لا يعتمد نظام "هاركنز" في التعليم على منهج أكاديمي معين أو أيدولوجية معينة، بل يعتمد على شيء واحد ربما قد يُثير اهتمامك، وهو قطعة من الأثاث، طاولة خشبية بيضاوية الشكل يجلس حولها الأطفال ومعهم المعلم، إذ لا يوجد ما يُعرف باللوح والطبشور وطاولة خاصة بالمعلم في نظام "هاركنز"، بل يكون المعلم دومًا في مستوى التلاميذ ولا يتخذ موضعًا مهيمنًا عليهم في قاعة الدراسة، حيث تكون طاولة الدراسة البيضاوية هي المحور الأساسي في نظام "هاركنز" في التدريس.
لا يمنح المعلم للطلاب أجوبة جاهزة من خلال شرح طويل ومعقد يعتمد على طريقة التلقين كما في نظام التعليم التقليدي، بل يعتمد على نقاش المعلم مع الأطفال من حوله في كل المواضيع من التفاضل والتكامل وحتى نظريات الفيزياء وأفكار فلاسفة علم النفس، لا يعطيهم المعلم حلولًا جاهزة أو أجوبة وإنما يحفزهم على المناقشة وطرح الأفكار ويدير الجلسة من خلال دعم بعض الأفكار ورفض بعضها ومحاولة إدارة المناقشة بشكل متوازن فيما بينهم لكي لا يهيمن أحدهم على الآخر ويسمح للكل بعرض فكرته بشكل يزيد من ثقة الطفل بنفسه ويزرع فيه مبادئ المناقشة والاستماع للآخر منذ سن مبكرة.
يحاول المعلم إعادة تشكيل الآراء الفردية لكل طفل وتنقيحها أو رفضها وإعادة صياغتها بشكل يعطي للطفل المعلومة العلمية الصحيحة من خلال إدماجه بشكل كلي في محاولة الوصول إليها بدلًا من تلقينه إياها من خلال شرح دروس لساعات مطولة فيما يوصف بـ"التعليم الجماعي"، بحيث يجب على المعلم فيه ألا يُكرر أي مناقشة، أي لا تتشابه المناقشات التي تدور في قاعات الدراسة، وهو ما يساعد المعلمين على شرح المعلومات ذاتها كل سنة بشكل ممل وتقليدي.
يعتمد أسلوب "هاركنز" في التدريس على دمج كل طفل في المناقشات بحيث لا يتم غمر الخجول أو المنطوي وسط بقية التلاميذ
آمن "هاركنز" بأن طريقته في التدريس تكون أكثر فعالية حينما يتقلص حجم قاعات الدراسة العادية، ويعني أنها تكون أكثر فعالية حينما يجلس حول الطاولة البيضاوية ما لا يزيد على 15 طالبًا، ولهذا تبرع "هاركنز" بملايين الدولارات "مبلغ يعادل حاليًّا 60 مليون دولار" للمدراس في عدة ولايات في الولايات المتحدة من أجل أن تدعم المدارس طريقته في التدريس وتُقلص حجم غرف الدراسة وتُكثر من عددها بحيث يقل عدد الطلاب في كل واحدة منها وبالتالي يسهل على المعلم إدارة المناقشة بين 15 طالبًا فحسب.
وجد الخبراء أن طريقة "هاركنز" في التدريس من أكثر الطرق الفعالة للوصول إلى ما وصفوه بـ"التلميذ الفرد" ويعني الوصول لكل طفل وإظهار قدراته ومهاراته وطريقة تفكيره على حدة دون غمر أي طفل وسط المجموعة حتى لو كان خجولًا أو منطويًا، كما سجل الخبراء أن طريقة "هاركنز" في التدريس ساعدت على انخفاض نسبة الفشل بين الطلاب بمعدل 6% مقارنة بمعدلات الفشل في نظام التعليم التقليدي.
"هاركنز" غير مناسب كليًا!
كما لأسلوب "هاركنز" الكثير من المزايا، لديه أيضًا الكثير من العيوب، حيث وجد الخبراء أنه غير مناسب بشكل كلي في المواضيع العلمية مثل الرياضيات، حيث من الصعب مناقشة الأطفال في سن مبكرة في المعادلات الرياضية والحسابات المعقدة، كما وجدوا أن الأطفال الذين يتبعون نظام "هاركنز" يسجلون انخفاضًا في معدلات اختبارات الرياضيات على سبيل المثال حينما يؤدون امتحانات قبول الجامعات بعد مرحلة الثانوية، ربما لا يكون هاركنز مناسبًا في الرياضيات بالنسبة لبعض الأطفال إلا أن الخبراء سجلوا أيضًا حالات لم تنجح في الرياضيات إلا بعد تعليمهم إياها من خلال طريقة هاركنز.
ربما لا تكون طريقة "هاركنز" مناسبة في المدارس الحكومية مكتظة الأعداد في البلاد التي تتمتع بكثافة سكانية عالية
كما يوجد انتقاد لطريقة تدريس "هاركنز" بخصوص إجباره كل الطلاب على المشاركة في النقاشات، قد يبدو هذا فعالًا جدًا في محاولة عدم هيمنة طفل على آخر في العملية الدراسية وإعطاء الفرصة للمشاركة لكل طالب، ولكن هناك أطفال لا يستطيعون الدراسة بهذا الشكل، ويفضلون أن يظلوا صامتين ويتلقون المعلومة مباشرة من شخص آخر بسبب شعورهم بالخجل أو ارتياحهم أكثر لكونهم منطوين، وبهذا يكون نظام "هاركنز" غير مريح على الإطلاق بالنسبة لهم