سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4) - منتديات تراتيل شاعر

 ننتظر تسجيلك هـنـا

 

 

» ٌاليوم الوطني «  
     
..{ ::: فعاليات اليوم الوطني :::..}~
 
 


العودة   منتديات تراتيل شاعر > ۩۞۩ تراتيـل الاسلاميـة ۩۞۩ > هدي نبينا المصطفى ▪●

هدي نبينا المصطفى ▪● عليه افضل الصلاه والتسليم قِسِمْ خاص للدّفاعْ عنْ صفْوة و خيْر خلقِ الله الرّسول الكريمْ و سِيرَته و سيرة أصحابِهِ الكِرامْ و التّابعينْ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 12-09-2015, 10:59 AM
عبدالعزيز غير متواجد حالياً
Kuwait     Male
لوني المفضل Azure
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل : Oct 2015
 فترة الأقامة : 3254 يوم
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم : 4177334
 معدل التقييم : عبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond reputeعبدالعزيز has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
3856 سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)




سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام

الحلقة الثالثة عشرة :
(( الغزوات 4 ))
الحلقة الرابعة عشرة :
(( الغزوات 5 ))
الحلقة الخامسة عشرة :

(( الغزوات 6 ))
سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام
سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام

سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام سيرة الرحمة عليه الصلاة والسلام



sdvm kfd hgvplm ugdi hgwghm ,hgsghl td 100 pgrm(4) hgvplm hgwghm pgrm4 sdvm ugdi ,hgsghl




 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 11:00 AM   #2


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



الحلقة الثالثة عشرة (( غزواته ...4 ))


قُدُومُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَصَحْبِهِ مِنْ الْحَبَشَةِ


وَفِي <126> هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمّهِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهُ . وَمَعَهُمْ الْأَشْعَرِيّونَ : أَبُو مُوسَى ، وَأَصْحَابُهُ .


قَالَ أَبُو مُوسَى بَلَغْنَا مَخْرَجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ . فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ - أَنَا وَأَخَوَانِ لِي - فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي . فَرَكِبْنَا سَفِينَةً . فَأَلْقَتْنَا إلَى النّجَاشِيّ ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا . فَأَقَمْنَا حَتّى قَدِمْنَا فَتْحَ خَيْبَرَ . وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ لَنَا : سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ . فَدَخَلَتْ أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عَلَى حَفْصَةَ . فَدَخَلَ عَلَيْهَا عُمَرُ وَعِنْدَهَا أَسْمَاءُ . فَقَالَ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ . قَالَ الْحَبَشِيّةُ هَذِهِ ؟ الْبَحْرِيّةُ هَذِهِ ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ . نَحْنُ أَحَقّ بِرَسُولِ اللّهِ مِنْكُمْ . فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلّا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ . وَكُنّا فِي أَرْضِ الْبَعْدَاءِ الْبَغْضَاءِ . وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَاَيْمُ اللّهِ لَا أُطْعِمُ طَعَامًا ، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتّى أَذْكُرَ مَا قُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ . فَقَالَ مَا قُلْت لَهُ ؟ قَالَتْ قُلْت لَهُ كَذَا وَكَذَا . قَالَ لَيْسَ بِأَحَقّ بِي مِنْكُمْ . لَهُ لِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ - يَا أَهْلَ السّفِينَةِ - هِجْرَتَانِ ([29])


فَكَانَ أَبُو مُوسَى وَأَصْحَابُ السّفِينَةِ يَأْتُونَهَا أَرْسَالًا ، يَسْأَلُونَهَا عَنْ الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .


مُحَاصَرَةُ رَسُولِ اللّهِ بَعْضَ الْيَهُودِ بِوَادِي الْقُرَى

ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى وَكَانَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَانْضَافَ إلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ .


فَلَمّا نَزَلُوا اسْتَقْبَلَتْهُمْ يَهُودُ بِالرّمْيِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ تَعْبِئَةٍ . فَقُتِلَ مُدَعّمٌ - عَبْدٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ وَهَبَهُ لِرَسُولِ اللّهِ فَقَالَ النّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ . فَقَالَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " كَلّا ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ . إنّ الشّمْلَةَ الّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْقِسْمَةُ لِتَشْتَعِلَ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ <127> النّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكِ أَوْ شِرَاكَيْنِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ([30]) .


فَعَبّأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ وَصَفّهُمْ ثُمّ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا . وَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ . فَبَرَزَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ فَقَتَلَهُ . ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ فَقَتَلَهُ . حَتّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا . فَقَاتَلَهُمْ حَتّى أَمْسَوْا . ثُمّ غَدَا عَلَيْهِمْ . فَلَمْ تَرْتَفِعْ الشّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ حَتّى افْتَتَحَهَا عَنْوَةً . وَأَصَابُوا أَثَاثًا وَمَتَاعًا كَثِيرًا . فَقَسَمَهُ فِي أَصْحَابِهِ .وَتَرَكَ الْأَرْضَ وَالنّخْلَ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَعَامَلَهُمْ عَلَيْهَا . وَلَمّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ رَدّ الْمُهَاجِرُونَ إلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ مِنْ النّخِيلِ


قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا : الْآنَ نَشْبَعُ مِنْ التّمْرِ



بَعْثُ سَرِيّةٍ إلَى الْحُرُقَاتِ


ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً إلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ . فَلَمّا دَنَوْا مِنْهُمْ بَعَثَ الْأَمِيرُ الطّلَائِعَ . فَلَمّا رَجَعُوا بِخَبَرِهِمْ أَقْبَلَ حَتّى دَنَا مِنْهُمْ لَيْلًا ، وَقَدْ هَدَءُوا ، ثُمّ قَامَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ . ثُمّ قَالَ " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تُطِيعُونِي وَلَا تَعْصُونِي ، وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي . فَإِنّهُ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ . ثُمّ رَتّبَهُمْ . فَقَالَ يَا فُلَانُ أَنْتَ فُلَانٌ وَيَا فُلَانُ أَنْتَ وَفُلَانٌ لَا يُفَارِقُ كُلّ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ وَزَمِيلَهُ وَإِيّاكُمْ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَقُولُ . أَيْنَ صَاحِبُك ؟ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي . فَإِذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا . وَجَرّدُوا السّيُوفَ . ثُمّ كَبّرُوا وَحَمَلُوا حَمْلَةً وَاحِدَةً . وَأَحَاطُوا بِالْقَوْمِ وَأَخَذَتْهُمْ سُيُوفُ اللّهِ


عُمْرَةُ الْقَضِيّة ِ



فَلَمّا كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ السّنَةِ السّابِعَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ . حَتّى إذَا بَلَغَ يَأْجَجَ وَضَعَ الْأَدَاةَ كُلّهَا ، إلّا الْجُحَفَ وَالْمِجَانّ وَالنّبْلَ وَالرّمَاحَ . وَدَخَلُوا بِسِلَاحِ الرّاكِبِ - السّيُوفِ - وَبَعَثَ <128> جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَخْطُبُهَا . فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ . فَزَوّجَهُ إيّاهَا .


فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَكْشِفُوا عَنْ الْمَنَاكِبِ وَيَسْعَوْا فِي الطّوَافِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ قُوّتَهُمْ - وَكَانَ يُكَايِدُهُمْ بِكُلّ مَا اسْتَطَاعَ - فَوَقَفَ أَهْلُ مَكّةَ - الرّجَالَ وَالنّسَاءَ وَالصّبْيَانَ - يَنْظُرُونَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْتَجِزُ يَقُولُ

خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ

خَلّوا فَكُلّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ

قَدْ أَنَزَلَ الرّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ

فِي صُحُفٍ تُتْلَى عَلَى رَسُولِهِ

بِأَنّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ

يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ

إنّي رَأَيْت الْحَقّ فِي قَبُولِهِ

الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ

كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ


وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ


فَأَقَامَ بِمَكّةَ ثَلَاثًا . ثُمّ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى . فَصَاحَ حُوَيْطِبٌ نُنَاشِدُك اللّهَ وَالْعَقْدَ لَمّا خَرَجْت مِنْ أَرْضِنَا . فَقَدْ مَضَتْ الثّلَاثُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا رَافِعٍ فَأَذِنَ بِالرّحِيلِ


ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّامِنَةُ . فَكَانَتْ فِيهَا


غَزْوَةُ مُؤْتَةَ



وَسَبَبُهَا : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ بِكِتَابِ إلَى مَلِكِ الرّومِ - أَوْ بُصْرَى - فَعَرَضَ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَسّانِيّ . فَقَتَلَهُ - وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولٌ غَيْرُهُ - فَاشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَبَعَثَ الْبُعُوثَ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَقَالَ " إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ " ([31])

فَتَجَهّزُوا . وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ .


فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ . وَدَعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ . فَبَكَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ . فَقَالُوا مَا يُبْكِيك ؟ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صُبَابَةٌ بِكُمْ . وَلَكِنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النّارَ ( 16 : 71 ) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا وَلَسْت <129> أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدُورِ بَعْدَ الْوُرُودِ ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ صَحِبَكُمْ اللّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ . وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ . فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ

لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً

وَضَرْبَةَ ذَاتِ فُرْعٍ تَقْذِفُ الزّبَدَا

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجَهّزَةً

بِحَرْبَةِ تَنْفُذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا

حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدّتِي :

يَا أَرْشَدَ اللّهُ مِنْ غَازٍ . وَقَدْ رَشَدَا


ثُمّ مَضَوْا حَتّى نَزَلُوا مَعَانَ . فَبَلَغَهُمْ أَنّ هِرَقْلَ بِالْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ وَانْضَمّ إلَيْهِ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَبَلِيّ وَغَيْرِهِمْ مِائَةُ أَلْفٍ .


فَأَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ .


وَقَالُوا : نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَنُخْبِرُهُ . فَإِمّا أَنْ يُمِدّنَا ، وَإِمّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَشَجّعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَقَالَ وَاَللّهِ إنّ الّذِي تَكْرَهُونَ لِلّذِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشّهَادَةَ . وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِقُوّةِ وَلَا كَثْرَةٍ وَمَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ فَانْطَلَقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظَفَرٌ . وَإِمّا شَهَادَةٌ .


فَمَضَى النّاسُ حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ الْجُمُوعُ . فَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُؤْتَةَ . ثُمّ اقْتَتَلُوا عِنْدَهَا وَالرّايَةُ فِي يَدِ زَيْدٍ . فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلْ بِهَا حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ . فَأَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا . حَتّى إذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهَا . ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ . فَأَخَذَ الرّايَةَ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ . فَاحْتَضَنَ الرّايَةَ حَتّى قُتِلَ . وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً .


رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ . فَتَقَدّمَ بِهَا ، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ


أُقْسِمُ بِاَللّهِ لَتُنْزِلُنّهُ

لَتَنْزِلَن أَوْ لَتُكْرِهَنهُ

يَا ظَالِمًا قَدْ كُنْت مُطْمَئِنّهْ

إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّةَ


مَالِي أَرَاك تَكْرَهِينَ الْجَنّةَ ؟

وَيَقُولُ أَيْضًا

يَا نَفْسُ إنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِي

هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلّيْت

وَمَا تَمَنّيْت فَقَدْ أُعْطِيت

إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيت


<130> ثُمّ نَزَلَ فَأَتَاهُ فَنَادَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعِرْقِ مِنْ لَحْمٍ . فَقَالَ شُدّ بِهَذَا صُلْبَك ، فَإِنّك لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ مَا لَقِيت . فَأَخَذَهَا فَانْتَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْخَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ . فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ؟ فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَتَقَدّمَ . فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ .


ثُمّ أَخَذَ الرّايَةَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ . فَدَافَعَ الْقَوْمُ وَخَاشَى بِهِمْ ثُمّ انْحَازُوا ، وَانْصَرَفَ النّاسُ .


وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَدْنَا مَا بَيْنَ صَدْرِ جَعْفَرٍ وَمَنْكِبِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْهُ تِسْعِينَ جِرَاحَةً .


وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كُنْت يَتِيمًا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ . فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ . فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَسِيرُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ سَمِعْته وَهُوَ يَنْشُدُ شِعْرًا :


إذَا أَدّيْتنِي وَحَمَلْت رَحْلِي

مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحُسَامِ

فَشَأْنُك فَانْعُمِي ، وَخَلَاك ذَمّ

وَلَا أَرْجِعُ إلَى أَهْلِي وَرَائِي

وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي

بِأَرْضِ الشّامِ مُسْتَنْهِي الثّوَاءِ

وَرَدّك كُلّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ

إلَى الرّحْمَنِ مُنْقَطِعِ الْإِخَاءِ

هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ

وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا وَرَائِي


قَالَ فَبَكَيْت . فَخَفَقَنِي بِالسّوْطِ وَقَالَ مَا عَلَيْك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللّهُ الشّهَادَةَ وَتَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ .


 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 11:01 AM   #3


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)




الحلقة الرابعة عشر ة (( غزواته 5 ))

غَزْوَةُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ

وَكَانَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ فِي رَمَضَانَ .

