قصص - روآيات - حكايات ▪● ┘¬»[ روايات قصيرة | روايات تراثية | قصص حزينه |قصص مضحكة : تنحصُر هِنآ |
|
|
01-30-2022, 10:55 PM
|
|
|
|
|
رواية مارد في صدري _1
أصبحت الحياة في الوطن مثقلة، تتصارع فيه تيارات وأهواء، انتشرت بشكل مثير، كل منها تريد إثبات وجودها، وأكثرها لا تمت إلى أصالتنا بصلة، المسافة بينها شاسعة، والجديد منها يلتصق بالأرض، ويقطع صلته بالسماء، حتى غدونا ميداناً للتجارب.. وتصارعت مع التراث في تناقض واضح، ولفظها العقلاء لبعدها عن حقيقة السماء.
الخوف والوجل سرى في نفوس الكثيرين على أبنائهم، هل يعتزلون، أم يغضبون؟
إعصار جامح اجتاح الأرض، اقتلع الجذور، دفنها في الصحارى، تقلصت الحرية، تشتت الشمل، اغتصبت دور، وعمّ الجور.. وكان نصيب أولادي من الفاجعة كبيراً، توزعوا في الغربة، فكان من هاجر منهم إلى استراليا.
فجرت آلام الفراق والأسى والحزن في حياتي، وقتلت البسمة على شفتني.. أمشي بجسد ينعزل عن كل شيء، إلا من نفسي، وما تحمل من أفكار أتأملها في كل فرد، كنت كغيري أحمل هموم الوطن، ما أكثرها! وأتساءل:
لم الهموم، ونحن من أعظم أمم التاريخ، وأزهى البلدان، وطريقنا سوية في منهج رباني؟
حدثنا التاريخ، لم يظلمنا أبداً.. الآن نحن نظلمه.
في استراليا التقيت بالحاجة فخرية أم (سناء)، كان لها وجود محترم في سدني وسط الجالية العربية المسلمة، تحقق ما تصبو إليه من أماني، أثرت الغربة في صقل شخصيتها، وبلورتها من خلال النشاط والمثابرة في جمعيات نسائية عدة، وبرزت موهبتها الشعرية، فكانت تجري معها مقابلات في إذاعة سدني العربية، سمعتها مراراً وهي تلقي شيئاً من شعرها البديع، ينساب بإيقاعات آسرة، تنبض بمشاعر تسيل برقة في عبارات عذبة، الحنين، والشوق إلى (سناء) والوطن نسيجه في عبق روحي.
كنت أراقبها عن كثب، فالغربة استنزفت أيامها، والشيخوخة غزتها، ولما سألتها عن سناء تنهدت، وبقلب ينفطر بالشوق، استرسلت بلذة في الحديث، وهي تسند بمرفقها على كتف الأريكة الفخمة، ونظراتها ترحل بعيداً تلامس الآفاق:
سارة وهالة ابنتا علاء تخرجتا من الجامعة، وحفيدتها فخرية غدت شابة جميلة في طريقها إلى التخرج.. ضحكت بسرور وهي تذكر حفيدها محموداً:
- أما محمود فهوايته دراسة اللغة العربية، وكتابة الشعر.
- كجدته.
سناء احتفظت بذكرى والديها في اسمينا، كعادتنا نحن العرب في الوطن.
* * *
انهالت الذكريات عليّ بكل ملهماتها، وفي داخلي شيء يتكسر، يربكني أمام الأحداث والمواقف، ويشعرني أحياناً بالعجز، ولكني أتلهف للكشف عن كل شيء بصراحة ودون خوف.
أرست بي الذكرى عند ضفاف طفولتي، وأثارت سلسلة من الأحداث والمواقف، نابضة بالحياة، هادئة حيناً ومشرقة، وفائرة كنبع سخي حيناً آخر، وأراني أجري معها وأنقاد ومن زوايا الماضي وطيات الذكرى، تطل سناء نافضة عنها ركام السنين.
عالم الذكريات حسبته فات ومات، فإذا هو ينمو بحسي، ويؤرقني ويحتضنني بقوة، ويشدني ويدفعني إليه دفعاً.
أخذ شريطها يكر من البداية، حين كان يسترعي انتباهي في غدوي إلى المدرسة أو رواحي، فتاة لا تتجاوز الثانية عشرة، نحيلة القامة، شاحبة الوجه، انسدلت خصلات من شعرها الفاحم بإهمال على جانب وجهها، وعينيها النجلاوين، وارتاحت أخرى فوق ظهرها الذي ينوء بعبء صفيحة الماء التي أرستها فوق قمة رأسها.
كان هذا المشهد يشغل تفكيري، ويشوش خطواتي، وتتسمر له نظراتي على حين كانت الفتيات تضحكن، وتمرحن وتتقاذفن في الطرقات، والنسيم يسرق أحاديثهن المنمنمة، وهمساتهن الرقيقة، ينشرها عبر السكون، ثم يتفرقن في الدروب، تستقبلهن الأمهات بشوق وتلهف. في هذه الأثناء كان يشوب مشاعري حسّ حزين، ورغبة ملحة لأواجه عن بُعد تلك الفتاة.
اعتدت أن أندرج من المدرسة القابعة فوق الهضبة، وأنحدر في الطريق المطل على شاطئ البحر، وعلى بعد منه رست جزيرة "أرواد" وهي تتلألأ كالماس تحت أشعة الشمس المتوهجة.. ثم يلتوي الطريق مع الزقاق في حيّنا الأثري.
عند الظهيرة والنسمات الندية تلاطفني، وتخفف عني رطوبة الجو، كان في داخلي إلحاح يثير الرغبة فيّ لألتقي بها.
فأسأل نفسي بتعجب:
ما الذي يشدّني إليها، ويصعد الغصة فيّ حين أراها؟!
أهكذا شعور من في مثل سنّي؟!
من أين ينبع ذلك الحس الرقيق لدى بعض الناس ويجف لدى بعضهم الآخر؟
ومالي أهتم بما ليس لي به شأن؟!
يكفيني عذاب ومتعة في آن، حين أمرر الحالات في ذهني، فأقارن بينها، لأجد فيها التناقض.
