الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير البرية أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين؛ أما بعد:
إن التربية السليمة هي بإذن الله عز وجل حزام الأمان من الانحراف والزيغ بعد توفيق الله تعالى؛ فالأبناء والبنات الذين تلقَّوا تلك التربية حال صغرهم ثم نشؤوا عليها، لا شك أن لديهم رصيدًا كبيرًا يكون لهم حصنًا -بإذن الله تعالى- من أيادي الأعادي.
ونظرًا لأهمية تلك التربية، ولتعدد الأفكار فيها، وكثرة الرؤى التربوية - فإني أطرح عشرين
فكرة تربوية يمكن الاستفادة منها خلال تربيتك، سددك الله وأعانك وزادك هدًى وتقًى.
الفكرة الأولى: عَقْدُ درس تربويٍّ علمي يومي أو أسبوعي على الأقل مع
الأسرة أو من يتيسر منهم، ويكون متنوعًا؛ فمرة في السيرة، وأخرى في المسائل الفقهية الخفيفة التي يحتاجونها، وثالثة في الآداب والسلوك، ورابعة في المناقب والفضائل، وغير ذلك، فسيتعلم أهل البيت من خلال تلك الجلسات كثيرًا من المسائل والآداب، ويتم تصحيح كثير من السلوكيات، مع ما يصحب ذلك من الطمأنينة والسكينة التي يجدها أهل البيت، كيف لا وقد حفَّتهم الملائكة، وغشيَتْهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله تعالى في مَن عنده؟ وقد أثبتت تجارِبُ كثيرٍ من التربويين وغيرهم أن لهذا أثرًا كبيرًا وخيرًا عظيمًا، فاركب معهم وسِرْ مسارهم لتجدَ ما وجدوا.
الفكرة الثانية: تحديد حديث أو ذِكْر يُحفظ في كل أسبوع مما يتكرر مع المسلم في يومه وليلته، فيسمعه أهل البيت ويراجعونه ويعملون به، وستكون النتيجة لسنةٍ كاملة قرابة خمسين ذكرًا وحديثًا، ولا شك أن هذا رصيدٌ كبير أن تكون
الأسرة تتقلب في أحوالها كلها مع الأذكار والنصوص النبوية.
الفكرة الثالثة: الحرص على الاستماع لإذاعة القرآن الكريم، ومحاولة تمديد شبكة لتلك الإذاعة المباركة في البيت، لا سيما مكان وجود
الأسرة بكثرة؛ كمكان الطهي وغرفة الجلوس ونحوهما؛ فإن الذين جربوا هذا قد استفادوا كثيرًا من تلك البرامج، وكان لها الأثر الفعال على سلوكياتهم جميعًا.
الفكرة الرابعة: تشجيع أهل البيت بعضهم بعضًا على صيام النوافل، كالاثنين والخميس والأيام الستة من شوال وعرفة وغيرها، فيشد بعضهم بعضًا على هذه الطاعة العظيمة، وقد يصحب برنامج الصوم بعد الإفطار برنامج منوع ثري.
الفكرة الخامسة: تحرير عدد من الأعمال الفاضلة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تمر على المسلم في يومه وليلته، وإعدادها في ورقة، وتزويد كل فرد من أهل البيت بنسخة منها؛ للتذكير بها، والمحافظة على تنفيذها بالطريقة التي تناسبه.
الفكرة السادسة: تدريب أهل البيت على الصدقة، وإحياء قيمة الجود والبذل ولو بالقليل، وذلك عن طريق وضع صندوق في مكان بارز في البيت، يضع فيه أهل البيت ما تجود به نفوسهم من القليل والكثير، ثم يُفرغ بشكل دوري ويُعطَى للفقراء والمحتاجين والجهات الخيرية.
الفكرة السابعة: تعويدهم على تحمل المسؤوليات بأنواعها، ويكون هذا بالتدريج بحيث يتدربون من خلال البيت والأسرة ومشاغلها على حسن الإدارة، وذلك كالمصروفات المعيشية وشرائها، واستقبال الضيوف، والخدمة المنزلية، وقضاء بعض حاجيات الوالدين ونحو ذلك؛ بحيث يشعر أنه قدم عملًا في أسرته؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته كما تقول عائشة رضي الله عنها: ((يخصف نعله، ويحلب شاته، ويخيط ثوبه، ويكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج)). أما أن يكون الأولاد مخدومين من كل وجه، ولا يتقلدون مسؤوليات تُدربهم على العمل - فهذا لا شك له مخرجاته السلبية لاحقًا.
الفكرة الثامنة: ملء فراغهم بما يفيد دنيا أو دينًا؛ ببيع أو شراء، أو تسجيلهم في بعض البرامج التربوية النافعة، أو اصطحابهم إلى مجالس الخير ليتعلموا فيها ما يملأ أوقاتهم بما ينمي قدراتهم.
الفكرة التاسعة: الحرص على زيارة مدارسهم بنين وبنات؛ للتعرف على مستوياتهم وسلوكياتهم ورعايتهم وتنمية قدراتهم، فعلى الوالدين الكريمين أن يقوما بتلك الزيارة، وعليهما أيضًا عدم إغفال هذه الفقرة، فالتربويون في المدارس يشْكُون شحَّ زيارة الآباء لمدارس أبنائهم، وتشكي التربويات شح زيارة الأمهات لمدارس بناتهم؛ فإن هذه الزيارات لها مخرجاتها التربوية المهمة على الأولاد.
