يتداول الأزموريون نكتة مريرة تقول إن المدينة تجر خلفها تاريخا عريضا وكبيرا، لكنها للأسف بدون جغرافية.
ولم يعد الأمر سرا أن أزمور، التي تقدمها التقارير الرسمية على أنها مدينة شاطئية، هي بدون بحر ولا هم يحزنون، بعد أن التهمت جماعة قروية مجاورة خيرات هذا البحر.
وليس سرا أيضا أن نهر أم الربيع، الذي اعتبره الأزموريون هبة المدينة، لم يعد تابعا إداريا لها.
والحصيلة هي أن المدينة حوصرت وقصت أجنحتها وأضحت تعيش على بعض تاريخها الكبير، بعد أن ضاعت جغرافيتها وضاع حاضرها.
كان لا بد أن يطرح السؤال حول سر كل هذا التهميش الذي تعاني منه المدينة، التي وجدت قبل أن توجد عاصمة الإقليم الجديدة، حيث يحتفظ بعض الأزموريين بظهير لأحد السلاطين يطلب فيه من إمام المسجد الأكبر بأزمور أن ينتقل إلى الجديدة، بعد أن ينتهي من الصلاة، ليؤم بها صلاة الجمعة، "كحومة من حومات أزمور".
يتداول الكثيرون أن سبب كل هذه المعاناة تعود إلى أن قدماء المدينة لم يبايعوا سلاطين الدولة العلوية في بداية عهدهم، وأنهم كانوا لا يزالون يحنون إلى عهد الدولة البورغواطية، التي كانت أزمور عاصمة لها.
تحكي كتب التاريخ كيف أن أزمور ظلت عاصمة لمملكة بورغواطة، التي كانت تمتد من سلا إلى تخوم آسفي، وأن رجلا ادعى النبوة من ساكنة المدينة يقال له صالح، وأنه قال لأتباعه إنه يقترح عليهم إسلاما جديدا أقوى من الإسلام الذي جاء به مسلمو الجزيرة العربية، الذين لم يكن همهم غير ما يكسبونه من فدية وجزية. أما إسلام أهل أزمور ونبيها صالح، فقد كان يعتمد على أداء عشر صلوات، نصفها نهارا والنصف الثاني ليلا. كما أن إسلام أزمور هو صوم شهر شعبان وليس رمضان.
كما أجاز النبي صالح لأتباعه التزوج بما ملكت الأيمان، وأن العدد غير محدد في أربعة. وهو إسلام ظلت أركانه سائدة في كل مملكة بورغواطة، التي لم تحظ بالكثير من القراءة والتتبع.
هذه هي الخلفية التي جعلت الكثيرين يقولون اليوم إن أزمور عانت وتعاني بسبب تاريخها. ولذلك فإن الكثير من المتتبعين ظلوا يراهنون على أن العمالات الأخيرة التي تم الإعلان عنها، قد تكون من بينها هذه المدينة، والتي كان يمكن أن تضم عددا من الجماعات القروية المجاورة إذا ما قورنت مع مدن تحولت إلى عمالات وهي بدون تاريخ.
اليوم، تعاني أزمور من كل الإكراهات. ومن تم فهي بدون ملامح. فلا هي مدينة اختارت المجال الصناعي لتمتص البطالة المتفشية بين ساكنتها، ذكورا وإناثا، ولا هي رسمت لنفسها أفقا للسياحة، رغم أنها تتوفر على الكثير من المؤهلات في هذا المجال، بتواجد مدينة قديمة تحيط بها الأسوار المطلة على نهر أم الربيع، وبتواجد غابة شاسعة مجاورة للمحيط الأطلسي. والحصيلة هي أنها أضحت، أو هكذا أريد لها، مدينة للأولياء والصالحين. وأصبح كل نشاطها ممركزا حول الظاهرة، مع ما يرتبط بها من ممارسات فيها الدعارة والسحر والشعوذة.
ولا غرابة أن تعرف أزمور اليوم بضريحي مولاي بوشعيب وعائشة البحرية، أكثر مما تعرف بأنها مدينة مصطفى الأزموري، المعروف بـ"ستيبانيكو"، أول مكتشفي أمريكا قبل كريستوف كولومبوس، أو مدينةالمفكر عبد الله العروي، الذي وثقها في كل أعماله الأدبية وسماها في روايات "الغربة" و"اليتيم" و"أوراق" و"الفريق" بـ"الصديقية".
أزمور، اليوم، هي مولاي بوشعيب، الذي "يعطي العزارا" للواتي لا ينجبن الذكور. وهي مدينة عائشة البحرية التي تساعد العوانس على الزواج.
في مؤلفه "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار"، كتب لسان الدين ابن الخطيب، الذي لقب بذي الرئاستين وذي الوزارتين حينما زار أزمور: "قلت فأزمور، قال جار واد وريف، وعروس ربيع وخريف، وذو وضع شريف.. ساكنه نبيه، ولباسه بتخذ فيه، وحوت الشابل ليس له شبيه".
اليوم اختنق النهر وهجر الشابل، الذي كان الأزموريون يبعثون لملك البرتغال منه جزية قيمتها 10 آلاف "حوتة شابل" سنويا.
لذلك ستظل تلك النكتة المريرة التي تتحدث عن التاريخ والجغرافية، هي ملاذ ساكنة أزمور في انتظار أن يرفع الغم ويأتي الفرج.