الطبيعة الخلابة تمتد أمام بيتنا المرتفع، والجبال تحتضنه مع الأحياء من الخلف، والأشجار الباسقة تنهض عند السفوح، ويحيط بالبلدة القديمة خندق دائري، يبدأ عند سلم المسجد الأثري، ومئذنته الشاهقة تشرف على البيوت المتراصة، وينتشر صدى الأذان منها في الأجواء.
كنت وإخوتي نصحو عند الفجر على صوت والدي –بعد رجوعه من المسجد- في أرجاء البيت الواسع، يدغدغ أسماعنا بنداء حنون في دعوة إلى الصلاة، لنغمة آسرة توقظنا برقة، فنتسابق إلى الوضوء، والوقوف خلفه صفاً متراصّاً، وبصوته الشجي، يرتل آيات من القرآن تخشع منه قلوبنا، وقد يبقى صغيرنا في سجوده نائماً لا يقوى على النهوض.. فكياسة والدي في تعامله، كانت تغني عن إيقاظنا بقسوة، ثم بعد فترة تتناولنا الأيدي الحنون بالرعاية، من اهتمام بمظهرنا، وحقائبنا التي تدس فيها الشطائر، وقطع الحلوى، ويشتد سرورنا بالنقود الورقية التي تنسلها أمي من الحزمة ورقة، ورقة، محدثة تكتكة تشرق لها نفوسنا، وأثناء هبوطنا السلم الحجري، كانت الوصايا تلاحقنا:
- على مهلكم.. الزموا جانب الطريق.. لا تتكلموا مع أحد.. كلوا اللفائف..
- حاضر يا أمي.. حاضر..
في الطريق، مع القفزات السريعة فوق الحجارة الناتئة برؤوسها، ومع الجذل الطفولي، ونسمات الصباح الندية تصافحنا، أفاجأ بتلك الفتاة فتجرح المفاجأة جريي، وتسكن مرحي، ويقف بصري عند صفيحة الماء الراسية فوق قمة رأسها، تضغط على جانبيها بكفيها الرقيقتين، وينقلني المشهد من عالمي الحالم اللذيذ، إلى آخر مؤلم.
كانت نظراتي تلامس جسد ابنة في الثانية عشرة، ملتحفة بثوب منسدل، التصق لبلله، فأوضح نحوله، والصفيحة تترجرج بين كفيها، فتهرب منها قطرات من الماء، تتقافز بخفة مع مشيتها، وتندس في شعرها وثوبها.. وقد تنزلق نظراتي إلى قدميها الحافيتين وهي تنقلهما بحذر فوق نتوءات الحجارة، وألمح في عينيها تيهاً وشروداً.
مشهد كان يلاحقني كل يوم، مرة أو مرتين، فيعتصرني الألم ويفتت أحلامي، ويمزق نفسي، ويلفني بغلالة من الحزن أعمق من تجربتي، وبدون قصد مني تتحسس أصابع قدمي دفء الحذاء اللماع، وكفي نعومة الضفيرة المنسقة بالشريط الحريري، فتنتابني مشاعر متناقضة تلقيني في موجات من الحوار المحير، في تصورات لا أقدر على حل غموضها.
من هذه يا ترى؟
لم حرمت حقها من التعليم؟
ولم حرمت الحذاء، ودفء الجسد؟
لم... لم... لم..؟
كانت التساؤلات تصفع ذهني، والرغبة تعصف بي تستفزني، وتدفعني لأثور على وصايا والدتي كي أحادثها وتحادثني..
جبنت، لم يحصل شيء من هذا.. استمررت في سيري، وأنا أعضّ على شفتي من الغيظ.
إنّ ثمة سراً خلف ما أرى، سنوات عمري القليلة غير قادرة على كشف الحقيقة.. ويضيق صدري لمثل هذه التساؤلات، ويعود بأشياء رخوة لزجة، تصعدها غصة في حلقي، ثم تتكثف بدمعات أحاول ردها، فتأبى إلا التدحرج.
(لا تنشغلي بشيء في الطريق.. الزمي الرصيف.. كوني مؤدبة..)
أوامر ونواهٍ كلسع السياط، تدفعني دفعاتً وأنا أحتضن هذه الفتاة في خيالي، ثم لا تلبث أن تتلاشى شيئاً فشيئاً في الزحام، وخلف الجدران، والأحداث المتلاحقة.
* * *
كنت أسير صباح يوم خريفي في زقاق جانبي هادئ، والمنازل تقوم على جانبيه مغلقة الأبواب، والشمس ترخي ظلال الأشياء فوق الأرض والجدران.. طرق سمعي صوت خشن لامرأة يرتفع من فوق سور أحد البيوت، يأمر بقوله:
أنت يا بنت يا سناء، هيّا، أسرعي لإحضار الماء من بئر الحارة.
تسمّرتُ في مكاني، وأنا أعجب، كيف اهتديت إلى اسم الفتاة، وبيتها، حملقت في الواجهة، وشعرت برعدة تسري في جسدي، ولم أدر هل كانت الرعدة من المفاجأة، أم من البرد.. ابتسمت لنفسي حين سمعت قرقعة الصفيحة وهي تطرق الجدار بعفوية، قلت:
إذاً سناء، اسمها سناء.
تردّدتُ:
هل أبقى في انتظارها حتى تخرج، أم أعود إلى البيت، وفي جعبتي هذا الحدث الصغير.
بدهشة تساءلت:
ترى من هذه المرأة صاحبة الصوت الأجش؟!
ولم ألبث أن عرفت الإجابة، فقد فُتِحَ باب البيت بعض الشيء، فتشاغلت بشيء كان في يدي قد وقع مني، رأيت في الداخل امرأة ضخمة واقفة وسط الحوش، تلوح بيدها في عصبيّة، وتتحدث إلى رجل جالس، وظهره ناحية الباب، مستند إلى جذع شجرة، كان مرتدياً سروالاً فضفاضاً، وفوقه قميص أزرق، أدركت أنه صاحب البيت، ورأيت أطفالاً مختلفي الأعمار يلعبون في أرض الحوش وازداد صوت المرأة حدة، وهي تنهر البنت سناء بشدة، وتستعجلها للتحرك، وسمعت الرجل يقول للمرأة:
- لماذا تتصرفين كأن الدنيا انقلبت رأساً على عقب يا أم خالد؟!
بصوت حاد أثار اشمئزازي قالت:
- إن الوضع في هذا البيت لا يحتمل..