وَسَبَبُهَا : أَنّ بَكْرًا عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ فِي مَائِهِمْ " الْوَتِيرِ " فَبَيّتُوهُمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ . وَكَانَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ " أَنّ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعَلَ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ فَعَلَ " فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ ، وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ إنّ بَنِي بَكْرٍ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ لَيْلًا بِمَاءِ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ ، قَرِيبًا مِنْ مَكّةَ . وَأَعَانَتْ قُرَيْشٌ بَنِي بَكْرٍ <131> بِالسّلَاحِ . وَقَاتَلَ مَعَهُمْ بَعْضُهُمْ مُسْتَخْفِيًا لَيْلًا ، حَتّى لَجَأَتْ خُزَاعَةُ إلَى الْحَرَمِ .


فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ لِنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ - وَكَانَ يَوْمَئِذٍ قَائِدَهُمْ - يَا نَوْفَلُ إنّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ إلَهَك إلَهَك . فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ . يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ . فَلَعَمْرِي إنّكُمْ لَتَسْرِقُونَ فِي الْحَرَمِ . أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ ؟


فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ ، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ

يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا

حِلْفُ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا

قَدْ كُنْتُمُوا وُلْدًا وَكُنّا وَالِدًا

ثُمّتْ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدًا

فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَيّدًا

وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا

فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا

أَبْيَضُ مِثْلُ الْبَدْرِ يَسْمُو صَعِدَا

إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا

فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبَدَا

إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا

وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكّدَا

وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رَصَدًا

وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت أَدْعُو أَحَدًا

وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدًا

هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا




وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدًا


فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " نُصِرْت يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ " .


ثُمّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَبِمُظَاهَرَةِ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلنّاسِ " كَأَنّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ . بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ . وَقَدْ رَهّبُوا لِلّذِي صَنَعُوا " .


ثُمّ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ . فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ . فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ . فَقَالَ يَا بُنَيّةُ مَا أَدْرِي : أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ ، أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي ؟ قَالَتْ بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَنْتَ مُشْرِكٌ نَجِسٌ . فَقَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ أَصَابَك بَعْدِي شَرّ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَكَلّمَهُ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا . ثُمّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلّمَهُ فِي أَنْ يُكَلّمَ النّبِيّ <132> صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ . ثُمّ أَتَى عُمَرُ فَقَالَ أَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ ؟ وَاَللّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ .


ثُمّ دَخَلَ عَلَى عَلِيّ وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ - وَالْحَسَنُ غُلَامٌ يَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهَا - فَقَالَ يَا عَلِيّ ، إنّك أَمَسّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا وَإِنّي جِئْت فِي حَاجَةٍ فَلَا أَرْجِعَن خَائِبًا . اشْفَعْ لِي إلَى مُحَمّدٍ . فَقَالَ قَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلّمَهُ فِيهِ - فَقَالَ لِفَاطِمَةَ هَلْ لَك أَنْ تَأْمُرِي ابْنَك هَذَا ، فَيُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ . فَيَكُونُ سَيّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ فَقَالَتْ مَا يَبْلُغُ ابْنِي ذَلِكَ . وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ إنّي رَأَيْت الْأُمُورَ قَدْ اشْتَدّتْ عَلَيّ فَانْصَحْنِي .


قَالَ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُغْنِي عَنْك . وَلَكِنّك سَيّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ وَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ ثُمّ الْحَقْ بِأَرْضِك .


فَقَالَ أَوَتَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّي شَيْئًا ؟ قَالَ لَا ، وَاَللّهِ مَا أَظُنّهُ وَلَكِنْ مَا أَجِدُ لَك غَيْرَ ذَلِكَ .


فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْت بَيْنَ النّاسِ . ثُمّ رَكِبَ بَعِيرُهُ . وَانْصَرَفَ عَائِدًا إلَى مَكّةَ . فَلَمّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ جِئْت مُحَمّدًا فَكَلّمْته ، فَوَاَللّهِ مَا رَدّ عَلَيّ شَيْئًا ، ثُمّ جِئْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ . فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا . ثُمّ جِئْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ، فَوَجَدْته أَدْنَى الْعَدُوّ - يَعْنِي : أَعْدَى الْعَدُوّ ثُمّ جِئْت عَلِيّا فَوَجَدْته أَلْيَنَ الْقَوْمِ وَقَدْ أَشَارَ عَلَيّ بِكَذَا وَكَذَا . فَفَعَلْت . قَالُوا : فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدًا ؟ قَالَ لَا . قَالُوا : وَيْلَك ، وَاَللّهِ إنّ زَادَ الرّجُلِ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِك .


وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ بِالْجَهَازِ وَقَالَ اللّهُمّ خُذْ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ ، حَتّى نَبْغَتَهَا فِي بِلَادِهَا


فَكَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى قُرَيْشٍ كِتَابًا ، يُخْبِرُهُمْ فِيهِ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَدَفَعَهُ إلَى سَارَةَ - مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَجَعَلْته فِي رَأْسِهَا . ثُمّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا . وَأَتَى الْخَبَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ السّمَاءِ . فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا وَالزّبَيْرَ إلَى الْمَرْأَةِ فَأَدْرَكَاهَا بِرَوْضَةِ خَاخٍ . فَأَنْكَرَتْ . فَفَتّشَا رَحْلَهَا . فَلَمْ يَجِدَا فِيهِ شَيْئًا فَهَدّدَاهَا . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا . فَأَتَيَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدَعَا <133> حَاطِبًا . فَقَالَ " مَا هَذَا يَا حَاطِبُ ؟ " فَقَالَ لَا تَعْجَلْ عَلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ . وَاَللّهِ إنّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا ارْتَدَدْت وَلَا بَدّلْت ، وَلَكِنّي كُنْت امْرِئِ مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ ، لَسْت مِنْ أَنْفُسِهِمْ . وَلِي فِيهِمْ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَوَلَدٌ . وَلَيْسَ لِي فِيهِمْ قَرَابَةٌ يَحْمُونَهُمْ . وَكَانَ مَنْ مَعَك لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَهُمْ . فَأَحْبَبْت أَنْ أَتّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا . قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمّ لَهُ أَمْرَهُ . فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ . فَإِنّهُ قَدْ خَانَ اللّهَ وَرَسُولَهُ . وَقَدْ نَافَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ ؟ لَعَلّ اللّهَ اطّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ . فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ([32]) .


فَذَرَفَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .


ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمَى اللّهُ الْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ ، لَكِنّهُمْ عَلَى وَجَلٍ . فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسّسُ هُوَ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ .


وَكَانَ الْعَبّاسُ قَدْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ مُسْلِمًا مُهَاجِرًا . فَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجُحْفَةِ . فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ الظّهْرَانِ نَزَلَ عِشَاءً فَأَمَرَ الْجَيْشَ فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ . فَأَوْقَدَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ نَارٍ . فَرَكِبَ الْعَبّاسُ بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَخَرَجَ يَلْتَمِسُ لَعَلّهُ يَجِدُ بَعْضَ الْحَطّابَةِ أَوْ أَحَدًا يُخْبِرُ قُرَيْشًا . لِيَخْرُجُوا يَسْتَأْمِنُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَنْوَةً .

قَالَ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا ، إذْ سَمِعْت كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلٍ يَتَرَاجَعَانِ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ نِيرَانًا قَطّ وَلَا عَسْكَرًا .


قَالَ يَقُولُ بُدَيْلٌ هَذِهِ وَاَللّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ .


قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ خُزَاعَةُ أَقَلّ وَأَذَلّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانُهَا .


فَقُلْت : أَبَا حَنْظَلَةَ ؟ فَعَرَفَ صَوْتِي ، فَقَالَ أَبَا الْفَضْلِ ؟ قُلْت : نَعَمْ قَالَ مَا لَك ، فِدَاك أَبِي وَأُمّي ؟ قَالَ قُلْت : هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللّهِ قَالَ فَمَا الْحِيلَةُ ؟


قُلْت : وَاَللّهِ لَئِنْ ظَفَرَ بِك لَيَضْرِبَن عُنُقَك . فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتّى آتِيهِ بِك ، فَأَسْتَأْمِنُهُ لَك . فَرَكِبَ خَلْفِي . وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ فَجِئْت بِهِ . فَكُلّمَا مَرَرْت <134> بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَإِذَا رَأَوْنَا قَالُوا : عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ . حَتّى مَرَرْت بِنَارِ عُمَرَ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ وَقَامَ إلَيّ . فَلَمّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ قَالَ عَدُوّ اللّهِ ؟ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَمْكَنَ اللّهُ مِنْك بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ .


ثُمّ خَرَجَ يَشْتَدّ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَرَكَضَتْ الْبَغْلَةُ فَسَبَقَتْهُ وَاقْتَحَمَتْ عَنْهَا . فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ . قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ فَدَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ أَجَرْته .


فَلَمّا أَكْثَرَ عُمَرُ قُلْت : مَهْلًا يَا عُمَرُ . فَوَاَللّهِ لَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْت هَذَا . قَالَ مَهْلًا يَا عَبّاسُ . فَوَاَللّهِ لَإِسْلَامُك كَانَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ . وَمَا بِي إلّا أَنّي عَرَفْت أَنّ إسْلَامَك كَانَ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اذْهَبْ بِهِ يَا عَبّاسُ إلَى رَحْلِك . فَإِذَا أَصْبَحْت فَأْتِنِي بِهِ . فَفَعَلْت . ثُمّ غَدَوْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ أَنْ تَعْلَمَ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك وَاَللّهِ لَقَدْ ظَنَنْت أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللّهِ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنّي شَيْئًا بَعْدُ . قَالَ وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك ، أَمّا هَذِهِ فَفِي النّفْسِ حَتّى الْآنَ مِنْهَا شَيْءٌ .


فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ وَيْحَك . وَأَسْلِمْ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَك . قَالَ فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ فَأَسْلَمَ .


فَقَالَ الْعَبّاسُ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبّ الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا ، قَالَ نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ .


فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَبّاسُ احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ حَتّى تَمُرّ بِهِ جُنُودُ اللّهِ فَيَرَاهَا فَخَرَجْت حَتّى حَبَسْته . وَمَرّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا . حَتّى مَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ - لِكَثْرَةِ <135> الْحَدِيدِ وَظُهُورِهِ فِيهَا - فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إلّا الْحَدَقُ . فَقَالَ سُبْحَانَ اللّهِ يَا عَبّاسُ . مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قُلْت : هَذَا رَسُولٌ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - قَالَ مَا لِأَحَدِ بِهَؤُلَاءِ طَاقَةٌ .


وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ . فَلَمّا مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ . الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ . الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا فَذَكَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ كَذَبَ سَعْدٌ . وَلَكِنّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ تُعَظّمُ فِيهِ الْكَعْبَةُ الْيَوْمَ أَعَزّ اللّهُ قُرَيْشًا ثُمّ نَزَعَ اللّوَاءَ مِنْ سَعْدٍ . وَدَفَعَهُ إلَى قَيْسٍ ابْنِهِ . وَمَضَى أَبُو سُفْيَانَ . فَلَمّا جَاءَ قُرَيْشًا صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ . هَذَا مُحَمّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ . قَالُوا : قَاتَلَك اللّهُ وَمَا تُغْنِي عَنّا دَارُك " ؟ قَالَ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ . وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَتَفَرّقَ النّاسُ إلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ .


وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَعْلَاهَا ، وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَدَخَلَهَا مِنْ أَسْفَلِهَا ، وَقَالَ إنْ عَرَضَ لَكُمْ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَاحْصُدُوهُمْ حَصْدًا ، حَتّى تُوَافُونِي عَلَى الصّفَا . فَمَا عَرَضَ لَهُمْ أَحَدٌ إلّا أَنَامُوهُ .


وَتَجَمّعَ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَسَهْلُ بْنُ عَمْرٍو ، بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا . وَكَانَ حَمَاسُ بْنُ قَيْسٍ يُعِدّ سِلَاحًا قَبْلَ مَجِيءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَاَللّهِ مَا يَقُومُ لِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ . فَقَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَخْدُمَك بَعْضَهُمْ ثُمّ قَالَ

إنْ يَقْبَلُوا الْيَوْمَ فَمَالِي عِلّةٌ

هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَإِلّهْ




وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ الْقِتْلَة


ثُمّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ . فَلَمّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ : نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ فَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمّ انْهَزَمُوا فَدَخَلَ حَمَاسٌ عَلَى امْرَأَتِهِ . فَقَالَ ؟ أَغْلِقِي عَلَيّ بَابِي . فَقَالَتْ أَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ ؟ فَقَالَ <136>

إنّك لَوْ شَهِدْت يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ

إذْ فَرّ صَفْوَانُ وَفَرّ عِكْرِمَهْ

وَأَبُو يَزِيدُ قَائِمٌ كَالْمُؤْتِمَهْ

وَاسْتَقْبَلْنَا بِالسّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ

يَقْطُنُ كُلّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ

ضَرْبًا فَلَا يُسْمَعُ إلّا غَمْغَمَهْ

لَهُمْ نَهِيت خَلْفَنَا وَهَمْهَمَهْ

لَمْ تَنْطِقِي بِاللّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ


وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدَخَلَ مَكّةَ .


