عن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكفُالعشرَ
الأواخر من
رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده؛ متفق عليه[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: الاعتكافُ هو لزومُ المسجد لطاعةِ الله عز وجل، للصلاةِ والذِّكر والدعاء وقراءة القرآن والتفكر؛ طلبًا لفضله وثوابه وإدراك ليلةِ القدر، وهو مِن السُّنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والاعتكافُ قطعُ العلائق عن الخلائق؛ للاتصال بخدمة الخالق[2].
الفائدة الثانية: ليس لوقتِ الاعتكاف حدٌّ محدود في أصح أقوال أهل العلم، فللإنسانِ أن
يعتكف العشر الأخيرة من
رمضان كلَّها، وهذا أفضل الاعتكاف، وهو اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدخل مُعتَكَفَه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين، ويخرج بانتهاء
العشر ليلةَ العيد.
وله أن
يعتكف بعضها.
وله أن
يعتكف يومًا وليلة.
وله أن
يعتكف ليلةً كاملة.
وله أن
يعتكف بعض يوم أو بعض ليلة؛ كساعة أو ساعتين، أو بين العشاءَينِ، أو من
العصر إلى المغرب
كل ذلك سائغٌ؛ لأن الشرع لم يُحدِّد وقتًا لأقلِّه ولا لأكثره.
الفائدة الثالثة: يبطل الاعتكاف بأمور:
أولها: الجماع؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187].
وأما مقدمات الجماع؛ كالتقبيل، واللمس لشهوة، فلا تجوز للمعتكف، ولكنها لا تُبطِل اعتكافه، بل تنقص أجره.
ثانيها: الخروج من المسجد لغير حاجة، وليُعلَم أن خروجَ المعتكف بجميع بدنِه على ثلاثة أقسام:
الأول: الخروج لأمرٍ لا بد منه طبعًا أو شرعًا؛ مثل: الخروج لقضاء الحاجة، أو الوضوء، أو للأكل والشرب، فإن كان الحمام داخل المسجد، وهناك مَن يكفيه الأكل والشرب، فالأَولى عدم الخروج لعدم الحاجة إليه.
الثاني: الخروج لأمر طاعةٍ لا تجب عليه؛ كعيادة مريض وشهود جنازة، ونحو ذلك، فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداءِ اعتكافه.
الثالث: الخروج لأمرٍ يُنافي الاعتكاف؛ كالخروج للبيع والشراء وغير ذلك، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط؛ لأنه يناقض الاعتكاف.
[1] رواه البخاري 2/ 713 (1922)، ومسلم 2/ 831 (1172).
[2] لطائف المعارف؛ لابن رجب ص225 (دار الكتب العلمية).