- اهدئي يا أم خالد، لا تفقدي أعصابك على هذا النحو..
وازداد صوتها حدّة، وهي تجيبه قائلة:
- أنت تتكلم بمنتهى البرودة، لأنك لا تعرف نوع الحياة التي أعيشها في هذا البيت مع هذه البنت اللعينة، إنك تجلس في دكانك ولا تشاهد ما يجري، بينما أحمل أنا عبء البيت كله..
- سأربيها وأقسو عليها، فقط اهدئي.
- دعني وشأني..
- أبسبب سناء كل هذا الغضب؟
- أجل، بسبب هذه البنت الهوجاء.
قلت في نفسي: إذاً هذه البنت هي "سناء" وهذه المرأة هي أم خالد، ليست أمها بلا شك، لما يبدو من قسوتها في الكلام وتذمرها، وأبو خالد زوج هذه المرأة، وأبو سناء.
تحول الأمر إلى شيء مثير للشفقة، ولقد ساعدني الحظ لمعرفة جانب من الحقيقة ببساطة وعفوية، وانطلقت مسرعة نحو البيت، وبعد لحظات كنت بجوار أمي، وبنفسي حوارات، وتساؤلات ملحّة ومحيّرة.
- أمي في الجوار بنت اسمها سناء، أشاهدها باستمرار، وأتألم لحالها، وأرغب بالتحدث معها.. ألقيت هذه الكلمات وأنا في حالة استرخاء..
- مسكينة سناء يا ابنتي..
- يحزنني أمرها..
- لا تشغلي نفسك بشأنها، فما زلت صغيرة.
وجمت هنيهة، ضمتني بحنان إلى صدرها.. أريد المزيد من المعرفة، وددت لو تسمع أمي حوارات نفسي وتجيب عليها، يبدو أنها تعلم الكثير، ولكنها لا تريدني أن أعلم، وتصرفني عن التفكير بلطف.. تصورت سناء واحدة منّا، تشاركنا الحياة، والحب، والرعاية، والتعلم و..
بابتسامة ساخرة، وأنا أعدّ أفراد أسرتنا الذين تجاوزوا العشرين، ويعيلهم والدي بعد وفاة جدي، قلت:
- مستحيل، شيء مستحيل.
سكت، لم أشأ أن أسترسل في الحديث مع أمي، كيلا أثير انتباهها، فتزيد ضغطاً عليّ بوصاياها.. أكتفي بأن ألاحق ظلال الأشياء، ريثما تتضح لي الحقيقة.
* * *
|
|
v,hdm lhv] td w]vd _1 hgu[,. fsjhk
_______________________
________________
والله لو صحب الإنسانُ جبريلا لن يسلم المرء من قالَ ومن قيلا َ
قد قيل فى الله أقوالٌ مصنفة تتلى لو رتل القرآنُ ترتيلا َ
قالوا إن له ولدًا وصاحبة زورًا عليه وبهتانًا وتضليلا َ
هذا قولهمُفي.. الله خالقهم
فكيف لو قيل فينا بعض ما قيلا ..
***
انا زينـــــــــــــه
|
7 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
01-30-2022, 10:58 PM
|
#2
|
رد: رواية مارد في صدري _1
* * *
كانت سلسلة المواقف والأحداث المثيرة تتلاحق، فتجعلني أكثر اندفاعاً لاقتحام عالم سناء الغامض.. فالسنة الدراسية تودع يومها النهائي، والطالبات يكسرن قيود النظام المدرسي، ليتسلموا البطاقات بابتهاج، ثم لتنتقل هذه البهجة إلى الآباء.. فهو يوم التهاني والفرحة بالنجاح.
كنت وزميلاتي ننطلق في الدروب كالفراشات المهفهفة، وأنا أحلم بهدية والدي التي أنتظرها بمشاعر الترقّب والأمل، وغالباً ما تكون مجموعة قصصية هادفة، أستمتع بقراءتها في الإجازة في إحدى القرى الجبلية المحيطة ببلدتنا الساحلية، في أحضان الطبيعة، بين أشجار الصفصاف والأزهار وعلى ضفاف الجداول الرقراقة.
حملنا أحلامنا مع بطاقاتنا، نزاحم الخطى والمنى، تملأ نفوسنا بنشوة الفوز والنجاح، ونثرثر بلا توقّف، ونحلّق بسعادة وعيوننا تخطف ما في بطاقات بعضنا، ونقارن بينها.. وقد نعبر عن رغباتنا في كيفية قضاء الإجازة.. نوزعها على هوانا بين الرحلات لإزالة التعب، والرغبة بالراحة والكسل، أو بالمطالعة، والمداومة على الدروس المسجدية وحفظ القرآن و..
في لحظات الفرح، يتدخل القدر، ويبتسم ساخراً من بهجتنا.. أفيق على صوت ارتطام الصفيحة بالأرض مع سناء.. تراجعت مذعورة والماء يندلق هارباً في كل اتجاه، وتسرع الفتيات في المضيّ بغير مبالاة.
اقتربت منها لأعينها على النهوض من عثرتها، وإصلاح شأنها.. عصرت ثوبها المبلل، وفركت ساقها، ثم رفعت الصفيحة التي التوى جانباً منها.. بانكسار اتجهت نحو البيت من غير كلام، وبصمت كانت دموعها تنهمر.
موقف حقاً أثار عطفي، فآلمني.. تغلب على فرحتي، وحزّ في نفسي عدم اهتمام الأخريات بها.. هي كائن موجود بيننا في الحي، لكن.. كأن ليس لها وجود.. تبعتها وهي تحمل الصفيحة الفارغة بيدها، وبأسى تساءلت: كيف ستواجه غضب المرأة القاسية؟
لاشك، ستمر بها لحظات قهر، قد يكون تأثيرها بليغاً في نفسها.. نظرت إلى بطاقتي، تصورت اسمها مكان اسمي، وتصورت سناء هي أنا، وأنا هي.. غلبتني الرأفة والشفقة، فبكيت عنها، وبالتياع قلت:
- ألا يحق لهذه المسكينة كما وصفتها أمي بأن تصرخ، وتشتم، وتبكي؟ طويت البطاقة، وطويت معها حلمي.
