تقول بعض الدراسات العلمية، إن القراءة هي العلاج الوحيد الذي لا يضر الإنسان إن زاد في جرعته منها، بل على العكس تماما، فكلما زادت قراءتك للكتب، تصبح أكثر سعادة، بل أنها سر العمر الطويل والوقاية من أمراض التقدم في العمر. والأمر ليس غريبا أو مفاجئا، فالكتب رغم أثمانها المعقولة والتي في متناول الجميع، إلا أنها تقدم تمرينا صحيا للمخ، وتحفظه من أمراض الزهايمر، كما أنها توفر متعة مجانية وفريدة من نوعها للقارئ، بالإضافة إلى أنها علاج فعالا للروح والعقل.
وفي الآونة الأخيرة، لم تكن العقاقير الطبية والمسكنات في بعض الحالات ذات نفع وجدوى في علاج المرض، وفي هذه الحالة يلجأ الطبيب إلى مخاطبة العقل والروح بطريقة تجعل المرء يستعيد توازنه وهدوءه وراحته من جديد وتحفيزه إيجابيا، حتى يستطيع أن يكون على قدر من القوة والشجاعة في مواجهة مشاكله، وحينها انتشر مفهوم “الببليوثيرابيا”.
العلاج بالقراءة أو “الببليوثيرابيا” هو استخدام مواد قرائية مختارة كمواد علاجية مساعدة في الطب البدني أو الطب النفسي أو الإرشاد السلوكي، وكذلك في التوجيه إلى حل المشاكل الشخصية من خلال القراءة الرشيدة الإبداعية، وعادة ما يعتمد هذا العلاج على مدى حنكة وشطارة المعالج، الذي يقوم بمهمة كشف ودراسة ما يعانيه هذا المريض من مشكلات نفسية. وربما يلجأ الأطباء إلى اختيار القراءة كعلاج لأن المريض النفسي، يعاني من اضطرابات نفسية تعود إلى خلل في الخريطة المعرفية، والتي تنشأ عنها معتقدات خاطئة تصيبه بعد ذلك بالقلق أو الوسواس أو غيرها، وبالتالي تصبح أفكاره سلبية مشوشة، ولهذا يلجأ الأطباء إلى القراء، لأنه حينما يقرأ تتغير مواقفه ويصبح أكثر قدرة على المقاومة، لأن القراءة تقوم بتغيير البنية المعرفية وتغيير نمط الأفكار. و”البيبليوثيرابي” هي كلمة تتكون من مقطعين، الأولى تعني “المكتبة”، والأخيرة تعني “العلاج”، وهذا يجعل أمين المكتبة هو الطبيب المعالج في الكثير من الأوقات، خاصة أنهم يعتبرون خبراء في العلاج بالقراءة، لأنهم يرشدون المريض إلى اختيار الكتاب الصحيح، الذي يساعد في علاجه وتنظيف عقله من الأفكار السلبية.
وإذا عدنا إلى التاريخ، وتحديدا في القرن التاسع عشر، سنجد أن العلاج بالقراءة كان له مكانا كبيرا أيضا، والدليل أن الإغريق القدامى كتبوا فوق إحدى المكتبات أنها مكان لشفاء الروح، وكان الأطباء واستشاريو العيادات النفسية يقدمون للمرضى كتبا، مثل أدب الرحلات، ومؤلفات بلغات قديمة.
وكان للعلاج بالقراءة مكانة كبيرة في التاريخ والتراث العربي والإسلامي، فكان المسلمون يلجئون إلى تلاوة القرآن الكريم لتهدئة الجهاز العصبي، ومع مرور الزمن كان يوصي الأطباء بالتداوي بالقرآن الكريم، وكانت لها نتائج مذهلة رغم أن بعض المرضى لا يجيدون نطق العربية.
يقول الأطباء إن القراءة تعالج الاكتئاب، والقلق، والتوتر، والصداع، والفصام، والأرق، والتكبر والغرور، والعصبية والغضب، والشره، وفقدان الشهية، والعصبية، وتقوية التركيز، والمخاوف والفوبيا مثل فوبيا الظلام والأماكن المرتفعة والمغلقة، وحتى مشاكل العنصرية والنرجسية والعرقية، والمشكلات الاجتماعية كفقدان الأهل والأبناء والطلاق والشيخوخة. وليس هذا فحسب، بل ينصح بها الأطباء لأصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري، أو الأمراض الخبيثة مثل السرطان يُعطى، ويختار الطبيب كتبا تتضمن أساليب وطرقا تساعدهم على التعايش السلمي مع المرض، على اعتبار أن المرض المزمن إذا احترمته احترمك، وكان لك صديقا. هذا الأمر لفت انتباه الأطباء والباحثين بشكل كبير جدا، وهذا ما جعلهم يمضون 25 عاما في دراسة علمية تبحث في العلاج بالرواية، وحينها وضع الباحثين عدد كبير من الروايات والقصص كأدوية علاجية والتي وجدوا أنها تساعد في علاج العديد من الأمراض.
وكان من ضمن هذه الأدوية أو الكتب رواية غارسيا ماركيز لعلاج الاكتئاب، وكتاب للإيطالي كاميليري لعلاج القلق، ورواية لديستوفسكي يمكن أن تعالج الشراهة في الطعام والشراب، وكتاب “الأمير الصغير” للكاتب الفرنسي أنطوان دوسانت يساعد الإنسان على كشف الطفل الذي بداخله، ويساعده على أن يكون بسيطا وخلاقا.
وأكد الباحثون في دراستهم أن من يعانون من فوبيا الخوف يمكنهم التغلب عليها بعد قراءة “مائة عام من العزلة” لماركيز، ومن يعانون من التسويق وتأخير الواجبات لابد أن يقرأوا رواية “بقايا النهار” لإيشيغيرو، ونصحوا بقراءة رواية “اصرخ يا بلدي الحبيب” لستيورات باتون لعلاج الغضب الشديد، وغيرها من الروايات أو الأدوية لعلاجية للأمراض النفسية التي ربما يصفها البعض بأنها مستعصية.
وفي النهاية، اتفقت كل الأبحاث والدراسات على أن القراءة تذكي من الفكر التحليلي، وتجعل الأشخاص يدركون الأشياء بمنظور أفضل، لأنها أداة يسيرة جدا لعلاج السلوكيات المربكة، وتساعد في أن يحسن الإنسان من نفسه، وأكدت أن الأمر لا يتوقف على قراءة لكتب فقط، بل قراءة القصص والروايات أيضا، والتي تجعل الإنسان أكثر تمكنا وثقة من الناحية الاجتماعية.
hgrvhxm jshu]; ugn hgjogw lk i`i hgHlvhq hgjogw hgrvhxm