فَبَعَثَ الزّبَيْرَ عَلَى إحْدَى الْمُجَنّبَتَيْنِ . وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنّبَةِ الْأُخْرَى . وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ عَلَى الْحُسّرِ . فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ وَقَدْ وَبِشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشَهَا ، وَقَالُوا : نُقَدّمُ هَؤُلَاءِ . فَإِذَا كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنّا مَعَهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَاهُ الّذِي سَأَلْنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " فَقُلْت : لَبّيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ . وَلَا يَأْتِينِي إلّا أَنْصَارِيّ فَهَتَفْت بِهِمْ فَجَاءُوا ، فَأَطَافُوا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ أَتَرَوْنَ إلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ ؟ - ثُمّ قَالَ بِيَدَيْهِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى - اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا ، حَتّى تُوَافُونِي عَلَى الصّفَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَانْطَلَقْنَا . فَمَا يَشَاءُ أَحَدٌ مِنّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ مَا شَاءَ إلّا قُتِلَ ([33]) .


وَرَكَزَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجُونِ عِنْدَ مَسْجِدِ الْفَتْحِ . ثُمّ نَهَضَ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ وَحَوْلَهُ حَتّى دَخَلَ الْمَسْجِدُ فَأَقْبَلَ إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ . ثُمّ طَافَ بِالْبَيْتِ . وَفِي يَدِهِ قَوْسٌ وَحَوْلَ الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتّونَ صَنَمًا . فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِالْقَوْسِ وَيَقُولُ جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا جَاءَ الْحَقّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ وَالْأَصْنَامُ تَتَسَاقَطُ عَلَى وُجُوهِهَا .


وَكَانَ طَوَافُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا يَوْمَئِذٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى الطّوَافِ .


فَلَمّا أَكْمَلَهُ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ . فَأَمَرَ بِهَا فَفُتِحَتْ فَدَخَلَهَا . فَرَأَى فِيهَا الصّوَرَ وَرَأَى صُورَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَسْتَقْسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ فَقَالَ قَاتَلَهُمْ اللّهُ وَاَللّهِ إنْ اسْتَقْسَمَا بِهَا قَط ([34]) وَأَمَرَ بِالصّوَرِ فَمُحِيَتْ . ثُمّ أُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ فَاسْتَقْبَلَ الْجِدَارَ الّذِي يُقَابِلُ الْبَابَ . حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقَفَ وَصَلّى هُنَاكَ . ثُمّ دَارَ فِي الْبَيْتِ وَكَبّرَ فِي نَوَاحِيهِ وَوَحّدَ اللّهَ . ثُمّ فَتَحَ الْبَابَ وَقُرَيْشٌ قَدْ مَلَأَتْ الْمَسْجِدَ صُفُوفًا ، يَنْظُرُونَ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِمْ ؟ فَأَخَذَ بِعِضَاتَيْ الْبَابِ وَهُمْ تَحْتَهُ . فَقَالَ لا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَلَا كُلّ مَأْثَرَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دَمٍ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ إلّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ <137> الْحَاجّ أَلَا وَقَتْلَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ - السّوْطُ وَالْعَصَا - فَفِيهِ الدّيَةُ مُغَلّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ . النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ " ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ( 49 : 13 ) يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ثُمّ قَالَ " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تَرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ ، قَالُوا : خَيْرًا ، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ . قَالَ فَإِنّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ ([35])


ثُمّ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ إلَيْهِ عَلِيّ - وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السّقَايَةِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْك . فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ؟ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ هَاكَ مِفْتَاحَك يَا عُثْمَانُ ، الْيَوْمَ يَوْمُ بِرّ وَوَفَاءٍ


وَأَمَرَ بَلَالًا أَنْ يَصْعَدَ عَلَى الْكَعْبَةِ فَيُؤَذّنَ - وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَعَتّابُ بْنُ أُسَيْدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، وَأَشْرَافُ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ - فَقَالَ عَتّابٌ لَقَدْ أَكْرَمَ اللّهُ أُسَيْدًا أَنْ لَا يَكُونَ سَمِعَ هَذَا فَقَالَ الْحَارِثُ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّهُ مُحِقّ لَاتّبَعْته . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَا أَقُولُ شَيْئًا ، لَوْ تَكَلّمْت لَأَخْبَرَتْ عَنّي هَذِهِ الْحَصْبَاءُ . فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ " قَدْ عَلِمْت الّذِي قُلْتُمْ " ثُمّ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ . فَقَالَ الْحَارِثُ وَعَتّابٌ نَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ . وَاَللّهِ مَا اطّلَعَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ كَانَ مَعَنَا . فَنَقُولُ أَخْبَرَك .


ثُمّ دَخَلَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَارَ أُمّ هَانِئٍ فَاغْتَسَلَ . وَصَلّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ صَلَاةَ الْفَتْحِ وَكَانَ أُمَرَاءُ الْإِسْلَامِ إذَا فَتَحُوا بَلَدًا صَلّوْا هَذِهِ الصّلَاةَ .


وَلَمّا اسْتَقَرّ الْفَتْحُ أَمّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ كُلّهُمْ إلّا تِسْعَةَ نَفَرٍ فَإِنّهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَعَبْدُ الْعُزّى بْنُ خَطَلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ نُفَيْلٍ وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ ، وَهَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَقَيْنَتَانِ لِابْنِ خَطَلٍ وَسَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ .


فَأَمّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَجَاءَ فَارّا إلَى عُثْمَانَ . فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَبِلَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ أَمْسَكَ عَنْهُ رَجَاءَ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَيَقْتُلَهُ .


< 138> وَأَمّا عِكْرِمَةُ . فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ هَرَبَ وَعَادَتْ بِهِ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ .

وَأَمّا ابْنُ خَطَلٍ ، وَمَقِيسٌ وَالْحَارِثُ وَإِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ فَقُتِلُوا .


وَأَمّا هَبّارٌ فَفَرّ ثُمّ جَاءَ فَأَسْلَمَ . وَحَسُنَ إسْلَامُهُ . وَاسْتُؤْمِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَارَةَ وَلِإِحْدَى الْقَيْنَتَيْنِ . فَأَسْلَمَتَا .


فَلَمّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ خَطِيبًا . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ . ثُمّ قَال أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ حَرّمَ مَكّةَ يَوْمَ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ . فَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا ، أَوْ يُعَضّدَ بِهَا شَجَرَةً . فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُولُوا لَهُ إنّ اللّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ . وَلَمْ يَأْذَنْ لَك . وَإِنّمَا أُحِلّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ([36])


وَهَمّ فَضَالَةُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوّحِ اللّيْثِيّ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَطُوفُ . فَلَمّا دَنَا مِنْهُ قَالَ " أَفَضَالَةُ ؟ " قَالَ نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ مَاذَا تُحَدّثُ بِهِ نَفْسَك ؟ قَالَ لَا شَيْءَ . كُنْت أَذْكُرُ اللّهَ فَضَحِكَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ اسْتَغْفِرْ اللّهَ ثُمّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَسَكَنَ قَلْبُهُ وَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتّى مَا مِنْ خَلْقِ اللّهِ شَيْءٌ أَحَبّ إلَيّ مِنْهُ قَالَ فَضَالَةُ فَرَجَعْت إلَى أَهْلِي . فَمَرَرْت بِامْرَأَةِ كُنْت أَتَحَدّثُ إلَيْهَا ، فَقَالَتْ هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ . فَقَالَ لَا . وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ

قَالَتْ هَلُمّ إلَى الْحَدِيثِ . فَقُلْت : لَا

يَأْبَى الْإِلَهُ عَلَيْك وَالْإِسْلَامُ

لَوْ قَدْ رَأَيْت مُحَمّدًا وَقَبِيلَهُ

بِالْفَتْحِ يَوْمَ تُكْسَرُ الْأَصْنَامُ

لَرَأَيْت دِينَ اللّهِ أَضْحَى بَيّنًا

وَالشّرْكَ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ


وَفَرّ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . فَاسْتَأْمَنَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ رَسُولَ اللّهِ لِصَفْوَانَ فَلَحِقَهُ . وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ فَرَدّهُ . وَاسْتَأْمَنَتْ أُمّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ لِزَوْجِهَا عِكْرِمَةَ ، فَلَحِقَتْ بِهِ بِالْيَمَنِ فَرَدّتْهُ .


ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَتّابَ بْنَ أُسَيْدٍ الْخُزَاعِيّ فَجَدّدَ أَنْصَابَ الْحَرَمِ .


< 139> وَبَثّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرَايَاهُ إلَى الْأَوْثَانِ الّتِي حَوْلَ مَكّةَ . فَكُسِرَتْ كُلّهَا ، مِنْهَا اللّاتِ ، وَالْعُزّى ، وَمَنَاةَ . وَنَادَى مُنَادِيهِ بِمَكّةَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدَعُ فِي بَيْتِهِ صَنَمًا إلّا كَسَرَهُ


هَدْمُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَنَمَ سُوَاعٍ

وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَى سُوَاعٍ - وَهُوَ لِهُذَيْلٍ - قَالَ فَأَتَيْته وَعِنْدَهُ السّادِنُ فَقَالَ مَا تُرِيدُ ؟ قُلْت : أَهْدِمَهُ قَالَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ قُلْت : لِمَ ؟ قَالَ تُمْنَعُ . قُلْت : حَتّى الْآنَ أَنْتَ عَلَى الْبَاطِلِ ؟ وَيْحَك . وَهَلْ يَسْمَعُ أَوْ يُبْصِرُ ؟ فَدَنَوْت مِنْهُ فَكَسَرْته . وَأَمَرْت أَصْحَابِي فَهَدَمُوا بَيْتَ خِزَانَتِهِ . فَلَمْ نَجِدْ فِيهِ شَيْئًا . فَقُلْت لِلسّادِنِ كَيْفَ رَأَيْت ؟ قَالَ أَسْلَمْت لِلّهِ .


بَعْثُ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ لِهَدْمِ مَنَاةَ


ثُمّ بَعَثَ سَعْدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْأَشْهَلَيّ الْأَنْصَارِيّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَى مَنَاةَ . وَكَانَتْ عِنْدَ قُدَيْدٍ بِالْمُشَلّلِ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَغَسّانَ وَغَيْرِهِمْ .


فَخَرَجَ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا ، حَتّى انْتَهَى إلَيْهَا . وَعِنْدَهَا سَادِنُهَا ، فَقَالَ مَا تُرِيدُ ؟ قَالَ هَدْمَهَا . قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ . فَأَقْبَلَ سَعْدٌ يَمْشِي إلَيْهَا ، وَتَخْرُجُ إلَيْهِ امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ سَوْدَاءُ ثَائِرَةُ الرّأْسِ تَدْعُو بِالْوَيْلِ وَتَضْرِبُ صَدْرَهَا . فَقَالَ لَهَا السّادِنُ مَنَاةُ دُونَك بَعْضُ عُصَاتِك .


فَضَرَبَهَا سَعْدٌ فَقَتَلَهَا ، وَأَقْبَلَ إلَى الصّنَمِ فَهَدَمَهُ . وَلَمْ يَجِدُوا فِي خِزَانَتِهَا شَيْئًا .


غَزْوَةُ حُنَيْنٍ


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : لَمّا سَمِعَتْ هَوَازِنُ بِالْفَتْحِ جَمَعَهَا مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النّصْرِيّ مَعَ هَوَازِنَ ثَقِيفٍ كُلّهَا .

فَلَمّا أَجَمَعَ مَالِكٌ السّيْرَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاقَ مَعَ النّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيّهُمْ . فَلَمّا نَزَلَ بِأَوْطَاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ . وَفِيهِمْ دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةَ الْجُشَمِيّ <140> وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ فِيهِ إلّا رَأْيُهُ وَكَانَ شُجَاعًا مُجَرّبًا .


فَقَالَ بِأَيّ وَادٍ أَنْتُمْ ؟ قَالُو : بِأَوْطَاسَ . قَالَ نِعْمَ مَجَالُ الْجِيلِ لَا حَزْنٌ ضَرْسٌ وَلَا سَهْلٌ دَهْسٌ . مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ وَبُكَاءَ الصّغِيرِ . وَيُعَارَ الشّاءِ ؟ قَالُوا : سَاقَ مَالِكٌ مَعَ النّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ .


قَالَ أَيْنَ مَالِكٌ ؟ فَدُعِيَ لَهُ فَقَالَ إنّك أَصْبَحْت رَئِيسَ قَوْمِك . وَإِنّ هَذَا يَوْمٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيّامِ . فَلِمَ فَعَلْت هَذَا ؟ قَالَ أَرَدْت أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ . قَالَ رَاعِي ضَأْنٍ وَاَللّهِ وَهَلْ يَرُدّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ ؟ إنّهَا إنْ كَانَتْ لَك : لَمْ يَنْفَعْك إلّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ . وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْك : فُضِحْت فِي أَهْلِك وَمَالِك . ثُمّ قَالَ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ ؟ قَالُوا : لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ . قَالَ غَابَ الْحَدّ وَالْجَدّ ، لَوْ كَانَ يَوْمُ عِلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ يَغِيبُوا . وَلَوَدِدْت أَنّكُمْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ . فَمَنْ شَهِدَهَا ؟ قَالُوا عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ . قَالَ ذَانِكَ الْجِذْعَانُ مِنْ عَامِرٍ لَا يَنْفَعَانِ وَلَا يَضُرّانِ . يَا مَالِكٌ إنّك لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ الْبَيْضَةِ - بَيْضَةِ هَوَازِنَ - إلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا . ارْفَعْهُمْ إلَى مُمْتَنِعِ بِلَادِهِمْ وَعَلْيَاءِ قَوْمِهِمْ . ثُمّ أَلْقِ الصّبَا عَلَى مُتُونِ الْجِيلِ . فَإِنْ كَانَتْ لَك : لَحِقَ بِك مَنْ وَرَاءَك . وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْك : أَلْقَاك ذَاكَ وَقَدْ أَحْرَزْت أَهْلَك وَمَالَك .


قَالَ وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ إنّك قَدْ كَبِرْت وَكَبُرَ عَقْلُك ، وَاَللّهِ لِتُطِيعَنّي يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ ، أَوْ لَأَتّكِئَن عَلَى هَذَا السّيْفِ حَتّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي ، وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا ذِكْرٌ أَوْ رَأْيٌ .


قَالُوا : أَطَعْنَاك . فَقَالَ دُرَيْدٌ هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي .

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ

أَخُبّ فِيهَا وَأَضَعْ

أَقُودُ وَطْفَاءَ الزّمَعْ

كَأَنّهَا شَاةُ صَدَعْ


ثُمّ قَالَ مَالِكٌ إذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ ثُمّ شُدّوا شَدّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ .

< 141> ثُمّ بَعَثَ عُيُونًا مِنْ رِجَالِهِ فَأَتَوْهُ وَقَدْ تَفَرّقَتْ أَوْصَالُهُمْ مِنْ الرّعْبِ وَالْهَلَعِ . فَقَالَ لَهُمْ وَيْلَكُمْ مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : رَأَيْنَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ . وَاَللّهِ مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا تَرَى . فَوَاَللّهِ مَا رَدّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ .


وَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ . وَأَمَرَهُ أَنْ يُدَاخِلَهُمْ حَتّى يَعْلَمَ عِلْمَهُمْ . فَانْطَلَقَ . فَدَاخَلَهُمْ حَتّى عَلِمَ مَا هُمْ عَلَيْهِ . فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ .


فَلَمّا أَرَادَ الْمَسِيرَ ذَكَرَ لَهُ أَنّ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ أَدْرَاعًا وَسِلَاحًا - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ - فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا أُمَيّةَ أَعِرْنَا سِلَاحَك هَذَا ، نَلْقَ فِيهِ عَدُوّنَا غَدًا " فَقَالَ أَغَضَبًا يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ " بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ ، حَتّى نُؤَدّيهَا إلَيْك فَأَعْطَاهُ مِائَة دِرْعٍ بِمَا يَكْفِيهَا السّلَاحُ . فَخَرَجَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمَعَهُ أَلْفَانِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ، وَعَشَرَةُ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الّذِينَ فَتَحَ اللّهُ بِهِمْ مَكّةَ . فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا . وَاسْتَعْمَلَ عَتّابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكّةَ .


فَلَمّا اسْتَقْبَلُوا وَادِي حُنَيْنٍ ، انْحَدَرُوا فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَجْوَفَ فِي عِمَايَةِ الصّبْحِ . قَالَ جَابِرٌ وَكَانُوا قَدْ سَبَقُونَا إلَيْهِ فَكَمَنُوا فِي شِعَابِهِ وَمَضَايِقِهِ . قَدْ تَهَيّئُوا . فَوَاَللّهِ مَا رَاعَنَا إلّا الْكَتَائِبُ قَدْ شَدّوا عَلَيْنَا شَدّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَانْشَمَرَ النّاسُ رَاجِعِينَ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ . وَانْحَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ ثُمّ قَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ هَلُمّوا إلَيّ أَنَا رَسُولُ اللّهِ أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ


وَبَقِيَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ فَاجْتَلَدَ النّاسُ . فَوَاَللّهِ مَا رَجَعَتْ النّاسُ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتّى وَجَدُوا الْأَسْرَى عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .


وَكَانُوا حِينَ رَأَوْا كَثْرَتَهُمْ قَالُوا " لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلّةٍ " فَوَقَعَ بِهِمْ مَا وَقَعَ ابْتِلَاءٌ مِنْ اللّهِ لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ .


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا وَقَعَتْ الْهَزِيمَةُ تَكَلّمَ رِجَالٌ مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكّةَ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ الضّغَنِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ ، وَصَرَخَ حَبَلَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ أَلَا بَطَلَ السّحَرُ الْيَوْمَ . فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ - وَكَانَ بَعْدُ مُشْرِكًا - اُسْكُتْ فَضّ اللّهُ فَاك . فَوَاَللّهِ لَأَنْ يُرِبْنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ يُرِبْنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ


<142> وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ الْحُجَبِيّ . قَالَ " لَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ قُلْت : أَسِيرُ مَعَ قُرَيْشٍ إلَى هَوَازِنَ ، لَعَلّي أُصِيبُ مِنْ مُحَمّدٍ غُرّةً . فَأَكُونُ أَنَا الّذِي قُمْت بِثَأْرِ قُرَيْشٍ وَأَقُولُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَحَدٌ إلّا تَبِعَهُ مَا اتّبَعْته أَبَدًا .


فَلَمّا اخْتَلَطَ النّاسُ اقْتَحَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَغْلَتِهِ وَأَصْلَتَ السّيْفَ فَدَنَوْت أُرِيدُ مَا أُرِيدُ وَرَفَعْت سَيْفِي حَتّى كِدْت أُسَوّرُهُ . فَرَفَعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ كَالْبَرْقِ كَادَ أَنْ يُمَحّشْنِي . فَوَضَعْت يَدِي عَلَى بَصَرِي خَوْفًا عَلَيْهِ . فَالْتَفَتَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَنَادَانِي يَا شَيْبُ ، اُدْنُ " فَدَنَوْت ، فَمَسَحَ صَدْرِي . قَالَ " اللّهُمّ أَعِذْهُ مِنْ الشّيْطَانِ فَوَاَللّهِ لَهُوَ كَانَ سَاعَتَئِذٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي وَنَفْسِي . ثُمّ قَالَ اُدْنُ فَقَاتِلْ فَتَقَدّمْت أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي . اللّهُ يَعْلَمُ أَنّي أُحِبّ أَنْ أَقِيَهُ بِنَفْسِي . لَوْ لَقِيت تِلْكَ السّاعَةَ أَبِي لَأَوْقَعْت بِهِ السّيْفَ . فَجَعَلْت أَلْزَمَهُ فِيمَنْ لَزِمَهُ حَتّى تَرَاجَعَ النّاسُ وَكَرّوا كَرّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ . وَقُرّبَتْ بَغْلَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَاسْتَوَى عَلَيْهَا . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَثَرِهِمْ حَتّى تَفَرّقُوا فِي كُلّ وَجْهٍ . وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مُعَسْكَرِهِ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ . فَدَخَلْت عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرِي ، حُبّا لِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ وَسُرُورًا بِهِ فَقَالَ يَا شَيْبُ ، الّذِي أَرَادَ اللّهُ لَك ، مِنْ الّذِي أَرَدْت لِنَفْسِك " . قَالَ الْعَبّاسُ إنّي لَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت امْرِئِ جَسِيمًا شَدِيدَ الصّوْتِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى مِنْ النّاسِ إلَيّ أَيّهَا النّاسُ أَنَا النّبِيّ لَا كَذِبْ ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبْ فَلَمْ أَرَ النّاسَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ . فَقَالَ " أَيْ عَبّاسٌ اهْتِفْ بِأَصْحَابِ السّمُرَةِ " فَنَادَيْت : يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ . فَكَانَ الرّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَرُدّ بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ . فَيَأْخُذُ سِلَاحَهُ وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ وَيُخَلّي سَبِيلَهُ وَيَؤُمّ الصّوْتَ فَأَتَوْا مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ لَبّيْكَ لَبّيْكَ . حَتّى إذَا اجْتَمَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ مِائَةٌ اسْتَقْبَلُوا النّاسَ فَاقْتَتَلُوا . فَكَانَتْ الدّعْوَةُ أَوّلًا " يَا لَلْأَنْصَارِ يَا لَلْأَنْصَارِ " ثُمّ خَلَصَتْ الدّعْوَةُ " يَا لَبَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج ِ " وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ .


وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثُمّ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَصَيَاتٍ . فَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْقَوْمِ ثُمّ قَالَ انْهَزِمُوا ، وَرَبّ مُحَمّدٍ . فَمَا هُوَ إلّا أَنْ رَمَاهُمْ فَمَا زِلْت أَرَى حَدّهُمْ كَلِيلًا ، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا <143>



وَلَمّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَتَوْا الطّائِفَ ، وَمِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ . وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ بِأَوْطَاسَ . وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَثَرِ مَنْ تَوَجّهَ نَحْوَ أَوْطَاسٍ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ فَهَزَمَهُمْ اللّهُ تَعَالَى . وَقُتِلَ أَبُو عَامِرٍ . فَأَخَذَ الرّايَةَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ . فَلَمّا بَلَغَ الْخَبَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ا للّهُمّ اغْفِرْ لِأَبِي عَامِرٍ . وَاجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِك


وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّبْيِ وَالْغَنَائِمِ أَنْ يُجْمَعَ . وَكَانَ السّبْيُ سِتّةَ آلَافِ رَأْسٍ وَالْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا ، وَالْغَنَمُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ وَأَرْبَعَةُ آلَافِ أُوقِيّةٍ فِضّةً .


فَاسْتَأْنَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَقْدَمُوا مُوَالِينَ مُسْلِمِينَ بِضْعَةَ عَشَرَ لَيْلَةً . ثُمّ بَدَأَ بِالْأَمْوَالِ فَقَسَمَهَا : وَأَعْطَى الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ أَوّلَ النّاسِ . فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ . وَأَرْبَعِينَ أُوقِيّةً . وَأَعْطَى ابْنَهُ يَزِيدَ مِثْلَ ذَلِكَ . وَأَعْطَى ابْنَهُ مُعَاوِيَةَ مِثْلَ ذَلِكَ . وَأَعْطَى حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ . ثُمّ سَأَلَهُ مِائَةً أُخْرَى فَأَعْطَاهُ .


وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَصْحَابَ الْمِائَةِ وَأَصْحَابَ الْخَمْسِينَ .

ثُمّ أَمَرَ يَزِيدَ ثَابِتٌ بِإِحْصَاءِ الْغَنَائِمِ وَالنّاسِ ثُمّ فَضّهَا عَلَى النّاسِ .


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودٍ لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ <144> لَمّا أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِل الْعَرَبِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ . وَجَدَتْ الْأَنْصَارُ فِي أَنْفُسِهِمْ . حَتّى كَثُرَتْ مِنْهُمْ الْقَالَةُ حَتّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ وَاَللّهِ رَسُولُ اللّهِ قَوْمَهُ . فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ . فَقَالَ " فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَنَا إلّا مِنْ قَوْمِي ، قَالَ " فَاجْمَعْ لِي قَوْمَك فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ " فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا . وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدّهُمْ . فَلَمّا اجْتَمَعُوا ، أَتَاهُ سَعْدٌ . فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ . ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ : مَا مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ ؟ وَجَدّةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ ؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلّالًا . فَهَدَاكُمْ اللّهُ بِي ؟ وَعَالّةٌ فَأَغْنَاكُمْ اللّهُ بِي ؟ وَأَعْدَاءٌ . فَأَلّفَ اللّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بِي ؟ " . قَالُوا : اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنّ وَأَفْضَلُ . ثُمّ قَالَ أَلَا تُجِيبُونِي ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ؟ . قَالُوا : بِمَاذَا نُجِيبُك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ وَلِلّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنّ وَالْفَضْلُ . قَالَ " أَمَا وَاَللّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَلَصُدّقْتُمْ أَتَيْتنَا مُكَذّبًا فَصَدّقْنَاك وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاك ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاك ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاك . أَوَجَدْتُمْ عَلَيّ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِكُمْ لُعَاعَةً مِنْ الدّنْيَا ، تَأَلّفْت بِهَا قَوْمًا لِيُسَلّمُوا ، وَوَكّلْتُكُمْ إلَى إسْلَامِكُمْ ؟ أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَنْ يَذْهَبَ النّاسُ بِالشّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ أَنْتُمْ بِرَسُولِ اللّهِ إلَى رِحَالِكُمْ ؟ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرِئِ مِنْ الْأَنْصَارِ . وَلَوْ سَلَكَ النّاسُ شِعْبًا وَوَادِيًا ، وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا وَوَادِيًا ، لَسَلَكَتْ شِعْبَ الْأَنْصَارِ وَوَادِيَهَا ، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنّاسُ دِثَارٌ اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ " .


قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا : رَضِينَا بِرَسُولِ اللّهِ قَسْمًا وَحَظّا . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَفَرّقُوا


وَقَدِمَتْ الشّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ - أُخْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ . أَنَا أُخْتُك ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ . وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَقَالَ " إنْ أَحْبَبْت فَعِنْدِي مَكْرُمَةٌ وَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ أُمَتّعَك وَتَرْجِعِي إلَى قَوْمِك " فَقَالَتْ بَلْ تُمَتّعُنِي ، وَتَرُدّنِي إلَى قَوْمِي . فَفَعَلَ وَأَسْلَمَتْ . فَأَعْطَاهَا ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ وَجَارِيَةً وَنَعْمَاءَ وَشَاءً


الْمَنّ عَلَى سَبْيِ هَوَازِنَ

وَقَدِمَ وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَسَأَلُوهُ أَنْ يُمَنّ عَلَيْهِمْ السّبْيَ وَالْأَمْوَالَ فَقَالَ إنّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ ، وَإِنّ أَحَبّ الْحَدِيثِ إلَيّ أَصْدَقُهُ . فَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ ؟ فَقَالُوا : مَا كُنّا نَعْدِلُ بِالْأَحْسَابِ شَيْئًا . فَقَالَ " إذَا صَلّيْت الْغَدَاةَ فَقُومُوا ، فَقُولُوا إنّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ أَنْ يَرُدّ إلَيْنَا سَبْيَنَا " . فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغَدَاةَ قَامُوا ، فَقَالُوا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِب ِ : فَهُوَ لَكُمْ وَسَأَسْأَلُ لَكُمْ النّاسَ . فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ : مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا . وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا . وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَمّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا . فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ الْعَبّاسُ وَهَنْتُمُونِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ جَاءُوا مُسْلِمِينَ . وَقَدْ اسْتَأْنَيْت بِسَبَبِهِمْ وَقَدْ خَيّرْتهمْ فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالْأَبْنَاءِ وَالنّسَاءِ شَيْئًا : فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَطَابَتْ نَفْسُهُ بِأَنْ يَرُدّهُ فَسَبِيلُ ذَلِكَ . وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَسْتَمْسِكَ بِحَقّهِ فَلْيَرُدّهُ عَلَيْهِمْ . وَلَهُ بِكُلّ فَرِيضَةٍ سِتّ فَرَائِضَ مِنْ أَوّلِ مَا يَفِيءُ اللّهُ عَلَيْنَا " فَقَالَ النّاسُ قَدْ طَيّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ " إنّا لَا نَعْرِفُ مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ مِمّنْ لَمْ يَرْضَ فَارْجِعُوا حَتّى يَرْفَعُ إلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ . فَرُدّوا عَلَيْهِمْ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَكَسَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّبْيَ قِبْطِيّةً قِبْطِيّةً <145>


فَصْلٌ [ الحكم المستفاد من غزوة حنين ]

لَمّا تَمّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَتْحُ مَكّةَ : اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللّهِ أَنْ أُمْسِكَ قُلُوبَ هَوَازِنَ عَنْ الْإِسْلَامِ لِتَكُونَ غَنَائِمُهُمْ شُكْرَانًا لِأَهْلِ الْفَتْحِ وَلِيُظْهِرَ حِزْبَهُ عَلَى الشّوْكَةِ الّتِي لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا . فَلَا يُقَاوِمُهُمْ أَحَدٌ بَعْدُ مِنْ الْعَرَبِ . وَأَذَاقَ الْمُسْلِمِينَ أَوّلًا مَرَارَةَ الْكِسْرَةِ مَعَ قُوّةِ شَوْكَتِهِمْ لِيُطَمْئِنَ رُءُوسًا رُفِعَتْ بِالْفَتْحِ وَلَمْ تَدْخُلْ حَرَمَهُ كَمَا دَخَلَهُ رَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاضِعًا رَأْسَهُ مُنْحَنِيًا عَلَى فَرَسِهِ حَتّى إنّ ذَقْنَهُ لَيَكَادُ يَمَسّ قُرْبُوسَ سُرُجِهِ تَوَاضُعًا لِرَبّهِ . وَلِيُبَيّنَ سُبْحَانَهُ - لِمَنْ قَالَ " لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلّةٍ " - إنّ النّصْرَ إنّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ وَأَنّ مَنْ يُخَذّلْهُ فَلَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُهُ . وَأَنّهُ سُبْحَانَهُ الّذِي تَوَلّى نَصْرَ دِينِهِ لَا كَثْرَتُكُمْ . فَلَمّا انْكَسَرَتْ قُلُوبُهُمْ أَرْسَلَ إلَيْهَا خَلْعَ الْجَبْرِ مَعَ بَرِيدِ النّصْرِ ( 9 : 26 ) ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا <146> وَقَدْ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ خِلَعَ النّصْرِ إنّمَا تُفِيضُ عَلَى أَهْلِ الِانْكِسَارِ ( 28 : 6 ) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ





 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 11:03 AM   #4


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



الحلقة الخامسة عشر ة (( غزواته ... 6 ))


غَزْوَةُ الطّائِفِ

وَلَمّا أَرَادَ الْمَسِيرَ إلَى الطّائِفِ - وَكَانَتْ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ - بَعَثَ الطّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو إلَى ذِي الْكَفّيْنِ - صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدّوْسِيّ - يَهْدِمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَمِدّ قَوْمَهُ يُوَافِيهِ بِالطّائِفِ . فَخَرَجَ سَرِيعًا . فَهَدَمَهُ وَجَعَلَ يَحْثُو النّارَ فِي وَجْهِهِ وَيَقُولُ

يَا ذَا الْكَفّيْنِ لَسْت مِنْ عُبّادِكَا

مِيلَادُنَا أَكْبَرُ مِنْ مِيلَادِكَا




إنّي حَشَوْت النّارَ فِي فُؤَادِكَا


وَانْحَدَرَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ سِرَاعًا . فَوَافَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالطّائِفِ بَعْدَ مَقْدِمِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيّامٍ - وَقَدِمَ بِدَبّابَةِ وَمَنْجَنِيقٍ .


قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : لَمّا انْهَزَمُوا مِنْ أَوْطَاسٍ دَخَلُوا حِصْنَهُمْ وَتَهَيّئُوا لِلْقِتَالِ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ حِصْنِ الطّائِفِ . وَعَسْكَرَ هُنَاكَ . فَرَمَوْا الْمُسْلِمِينَ بِالنّبْلِ رَمْيًا شَدِيدًا ، كَأَنّهُ رَجُلٌ جَرَادٌ حَتّى أُصِيبَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِجِرَاحَةِ . وَقُتِلَ مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا . فَارْتَفَعَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَوْضِعِ مَسْجِدِ الطّائِفِ الْيَوْمَ . فَحَاصَرَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا . وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ - وَهُوَ أَوّلُ مَنْ رَمَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ - وَأَمَرَ بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفٍ . فَوَقَعَ النّاسُ فِيهَا يَقْطَعُونَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَهَا لِلّهِ وَلِلرّحِمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّي أَدَعُهَا لِلّهِ وَلِلرّحِمِ


وَنَادَى مُنَادِيهِ " أَيّمَا عَبْدٍ نَزَلَ مِنْ الْحِصْنِ وَخَرَجَ إلَيْنَا : فَهُوَ حُرّ " فَخَرَجَ مِنْهُمْ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ بْنُ مَسْرُوحٍ ، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَفَعَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَمُونُهُ .


وَلَمْ يَأْذَنْ فِي فَتْحِ الطّائِفِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَذِنَ بِالرّحِيلِ فَضَجّ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا : نَرْحَلُ وَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاغْدُوَا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوَا ، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحَاتٌ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا قَافِلُونَ إنْ شَاءَ اللّهُ " فَسُرّوا بِذَلِكَ وَجَعَلُوا يَرْحَلُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَضْحَكُ


<147> فَلَمّا ارْتَحَلُوا وَاسْتَقَلّوا قَالَ قُولُوا : آيِبُونَ تَائِبُونَ ، عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ وَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ عَلَى ثَقِيفٍ ، فَقَالَ اللّهُمّ اهْدِ ثَقِيفًا وَأْتِ بِهِمْ


ثُمّ خَرَجَ إلَى الْجِعِرّانَةِ . فَدَخَلَ مِنْهَا إلَى مَكّةَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةِ فَقَضَاهَا . ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ .

فَصْلٌ


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوك َ فِي رَمَضَانَ . وَقَدِمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشّهْرِ وَفْدُ ثَقِيفٍ .


وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ " أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ اتّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ . فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ فِيهِمْ نَخْوَةَ الِامْتِنَاع فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ . وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبّبًا مُطَاعًا .


فَخَرَجَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ رَجَاءَ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ لِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ . فَلَمّا أَشْرَفَ لَهُمْ عَلَى عَلِيّةٍ - وَقَدْ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ - رَمَوْهُ بِالنّبْلِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ . فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا تَرَى فِي دَمِك ؟ فَقَالَ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللّهُ بِهَا ، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللّهُ إلَيّ . فَلَيْسَ فِيّ إلّا مَا فِي الشّهَدَاءِ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ . فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ . فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّ مَثَلَهُ فِي قَوْمِهِ كَمَثَلِ صَاحِبِ يس فِي قَوْمِهِ


ثُمّ أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ مَقْتَلِ عُرْوَةَ شَهْرًا . ثُمّ ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ . وَرَأَوْا أَنّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، وَقَدْ أَسْلَمُوا وَبَايَعُوا . فَأَجْمَعُوا أَنْ يُرْسِلُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ، كَمَا أَرْسَلُوا عُرْوَةَ .


فَكَلّمُوا عَبْدَ يَالَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ . فَأَبَى ، وَخَشِيَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ كَمَا صُنِعَ بِعُرْوَةِ فَقَالَ لَسْت فَاعِلًا حَتّى تُرْسِلُوا مَعِي رِجَالًا . فَأَجْمَعُوا أَنْ يُرْسِلُوا مَعَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَحْلَافِ وَثَلَاثَةً مِنْ بَنِي مَالِكٍ مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ . فَلَمّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُوا قَنَاةً ، أَلْفَوْا بِهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، فَاشْتَدّ لِيُبَشّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقُدُومِهِمْ . فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَقْسَمْت عَلَيْك بِاَللّهِ لَا تَسْبِقْنِي <148> إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَكُونَ أَنَا أُحَدّثُهُ فَفَعَلَ . ثُمّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إلَى أَصْحَابِهِ . فَرَوّحَ الظّهْرَ مَعَهُمْ . وَعَلّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيّونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمْ يَفْعَلُوا إلّا بِتَحِيّةِ الْجَاهِلِيّةِ . فَضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبّةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ .


وَكَانَ فِيمَا سَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ اللّاتِ لَا يَهْدِمَهَا ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ فَأَبَى . فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً فَيَأْبَى حَتّى سَأَلُوهُ شَهْرًا وَاحِدًا . فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمّى . وَإِنّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ - فِيمَا يَظْهَرُونَ - أَنْ يَسْلَمُوا بِتَرْكِهَا مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَيَكْرَهُونَ أَنْ يُرَوّعُوهُمْ بِهَدْمِهَا ، حَتّى يَدْخُلَهُمْ الْإِسْلَامُ . فَأَبَى إلّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَهْدِمَانِهَا .


فَلَمّا أَسْلَمُوا أَمّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ - وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا - وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ مِنْ أَحْرِصْهُمْ عَلَى التّفَقّهِ فِي الدّينِ وَتَعَلّمِ الْقُرْآنِ .


فَلَمّا تَوَجّهُوا رَاجِعِينَ بَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ، حَتّى إذَا قَدِمُوا الطّائِفَ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يَقْدَمَ أَبَا سُفْيَانَ فَأَبَى ، وَقَالَ اُدْخُلْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِك . وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَالِهِ بِذِي الْهَدْمِ . فَلَمّا دَخَلَ الْمُغِيرَةُ عَلَاهَا يَضْرِبُهَا بِالْمِعْوَلِ . وَقَامَ دُونَهُ بَنُو مُغِيثٍ خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى ، كَمَا فَعَلَ بِعُرْوَةِ وَخَرَجَ نِسَاءُ ثَقِيفٍ حُسّرًا يَبْكِينَ عَلَيْهَا . فَلَمّا هَدَمَهَا أَخَذَ مَالَهَا وَحُلِيّهَا وَأَرْسَلَ بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ .


مَافِي غَزْوَةِ الطّائِفِ مِنْ الْفِقْهِ




فِيهَا مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ . وَنَسْخُ تَحْرِيمِ ذَلِكَ .

