07-05-2020, 12:55 AM
|
|
|
|
|
كن جميلا (5)
[1]
عندما تعود زوجتك ومعها حقيبتها الضخمة على رأسها، وتضعها على الأرض وقد غلبها الإنهاك، وتكلمها طالبًا طعامك، فترد عليك بلهجة عملية ليس بها الرقة التي كان تتكلم بها في أول الزواج ولا ذات النعومة، بدون أن تنظر في وجهك كما كانت تفعل، ثم تضع لك طعامك الساخن، لا تفكِّر في أن هذه المرأة أضاعت أنوثتها، وهضمت حقك في امرأة جاذبة، بل فكِّر في أنها ضحت بأنوثتها، ونزلت للعمل كدلَّالة تطرق أبواب البيوت لتبيع الملابس بالقسط، لتعينك على النفقة وقد شعرت بقلة دخلك فتغيرت طباعها رغمًا عنها كما تتغير طباع من يعمل بالبيع؛ فكِّر في أن وفاء المرأة لزوجها وبيتها هو قمة الأنوثة، فكِّر في أن امرأة مما تشتهي في التلفزيون لا تتحمل عثة فراشك ولا رائحة فمك لليلة واحدة.
[2]
عندما تجد قزمًا واقفًا في الشارع، لا تكثر من الالتفات إليه كأنك تنظر إلى مجرد شيء، لا تفكِّر بأن روحه ونفسه منقوصتان كما نقص طوله، ولن يتأذى كما يتأذى البشر الأسوياء القامة، لا تفكِّر بأنه مسخ أقرب للكارتون منه للبشر، وقد خُلِق للمشاهدة، بل فكِّر في أنه إنسان مثلك يحب أن يحيا حياته بدون أن يكون مجرد أعجوبة تنشغل بها الأبصار، وأنه يتأذى من تندر السفهاء به في الطريق، فكِّر في أن القزم الحقيقي ليس هو الذي قصر طوله أن يبلغه عتبة الحافلة بغير مساعدة، بل هو ذلك الذي قصر جهده وعزمه على أن يبلِّغاه أهدافه.
[3]
عندما يصل إليك فجأة خبر موت قريب أو جار، وأنت تستعد لحفل عرس بهيج قريباً، وقد قمت بإبلاغ الأهل والأحباب، وعشت في الأماني الطيبات، لا تلف وتدور حول نفسك من إحساسك بالقهر والتنغيص، وتضرب كفًا بكف من (سوء الطالع)، بل بادر بتعزية أسرته، واستئذانهم إن لم تستطع التأجيل، لا تفكِّر في أن موته هو مجرد إفساد لأمرك، بل فكِّر في أن موته شيء جليل له، وكذلك لأهله، أجلّ كثيرًا من أن تنظر إليه كمشاغبة وسوء توقيت، فكِّر في أن موعد حفلك هو اختيارك، وأن موعد موته هو اختيار الله.
[4]
عندما تقرر أن تنفق بعض الوقت في السوق، كما اعتدت، إلى أن يحين موعد ما، وليس لديك أي نية للشراء، وتقف عند بائع يرجو من ربه البيع، وقليلة هي الأرجل التي تمر على عتبته، وقد هش بقدومك وتفاءل، وانفرجت أساريره، وبدا وكأنه يريد أن يحملك من أعلى الأرض، لا تطل في تأميله والمساومة، وتمارس ضغوطًا عليه، وأنت تتقمص شخصية زبون على وشك الشراء، لتعطيه ظهرك من بعد ذلك وتمضي وقد تركته حاسرا، وهو ينادي عليك من خلفك لكي تقسما البلد نصفين؛ لا تفكِّر بأنك غير ملزم بالشراء، بل فكِّر بأنك ملزم باحترام مشاعر الآخرين وبالحرص على عدم مغازلة مطامحهم وعشمهم على سبيل التسلية، لا تفكِّر بأن هذه إحدى أمتع الوسائل لديك لتضييع الوقت، بل فكِّر في أن الأمر بالنسبة للبائع المسكين الذي شغلته وحرَّكت آماله لم يكن ممتعًا على الإطلاق.
[5]
عندما تزور محل عملك الذي تركته، ويجتمع حولك الزملاء، لا تقدم لهم تلك المقولة الممضوغة في كثير من أماكن العمل بأنه لا يوجد أحد خرج من هذه الشركة البائسة إلَّا وتحسنت أحواله وزاد رزقه، ولا تقل إن هذا أسوأ مكان يمكن العمل به على الإطلاق، لا تفكِّر بأنك تقدم لهم نصيحة وتحثهم على البحث عن حياة أفضل، لا تخدع نفسك، بل فكِّر في أن حديثك ربما يعبر عن سخط من الشركة التي استغنت عن خدماتك، ربما يعبر عن كراهة داخلك لأن تشعر باستقرار الناس في مكانٍ استغنى عنك، فكِّر بأنك تنغَّص على الزملاء السابقين الذين أحسنوا استقبالك، وتفسد عليهم رضاهم، فكِّر بأنك مثل الملايين حول العالم الذي حلموا بانهيار الشركات التي عملوا بها بعد أن تركوها، وقلما تحققت أحلامهم، وقد كان أجدر بهم أن لا يضيعوا الوقت في النظر خلفهم، فكِّر بأنك استمررت في هذا المكان فترة طويلة تنفق من راتبك منه على بيتك، وتعلمت فيه الكثير مما حسَّن سيرتك الذاتية وأعطاك مجالًا أوسع للبحث عن عمل، ومنحك أيضًا هذه الصحبة الطيبة التي تحيط بك.
[6]
عندما ترتفع إلى منصب رهيب، وأنت تنتمي لعائلة مهضومة في خصومة مع عائلة أشد بأساً، لا تفكِّر بأنه قد حان وقت دفع الأثمان المؤجلة، وأن وضعك على مستوى القطر لا يمنعك من تشمير كمِّك لهذا الصراع المحلي في القرية، وهذا من صلة الأرحام وعمل المعروف للأهل، وتأكيدًا لوضعك المهيب، بل فكِّر في أن عملك على الصلح أرشد ويزيدك رفعة في نظر العقلاء من أهلك ومن خصومكم، فكِّر في أن السماح لأهلك باستغلال نفوذك يفسد سمعتهم بين العائلات، ويدللهم تدليلًا يبغض فيهم المحيطين، وقد يستفحل الأمر حتى يضرك أهلك ويطاح بك. فكِّر في أن ترفعك عن الأحقاد المتوارثة سيضفي عليك مسحة من البهاء، فكِّر في أن الانحياز المكشوف يسرق من رصيد الهيبة حتى ينفد، فكِّر بأن سمعة عائلة ظالمة أسوأ بالطبع من سمعة عائلة شريفة ضعيفة الشوكة
;k [ldgh (5)
**
*
|
4 أعضاء قالوا شكراً لـ طبعي حنون على المشاركة المفيدة:
|
|
07-05-2020, 08:18 AM
|
#2
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ aksGin على المشاركة المفيدة:
|
|
| |