حثّتني قدماي على التوجه نحو بيتها، قد أعتذر للمرأة عما بدر منّا قبل أن تنهال عليها ركلاً، وسباباً.. مضيت بهدوء، وأنا ألوك كلمات التأسّف في فمي.. وجدت الباب نصف مفتوح، وقفت.. لم أدر كم مضى عليّ في تلك اللحظة فقد خيل إليّ أن الزمن قد توقف، أو أنه يمر بسرعة رهيبة.. لكني أفقت من ذهولي على ضجيج وصراخ يصدر من ذاك البيت.. هربت الكلمات خائفة.. لم أجرؤ على عمل شيء.. تسمّرت في مكاني، وكأني أصبت بضربة أذهلتني عن كل شيء..
كان الصوت الأجش يعلو الأصوات بشكل مقزّز ومريع، يتبعه صفعات على الوجه، وقرع بالقبقاب الخشبي على الظهر.. ثم همهمة من سناء تشعر زوجة أبيها أن الإصابة في ساقها تؤلمها حين تعرضت للسقوط، ولكن الصوت أردف بلهجة آمرة:
- كفّي عن كذبك يا لعينة.. لا تزيدي من توتّر أعصابي.. ولا تبرري تضييع وقتك مع البنات بشكواك.. هيا.. أسرعي إلى البئر، وإياك أن ترجعي بالصفيحة فارغة.
- حسناً يا خالتي، سأفعل ما تأمرين به، سأمضي لإحضار الماء.
واستدركت بقولها تستدعي شفقتها:
- استمعي إليّ للحظة، كي أعلمك بأني ما كنت أضيع وقتي في الطريق مع أي إنسان.. فقط يا خالتي، تذرعي بالصبر، أنا لا أقصد أن أغضبك.
وقفت برهة أحاول أن أركّز تفكيري فيما ينبغي أن أفعل:
- هل أحمل عنها الصفيحة وأواسيها؟
- هل أقرب منها كتفي تتوكأ عليه؟
- ماذا كان بوسعي أن أفعل؟
- هل كان عليّ أن أدخل البيت لأقدّم الاعتذار؟
بعد لحظات خرجت سناء، تصحبها الصفيحة في طريقها إلى بئر الحارة، وهي تجرّ إحدى ساقيها جراً.. خفق قلبي بعنف حين رأيتها، والألم يلبسها في بدنها، ونفسها، وتكتسي عيناها الواسعتان بغلالة حمراء من أثر البكاء، وشيء من شعرها الطويل، قد انتزع بشدة من رأسها، والتصق بثوبها.
ضعفت.. جبنت.. والله جبنت.. فلم أجرؤ على التحدث معها.. ثم مضيت في طريقي إلى البيت، تدفعني الخيبة والهزيمة.. ومضت سناء إلى البئر بصمت.
صار هذا الحدث هاجسي، اكتظّت به غرفتي، وأثقل رأسي.. لجأت إلى حضن الوسادة، أحكي لها حكاية القسوة، والظلم، والحرمان، حرمان المسكينة سناء من الرأفة والرحمة.. ورحل تصوري معها، وهي ترفع صفيحة الماء فوق رأسها، وساقها المتألمة تخذلها.
كان لهذا الموقف أبعاد ورؤى في خاطري، فلم تكن نفسي قد تكوّن فيها مثل ذلك الخليط المتمازج كي ينتج أشياء جديدة، ولم أكن أدري وأنا أراقب الموقف أنني أكثر من إقحام نفسي في سلسلة من المواقف والأحداث التي كانت تتربص بسناء أو بكلينا.
* * *
في يوم ربيعي، أعلن والدي بأن نستعد لنزهة عند شاطئ البحر، عمّت الفرحة جو البيت، قفز الصغار كالقرود، تعلقوا بكتفيه، قاموا بحركات غريبة يعبرون عن بهجتهم.. أعدّت الفطائر والأشياء ومعها السطل الصغير، ومجرفة الرمل، والكرة..
لم يكن في السماء سحابة واحدة، وأشعة الشمس في الربيع ممتعة، والمكان الذي اختاره والدي كان خالياً، كي لا ترمقنا عيون الفضوليين.. كانت السعادة تجري معنا حيث نجري.. فوق الرمال، وبين الصخور القائمة، نتسلقها حيناً، ونتزحلق إلى تجاويفها حيناً آخر، ونلتقط صغار السمك التي ألقت بها الأمواج في أحضانهاـ وإن تعبنا لجأنا إلى ظلالها القاتمة.. وأشد استمتاعنا كان الرمل المبلل، نشكل منه بيوت أحلامنا، ونتفنن في أجزائها، وعلى حين غفلة منا، تباغتنا مويجة زحفت خلسة، لتهدم ما جسدنا من أحلام.
طلبت من أختي الكبرى مشاركتنا في الجري فوق الرمال، والتقاط القواقع، هزّت برأسها وقالت:
- أحب أن أجلس فوق صخرة أتأمل الطبيعة.
ضحكت، وقلتُ:
- وأنا أحب أن أجري، وأتجول وأتفرج.
أشارت بيدها:
- دعيني وشأني.. اذهبي مع سطلك ومجرفتك والكرة.
ابتسمت، وأردفت:
- ما أجمل الطبيعة بكل ما فيها!.. إن مجرد لمسها بنظري يثير في نفسي إحساساً بهيجاً، وتعميقاً للإيمان.. الحياة يا أختي بدون إيمان موحشة.
قلتُ:
- أما أنا فسأشغل نفسي بشيء منها.. بالرمل، وصغار السمك، والتقاط القواقع و..
كانت تبرر استرخاءها فوق الصخرة بقولها: أنها تحب أن ترى الحياة في الطبيعة المتسعة أمامها، بدلاً من أن تشترك بالمتعة في شيء معين، فيفوتها الكثير.
بعد لحظات عمدتُ إلى تجويف بين صخرتين، أغسل فيه قدمي، وأبلل وجهي ووقفت أتأمل، وأتتبع ساحل البحر ورماله بنظري، كان خالياً في ذلك الوقت، إلا من قطة كبيرة رمادية، تنكت في الرمل بمخالبها، تبحث عن حيوانات صغيرة نثرتها الأمواج.
تفقدتُ السطل، وصغار السمك الأسيرة، فلم أجدها، صرخت أسأل عنها، ضحك إخوتي، وقالوا بسخرية:
- ابحثي عنها في البحر، لقد سرقتها الموجة، واختطفتها في غفلة منك. قلت:
- استردت ما أعطت.