وَفِيهَا : أَنّهُ لَا يَجُوزُ إبْقَاءُ مَوَاضِعِ الطّوَاغِيتِ وَالشّرْكِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا يَوْمًا وَاحِدًا . فَإِنّهَا شَعَائِرُ الْكُفْرِ . وَهِيَ أَعْظَمُ الْمُنْكَرَاتِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ الّتِي بُنِيَتْ عَلَى الْقُبُورِ الّتِي اُتّخِذَتْ أَوْثَانًا تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَكَذَلِكَ الْأَحْجَارُ وَالْأَشْجَارُ الّتِي تُقْصَدُ لِلتّعْظِيمِ وَالتّبَرّكِ وَالنّذْرِ لَهَا . وَكَثِيرٌ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ اللّاتِ وَالْعُزّى ، أَوْ أَعْظَمَ شِرْكًا عِنْدَهَا ، وَبِهَا .


وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ هَذِهِ الطّوَاغِيتِ يَعْتَقِدُ أَنّهَا تُخْلِفُ وَتَرْزُقُ وَتُمِيتُ وَتُحْيِي . وَإِنّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدَهَا مَا يَفْعَلُهُ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْيَوْمَ عِنْدَ طَوَاغِيتِهِمْ فَاتّبَعَ هَؤُلَاءِ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ . وَغَلَبَ الشّرْكُ عَلَى أَكْثَرِ النّفُوسِ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَخَفَاءِ الْعِلْمِ وَغَلَبَةُ التّقَالِيدِ . وَصَارَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا ، وَالْمُنْكَرُ <149> مَعْرُوفًا ، وَالسّنّةُ بِدْعَةٌ وَالْبِدْعَةُ سُنّةٌ وَنَشَأَ فِي ذَلِكَ الصّغِيرِ وَهَرِمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ . وَطُمِسَتْ الْأَعْلَامُ . وَاشْتَدّتْ غُرْبَةُ الْإِسْلَامِ .


وَلَكِنْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعِصَابَةِ الْمُحَمّدِيّةِ بِالْحَقّ قَائِمِينَ وَلِأَهْلِ الشّرْكِ وَالْبِدَعِ مُجَاهَدِينَ إلَى أَنْ يَرِثَ اللّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . وَفِيهَا : صَرَفَ الْإِمَامُ الْأَمْوَالَ الّتِي تَصِيرُ إلَى هَذِهِ الْمَشَاهِدِ مِنْ عَابِدِيهَا . فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي الْجِهَادِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ أَوْقَافُهَا تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ .


فَصْلٌ حَوَادِثُ سَنَةِ تِسْعٍ

وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَة ، وَدَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ بَعَثَ الْمُصَدّقِينَ يَأْخُذُونَ الصّدَقَاتِ مِنْ الْأَعْرَابِ .


وَفِيهَا : بَعَثَ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى صَنَمِ طَيّئّ لِيَهْدِمَهُ . فَشَنّوا الْغَارّةَ عَلَى مَحَلّةِ آلِ حَاتِمٍ مَعَ الْفَجْرِ . فَهَدَمُوهُ وَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ مِنْ السّبْيِ وَالنّعَمِ وَالشّاءِ . وَفِي السّبْيِ سُفَانَةُ أُخْتُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ ، وَهَرَبَ عَدِيّ إلَى الشّامِ . وَوَجَدَ فِي خِزَانَتِهِ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ وَثَلَاثَةَ أَدْرُعٍ . وَقَسَمَ عَلَيّ الْغَنَائِمَ فِي الطّرِيقِ وَلَمْ يُقْسِمْ السّبْيَ مِنْ آلِ حَاتِمٍ حَتّى قَدِمَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ .


قَالَ عَدِيّ : مَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ أَشَدّ كَرَاهَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّي ، حِينَ سَمِعْت بِهِ . وَكُنْت رَجُلًا شَرِيفًا نَصْرَانِيّا . وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ . وَكُنْت فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ . فَقُلْت لِغُلَامِ لِي رَاعٍ لِإِبِلِي : اُعْدُدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا . فَإِذَا سَمِعْت بِجَيْشِ مُحَمّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنّي . فَأَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ مَا كُنْت صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ فَاصْنَعْ الْآنَ . فَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَايَاتٍ فَسَأَلْت عَنْهَا ؟ فَقَالُوا : هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ . قُلْت : قَرّبْ لِي أَجْمَالِي . فَاحْتَمَلْت بِأَهْلِي وَوَلَدِي ، ثُمّ قُلْت : أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنْ النّصَارَى بِالشّامِ وَخَلّفْت بِنْتًا لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرَةِ . فَلَمّا قَدِمْت الشّامَ أَقَمْت بِهَا ، وَتُخَالِفُنِي خَيْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيّئّ .


< 150> وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ . فَمَرّ بِهَا . فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ غَابَ الْوَافِدُ . وَانْقَطَعَ الْوَالِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ . مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ فَمُنّ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك . فَقَالَ مَنْ وَافِدُك ؟ قَالَتْ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ ، قَالَ الّذِي فَرّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ ؟ - وَكَرّرْت عَلَيْهِ الْقَوْلَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ - قَالَتْ فَمَنّ عَلَيّ وَسَأَلْته الْحُمْلَانَ فَأَمَرَ لَهَا بِهِ وَكَسَاهَا وَحَمَلَهَا وَأَعْطَاهَا نَفَقَةً .


فَأَتَتْنِي . فَقَالَتْ لَقَدْ فَعَلَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوك يَفْعَلُهَا . ائْتِهِ رَاكِبًا أَوْ رَاهِبًا ، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ . قَالَ فَأَتَيْته ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ . فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ - وَجِئْت بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا كِتَابٍ - فَأَخَذَ بِيَدَيّ - وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللّهُ يَدَهُ فِي يَدَيّ - فَقَامَ إلَيّ فَلَقِيت امْرَأَةً وَمَعَهَا صَبِيّ . فَقَالَا : إنّ لَنَا إلَيْك حَاجَةً . فَقَامَ مَعَهُمَا حَتّى قَضَى حَاجَتَهُمَا . ثُمّ أَخَذَ بِيَدَيّ حَتّى أَتَى دَارَهُ . فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةَ وِسَادَةً . فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، وَجَلَسَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ مَا يُفِرّك ؟ أَيُفِرّك أَنْ يُقَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إلَهٍ سِوَى اللّهِ ؟ فَقُلْت : لَا . فَتَكَلّمَ سَاعَةً . ثُمّ قَالَ أَيُفِرّك أَنْ يُقَالَ اللّهُ أَكْبَرُ ؟ وَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنْ اللّهِ ؟ قُلْت : لَا ، قَالَ فَإِنّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ . وَالنّصَارَى ضَالّونَ فَقُلْت : فَإِنّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ . فَرَأَيْت وَجْهَهُ يَنْبَسِطُ فَرَحًا .


ثُمّ أَمَرَ بِي فَأُنْزِلْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ . وَجَعَلْت آتِيهِ طَرَفَيْ النّهَارِ . فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ قَوْمٌ فِي ثِيَابٍ مِنْ صُوفٍ مِنْ هَذِهِ الثّمَارِ فَصَلّى ثُمّ قَامَ . فَحَثّ بِالصّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَيّهَا النّاسُ ارْضَخُوا مِنْ الْفَضْلِ وَلَوْ بِصَاعِ وَلَوْ بِنِصْفِ صَاعٍ وَلَوْ بِقَبْضَةِ وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرّ جَهَنّمَ - أَوْ النّارَ - وَلَوْ بِتَمْرَةِ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ . فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةِ طَيّبَةٍ . فَإِنّ أَحَدَكُمْ لَاقٍ اللّهَ فَقَائِلٌ لَهُ أَقُولُ لَكُمْ أَلَمْ أَجْعَلْ لَك مَالًا وَوَلَدًا ؟ فَيَقُولُ بَلَى ، فَيَقُولُ أَيْنَ مَا قَدّمْت لِنَفْسِك ؟ فَيَنْظُرُ قُدّامَهُ وَخَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ . فَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرّ جَهَنّمَ لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَكَلِمَةٌ طَيّبَةٌ . فَإِنّي لَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الْفَاقَةَ . فَإِنّ اللّهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتّى تَسِيرَ الظّعِينَةُ مَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيرَةِ ، مَا تَخَافُ عَلَى مَطِيّتِهَا السّرّقُ . <151> فَجَعَلَتْ أَقُولُ فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيّئّ ؟ .


قِصّةُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ



قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الطّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ إلَى أَخِيهِ كَعْبٍ يُخْبِرُهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَتَلَ رِجَالًا بِمَكّةَ مِمّنْ كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ وَأَنّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ - ابْنُ الزّبَعْرَى ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ - قَدْ هَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ . فَإِنْ كَانَ لَك فِي نَفْسِك حَاجَةٌ فَطِرْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَإِنّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا جَاءَهُ تَائِبًا ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْجُ إلَى نَجَائِبِك . وَكَانَ قَدْ قَالَ -

أَلَا بَلّغَا عَنّي بُجَيْرًا رِسَالَةً

فَهَلْ لَك فِيمَا قُلْت ؟ وَيْحَك . هَلْ لَكَا ؟

فَبَيّنْ لَنَا ، إنْ كُنْت لَسْت بِفَاعِلِ

عَلَى أَيّ شَيْءٍ غَيْرَ ذَلِكَ دَلّكَا ؟

عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا

عَلَيْهِ . وَلَمْ تَلْقَ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا

فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ . فَلَسْت بِآسِفِ

وَلَا قَائِلٍ إمّا عَثَرْت : لَعَالَكَا

سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيّةً

وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلّكَا


فَلَمّا أَتَتْ بُجَيْرًا كَرِهَ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَقَاك بِهَا الْمَأْمُونُ ، صَدَقَ وَاَللّهِ . وَإِنّهُ لَكَذُوبٌ أَنَا الْمَأْمُونُ وَلَمّا سَمِعَ عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ قَالَ أَجَلْ لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمّهُ .

ثُمّ قَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرٍ : -

مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا ، فَهَلْ لَك فِي الّتِي

تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلًا ، وَهِيَ أَحْزَمُ ؟

إلَى اللّهِ - لَا الْعُزّى وَلَا اللّاتِ - وَحْدَهُ

فَتَنْجُو إذَا كَانَ النّجَاءُ وَتَسْلَمُ

لَدَى يَوْمٍ لَا يَنْجُو ، وَلَيْسَ بِمُفْلَتِ

مِنْ النّاسِ إلّا طَاهِرُ الْقَلْبِ مُسْلِمُ

فَدِينُ زُهَيْرٍ - وَهُوَ لَا شَيْءَ - دِينُهُ

وَدِينٌ أَبِي سُلْمَى عَلَيّ مُحَرّمُ


فَلَمّا بَلَغَ كَعْبًا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ . وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مِنْ شَيْءٍ بَدَا ، قَالَ قَصِيدَتَهُ الّتِي مَدَحَ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ .


فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعْرِفَةٌ . فَغَدَا بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لِي أَنّهُ قَامَ فَجَلَسَ إلَيْهِ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَعْرِفُهُ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَك تَائِبًا مُسْلِمًا ، فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُك بِهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ


فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو : أَنّهُ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي وَعَدُوّ اللّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ . فَقَالَ دَعْهُ عَنْك ، فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا عَمّا كَانَ عَلَيْهِ فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَذَلِكَ أَنّهُ لَمْ يَتَكَلّمْ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إلّا بُجَيْرٌ . فَقَالَ قَصِيدَتُهُ الّتِي أَوّلُهَا : -

بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ

مُتَيّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُول


وَمِنْهَا : -

أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضِ لَا يُبَلّغُهَا

إلّا الْعِتَاقُ النّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ


إلَى أَنْ قَالَ

تَسْعَى الْغُوَاةُ جَنَابَيْهَا ، وَقَوْلُهُمُو :

إنّك يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ

وَقَالَ كُلّ صَدِيقٍ كُنْت آمُلُهُ

لَا أُلْهِيَنك . إنّي عَنْك مَشْغُولُ

فَقُلْت : خَلّوا سَبِيلِي . لَا أَبَا لَكُمُو

فَكُلّ مَا قَدّرَ الرّحْمَنُ مَفْعُولُ

نُبّئْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ أَوْعَدَنِي

وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ مَأْمُولُ

مَهْلًا ، هَدَاك الّذِي أَعْطَاك نَافِلَةَ الْ

قُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظُ وَتَفْصِيلُ

لَا تَأْخُذْنِي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ . وَلَمْ

أُذْنِبْ وَإِنْ كَثُرَتْ فِيّ الْأَقَاوِيلُ


إلَى أَنْ قَالَ

إنّ الرّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ

وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ مَسْلُولُ

فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ

بِبَطْنِ مَكّةَ - لَمّا أَسْلَمُوا - زُولُوا

زَالُوا . فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ

عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ

يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالَ الزّهْرِ يَعْصِمُهُمْ

ضَرْبٌ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلُ

شَمّ الْعَرَانِينُ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُو

مِنْ نَسْجِ دَاوُد فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ

لَيْسُوا مَفَارِيحَ إنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمُو

قَوْمًا ، وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إذَا نِيلُوا

لَا يَقَعُ الطّعْنُ إلّا فِي نُحُورِهُمُو

وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ


<153> قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو : فَلَمّا قَالَ إذَا عَرّدَ السّودُ التّنَابِيلَ وَإِنّمَا عَنَانَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارَ ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ : -

مَنْ سَرّهُ كَرْمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ

فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِ الْأَنْصَارِ

وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ

إنّ الْخِيَارَ هُمُو بَنِي الْأَخْيَارِ

الذّائِذِينَ النّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ

بِالْمَشْرَفِيّ وَبِالْقَنَا الْخِطَارِ

وَالْبَائِعِينَ نَفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ

يَوْمَ الْهِيَاجِ وَفِتْنَةِ الْكُفّارِ

وَالنّاظِرِينَ بِأَعْيُنِ مُحْمَرّةٍ

كَالْجَمْرِ غَيْرُ كَلَيْلَةِ الْإِبْصَارِ

وَالْبَاذِلِينَ نَفُوسَهُمْ لِنَبِيّهِمْ

لِلْمَوْتِ يَوْمَ تَعَانُقٍ وكِرَارِ

يَتَطَهّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسُكًا لَهُمْ

بِدِمَاءِ مَنْ عَلَقُوا مِنْ الْكُفّارِ

قَوْمٌ إذَا خَوَتْ النّجُومُ فَإِنّهُمْ

لِلطّارِقِينَ النّازِلِينَ مَقَارِي




فَصْلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَتْ فِي زَمَانِ عُسْرَةٍ مِنْ النّاسِ وَجَدْبٍ مِنْ الْبِلَادِ حِينَ طَابَتْ الثّمَارُ - فَالنّاسُ يُحِبّونَ الْمَقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالِهِمْ وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَلّمَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إلّا وَرّى بِغَيْرِهَا ، إلّا مَا كَانَ مِنْهَا ، فَإِنّهُ جَلّاهَا لِلنّاسِ لِبُعْدِ الشّقّةِ وَشِدّةِ الزّمَانِ .


فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ - وَهُوَ فِي جَهَازِهِ - لِلْجَدّ بْنِ قَيْسٍ هَلْ لَك فِي جَلّادِ بَنِي الْأَصْفَرِ ؟ " فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوَتَأْذَنُ لِي وَلَا تَفْتِنّي ؟ فَقَدْ عَرَفَ قَوْمِي أَنّهُ مَا مِنْ رَجُلٍ أَشَدّ عَجَبًا بِالنّسَاءِ مِنّي ، وَإِنّي أَخْشَى إنْ رَأَيْت نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ أَنْ لَا أَصْبِرَ فَقَالَ " قَدْ أَذِنْت لَك فَفِيهِ نَزَلَتْ ( 9 : 49 ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي - الْآيَةَ .


وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ لَا تَنْفِرُوا فِي الْحُرّ فَنَزَلَ ( 9 : 81 ) وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّا - الْآيَةَ .

ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَضّ أَهْلَ الْغِنَى عَلَى النّفَقَةِ . فَحَمَلَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ <154> الْغِنَى وَاحْتَسَبُوا . وَأَنْفَقَ عُثْمَانُ ثَلَاثَمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا ، وَأَقْتَابِهَا وَعُدّتِهَا ، وَأَلْفِ دِينَارٍ عَيْنًا


وَجَاءَ الْبَكّاءُونَ - وَهُمْ سَبْعَةٌ - يَسْتَحْمِلُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ


وَقَامَ عُلْبَةُ بْنُ يَزِيدَ فَصَلّى مِنْ اللّيْلِ وَبَكَى . ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّك أَمَرْت بِالْجِهَادِ وَرَغّبَتْ فِيهِ ثُمّ لَمْ تَجْعَلْ عِنْدِي مَا أَتَقَوّى بِهِ مَعَ رَسُولِك ، وَلَمْ تَجْعَلْ فِي يَدِ رَسُولِك مَا يَحْمِلُنِي عَلَيْهِ وَإِنّي أَتَصَدّقُ عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ بِكُلّ مَظْلِمَةٍ أَصَابَنِي فِيهَا : مِنْ مَالٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ عِرْضٍ ثُمّ أَصْبَحَ مَعَ النّاسِ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ الْمُتَصَدّقُ فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ ؟ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ قَالَ أَيْنَ الْمُتَصَدّقُ ؟ فَلَمْ يَقُمْ . فَقَامَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَبَشَرٌ فَوَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ كُتِبَتْ فِي الزّكَاةِ الْمُتَقَبّلَةِ ‏


وَجَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذِنَ لَهُمْ فَلَمْ يَعْذُرْهُمْ .

وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيّ . فَلَمّا سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَخَلّفَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ وَتَخَلّفَ نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ شَكّ وَلَا ارْتِيَابٍ مِنْهُمْ الثّلَاثَةُ - كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : وَهِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ . وَمُرَارَةُ بْنُ الرّبِيعِ - وَأَبُو خَيْثَمَةَ السّالِمِيّ ، وَأَبُو ذَرّ . ثُمّ لَحِقَاهُ . وَشَهِدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنْ النّاسِ وَالْخَيْلُ عَشَرَةُ آلَافِ فَرَسٍ . وَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصّلَاةَ وَهِرَقْلُ يَوْمَئِذٍ بِحِمْصِ .


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّفَ عَلِيّا عَلَى أَهْلِهِ . فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ مَا خَلّفَهُ إلّا اسْتِثْقَالًا لَهُ وَتَخَفّفًا مِنْهُ . فَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَلَحِقَ بِهِ بِالْجُرُفِ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ زَعَمَ الْمُنَافِقُونَ أَنّك مَا خَلّفْتنِي إلّا اسْتِثْقَالًا ، فَقَالَ كَذَبُوا ، وَلَكِنّي خَلّفْتُك لِمَا تَرَكْت وَرَائِي ، فَارْجِعْ فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي وَأَهْلِك . أَوَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ؟ إلّا أَنّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي فَرَجَعَ .


وَدَخَلَ أَبُو خَيْثَمَةَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمٍ حَارّ بَعْدَ مَا سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيّامًا ، فَوَجَدَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي عَرِيشَيْنِ لَهُمَا فِي حَائِطٍ قَدْ رَشّتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا ، وَبَرّدَتْ لَهُ مَاءً وَهَيّأَتْ لَهُ طَعَامًا . فَلَمّا دَخَلَ قَامَ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ فَنَظَرَ إلَى <155> امْرَأَتَيْهِ وَمَا صَنَعَتَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ فِي الضّحّ وَالرّيحِ وَالْحَرّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلّ بَارِدٍ وَطَعَامٍ مُهَيّأٍ وَامْرَأَةٍ حَسْنَاءَ ؟ مَا هَذَا بِالنّصْفِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتّى أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَهَيّئَا لِي زَادًا ، فَفَعَلَتَا . ثُمّ قَدّمَ نَاضِحَهُ فَارْتَحَلَهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَدْرَكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ نَزَلَ تَبُوكَ .


وَقَدْ كَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الجُمَحِيّ أَدْرَكَ أَبَا خَيْثَمَةَ فِي الطّرِيقِ فَتَرَافَقَا ، حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ تَبُوكَ ، قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لَهُ إنّ لِي ذَنْبًا . فَلَا عَلَيْك أَنْ تَتَخَلّفَ عَنّي حَتّى آتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَعَلَ . حَتّى إذَا دَنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ قَالَ النّاسُ رَاكِبٌ عَلَى الطّرِيقِ مُقْبِلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هُوَ وَاَللّهِ أَبُو خَيْثَمَةَ . فَلَمّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ . فَقَالَ لَهُ " أَوْلَى لَك يَا أَبَا خَيْثَمَةَ " فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لَهُ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ


وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا مَرّ بِالْحَجَرِ - مِنْ دِيَارِ ثَمُودَ - قَالَ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذّبِينَ إلّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ وَقَالَ لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ، وَلَا تَتَوَضّئُوا مِنْهُ لِلصّلَاةِ وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ عَجَنْتُمُوهُ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ وَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُهْرِيقُوا الْمَاءَ وَأَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الّتِي كَانَتْ تَرُدّهَا النّاقَةَ


وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ قَالَ " انْطَلَقْنَا حَتّى قَدِمْنَا تَبُوكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَتَهُبّ عَلَيْكُمْ اللّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ . فَلَا يَقُمْ أَحَدٌ مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدّ عِقَالَهُ . فَهَبّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ . فَحَمَلَتْهُ الرّيحُ حَتّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيّئّ ‏‏


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَصْبَحَ النّاسُ وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ . فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَا اللّهَ . فَأَرْسَلَ اللّهُ سَحَابَةً . فَأَمْطَرَتْ حَتّى ارْتَوَى النّاسُ وَاحْتَمَلُوا حَاجَتَهُمْ مِنْ الْمَاءِ .


ثُمّ سَارَ حَتّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ جَعَلُوا يَقُولُونَ تَخَلّفَ فُلَانٌ فَيَقُولُ دَعُوهُ فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللّهُ بِكُمْ ، وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللّهُ مِنْهُ <156> وَتَلَوّمَ عَلَى أَبِي ذَرّ بَعِيرَهُ . فَلَمّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمّ خَرَجَ يَتّبِعُ أَثَرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاشِيًا .

وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ فَنَظَرَ نَاظِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذّ الرّجُلُ يَمْشِي عَلَى الطّرِيقِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُنْ أَبَا ذَرّ فَلَمّا تَأَمّلُوهُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هُوَ وَاَللّهِ أَبُو ذَرّ . فَقَالَ رَحِمَ اللّهَ أَبَا ذَرّ . يَمْشِي وَحْدَهُ وَيَمُوتُ وَحْدَهُ وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ



وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبّانَ عَنْ أُمّ ذَرّ قَالَتْ " لَمّا حَضَرَتْ أَبَا ذَرّ الْوَفَاةُ بَكَيْت ، فَقَالَ مَا يُبْكِيك ؟ فَقُلْت : وَمَا لِي لَا أَبْكِي ، وَأَنْتَ تَمُوتُ بِفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُك كَفَنًا ; وَلَا يَدَانِ لِي فِي تَغْيِيبِك ؟ فَقَالَ أَبْشِرِي وَلَا تَبْكِي ، فَإِنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لِنَفَرِ - وَأَنَا فِيهِمْ لَيَمُوتَن رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النّفَرِ أَحَدٌ إلّا وَقَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ فَأَنَا ذَلِكَ الرّجُلُ فَوَاَللّهِ مَا كَذَبْت وَلَا كُذّبْت - فَأَبْصِرِي الطّرِيقَ . فَكُنْت أَشْتَدّ إلَى الْكَثِيبِ أَتَبَصّرُ ثُمّ أَرْجِعُ فَأُمَرّضُهُ فَبَيْنَا أَنَا وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا أَنَا بِرِجَالِ عَلَى رِحَالِهِمْ كَأَنّهُمْ الرّخَمُ تَخُدّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ قَالَتْ فَأَشَرْت إلَيْهِمْ . فَأَسْرَعُوا إلَيّ حَتّى وَقَعُوا عَلَيّ . فَقَالُوا : يَا أُمّةَ اللّهِ مَا لَك قُلْت : امْرِئِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَمُوتُ تُكَفّنُونَهُ قَالُوا : مَنْ هُوَ ؟ قُلْت : أَبُو ذَرّ قَالُوا : صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قُلْت : نَعَمْ فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمّهَاتِهِمْ وَأَسْرَعُوا إلَيْهِ حَتّى دَخَلُوا عَلَيْهِ . فَقَالَ لَهُمْ أَبْشِرُوا ، فَإِنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ - ثُمّ قَالَ وَإِنّهُ لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَنًا لِي وَلِامْرَأَتِي لَمْ أُكَفّنْ إلّا فِي ثَوْبٍ هُوَ لِي ، أَوْ لَهَا . فَإِنّي أَنْشُدُكُمْ اللّهَ أَنْ لَا يُكَفّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ عَرِيفًا ، أَوْ بَرِيدًا أَوْ نَقِيبًا . وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكَ النّفَرِ أَحَدٌ إلّا وَقَدْ قَارَفَ بَعْضَ مَا قَالَ إلّا فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ . قَالَ يَا عَمّ أَنَا أُكَفّنُك فِي رِدَائِي هَذَا . وَفِي ثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمّي ، قَالَ فَأَنْتَ تُكَفّنُنِي ، فَكَفّنَهُ الْأَنْصَارِيّ ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ فِي نَفَرٍ كُلّهِمْ يَمَانٌ


وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى تَبُوكَ ، أَتَاهُ صَاحِبُ أَيْلَةَ ، فَصَالَحَهُ وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَأَتَاهُ أَهْلُ جَرْبَا وَأَذْرَحَ ، فَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا . فَهُوَ عِنْدَهُمْ .


