03-29-2019, 12:45 PM
|
|
|
|
|
صيّاد في طريق العودة
حين يُغرقك الواقع بحبائله في مستنقعاته الآسنة، تفقد الرغبة في الفرح، في الحب، وحتى في الأمل. تتحوّل الى عنصر ميت، محايد، لا رأي لك ولا انفعال! تتمنّى الغياب، بل الغيبوبة؛ تبحث عن عالم آخر كان يراودك أيّام الصفاء، صفاء الذهن وصفاء العاطفة. تحاول أن تؤكّد لنفسك أنّ الروح الملائكيّة الصافية التي منحَتْها لك الطبيعة، قبل أن يشوّهها الواقع، لم تكن خرافة أو كذبة. أنّك امتلكتها يومًا، كُنْتَها، وأنّ شيئًا منها ما زال يضجّ بالحياة خلف الوشاح الرماديّ الذي يغلّف حياتك كما يغلّف السرطان رئةً سليمةً فتيبس وتنكمش وتعجز عن القيام بوظيفتها بشكل سليم.
حين يسلبك الواقع كلَّ ما كنت تعيشه من أحلام، من إيمان بالجمال، بالحياة، بالعطاء، بالنزاهة، بالإنسانيّة... تروح تبحث لك عن متنفَّس، عن دليل يقنعك بأنّ ما كنت تؤمن به كان موجودًا، وأنّك ما زلت أنت!
تحتاج لشاهد، لجزء منك لا يزال محفوظًا في إطار، صورة عنك، تحمل ملامحَك الطفوليّة، شبابَك النابض بالصحّة، نقاءَ نظرتك للوجود مع كلّ ما فيه من متناقضات.
هذا زمن تفشّى فيه سرطان الكفر، والفساد، والإجرام... زمن عَقَلَ ألسنتنا فبتنا عاجزين عن الإنشاد، عن التحليق في سماء الكلمة الراقية الصافية، المفعمة بالخير والإيمان بالإنسان وقيَمِه. زمن يمتصّ رئة الحياة فينا، يعصرها عصرًا، يخنقها الى حدٍّ يُعجزُها عن الأخذ والعطاء. في هذا الزمن، وقفت مندهشة أمام الفراغ الذي يجتاحني، حاولت العودة الى صومعتي، الى عالمي الجميل النقيّ، المحبوك من زهر اللوز وشقائق النعمان، من النسمات الدافئة تتراقص مع ألحان الحقول تغريدًا وصفيرًا ووشوشاتٍ... حاولت أن أهرب من لون الدماء، من هلع الموت وتفحّم ضحاياه... ركضت في الاتجاه المعاكس، عدت الى دفاتر الصبا، لآخذ جرعة مُسَكِّنة، فوقعت على نَصِّ "صيّاد في طريق العودة"، الذي كتبتُه يومَ الخميس 6 تموز 1986 في قريتي العلالي – البترون، إثر زيارة الى قرية بجّة - جبيل، قبل أن أعلم أنّها ستصبح قريتي الثانية، وها أنا أقدّمه لكم استراحةً قصيرة عند محطّة من محطّات ما دَرَج الناس على تسميته - غير مخطئين - بالزمن الجميل، الذي يُلبسه الزمان والحنين وشاحَ الجمال فنشتاق إليه.
"... نزلْتُ من السيارة ووافيت العجوز. أبت إلّا أن تقبّلني، فاختلط على شفتيَّ طعمُ عرقِها بدهن تجاعيد وجهها. ومشينا جنبًا الى جنب، فشعرت – كما للمرّة الأولى – بصَبائي وزهو شبابي...
... ودخلنا منزلها. لا، لا، قصدت غرفتها: تلك الجدران الأربعة في وسط اثنين منها شبّاكين مهترئين، تهدّلت درفاتهما المفتوحة كتهدّل جسد صاحبتهما، والى جانب الحائط الذي ولجنا من بابه، ظهر الحائط الرابع من وراء رفوف حديديّة صدئة، هي الهيكل العظمي لدكّان العجوز العتيق.
سحبت كرسيًّا من أمام الطاولة الصغيرة قرب السرير وجلست، فيما جلست العجوز وباقي ضيوفها على سريرها. أحد الضيوف من معارف أيّام زمان، فكانت ضحكات العجوز لنكاته ترنّ عالية كما لتوقظ الشباب المدفون في الزمان.
ما أروع ضحكتها! ما أهنأ أيّامها – رغم مآسيها – سحرت روحي، سرقت منها الدموع، فلمعت عيناي من خلف ذلك الموج! حاولت أن أهرب بعيدًا، بعيدًا، حيث العينان الحبيبتان في قلبي! كي لا يراها هؤلاء الناس.
