حلف اليمين
يحرص المسلم بطبيعته على معرفة الحكم الشرعي لما يصدر عنه من أقوال وأفعال حتى يلتزم بما أوجبه الله سبحانه وتعالى عليه ويبتعد عما نهاه عنه، ومن الأحكام الشرعية التي يجهلها الكثير من المسلمين ومن المهم معرفتها حكم اليمين، وما يلزم عند حلفه وعند نكوله عن اليمين. تُعرّف
اليمين في اللغةً بأنها الحلف والقَسَم، وتدلُّ أيضاً على الشدة والقوة، وفي الجهات:
اليمين هي ضد اليسار، أمّا يمين كلفظة فهي لفظة مؤنثة وجمعها أيمُن وأَيْمان.[١]
أمّا اليمين في الاصطلاح فهي: (تحقيق أمرٍ غير ثابتٍ ماضياً كان أو مستقبلاً؛ نفياً كان أو إثباتاً أو ممتنعاً، صادقةً كانت أو كاذبةً مع العلم بالحال أو الجهل به).[٢]
حكم حلف اليمين
اتّفق الفقهاء على مشروعية
اليمين وجوازها بشكل عام، فيجوز للشخص أن يحلف مُطلقاً ما دام صادقاً في حلفه، ويجوز للمدعي (في حالة القضاء والتقاضي) طلب حلف
اليمين من المدعى عليه في حالة عجزه عن إثبات دعواه، وقد استدلّ الفقهاء على جواز
اليمين بعدد من الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن هذه الأدلة ما يلي:
- قال الله سبحانه وتعالى: (ولاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا).[٣]
- قال الله سبحانه وتعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ).[٤]
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو قال إلا أتيت الذي هو خير وكفرت يميني)[٥]
- ما رواه وائل بن حجر، قال: (جاءَ رجلٌ مِن حَضرَمَوتَ ورجلٌ من كِندةَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ الحَضرميُّ: يا رسولَ اللَّهِ! إنَّ هذا قد غَلبَني علَى أرضٍ لي كانَت لأبي، فقالَ الكِنديُّ: هيَ أرضي في يدي أزرَعُها ليسَ لَه فيها حقٌّ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ للحَضرميِّ: ألَكَ بَيِّنةٌ، قالَ: لا، قالَ: فلَكَ يمينُهُ، قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ الرَّجلَ فاجرٌ لا يُبالي علَى ما حلفَ علَيهِ، وليسَ يتورَّعُ مِن شيءٍ فقالَ ليسَ لَكَ منهُ إلَّا ذلِكَ فانطلقَ ليحلِفَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لمَّا أدبرَ: أما لَئن حلفَ علَى مالِهِ لِيأكلَهُ ظُلمًا لَيلقَيَنَّ اللَّهَ وَهوَ عنهُ مُعرِضٌ)،[٦] ووجه الدلالة في هذا الحديث النبوي أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل اليمين على المدعى عليه بعد إنكاره للدعوى، وعجز المدعي عن إثبات دعواه، فلو لم يكن اليمين معتبراً في الشرع لَمَا جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- على المُدَّعى عليه.[٧][٨]
أنواع اليمين
قسّم أهل العلم
اليمين باعتبار الأثر المترتب عليه إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي كما يلي:[٩]
- اليمين الغموس: ويُقصد بها اليمين التي تغمس صاحبها في النار، وهي يمين كاذبة يُقصد بها صاحبها الكذب، وهذا النوع من الأيمان يُؤثم صاحبها علي قولها، ولا يجب فيها الكفارة وذلك لِعِظَم شأنها، ولا يُكفِّرها إلا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة؛ خلافاً لفقهاء الشافعية الذين أجازوا فيها الكفارة.
- اليمين اللّغو: وهذه اليمين لا يترتب على صاحبها شيءٌ من الإثم، وليس فيها عليه كفارةٌ أيضاً؛ فالحالف لا يقصد بها اليمين، بل يقصد بها توكيد الشيء، كأن يقول الشخص: لا والله، بلى والله، أو أن يحلف على شيءٍ يظنّ نفسه صادقاً فيه، ثم يتبيّن له صحة غير الذي حلف عليه، فلا شيء عليه لعدم نيّته الكذب.
- اليمين المنعقدة: ويُقصد بها اليمين التي يكون فيها عزمٌ على فعل شيءٍ في المستقبل، أو ترك فعله في المستقبل؛ كأن يقول الشخص: والله لأفعلنّ كذا، أو والله لا أفعل كذا، وهو حين يقول اليمين ينوي أن يقوم بذلك، أو أن لا يقوم به، ثم يتبين له بعد حلفه أنّ الخير في ترك ما حلف عليه، أو فعل ما حلف على تركه، فهنا تجب عليه الكفارة فقط.
الإفراط في الحلف بالله سبحانه وتعالى
ذهب الفقهاء في حكم الإفراط في الحلف بالله سبحانه وتعالى إلى كراهية الإفراط بالحلف بالله سبحانه وتعالى، وإلى هذا القول ذهب فريق من أهل العلم؛ مستدلّين على قولهم بقول الله سبحانه وتعالى:
(وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ )،[١٠]
ووجه استدلالهم بهذه الآية الكريمة أنّه جاء في تفسير هذه الآية كراهيّة الإكثار من حلف اليمين، واستدلوا أيضاً بأنّ الحلف بالله سبحانه وتعالى فيه تعظيم له سبحانه عندما يُقرن الحالف أحد صفات الله في يمينه، ففيه ثواب للحالف، أمّا الإكثار والإفراط في الحلف لا يكاد يخلو من الكذب.[١١]
كفارة اليمين
بيّن الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز كفارة
اليمين وذلك بقوله:
(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )،[١٢]
فالآية الكريمة تُبيّن أنّ كفارة اليمين هي التخيير بين ثلاثة أمور كما يلي:[١٣]
- إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يُطعم به الحالف أهله؛ وذلك بأن يعطي كل مسكين نصف صاع من غالب طعام البلد التي هو فيها؛ كالأرز أو القمح وغيره، وتُقدّر الكمية تقريباً بكيلو ونصف.
- كسوة عشرة مساكين؛ وذلك بأن يكسو كل مسكين كسوة تصلح به صلاته، فالرجل مثلاً يكسوه ثوب أو نحوه، والمرأة ثوب سابغ وخمار، ونحوه.
- تحرير رقبة مؤمنة.
ملحوظة: إذا لم يقدر الحالف على أيٍّ مما سبق فإنّه يصوم ثلاثة أيام متتابعة، وذهب جمهور العلماء إلى أنّه لا يجزئ إخراج الكفارة نقوداً.