هربت إلى الرمل حزينة، أشكو له ما فقدت.. حفرت حفرة، وجرفت ما فيها بالمجرفة.. باغتني منها سرطان بحريّ كبير، جرى، وجريتُ مذعورة، أصرخ أطلب النجدة.. قالت لي أختي الكبرى بهدوء، وبرودة أعصاب:
- إنه سرطان بحري.
- لقد أخافني.
ضحكت، وقالت:
- بل أنت التي أخفته، وروّعت سكنه.
أخذت أتأمله وهو يجري بطريقة عجيبة، يبحث عن مكان يختفي فيه.. ثم لجأت مع إخوتي إلى حجارة مبعثرة، صنعنا منها كوخاً، وجلسنا فيه محنية ظهورنا، وعندما شاهدنا والدي ضحك وهو يقول لنا:
- إنه يبدو كصخرة متفجرة.. ثم ما لبث أن هوى فوقنا.
أطال والدي النظر إلينا، وهو صامت، كأنه يفكر وقال لنا:
- الأيام ثمينة يا أولادي، تكرّ من بين أيدينا كالرمل الناعم، استمتعوا بحياتكم مع الطبيعة الجميلة، واشكروا الله ربكم.
رددنا وراءه:
الحمد لله حمداً كثيراً.
على غير موعد يتدخل القدر، ليزيد من بهجتي، وحسن حظي.. كنا نتقاذف الكرة، ونتلقاها بأيدينا، وحصل أن ألقاها أخي بقوة، اجتازت المكان، وجرت بعيداً، وفجأة اصطدمت "بسناء" وهي منحنية فوق تجويف بين الصخور.. جريت وراء الكرة، ثم توقفت أمام سناء.. رفعت رأسها، واضطرم وجهها، بلطف قلت:
- نحن بغاية الأسف، أرجو ألا نكون قد أزعجناك.
أومأت برأسها.. مضت برهة.. قلت:
- إنه يوم بهيج، أليس كذلك؟
ردت بابتسامة:
- كل شيء بهيج هنا.
تردّدت قبل أن أسألها:
- هل يمكن أن نجلس معاً، ونتحدث؟
انبسطت أسارير وجهها بالرضى، ونفضت يديها، ثم مسحتهما بثوبها، وهي تجيبني:
- نعم، يمكن ذلك.
تأملتها بصمت، كانت غلالة من الحزن تلفها، وشعرها يتناثر في الهواء، وقدماها الحافيتان عند ضفة التجويف.. جلسنا والمويجات تنساب برقة، وتمازحنا برذاذ الماء، كانت تزحف خلسة، ثم تنحسر هاربة بعد أن تلقي شيئاً من أعشاب البحر.. كانت سناء قد انتهت من غسل فوط الأطفال، وجعلتها في طست بجانبها، فوجدت الفرصة قد حانت لأتعرف عليها عن كثب، فلا مجال الآن لتنفيذ الأوامر والنواهي، فوالداي على مقربة مني، يتسامران وأختي الكبرى.
رششتها بالماء أمازحها، ردّت خصلات من شعرها إلى الخلف، وبادلتني المزاح بمثله، تلاقت ضحكاتنا فكانت بوابة العبور للتعارف.. نظرت إليّ من خلال أهدابها الكثيفة، لاحظت هالة سمراء تحيط بعينيها النجلاوين، قلت ببساطة:
- اسمك "سناء" أليس كذلك؟
عرفت اسمك بالصدفة، أشاهدك باستمرار، ولا تتكلمين مع أحد، وأنت واحدة منّا، لم..؟
أجابتني بمرارة:
- لقد حكم عليّ بالعزلة عن الناس.
قلت باستنكار:
- العزلة.. شيء غريب؟!
ردّدت وهي تلعق المرارة:
- هكذا.. كما ترين.
بهتُّ، أكاد لا أصدّق ما أسمع.. قطعت صمتي بسؤالها عن اسمي:
- "نعماء" اسمي "نعماء".
هل تحضرين إلى هنا باستمرار؟
- الواقع، كما ترين، لأغسل فوط الأطفال.
كان الحديث فيما بيننا عادياً وبسيطاً، تمهيداً للتعارف، وكان وجهها ينمّ عن نباهة وذكاء، وبدا لي في تلك اللحظة أن وراء هدوئها أشياء غامضة، ورغم بساطة أسئلتي، فقد كانت تفكّر قبل أن تجيب.
سألتني:
- أتحبين البحر، ورطوبة الهواء؟
قلت:
- البحر أحبه، أما الرطوبة فشيء مزعج، نهرب منها صيفاً إلى الجبال، حيث الهواء الجاف، والبرودة المنعشة.
ابتسمت وأنا أقول:
- من السهل أن أتذكر اسمك، معناه جميل، ونغمته أيضاً جميلة، و..
توقفتُ عن إتمام العبارة، حين لمحت سحابة من الحزن تغلف وجهها، وتطفئ البسمة على شفتيها، فقلت في نفسي: قد أكون قد أخطأت في حديثي معها على هذا النحو، بلطف سألتها: |
|
|
|
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
01-30-2022, 11:00 PM
|
#3
|
رد: رواية مارد في صدري _1
- ما بك، هل أخطأت؟
بقيت صامتة، ومطرقة، غيرتُ وجهة الحديث، تشاغلت بالقطة التي أقبلت نحوها، تتمسح بأقدامنا، وتصدر هريراً ناعماً، ثم ابتعدت عنا، قلت بابتسام:
- يبدو أنها شبعت، واسترخت، فاستلقت في ظل الصخرة.. ناديت سناء وأنا أتوخى الحذر.. لم تجب، ولم ترفع عينيها، ثم بلعت ريقها، قلت: هل نسيت اسمها في هذه اللحظة، أم أنها تذكرت لحظات القهر، حين يسبق اسمها بما يشينها، ويذلّها، عندما تناديها زوجة أبيها بازدراء: يا بنت، أنت يا بنت يا سناء.
