رحبة المسجد في اللغة : هي ساحته ومتسعه ، وسميت رحبة : لسعتها .
وأما الرحبة في مصطلح الفقهاء : فقد عرفت بما يلي :
1- عرفـها ابن حجر بأنها : " بناء يكـون أمام باب المسجد غـير منفصل عنه " .
2 - وقيل : " الرحبة صحن المسجد الجامع " .
3 - وقيل : ما بني بجوار المسجد .
4 - وقال محمـد بن عبد الحكـم والقاضي أبو يعلى أن الرحبة هي ما أضيف إلى المسجد محجرا عليه .
هذا ما يتعلق بتعريف الرحبة ، وعلى ضوء هذا التعريف اختلفوا في حكمها ، هل تأخذ حكم المسجد أم لا ؟ على ثلاثة أقوال : - ص 60 - القول الأول : أن الرحبة إن كانت متصلة بالمسجد محوطة ، فهي من المسجد وتأخذ حكمه . وبهذا قال محمد بن عبد الحكـم وابن حجر والقاضي أبو يعلى ، وبعض الشافعية .
القول الثـاني : أن الرحبة ليست من المسجـد مطلقا متصلة أو منفصلة عنه . هذا مذهب الأحناف ورواية عن مالك وبه قال بعض الشافعية والصحيح من مذهب الحنابلة .
القـول الثـالث : أن رحبـة المسـجد منه مطلقـا ، متصلة كـانت أو منفـصلة . وهذا مـذهب مـالك " والشـافـعي " ورواية عند الحنابلة . الأدلة : أراد أصحـاب القول الأول أن يجـمـعوا بين القولين ، ولأن البناء المتصل بالمسجد يعتبر منه ، ويجوز اقتداء من به بإمام المسجد . فهذه حجتهم . - ص 61 - أدلة القول الثاني :
استدلوا بما يلي :
1- عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء ، فـقال : " من كـان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا ، أو يرفع صوته ، فليخرج إلى هذه الرحبة ) رواه مالك في الموطأ . الشاهـد : " من كان يريد أن يلغط . . . فليخرج إلى هذه الرحبة . . . " .
وجه الدلالة :
حيث بين عمر - رضي الله عنه - بمجـمع من الصـحابة : أن الرحبـة لا تأخذ حكـم المسـجد ، وهي متصلة به ببناء ، وكـان ذلك بمحـضر من الصحابة ، فلم ينكر عليه أحـد ، فصـار كالإجـماع . وإذا كان هذا في الرحبة المتصلة بالمسجد ، فالمنفصلة من باب أولى .
2 - قال البخاري - رحـمه الله تـعالى - : " وكـان الحسن وزرارة بن أبي أوفى . يقضيان فـي الرحبة خـارجا من المسجد " . فـهذا الأثر يدل على أن الرحبة لا تأخذ حكـم المسجد ، فلا يكره القضاء بين الناس فيها . - ص 62 - أدلة الفريق الثالث :
استدلوا بما يلي :
1- أن الرحبة زيادة في المسجد ، والزيادة تأخذ حكـم الأصل ، فهي كالمسجد .
2 - أن الرحبة باعتبارها منفصلة يصح اقتداء من كان بها بإمام المسـجـد ، إذا كـان المقـتـدي يرى الإمـام أن المأمـومين أو يسـمع الصوت .
3 - يصح الاعتكاف في الرحبة ، ولا يعتبر الخروج إليها بلا عذر مفسدا للاعتكاف . وهذا يدل على أنها من المسجد . المناقشـة : بتأمل أدلة الفريق الثاني ، تجد أن الرحبة التي بناها عمر منفصلة عن المسجد ، وإلا فكيف يسمح عمر لمن أراد أن يلغط أو يرفع صوته أن يفعل ذلك ، ومن في المسجد يتأذى به ، ثم إن أثر عمر مرسل تابعي ، لكنه ثقة . وأما الحسن وزرارة فقد ورد - أيضا - أنهما يصليان إذا دخلا رحبة المسجد ، وهذا يدل على أنهما كانا يريان جواز القضاء بالمسجد .
والذي يتأمل مسـاجد المسلمين اليوم يجـدها من جهـة الرحـبة تنقسم إلى ما يلي : - ص 63 - 1 - أن تكون الرحبـة خلف مصابيح المسجـد ، ليس بينها وبـين المسجد جدار فاصل ، فهذه من المسجد .
2 - أن تكون الرحبة في وسط المسجد ، وخلفها مصابيح ، وأمامها مصابيح ، ولا يدخل المسجد إلا منها . فهذه من المسجد ؛ وسواء فصل بينها وبين المصابيح بجدر أو لم يفصل .
3 - أن تكون الرحبة محيطة بالمسجد ، ولا يفصلها عن المسجـد الجدار الخلفي ، ولا يدخل المسجد إلا منها ، فهذه من المسجـد ، لكن لا تصح الصلاة فيها أمام الإمام .
4 - أن تكون محيطة بالمسجد من جميع جوانبه ، وعليها بناء ، ومفصول بينها وبين المسجد بأبواب ، فهذه محل الخلاف . ويظهر لي : أنها من المسجد .
5 - أن تكون قطعة أرض ملاصقة للمسجد ولا بناء فيها ، فهي من حريم المسـجد ، ولا تأخذ حكـمه ، وإن تك محيطة به من جـميع الجوانب ، فيصح اقتداء من بها خلف إمام المسجد بالإمام إذا أمكنته المتابعة ، أو رؤية بعض المأمومين .
6 - أن تكـون قطعـة أرض مبنيـة بسور بينها وبين المسجد طريق ، فليست من المسجد على الراجح .
وبما تقدم يعلم أن الراجح هو القول الأول .