ثُمّ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ ، وَقَالَ لِخَالِدِ " إنّك تَجِدُهُ يَصِيدُ <157> الْبَقَرَ " فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى إذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمَنْظَرِ الْعَيْنِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ - وَهُوَ عَلَى سَطْحٍ لَهُ - فَبَانَتْ الْبَقَرُ تَحُكّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْقَصْرِ . فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ هَلْ رَأَيْت مِثْلَ هَذَا قَطّ ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ . قَالَتْ فَمَنْ يَتْرُكُ مِثْلَ هَذِهِ ؟ قَالَ لَا أَحَدَ . ثُمّ نَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ لَهُ وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ . فَلَمّا خَرَجُوا ، تَلَقّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَتْهُ وَقَتَلُوا أَخَاهُ . وَقَدِمَ بِهِ خَالِدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَقَنَ لَهُ دَمَهُ . وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ . فَرَجَعَ إلَى قَرْيَتِهِ .


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ بِتَبُوكَ بِضْعَةَ عَشَرَ لَيْلَةً . ثُمّ انْصَرَفَ إلَى الْمَدِينَةِ .

قَالَ وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّمِيمِيّ : أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُحَدّثُ قَالَ " قُمْت مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَرَأَيْت شُعْلَةً مِنْ نَارٍ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَاتّبَعْتهَا أَنْظُرُ إلَيْهَا . فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . وَإِذَا عَبْدُ اللّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ - وَالْبِجَادُ الْكِسَاءُ الْأَسْوَدُ - الْمُزَنِيّ قَدْ مَاتَ وَإِذَا هُمْ قَدْ حَفَرُوا لَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُدْلِيَانِهِ إلَيْهِ . وَهُوَ يَقُولُ أَدْلِيَا إلَيّ أَخَاكُمَا . فَأَدْلِيَاهُ إلَيْهِ . فَلَمّا هَيّأَهُ لِشِقّهِ قَالَ اللّهُمّ إنّي قَدْ أَمْسَيْت رَاضِيًا عَنْهُ فَارْضَ عَنْهُ " قَالَ يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " يَا لَيْتَنِي كُنْت صَاحِبَ الْحُفْرَةِ


وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَبُوكَ ، حَتّى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ . وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضّرَارِ أَتَوْهُ - وَهُوَ يَتَجَهّزُ إلَى تَبُوكَ - فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بَنَيْنَا مَسْجِدًا لَذِي الْعِلّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ . وَإِنّا نُحِبّ أَنْ تُصَلّيَ فِيهِ . فَقَالَ إنّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ ، وَلَوْ قَدِمْنَا إنْ شَاءَ اللّهُ لَأَتَيْنَاكُمْ


فَلَمّا نَزَلَ بِذِي أَوَانٍ ، جَاءَهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ مِنْ السّمَاءِ . فَدَعَا مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ . فَقَالَ انْطَلِقَا إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ وَحَرّقَاهُ " فَخَرَجَا مُسْرِعِينَ حَتّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ - وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ - فَقَالَ لِمَعْنِ أَنْظِرْنِي حَتّى أَخْرُجَ إلَيْك بِنَارِ مِنْ أَهْلِي . فَدَخَلَ إلَى أَهْلِهِ فَأَخَذَ سَعَفًا مِنْ النّخْلِ . فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا . ثُمّ خَرَجَا يَشْتَدّانِ حَتّى دَخَلَاهُ وَفِيهِ أَهْلُهُ فَحَرّقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَأَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ ( 9 : 107 - 110 ) وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ - إلَى قَوْلِهِ - وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ


قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ فِي الْآيَةِ هُمْ أَنَاسٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو <158> عَامِرٍ الْفَاسِقُ ابْنُوا مَسْجِدَكُمْ وَاسْتَعِدّوا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ سِلَاحٍ . فَإِنّي ذَاهِبٌ إلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ ، فَآتِ بِجُنْدِ مِنْ الرّومِ ، فَأَخْرَجَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ . فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهِ أَتَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالُوا : إنّا قَدْ فَرَغْنَا مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدِنَا . وَنُحِبّ أَنْ تُصَلّيَ فِيهِ وَتَدْعُو بِالْبَرَكَةِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ( 9 : 108 ) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا - إلَى قَوْلِهِ - لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ يَعْنِي الشّكّ إِلّا أَنْ تَقَطّعَ قُلُوبُهُمْ يَعْنِي بِالْمَوْتِ .


وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، خَرَجَ النّاسُ لَتَلَقّيه ، وَالنّسَاءُ وَالصّبْيَانُ وَالْوَلَائِدُ يَقُلْنَ

طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا

مِنْ ثَنِيّاتِ الْوَدَاعِ

وَجَبَ الشّكْرُ عَلَيْنَا

مَا دَعَا لِلّهِ دَاعٍ


وَكَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ . وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهَا سُورَةَ بَرَاءَةٌ .


وَكَانَتْ تُسَمّى فِي زَمَانِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعْدَهُ " الْمُبَعثِرةَ " لِمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ الْمُنَافِقِينَ وَخَبَايَا قُلُوبِهِمْ .


وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ : كَانَتْ قِصّةُ تَخَلّفِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَمُرَارَةَ بْنِ الرّبِيعِ وَهِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ الْوَاقِفِيّ . مِمّنْ شَهِدُوا بَدْرًا . وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ فِي التّخَلّفِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا عَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، جَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَحْلِفُونَ أَنّهُمْ كَانُوا مَعْذُورِينَ . فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَرْجَأَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ فِي شَأْنِهِمْ وَفِي تَوْبَتِهِمْ - وَكَانُوا مِنْ خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ - ( 9 : 117 - 119 ) لَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَى النّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثّلَاثَةِ الّذِينَ خُلّفُوا الْآيَتَيْنِ خَلّفَهُمْ اللّهُ وَأَخّرَ تَوْبَتَهُمْ لِيُمَحّصَهُمْ وَيُطَهّرَهُمْ مِنْ ذَنْبِ تَأَخّرِهِمْ . لِأَنّهُمْ كَانُوا مِنْ الصّادِقِينَ .




--------------------------------------------------------------------------------

([1]) أَخرَجَهُ : التِّرمذيّ (بِرَقْمِ : 3171 172) والنَّسائِي 6/2 وأحمَد 1/216 وابنُ حِبَّان

َ (بِرَقْمِ : 4710) والحاكم 3/7-8 مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاْ بِنَحوهِ .





([2]) أَخرَجَهُ : مُسلِم (بِرَقْمِ : 1043) والنَّسائِي 1/229 وابن ماجةَ (بِرَقْمِ : 2867) وأَحمَد 6/27 وابنُ حِبَّانَ (بِرَقْمِ : 3385) من حديث عَوفِ بنِ مالِك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([3]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 2757 وغيره) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 2769 318 319) من حديثِ كَعب بنِ مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([4]) أَخرَجَهُ : أبو داودَ (بِرَقْمِ : 2590) وابن ماجةَ (بِرَقْمِ : 2806) وأحمد 3/449 مِن حدبثِ السَّائِبِ بن يَزيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . قال البُوصَيري : (إِسنادُهُ صَحيحٌ على شَرطِ البُخارِي) .



([5]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 2976) مِن حديثِ أنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([6]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 610) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 382) من حديثِ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([7]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 4316) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1776) مِن حديثِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([8]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3014) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1744) مِن حديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([9]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 2990) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1869) مِن حديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([10]) سِيرَةُ ابنِ كَثيرٍ 2/366 .



([11]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3925 609) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1779 874) مِن حديثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([12]) أَخرَجَهُ : مُسلِم (بِرَقْمِ : 1763) مِن حديثِ عُمر بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([13]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3965 وغيرُهُ) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 3033) مِن حديثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

([14]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3962 وغيرهُ) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1800) مِن حديثِ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([15]) أَخرَجَهُ : البُخاريّ (بِرَقْمِ : 3976) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 2874) مِن حديثِ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([16]) أَخرَجَهُ : أَحمدُ (بِرَقْمِ : 3632) وَأبُو يَعلَى (بِرَقْمِ : 5187) والطَّبرَانِي (بِرَقْمِ : 10258) مِن حديثِ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([17]) أَخرَجَهُ : مُسلِم (بِرَقْمِ : 1763) مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاْ .



([18]) أَخرَجَهُ : البُخاريّ (بِرَقْمِ : 2537 048 018) مِن حديثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([19]) أَخرَجَهُ : أحمد 5/428-429 من حديث أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([20]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3039 وغيره) مِن حديثِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([21]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 4054) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 2306) من حديثِ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([22]) جُزءٌ مِن حديثِ البُخاريّ (بِرَقْمِ : 4757) .



([23]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 947 119) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1770) مِن حديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([24]) أَخرَجَهُ : الحاكمُ 3/34-35 مِن حديثِ عائِشَةِ ؛ وصَحَّحَهُ وَسَكَتَ الذَّهَبِي .



([25]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 2731 732) من حديثِ الْمِسوَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

.

([26]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3130 698 وَغَيرُهُ) من حديثِ ابنِ عُمَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([27]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 6331) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1802) من حديثِ سَلمة بنِ الأَكوعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([28]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 4196) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1802)مِن حديثِ سَلمة بنِ الأَكوعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([29]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3136 876 وغيره) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 2502-2503) من حديثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([30]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 4234) ومُسلم (بِرَقْمِ : 115) من حديثِ أَبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([31]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 4260 261) من حديثِ من حديثِ ابن عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .



([32]) أَخرَجَهُ : البُخاري (بِرَقْمِ : 3007) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 2494) من حديثِ عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

([33]) أَخرَجَهُ : مُسلِم (بِرَقْمِ : 1780) .



([34]) البُخاري (بِرَقْمِ : 3352) .



([35]) أَبو داودَ (بِرَقْمِ : 4547 548) والنَّسائي 8/40-42 وابن ماجة (بِرَقْمِ : 2627 628) وأحمد 2/164 66 .



([36]) البُخاري (بِرَقْمِ : 2434) ومُسلِم (بِرَقْمِ : 1355)


 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 11:06 AM   #5


αℓмαнα غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 397
 تاريخ التسجيل :  Nov 2014
 أخر زيارة : 07-16-2022 (12:39 PM)
 المشاركات : 82,377 [ + ]
 التقييم :  2930524
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Coral
شكراً: 2,368
تم شكره 2,572 مرة في 1,242 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



جزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
لـ عطرك الفواح في ارجاء المنتدى كل الأمتنان
أتمنى أن لاننــحرم طلتك الربيعية
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
عناقيد من الجوري تطوقك فرحاا
دمت بطاعة الله


 
 توقيع : αℓмαнα

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 11:32 AM   #6


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



شموخ

أسعدني مرورك

دمت بحفظ الله


 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 01:49 PM   #7


حنين الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 341
 تاريخ التسجيل :  Sep 2014
 أخر زيارة : 10-06-2022 (03:56 PM)
 المشاركات : 7,624 [ + ]
 التقييم :  103385
لوني المفضل : Snow
شكراً: 37
تم شكره 149 مرة في 80 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



جزاك المولى كل الخير


 
 توقيع : حنين الورد

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 03:24 PM   #8


فاتن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 795
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 07-15-2020 (01:24 PM)
 المشاركات : 366,616 [ + ]
 التقييم :  47667878
 الدولهـ
Bahrain
 الجنس ~
Female
 SMS ~
“‏إنَّ المكان الوحيد المثالي لتخبئة كل ما تخاف عليه من الوحشة، داخل قلبك
لوني المفضل : White
شكراً: 26,776
تم شكره 36,186 مرة في 10,126 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
بآرك الله فيك على الطَرح القيم
آسأل الله أن يَرزقـك فسيح آلجنات !!
دمتـمّ بـِ طآعَة الله


 
 توقيع : فاتن

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 08:56 PM   #9


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



حنين الورد

أسعدني مرورك

دمت بحفظ الله


 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
قديم 12-09-2015, 08:56 PM   #10


عبدالعزيز غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 880
 تاريخ التسجيل :  Oct 2015
 أخر زيارة : 11-28-2022 (11:46 PM)
 المشاركات : 9,653 [ + ]
 التقييم :  4177334
 الدولهـ
Kuwait
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Azure
شكراً: 1,483
تم شكره 2,361 مرة في 377 مشاركة
افتراضي رد: سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(4)



فاتن

أسعدني مرورك

دمت بحفظ الله


 
 توقيع : عبدالعزيز

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
100, الرحمة, الصلاة, حلقة4, سيرة, عليه, والسلام, نبي

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

Forum Jump

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(1) عبدالعزيز هدي نبينا المصطفى ▪● 39 01-06-2016 05:35 AM
سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(2) عبدالعزيز هدي نبينا المصطفى ▪● 35 12-21-2015 01:44 PM
سيرة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في 100 حلقة(3) عبدالعزيز هدي نبينا المصطفى ▪● 29 12-12-2015 03:05 PM
سيرة النبي المختار عليه الصلاة والسلام بطريقة سؤال وجواب عبدالعزيز هدي نبينا المصطفى ▪● 31 11-24-2015 12:10 PM
سيرة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في حلقات ♪ تْرآتْيِلَ آلروُحَ ♥♥ هدي نبينا المصطفى ▪● 82 10-21-2015 07:32 AM

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 02:25 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

Security team

mamnoa 4.0 by DAHOM