بدا لي أني أحرجها بثرثرتي، وكثرة أسئلتي، رغم توخي الحذر الشديد، فكرت بأن أشيع السرور في نفسها، وبعجب قلت:
- شعرك يا "سناء" طويل، ناعم كالحرير، ما أجمله؟
جففت كفيها بثوبها، ولامست بهما شعرها، تنبهت إلى وجود شيء جميل لديها، كانت تجهله، ابتسمت وتنهدت.
قلت ثانية:
- ما أوسع عينيك، وما أكثف أهدابهما؟!!
شعّ بريق فيهما، فأسبلت جفنيها باستحياء، ثم رفعتهما بصوت هامس، رافقته ابتسامة عذبة، قالت:
- عيناي تشبهان عيني أمي.. هكذا يقولون.
شعرت باستدراجي يؤتي أثره، في بسمتها، وانطلاقها في الحديث.. طمحت بأن أتغلغل في نفسها أكثر فأكثر.. تذكرت كلام المرأة الشرسة في أحد الأيام وهي تقول بحدة:
- اغربي عن وجهي يا ابنة السوء، وارحلي إلى أمك التي تركتك بلاءً عليّ.
أردت التأكد مما سمعت، سألتها بصوت خافت:
- ألك أم يا "سناء"؟
أومأت برأسها.. ثم أردفت وهي تتنهد:
- طلقت من أبي وأنا في الخامسة من عمري.
وقالت بامتعاض وهي تشير بيدها:
- غادرت من البلدة إلى لبنان، وكما قالوا: تزوّجت وأنجبت بنين وبنات.
- هل تلتقين بها؟
- أبداً، منذ ذلك الزمن البعيد لم أرها.
- وتعيشين..
- مع أبي، وزوجته، وإخوتي من أبي.
- كثيرون هم؟
- خمسة.
لم أشأ أن أسترسل في الحديث أكثر من ذلك، ضاق صدري، شاركني الصمت.. دعوتها إلى مشاركتها في شطيرة الحلوى، هزّت برأسها يمنة ويسرة، خشيت أن أجرح إحساسها، فلم ألحّ عليها.
شعرت بأشياء في داخلها يتحرك، تريد التنفيس ولكنها تردّها بإرادة، جلستُ القرفصاء، اتخذت من إصبعي قلماً، وخططت في الرمل "سنا" كانت تراقبني وأنا أرسم الكلمة، دنت مني، ورسمت الحرف الناقص "ء" صحت بدهشة:
- "سناء" هل تكتبين؟!
مع مسحة من الحزن مشوبة بفرحة غمرت وجهها، أجابت:
- وأقرأ أيضاً.
- كيف، فلا أراك تذهبين إلى المدرسة؟!
بحسرة قالت:
- في صغري جعلتني أمي عند الشيخة "بدرية" علمتني سوراً قصيرة من القرآن الكريم، وشيئاً من القراءة والإملاء، وبعد الطلاق والرحيل، منعتني زوجة أبي من الاستمرار في التعلم، وملء الماء من بئر الحارة، والخدمة في البيت.
- وهي، هي ماذا تفعل ماذا؟
- تحمل، وترضع، وتطبخ، وتأمر وتنهى.
ابتلعت غصة علقت في حلقها، وزفرت من ضيق.. ثم لمحت بريق أمل أضاء وجهها، وبضحكة عفوية قالت:
- إني أتعلم القراءة والكتابة من إخوتي، دون علم منها.
- كم أنت نبيهة، وذكية يا "سناء" لقد أدخلت السرور في نفسي.
بسرعة سألتني:
- هل تحبين الدراسة؟
- جداً وبولع شديد.
يمكنك يا "سناء" أن تعوضي ما فاتك بالمطالعة، والدراسة في كتب إخوتك، ومراجعة ما تعلمت من سور القرآن.
بفرح قالت:
- أقرأها باستمرار، وأحفظها غيباً، وأرددها في الصلاة.
قلت بإعجاب:
- ما شاء الله.. الحياة تكون موحشة وكئيبة من دون إيمان.
تأثرت بما أقول، بكت بصمت، ثم كفكفت دموعها، وهمست بحيرة وشكوى:
- لا أدري لم تعاملني زوجة أبي بقسوة، فما اقترفت.. وما أسأت، ومن حين إلى آخر كانت تزيح بيدها خصلات من شعرها عن وجهها، فتبدو أهدابها الطويلة، وتختلج في اضطراب كأنها تفكر، وكأن فكرها هو الآخر يضطرب وراء تلك الأهداب.. قلت:
- أرى الوحدة والاستسلام الحزين في عينيك.
ترددت قبل أن ترد بوداعة وهي تبتسم، وبصوت خافت كأنها تحدث نفسها:
- أحد عشر عاماً وأنا في عزلة عن الناس، فرضت علي، لا يحق لي فعل شيء أرغب فيه إلا باستئذان.. حياتي مملة، يائسة، لا شيء فيها يسرني.
- الأيام تكبر، وأنت تكبرين، كبرعم يتفتح ليلاً..
- كيف؟
- بالقراءة والكتابة، والتفهم لمعاني القرآن.. تفاءلي، ولا تنظري إلى الحياة بيأس.
- وأنا في الظلمة؟
- بل بإيمانك بالله الذي يسكن في قلبك، وينور دربك، اقرئي قوله تعالى: )الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور(.
تهلّل وجهها وهي تقول:
- صدق الله العظيم.
- المسألة فقط مسألة وقت.
ابتسمت وأنا أتذكر قول والدي، أعدته على سمعها:
- (الأيام ثمينة، تكر من بين أيدينا، استمتعوا بحياتكم بما يرضي الله)..
قالت بمرارة:
- وأنا بين مخالب القهر والحرمان؟
قلت بحرارة:
- أسرقي لحظات المتعة مع نفسك، بصلتك مع الله بالعبادة والمناجاة، لا أحد يستطيع أن يخطفها منك، مهما أوتي من بطش وقوة، ستزدادين معرفة بحقوقك، وواجباتك وأنت مقبلة على كتاب الله.. تحتاجين إلى الصبر والمثابرة.. الحياة لا تصنعنا، نحن من يصنع الحياة، حين نغير ما في نفوسنا فتتغير.
- كيف؟
- بالهدف، نتتبعه، بإرادتنا وعزيمتنا.
أومأت برأسها وهي تقول:
- أجل، أجل.
- أتريدين المزيد؟
إن مياه النهر تتدفق إلى البحر، فتذهب هدراً، فمن يهدر مواهبه ووقته فهو إنسان أحمق.