سكرت، سكرت بفرح العجوز العابر، ومآسيها المتغلغلة في مسام جسدها. سكرت برائحة الزمان والفقر تغطّي حيطان غرفتها... وعشقت عمرها وفقرها والزمان الذي برى خطواتها... ثم صحوت من "يقظتي" لأصنع لهم "ركوة قهوة"، فتمنّيت لو أنّني خادم لتلك العجوز، رفيقة لها، صديقة... وأدركت أنني أنا التي بحاجة لصداقتها، لا هي!
لأجل الأسى الذي في قلوبنا نعشق عمرهم الضائع وزمانهم المرّ. نعشق أن نضيعَ في ماضيهم، نتفرّج على مقصلته تقطع أنفاسهم... ونتذكّر "مآسينا"، ونسكر، نسكر بالعذاب، بالحزن الذي يغذّينا!... وننصهر في الأتون الذي حرقهم! رغم ذلك، يكون انصهارنا مقدَّسًا، فنعشق طرقاتهم وتلولهم، نعشق الضياع فيها، "وحدنا"! نسكر بغصّات وحدتنا وعذابنا، تعانق روحُنا أياديهم المنسيّة، لم يبقَ منها سوى حفافٍ كهلة وغرسات مخضرّة.
نعشق فقرهم وحزنهم المنسي، ونبيع عمرنا – لمن يشتري – بعودة صياد الى كوخه العتيق، على كتفه "بارودة دك"، لا يفتخر بها ولا يستغني عنها، مثلها مثل سرواله وسترته العتيقة، والقبّعة اليتيمة التي يختبئ خلفَ ظلّها حزن عينيه وعذاب قلبه...".
wd~h] td 'vdr hgu,]m wd~h]
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ شموع الحب على المشاركة المفيدة:
|
|
03-29-2019, 02:46 PM
|
#2
|
رد: صيّاد في طريق العودة
طرح أكثر من رائع
يعطيك العافية على ماقدمت
لقلبك السعادة
|
|
|
03-29-2019, 05:15 PM
|
#3
|
رد: صيّاد في طريق العودة
يعطيك العافية على الطرح المتنوع
|
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ نسناس الهوى على المشاركة المفيدة:
|
|
03-29-2019, 05:24 PM
|
#4
|
url=http://www.tra-sh.com/up/] [/url]
رد: صيّاد في طريق العودة
انتقاااء راائع ومميز
الله يسعد قلبك
يعطيك العافية
|
|
..سمتني "خلهاا" وتركتني..
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ الخل الوفي على المشاركة المفيدة:
|
|
03-30-2019, 01:53 AM
|
#5
|
رد: صيّاد في طريق العودة
يعطيتس العافية متميزة بأناقة طرحتس
|
|
رحيل /سمو /معاذير غربة خلود حكاية عشق و عين هيبة شموع
أما عن كفة الأصحاب ، أنا حظي عظيم
محاطة باصدقاء* مثل النور
ياربّ لا تجعلني أرى فيهم حزناً ولا همَّاً ولا تعباً ،
واجعلني أرى فيهم فرحاً و سروراً
[/LEFT]
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ aksGin على المشاركة المفيدة:
|
|
03-30-2019, 01:55 PM
|
#6
|
رد: صيّاد في طريق العودة
سـلمت آلآيآدي ع آلآنتقآء الرآئـع والمميز دمتم وآدآم الله عطـآئكم
|
|
ظنَ بي خيراً أو إكفني شَر ظنونك
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ بشاير على المشاركة المفيدة:
|
|
03-30-2019, 10:07 PM
|
#7
|
03-30-2019, 10:07 PM
|
#8
|
رد: صيّاد في طريق العودة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نسناس الهوى
يعطيك العافية على الطرح المتنوع
أسعدني كثيرا مروركم
وتعطيركم هذه الصفحه
وردكم المفعم بالحب والعطاء
دمتم بخيروعافيه
|
|
|
03-30-2019, 10:07 PM
|
#9
|
رد: صيّاد في طريق العودة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخل الوفي
انتقاااء راائع ومميز
الله يسعد قلبك
يعطيك العافية
أسعدني كثيرا مروركم
وتعطيركم هذه الصفحه
وردكم المفعم بالحب والعطاء
دمتم بخيروعافيه
|
|
|
03-30-2019, 10:08 PM
|
#10
|
رد: صيّاد في طريق العودة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aksGin
يعطيتس العافية متميزة بأناقة طرحتس
أسعدني كثيرا مروركم
وتعطيركم هذه الصفحه
وردكم المفعم بالحب والعطاء
دمتم بخيروعافيه
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 01:38 AM
| | | | | | | | | |