الفكرة العاشرة: الهدايا مطايا المحبة وبريد المودة وسبيل للتأثر، فحاوِلْ أن ترسل هدية إلى أحد أفراد أسرتك مشفوعة بتوجيه تربوي؛ فسيكون لها الأثر البالغ عليه؛ فالقلوب - كما يُقال - مجبولة على حب من أحسن إليها.
الفكرة الحادية عشرة: قد يسافر الأب سفرًا طويلًا نسبيًّا، فعليه بالاتصال والتواصل وعدم الانقطاع عن التربية، فإن لم يفعل فقد يخسر شيئًا مما بناه سابقًا، وهذا خسارة لا شك، فهذا التواصل يُشعِرهم باهتمامه بهم.
الفكرة الثانية عشرة: حثُّهم على حضور المناسبات العائلية للأقارب؛ لتكون وسيلة لصلة الرحم وعدم الانقطاع وبيان الأجور المترتبة على ذلك.
الفكرة الثالثة عشرة: عندما يهمُّ أحد الأبناء بالسفر، فعلى الأب أن يُهديَه بطاقة فيها عدد من الوصايا التربوية؛ مثل: احفظ الله يحفظك، اتقِ الله حيثما كنت، ونحو ذلك، مشفوعة بهدية؛ فسيكون لهذه البطاقة الأثر الإيجابي الفعال خلال سفر هذا الابن.
الفكرة الرابعة عشرة: القدوة العملية في بر الوالدين، فليجعل الأب والأم أولادهما يرونهم وهم يخدمون آباءهم وأمهاتهم ويحسنون إليهم؛ حتى يقتبس الأولاد ذلك عمليًّا، وهذا غاية في الأهمية؛ لأن الدروس العملية أبلغ في التأثير.
الفكرة الخامسة عشرة: اجعل ثقافة الشكر برَّاقة في
الأسرة وحاضرة على كل صنيع إيجابي حتى ولو كان صغيرًا؛ فإن ثقافة الشكر تشكو شحًّا وجفافًا عند بعض الناس، وهي كلمات لطيفة لا تكلف شيئًا، لكن أثرها كبير، فنجد أحدنا قد يحسن العتاب على الخطأ، لكنه قد يغفل عن الشكر عند الإحسان.
الفكرة السادسة عشرة: تسجيل الأبناء في حلقات تحفيظ القرآن وتسجيل البنات في الدور النسائية؛ ما ينعكس إيجابًا عليهم جميعًا في استثمار أوقاتهم، وملء فراغهم وشحذ أفكارهم، ولا يمنع هذا من تسجيل الآباء والأمهات كذلك في حلقات الكبار؛ فإن تلك الحلقات التحق بها الكبار فحفظوا واستفادوا وتعلموا، فهي ليست حكرًا على الأبناء أو الشباب أو الصغار فقط، فيوجد في حلقات الكبار من الرجال والنساء أبناء الثمانين والتسعين، وهذا كله من العمل الصالح وطلب العلم، فليستعن بالله تعالى الجميع على طلب ذلك الخير والمسابقة فيه.
الفكرة السابعة عشرة: تحريك أذهان أفراد
الأسرة ببعض الأسئلة والمسابقات الدورية بشكل أسبوعي؛ ما يُثري عندهم الاطلاع والبحث عن الجواب، ويكون التكريم فوريًّا أو فصليًّا أو شهريًّا، وقد يكسب الأولاد من خلال ذلك معلومات جمَّة، لا سيما إذا كان السؤال يسبقه مقدمة تربوية تكون هي الهدف من عرض السؤال؛ مثلًا: يكتب مقطعًا محذرًا من الغِيبة، ثم يذكر السؤال بعد تلك المقدمة، فسيحيي الوالدان من خلال ذلك كثيرًا من القيم الإيجابية.
الفكرة الثامنة عشرة: الرجال والأبناء يحضرون خطب الجمعة، وأما النساء في البيوت فقد لا تسمعها، فلماذا لا ينقل الآباء والأبناء ما سمعوا إلى أهليهم ليستفيد الجميع؟ وقد يورث هذا شيئًا من المناقشة الإيجابية.
الفكرة التاسعة عشرة: يُرغَّب الأبناء والبنات بالدعاء لأنفسهم ووالديهم والمسلمين، فقد يسعد أحد هؤلاء بدعوة رُفعت، فجميل أن يكون هذا سجية لأبنائنا وبناتنا.
الفكرة العشرون: عندما ترى سلوكًا لا ترتضيه من أحد أفراد أسرتك، فاكتب رسالة خاصة له مدبجة بالتقدير والإرشاد، وفيها العتاب الخفيف، وستُفاجأ بالاستجابة الإيجابية منه لا سيما إذا صاحَبَها هدية، فجرب هذا وستجد ما ذكرته لك.
أيها الكرام، هذه
عشرون فكرة، من الجميل أن تكون أمورًا عملية في بيوتنا وفي أسرنا؛ ليصلح حالهم جميعًا، وليتوافقوا ولا يختلفوا.
وفقنا الله جميعًا لمرضاته، وأصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا، وإلى حلقة أخرى بمشيئة الله تعالى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين