قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبي عن حديث رواه سعيد بن عامر، عن همام، عن قتادة، عن أنس، أن
النبي صلى الله عليه وسلم سن
فيما سقت السماء.
[فقال][1]: هذا خطأ، إنما هو: همام، عن قتادة، عن أبي الخليل، أن
النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.
رجال الإسناد:
• سعيد بن عامر الضبعي، أبو محمد البصري (ت 208).
روى عن همام بن يحيى، وشعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم.
روى عنه أحمد، وإسحاق، وابن معين، وابن المديني، وابن أبي شيبة، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة مأمون. وقال العجلي، وابن سعد، وابن قانع: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أبو مسعود الرازي، وزياد بن أيوب: ما رأيت بالبصرة مثله. وقال ابن مهدي لابنه يحيى: الزمه، فلو حدثنا كل يوم حديثاً لأتيناه. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أفضل منه، ومن حسين الجعفي. وقال يحيى بن سعيد: هو شيخ المِصر منذ أربعين سنة.
وقال أبو حاتم: كان رجلاً صالحاً، وكان في حديثه بعض الغلط.
وقال البخاري: كثير الغلط. وقال ابن معين: لا يبالي عمن حدث.
قال ابن حجر: ثقة صالح، وقال أبو حاتم: ربما وهم.
قلت: لعل الصواب أن يقال: صدوق له أوهام، توسطاً بين قول البخاري وابن معين، وقول أبي حاتم، والله أعلم.
انظر سؤالات ابن الجنيد (88)، تهذيب الكمال 10/ 510، السير 9/ 385، التهذيب 4/ 50، التقريب (2338)، الجامع في الجرح 1/ 300.
• همام بن يحيى العَوْذي، ثقة ربما وهم، وهو من أوثق الناس في قتادة.
تقدمت ترجمته في المسألة رقم 565.
• قتادة بن دعامة، ثقة ثبت يدلس، من الثالثة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 556. *أنس بن مالك - رضي الله عنه - صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 502.
• أبو الخليل، هو صالح بن أبي مريم الضبعي البصري، من السادسة.
روى عن عدد من الصحابة مرسلاً، وعن مجاهد، وعكرمة، والقاسم، وغيرهم.
روى عنه قتادة، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وأبو الزبير، وغيرهم.
قال ابن معين، وأبو داود، والنسائي، وابن سعد: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عبدالبر في التمهيد: لا يحتج به.
قال ابن حجر: وثقه ابن معين والنسائي، وأغرب ابن عبدالبر، فقال: لا يحتج به.
قلت: ولعل الصواب أنه ثقة لقول الأكثر، وقول ابن عبدالبر غير مفسر، والله أعلم.
انظر الطبقات 7/ 237، تهذيب الكمال 13/ 89، التهذيب 4/ 402، التقريب - (2887).
تخريج الحديث:
روى قتادة هذا الحديث، واختلف عليه، وعلى أحد الرواة عنه:
أولاً: رواه همام بن يحيى، واختلف عليه:
1- فرواه سعيد بن عامر، عن همام، عن قتادة، عن أنس، مرفوعاً.
2- ورواه الحفاظ، عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، مرسلاً.
ثانياً: ورواه ابن أبي عروبة، والزهري، عن قتادة، مرسلاً.
وفيما يلي تفصيل ما تقدم:
أولاً: رواه همام بن يحيى، واختلف عليه:
1- فرواه سعيد بن عامر، عن همام، عن قتادة، عن أنس، مرفوعاً:
أخرجه الترمذي في العلل الكبير - ترتيب أبي طالب القاضي) 1/ 317، رقم 102.
والبزار (نسخة الأزهرية ق98/ ب)، وهو في كشف الأستار 1/ 422، رقم 891 – ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد 24/ 163.
كلاهما عن رجاء بن محمد العُذْري، عن سعيد بن عامر، به.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، ورواه الحفاظ عن قتادة، عن أبي الخليل، وأما سعيد بن عامر فقال: عن همام، عن قتادة، عن أنس.
وقال ابن عبدالبر: انفرد به همام، وغيره يرويه عن قتادة عن أبي الخليل.
وقال الترمذي: فسألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: هو عندي مرسل: قتادة، عن
النبي صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن عامر كثير الغلط.
قلت: وترجيح البخاري هذا إنما هو في الاختلاف على قتادة، لا على همام، كما سيأتي حيث رواه أكثر من ثقة عن قتادة مرسلاً.
وعزاه السيوطي في الجامع الكبير 2/ 288، من رواية قتادة عن أنس، إلى ابن جرير، وقال: وصححه.
2- ورواه الحفاظ، عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، مرسلاً:
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 145، عن وكيع، عن همام، به.
وتابعه غير واحد من الحفاظ، كما أشار البزار إلى ذلك:
قال البزار 1/ 422، بعد ذكره للوجه الأول: ورواه الحفاظ عن قتادة: عن أبي الخليل.
ولم أقف على شيء من رواياتهم سوى رواية وكيع المتقدمة عند ابن أبي شيبة.
ثانياً: ورواه ابن أبي عروبة، والزهري، عن قتادة، مرسلاً.
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 145، من طريق ابن أبي عروبة.
وعبدالرزاق في المصنف 4/ 134، رقم 7234، من طريق الزهري[2].
كلاهما عن قتادة، مرسلاً.
وعزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى ابن جرير، من رواية قتادة، مرسلاً.
النظر في المسألة:
مما تقدم يتضح أنه اختلف على قتادة، وعلى أحد الرواة عنه:
1- فرواه سعيد بن عامر، عن همام، عن قتادة، عن أنس، مرفوعاً.
2- ورواه وكيع، والحفاظ، عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، مرسلاً.
والوجه الثاني أرجح عن همام، حيث رواه الحفاظ كذلك، في حين رواه على الوجه الأول سعيد بن عامر، وهو صدوق له أوهام، كما تقدم، ولعل هذا مما وهم فيه.
ومنه يتضح صحة ما ذهب إليه أبو حاتم من ترجيحه للوجه الثاني، وهو ما يفهم من كلام البزار، كما تقدم.
ولكن خولف همام بن يحيى في هذا الوجه الراجح عنه؛ حيث رواه ابن أبي عروبة، والزهري، عن قتادة، مرسلاً.
قلت: وظاهر الأمر أن رواية ابن أبي عروبة والزهري أرجح؛ فهما ثقتان، وابن أبي عروبة من أوثق الناس في قتادة(التقريب 2365). ولكن يحتمل أن تكون رواية همام راجحة أيضاً؛ فهو ثقة، ومن أوثق الناس في قتادة أيضاً، كما تقدم في ترجمته، ولعل الحمل في هذا الاختلاف على قتادة؛ حيث تقدم أنه مدلس من الثالثة، فلعله كان يرويه مرة عن أبي الخليل، ومرة بإسقاطه، والله أعلم.
والحديث من وجهيه الراجحين إسناده ضعيف؛ لإرساله.
ولكن له شواهد صحيحة؛ فقد أخرجه البخاري (مع الفتح) 3/ 407، كتاب الزكاة، باب الزكاة
فيما يسقى من ماء السماء..، رقم 1483، وغيره، من حديث ابن عمر.
وأخرجه مسلم 2/ 675، كتاب الزكاة، باب ما فيه العشر أو نصف العشر، رقم 981 وغيره، من حديث جابر بن عبدالله، نحو حديث هذه المسألة، والله أعلم.
[1] وقع في جميع النسخ: "فقالا"، وجاء في هامش أحمد الثالث: "هكذا وجد في الأصل".
[2] الذي في المصنف: عبدالرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي، وعن الزهري عن قتادة. قال معمر: وقرأته في كتاب، عن
النبي صلى الله عليه وسلم عند كل رجل كتبه لهم:
فيما سقي بالنضح والأرشية نصف العشر. إلخ. وذكر المحقق أنه سقط بعد قوله عن علي، وعن قتادة لفظ: "مثله"، أي بمثل متن قد سبق بمعنى الحديث. والذي يظهر أن المتن هو ما ذكره بعد هذين الإسنادين، ولم يسقط من المتن شيء. وأنه رواه معمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي. ورواه معمر أيضاً عن الزهري عن قتادة. وكلاهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم. وعليه فرواية قتادة مرسلة، وليست موقوفة، كما يفهم من صنيع المحقق. وأن قوله: قال معمر: وقرأته في كتاب، عائد إلى رواية الزهري عن قتادة. وأن ما ذكره المحقق من إثبات قوله: "عند كل رجل كتبه لهم"، وقوله في الحاشية: "كل" مزيدة خطأ، في هذا كله نظر، ولعل الصحيح إثبات: "كل"، وأن الصواب: "عند كل رجل منهم"، وليس: لهم، كما أثبته. هذا ما تبين لي من النص، وقد أكون مخطئاً في ذلك، والله أعلم.