الموحدين.
الثاني: تذكير الأولاد بشعائر صلاة الفجر وأنَّ مَن صلَّاها فهو في ذمة الله، وأنها تشهدها الملائكة الكرام، وأن راتبتها خير من الدنيا وما فيها، وأنها وقت قدوم ملائكة النهار وانصراف ملائكة الليل، ويشهد هؤلاء الملائكة الكرام بما رأَوا من حال هؤلاء من صلاح أو فساد.
الثالثة: حفظ الأذكار الصباحية والمسائية والمحافظة عليها وقراءتها بحضور قلب؛ فإنها حصن حصين من جميع الشرور، واستقرار واطمئنان وسكينة، وأجر وغنيمة.
الرابع: جلوس المصلي في مُصلَّاه بعد صلاة الفجر - للرجال في مساجدهم وللنساء في بيوتهن - حتى تطلع الشمس وترتفع بما يُقدَّر بعشر دقائق تقريبًا بعد خروجها، وهذه سُنَّةٌ ثابتة من فعله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم، فجميلٌ إحياء هذه السنة ولو ببعض الأيام، مع ما يصحب هذا من الخير العظيم: كدعوات الملائكة بالمغفرة والرحمة والتوبة وغير ذلك.
الخامس: صلاة الضحى وهي ركعتان فأكثر، ووقتها من بعد طلوع الشمس بعشر دقائق إلى قبيل الظهر تقريبًا بعشر دقائق، وهي تعادل ثلاثمائة وستين صدقة؛ كما في الحديث الصحيح.
السادس: المحافظة على السنن الرواتب؛ وهي: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، فمن حافظ عليها بنى الله له بيتًا في الجنة؛ كما في حديث أم حبيبة رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها، بل ويقضيها إذا فاتته عليه الصلاة والسلام.
السابع: اجتماع الأسرة في تناول وجباتهم يحمل خيرًا عظيمًا في اجتماعهم وحديثهم وتواجدهم وبركة طعامهم، بخلاف تفرقهم؛ فقد تتباعد القلوب والأنفس.
الثامن: جلسة تربوية مسائية
للأسرة لتناول المشروبات الخفيفة، مع أحاديث ودية من هنا وهناك، ولن تخلوَ تلك الجلسة من طرح مفاهيم تربوية تُصحِّح عملًا أو تسدد خللًا ونحو ذلك.
التاسع: مجال القراءة والثقافة والاطلاع، فيضع كل فرد منهم ما يناسبه يوميًّا، فلو قرأ أحدهم كل يوم ثلاث صفحات من كتاب، فسيقرأ في السنة واحدًا وعشرين كتابًا، كلُّ كتاب خمسون صفحة، فهذا زاد ثقافي كبير وقد يتطور مع الوقت والتجربة.
العاشر: تحديد الحزب القرآني اليومي لكل منهم؛ بحيث لا يمكن التخلي عنه، ولكنه يقل ويكثر حسب الظروف والأحوال.
الحادي عشر: مراجعة الواجبات المدرسية ومذاكرتها وفهمها.
الثاني عشر: يتخلل البرنامج فُسح قصيرة وطويلة هنا أو هناك؛ في رحلة أو زيارة، أو جولة أو سفرة، أو نحو ذلك؛ ما يجدد النشاط ويبعث الهمم.
الثالث عشر: نهاية الأسبوع يُقترح أن يكون اجتماعًا مع بعض الأقارب أو الأصدقاء للأحاديث الجانبية، ومزاولة بعض الهوايات، واستجمام النفوس.
الرابع عشر: لا بد من تنظيم التعامل مع وسائل التواصل وعدم الإغراق فيها؛ فالإسراف فيها مُضيِّع للوقت ومشتِّتٌ للأمر.
الخامس عشر: النوم المبكر نسبيًّا؛ ما يجعلهم من الغد بنشاط وعزيمة وهمة.
السادس عشر: حفظ أذكار النوم والمحافظة عليها، والتعرف على معانيها وثمراتها.
السابع عشر: زيارة بعض المعالم المفيدة؛ للاطلاع وتوسيع المدارك، والتعرف على جوانب من المجتمع.
الثامن عشر: الحرص على الحلقات القرآنية للرجال والدور النسائية للنساء، ومتابعتها والاهتمام بها.
التاسع عشر: استحداث درس أسبوعي
للأسرة بعنوان (إحياء القيم الإيجابية)، في كل أسبوع تُطرح قيمة نظريًّا وعمليًّا، وسيكون لهذه الأسرة خلال سنة واحدة قرابة خمسين قيمة، وهذا خير عظيم وعميم.
العشرون: توصية الأولاد وتعويدهم كثرةَ ذكرِ الله تعالى في ذهابهم وإيابهم، إذا لم يكونوا مشغولين بشيء معين، وأن يكون ذلك سجية لهم، وبهذا تكسبون خيرًا عظيمًا مع مُضيِّ الوقت.
هذه عشرون من الأعمال والمفردات، وغيرها كثير مما لدى الآباء والأمهات الكرام مما يمكن أن يُحرر منه برنامج يسير عليه الأولاد، فكونوا جادين في اتخاذ هذا القرار في رسم هذا البرنامج لأولادكم، ولا يلزم أن يكون النجاح ١٠٠٪، لكن النجاح النسبي ولو كان قليلًا فهو أحسن من عدم العمل، فعدم تفعيل تلك البرامج هو إهدار لهذه الفرصة التي لو استثمرتها، فإنه يلحقك ربحها في الدنيا والآخرة، وألفِتُ نظر الأبوين الكريمين أن يكونا بعيدَي النظر في تفعيل تلك البرامج مع أولادهم؛ لأن هؤلاء الأولاد سينقلونها لأولادهم، وهكذا يتسلسل الخير ويكون هذا العمل صدقة جارية لكم، ففكروا في المكاسب قبل أن تفكروا في المتاعب، وقد يحصل بعض العقبات في أول المشروع، فعلينا تذليلها وليس الوقوف عندها وإنهاء المشروع.
وأدعو الله تبارك وتعالى أن يعينكم ويسددكم في جميع أوقاتكم، فمَن كان التوفيق حليفه فقد فاز في جميع شؤونه.
أسأل الله تعالى لنا جميعًا التوفيق والسداد، والهدى والرشاد، والإعانة والقبول، والصلاح والإصلاح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.