الدعوة إلى الله تحتاج منا المزيد من طيب الكلام، واللين في المعاملة، والتلطف في الحديث مع الناس
ومع طيب الكلام نحتاج إلى أن تلين قلوبنا وترق خاصة عند سماع القرآن، وأكثر ما يكون ذلك مرغوبًا
في مجال الدعوة إلى الله عز وجل، وهو دليل على كمال الإيمان وقوة الإسلام؛ فمن لان قوله مع الناس
فهو أدعى إلى الإجابة والقبول لدعوته، ومن لان قلبه عند سماع القرآن، فبالضرورة أن تلين نفسه وتصبر
وتحتسب الأجر عند الله، عندما يقع الأذى عليه وقت تعامله مع الناس، فحتمًا ولا بد أن يقع
الأذى عند المعاملة والمخالطة؛ قال قتادة رحمه الله تعالى في قوله تعالى:
﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23]:
"هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله عز وجل بأنه تقشعر جلودهم، وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم
إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع"[1].
فلين الكلام وطيبه يعني: الرفق في معاملة المقصرين، والتماس العذر لهم وعدم تعنيفهم؛ كما
حدث من النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد؛ حيث لم يعنف المقصرين بتوفيق الله وبرحمة منه.
فالداعي إلى الله يحتاج إلى مزيد من اللين والرفق، واللطف والنصح، وانتقاء الألفاظ
والجمل الطيبة؛ رجاء استمالة وتليين القلوب للدخول في الإسلام؛ قال تعالى:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125].
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "أي: ليكن دعاؤك للخلق - مسلمهم
وكافرهم - إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح ﴿ بِالْحِكْمَةِ ﴾
أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقياده"[2].
وهذا ما فعله سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون أنه قال له قولًا لينًا؛ قال تعالى:
﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44]؛ قال الشيخ السعدي: "أي: سهلًا لطيفًا برفق
ولين وأدب في اللفظ، من دون تفحش، ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة
في الأفعال؛ ﴿ لَعَلَّهُ ﴾ بسبب القول اللين ﴿ يَتَذَكَّرُ ﴾ ما ينفعه فيأتيه، ﴿ أَوْ يَخْشَى ﴾ ما يضره
فيتركه؛ فإن القول اللين داعٍ لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه"[3].
حتى مع غير المسلمين، فالداعي إلى الله مطالب باللين معهم والبر بهم؛ قال تعالى:
﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ
يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
[الممتحنة: 8]؛ قال الشيخ السعدي: "أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف
والقسط للمشركين من أقربائكم وغيرهم"[4].
فالتعامل معهم يكون بسلوك المسلم المميز، المرتفع القامة، المستعلي بالإيمان
فيبذل كل طريقة من أجل دعوتهم إلى الله؛ مثل: عيادة مرضاهم إذا رجا دخول أحد منهم
في الإسلام، وإهدائهم وقبول هدياهم، وهذا كله من أجل استمالتهم وتأليف قلوبهم
مع انتفاء أي مودة قلبية وحب، إلا إذا أسلموا لله رب العالمين، فهم إخواننا في الله.
فالقول الهين اللين الطيب ضروري في مصاحبة الداعي؛ فالنصح وطيب الكلام ولينه من صفات
المؤمنين الأتقياء الأنقياء البررة، وهو أثر من آثار رحمة الله تعالى، وهو يورث الدرجات العلى من
الجنة، ويباعد من النار في الآخرة، ومن الشر والعداوات في الدنيا.
والكلم والنصح الطيب اللين يورث المحبة والتعاطف بين الموحدين، ويجعلهم صفًّا واحدًا
أمام أعدائهم، ويجلب السماحة والمودة، ويستدعي رحمة الله، ويجلب التحاب في الله، ويجعل
المتحابين في الله من الذين يستظلون بظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] تفسير ابن كثير (4/ 56).
[2] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (ص: 452)، للعلامة الشيخ
عبدالرحمن بن ناصر السعدي، تحقيق: عبدالرحمن بن معلا اللويحق.
[3] تيسير الكريم الرحمن (ص: 506).
[4] تيسير الكريم الرحمن (ص: 857).