تزخر فلسطين بالبيوت والقصور التاريخية القديمة، التي كانت وما تزال بلداتها القديمة شاهدا حيا، على ما مرّ بها من حضارة عثمانية، وتتنوع مساكنها، من البيت الريفي البسيط، إلى القصور الشـامخة، والتي ازدهرت عمارتها التقليدية، في الفترة العثمانية، في إحدى أطول المراحل التاريخية للمنطقة، والتي امتدت زهاء الأربعة قرون.
وقد تأثرت العمارة العثمانية، بالعمارة البيزنطية، وعمارة السلاجقة، ولكن العمارة العثمانية كانت أكثر سحرا وثراءا، وإبان الحكم العثماني لفلسطين، في مطلع القرن العاشر، كانت المدن الفلسـطينية، قـد مرت بالعديد من مراحل الازدهار، فكان غناها العمراني تراكميًا.
دخلت مدن فلسطين ضمن الدولة العثمانية، عام 1517م في عهد السـلطان سـليم الأول، وسكن فلسطين مزيجٌ من العرب، وبعض العائلات الأيوبية، والمملوكية، بالإضافة للأتراك السلاجقة، وهم في غالبيتهم مسلمون، إضافة لبعض الطوائف السامرية، والمسيحية.
وتُوجت فلسطين طوال العهـد العثماني، بالعديد من المنشآت، فازدانت بالمساجد، وأصبح لأحيائها حماماتها الخاصة، وسـبلها، وكثرت فيها الخانات، والأسواق، والزوايا، ومصانع الصابون، وعلت مساكنها وقصورها، والتي ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم، والتي تعكس وجها سياحيا مشرقًا، لكنها تحتاج إلى مزيدا من الاهتمام، والترميم المستمر.
واعتمدت جميع الأنسجة العمرانية الحضرية - حتى القرن التاسع عشر -، فـي كـل مـن القدس ونابلس والخليل ورام االله وجنين، وغزة، مبدأً شبيهًا بذلك الذي انتشر بالفترة العثمانية من حيث التصميم، وهـو الحيز السكني المنفرد، والفناء المفتوح، (الحوش)، ولكن بطريقة أكثر تبلورًا.
كان يتم الوصول إلى الأحواش بواسطة دهليز، وهذا الحوش تتوسطه بركة ماء تحيط بها الأشجار، وكانت الغرف المحيطة بالحوش، مسقوفة بالقباب، التي ترتكـز بـدورها علـى جدران حجرية، إذ أن أهم ما يميز سماء المدن الفلسطينية، هـو القباب التي تُغطي بيوتها.
وفي مدينة نابلس بالضفة الغربية على سبيل المثال، أحُصي في نهاية الفترة العثمانية، ثلاثـة وعشـرون مبنـى، باعتبارها قصورًا، وهي من البيوت المستقلة، التي بنتها العائلات الثرية من الحكام والأعيان.
وتعود هذه المباني للفترة العثمانية، بعضها يعود إلى ما قبل القرن السابع عشر، كقصور آل النمر، أو للقرن الثامن عشر، كقصور آل طوقان، وآل هاشم (1754 م)، أو القرن التاسع عشر، كقصور آل النابلسي، وآل عبد الهادي، وكانت تعود ملكية هذه المباني إلى طبقتين رئيسيتين، هما الطبقة الحاكمة، وطبقة الأعيان والتجار.
وتعد قصور الحكام، من أهم أنماط المباني السكنية العثمانية، وأكثرها تميزا في فلسطين، وقد
مّثلـت الأسر الحاكمة، أو ما يدعى "بيوت الحكم"، في المدينة و الريف، وأمثلتهـا كما ذكرنا آل النمـر وآل عبـد الهادي وآل القاسم وآل جرار وآل الكايد، وغيرها الكثير.
ومن الأمثلة على أجمل القصور بناءً، قلعة صانور، التابعة لمدينة جنين، ويعود تاريخها إلى الحقبة العثمانية، في فلسطين.
حيث تقع جنوب مدينة جنين بالضفة الغربية، في بلدة صانور تحديدا، وقد استخدمها أبناء آل جرار، في الدفاع عن المدينة، ضد الهجمات الخارجية والداخلية في ذلك الوقت.
وقد تم بناء هذه القلعة حوالي سنة 1785م، على يد شيخ جبل نابلس يوسف الجرار، الملقب بـ "سلطان البر"، ومن قبله والده محمد الزبن، الذي قام ببناء سور القلعة، بعد قدومه من شرق الأردن، إلى منطقة جنين.
وقد قامت مؤسسة رواق للتراث المعماري، بتمويل من وزارة الخارجية الألمانية، في عام 2008 م، بترميم القلعة، وإعادتها إلى شكلها السابق، كما كان قبل أكثر من قرنين.
تشكل القلعة معلمًا فلسطينيًا بارزًا، فقد شهدت حقبة من تاريخ الشعب الفلسطيني الذي واجه الحملات الخارجية، وسجلت تاريخا من الصمود والتحدي، أيام حملة نابليون بونابرت على فلسطين.
ومنذ ذلك الحين - أي منتصف القرن الثامن عشر، أصبحت صانور وقرى أخرى قريبة من جنين، مركزًا لعائلة جرار في فلسطين إبان الحكم العثماني.
كما تُخلّد أيضا قصور بلدة عرّابة جنوبي مدينة جنين، ما تبقى من الأعمدة والحجارة والأرضية المرصعة بالنقوش العثمانية القديمة.
وتقع قصور عبد الهادي، ضمن مجموعة قصور ضخمة على قمة تل في عرّابة، تتكون من طوابق متعددة، وساحات، وأبراج دفاعية.
وتم تحويل قصر عبد القادر عبد الهادي، إلى مركز ثقافي، بهدف صيانة الإرث الغني لبلدة عرّابة، وإيجاد فرص عمل، وتوفير متسع للأنشطة الثقافية والترفيهية.
ويعود تاريخ بناء هذه القصور إلى أوائل القرن الثامن عشر، حيث كان لعائلة عبد الهادي باع طويل لدى الدولة العثمانية، حيث بنى حسين عبد الهادي لأولاده القصور كبيوت سكن، وكان يبسط سلطته على المناطق الواقعة من خليج عكا، حتى خليج العقبة.
ويأمل الشعب الفلسطيني بأن تحفظ الذاكرة الفلسطينية، في مواجهة ما تتعرض له من تدمير وسرقة وإهمال، على يد الاحتلال الإسرائيلي.