قالت والقلق يشوب كلامها:
- الحياة قاسية، قاسية جداً.
- نحن الذين نزرع القساوة في الحياة، هي مزرعة خصبة، ينمو فيها ما نلقيه إليها من أشواك ورياحين، من شر ومن خير.
كنتُ أثرثر بلا هوادة، ونفسي ترغب في الاستزادة.. نهضت وهي تنظر إلى الشمس، وتقول:
- لديّ موعد.
- مع من؟
- مع بئر الحارة، كي أحضر الماء.
ضحكنا..
- أشعر بالوقت يجري بسرعة، ولا أريد لك مزيداً من المشكلات مع زوجة أبيك، ولقد سررت بلقائك، سنكون صديقتين.
- سنكون صديقتين.. وإلى الأبد.
أطرقت ويدي تعبث بالرمل، وخواطري تتجاذبني.. لم أحس بسناء وهي ترفع الطست فوق رأسها وتنسل بهدوء.. تنبهت، لامست نظراتي قامتها الممشوقة وهي تسير بتأن فوق الرمل، تغرز قدماً وترفع أخرى.
كانت النزهة رائعة، وكسباً لصداقة طالما تمنيتها، فشعرت وكأني أطير من السعادة.. لملمت أشيائي ببلادة، وصوت أبي ينادي إخوتي المبعثرين فوق الشاطئ ومن البحر.
استدرت نحو الشمس، وقد غاصت وراء الأفق، والظلام يزحف ببطء يلتهم الأنوار والألوان، وغاص في أعماقي الحدث، ومشاعري تلتهم آثاره.
رافقتنا النسمات الندية، تربت على وجوهنا مودعة.. وتراءت لي سناء في جوها المكبوت بالوحدة، لا رحمة فيه ولا شفقة، مع أب ضعيف الشخصية، ينقاد لأهواء زوجته، ويصدقها في ادعائها الضعف والمسكنة.. ولمست في "سناء" لطف الحديث، وعزة النفس، والنباهة، وحسن الاحتيال في خطف التعلم من إخوتها، وكتبهم المنسية المهملة.
لقد مارست التآلف مع الأشياء، بما يخدم مصلحة أسرة أبيها، ويبدو أنها لا تقدر أن تعقد الأُلفة مع العالم المحيط بها، يحجزها التسلط الجبري، وتخشى إن حاولت أن يرفضها، أو ترفضه.
كان الوقت ضحى، والهواء منعشاً لطيفاً، حين رأيت نفسي تنساق إلى بيت "سناء"، وقفت برهة عند الباب أتأمل البيت من الداخل من خلال تفاريج فيه، شاهدت الحوش مرصوفاً بحجارة ملساء، يبرز العشب من حوافها بشكل عفوي بديع... وفي وسطه تنهض شجرة نارنج، تمتد أغصانها، وترخي ظلالها، ومن بينها تتدلى ثمارها... امتد نظري إلى الليوان، تحيط به الغرف، وتزينه أصص الأزهار المتنوعة.
طرقت البات... سمعت المرأة ترد بصوت مسترخ:
- مين على الباب؟
- أنا
- من أنت؟
- ....
سحبت المزلاج... أطلت بوجه مطلي بالألوان، وقد زينت رأسها بزهرات من الفل، والياسمين... نظرت باستنكار، سألتني:
- ماذا تريدين؟
- "سناء"، أنا صديقتها.
قهقهت باستخفاف وقالت:
- متى كان لـ"سناء" صديقة... ما عندنا صديقة لك.
أغلقت الباب، بصوت مرتفع حدثت نفسها:
- عال، والله عال، البنت "سناء" صار لها صديقة...
وباستفزاز نادتها:
- ألم أقل لك يا بنت ممنوع الكلام مع أحد.. من البيت إلى البئر، ومن البئر إلى البيت... من البيت إلى البحر، ومن البحر إلى البيت؟
كم حذرتك!!
تحتاجين العقاب، والتربية.
وسمعت الشتائم تنهال عليها، وأنا لا أزال في وقفتي... أرسلت نظري عبر التفاريج، .. شاهدت المعركة من جانب واحد، فيما الصفع وشد الشعر، وسناء تتكور فوق الأرض، تحتمي بجذع الشجرة، تحاول أن ترد عنها الأذى، وهي تقول بصوت خافت:
- التقيت بها مصادفة عند الشاطئ... ما كنت أقصد هذا.
كانت تقدم الاعتذار برقة، ... وتتفادى الضرب.
في أثناء الطريق غمرني إحساس بالعطف الشديد على "سناء" المحرومة من حنان الأبوين، التي لا تجد رفيقة تؤنسها... وتسببت لها بالأذى، عدت إلى البيت، وأنا أعتقد بأن ما رأيت، وسمعت، شيء فظيع لا يحتمل... لم أتجرأ بعد ذلك اليوم من الاقتراب من بيتها، ولكني ظللت أتوق لمشاهدتها.
في ساحة الحارة، عند البئر كنت ألتقي معها... تعرفت على بائسات وهن يملأن من ماء البئر... رسمت في مخيلتي البيئة، كانت أشبه بلوحة رسمت عليها حياة كثير من البائسين، وسناء. واحدة منهم، بؤسها في قساوة أبيها، وفظاظة زوجته... لكن سناء كانت تجد الحصانة في الغض، والتناسي، والتسامح، وتستنكر من المرأة التي لا تجد الحصانة من الكره، والحقد في حبها لسناء ورعايتها لها.
تكرر لقائي "بسناء" في الحي، وفي الزقاق، وتحت القنطرة، وعند البئر، وحين نكون في نزهة عند الشاطئ... صارت الصفيحة فوق رأسها كجزء منها، وخطواتها أكثر انسجاماً مع نتوءات الحجارة. وشعرها لا يزال ينهدل على جانبي وجهها... كنا نتحدث وعيوننا تراقب المكان، قد يشي أحد ما إلى زوجة أبيها، وتقع سناء في ورطة.
في أحد الأيام، عند الشاطئ، قلت لها:
- إنني أنتوي الذهاب غداً إلى المسجد، لأحضر درس عمي الشيخ "عبد الله"، أتمنى أن تذهبي معي، لا نطيل البقاء، مجرد ساعة لا أكثر.
باستغراب قالت:
- كيف يكون موقف زوجة أبي لو علمت بالأمر؟ |
|
|
|
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
01-30-2022, 11:02 PM
|
#4
|
رد: رواية مارد في صدري _1
- أتمنعك...؟
برغبة، وبلهفة قالت:
- أود ذلك... ستمنعني حتماً.
أخذت تصلح وضع الصفيحة فوق رأسها، وهي تشكرني على اهتمامي بها....
- سيأتي وقت أحضر فيه مجلس عمنا الشيخ "عبد الله"، فيه نتعرف على ديننا
- حاولي... استعطفيها... لا تيأسي... لعل، وعسى...
هزت برأسها وهي تقول:
- أن توافق... شيء مستحيل، ..مستحيل.
"سناء": آن لك أن تواجهي الخوف بإرادة... أخرجي نفسك من القوقعة، ... صبرت بما فيه الكفاية... الجئي إلى أبيك، نعم الجئي إليه.
ضحكت باستخفاف، وبصوت خافت كأنه ينساب من مكان قريب، قالت:
- هل يشعرني بكونه أباً لي؟
آه... لقد تأخرت، تأخرت... أخشى أن يحصل ما أتوقعه.
- حاولي أن تكتسبي ثقتها... ستلين حتماً، ستلين.
كان القلق واضحاً في نبرات صوتها، وهي تنطق بالعبارة الأخيرة، وتهرع بأنفاس لاهثة، .. كان لكلماتها صدى في نفسي... هل أخطأت بتصرفي هذا... هل نكأت جراحها..؟ أريدها أن تتغير، ولا أريد أن أفقدها كصديقة.
في المساء، بعد عودة أبي، قررت أن أحدثه عن حالها، ومن ثم أرجوه القيام بعمل أي شيء من أجلها... أكّد لي بصوت حاسم محاولاته العديدة، تارة باجتماعه مع أبيها لتحريك عاطفة الأبوة تجاهها، وتارة بعرض المساعدة المالية... للأسف لم ألق منه أي استجابة، ويزعم أن مخالطتها للناس تؤدي إلى إفسادها، وجعلها تثور على من في البيت... لن أستطيع يا ابنتي أن أفعل شيئاً... يبدو أنه قد اصطنعها لزوجته وأولادها.
قلت في نفسي:
- خادمة؟..
ليس بهذه الطريقة المتوحشة، بالضرب، والشتم، والركل بالقبقاب، وشد الشعر.
زفر والدي بضيق، وسألني:
- هل حدثتك بشيء من ذلك؟
- بل بأكثر منه، بحرمانها من الطعام أحياناً كعقاب، وفي الأحوال العادية لا تنال إلا ما فضل من إخوتها.
- أف، ما أغبى أباها!! هل هو غافل عما يجري لابنته؟
ثم أردف:
- احتفظي بصداقتك معها.
اسمعي يا ابنتي، لا داعي لشعورك المستفيض هذا، لسوف تنتهي الأمور إلى الأفضل بإذن الله.
عرفت فيما بعد ذلك، أن والدي يرافقه رجال صالحون، التقوا بأبيها، وأبدوا استعدادهم لدراسة وضعها، ولكنه كان يعتبر ذلك إهانة له، واتهامه بالتقصير، والتدخل في شئون أسرته... عجزوا، رغم ما بذلوه من جهد في سبيلها.
احتضنت "سناء" في أعماقي وأنا أراها عند أب متحجر يضربها من غير سوط، وامرأة مجرمة تضربها بكل سوط، وأيامها تسحق بين دفتي رحى.
ذات يوم ونحن نسير معاً، شعرت بضيق نفسها، فقلت:
- الحياة عجلة مزودة بالعصي، ماذا نفعل كي نستمر في المضي؟
بسرعة أجابت، وهي تضحك:
- نزيل العصي، لكن.. من يدري.. قد ننجو، وقد نعجز أحياناً.
قلت بجد:
- لا بد من تحرير الذات من القلق، والخوف، والسعي لإزالة العقبات، والاتكال على الله سبحانه.
فكرت برهة، ثم بحزم قالت:
- سوف أغامر مهما كانت الطريق طويلة.. أكيد.. ستقصر، وتسهل..
كانت الشمس فوقنا متوهجة عند الظهيرة، قلت لها:
- ستقودنا الشمس قريباً إلى الظل.. هكذا الحياة يا عزيزتي.. ستقودك إلى الفرج.
كانت سناء تعاني الكثير في أمور كثيرة، أشدها التفريق في المعاملة بينها وبين إخوتها، وحرمانها من التعلم في المدرسة، وصحبة الصديقات، وأشياء كثيرة، كأنها تعيش في دنيا غير دنياهم، ولا يدري أبوها عنها شيئاً، ولم تفكر هي في مكاشفته بالأمر.
كانت الأيام تكر، وتتسع، وسناء تنمو، وتتفتح كزهرة عبقة في حميم من جحيم... كنا في الطريق المؤدي إلى شاطئ البحر، حين بثت لي لواعج نفسها، وعبرت عن شدة حاجتها إلى أمها، وتأوهت وهي تشكو قلة اهتمام أبيها بها، وقالت في ألم:
- لم أعد صغيرة، نفسي تتوق إلى ما يبهجني كغيري من النساء الصغيرات، إلى المعاملة الطيبة، والثوب الجديد، والحذاء ذي الكعب و..
- اطلبي من أبيك ما ترغبين.
هزت رأسها بانفعال:
- لا.. لا أتجرأ على ذلك.. ولا أتجرأ حتى إلى التحدث معه، و...
- شيء مؤلم حقاً.
كيف حالك هذه الأيام مع زوجة أبيك؟
- إنها تستفزني بلا مبرر، ..تغضبني جداً.. تدفع بي إلى الجنون.. أضغط على أعصابي، وأستعيذ بالله.
- هدئي من روعك، لا تقلقي، كيلا يزداد الأمر سوءاً.
- هذا ما يحصل بالفعل... الوقت لا يتسع لأشرح لك كل شيء.
توقفنا برهة عن الحديث، بابتسام، وبصوت هادئ سألتها:
- هل تنظرين إلى نفسك في المرآة؟
ضحكت، وهي تقول:
- أحياناً.. بل كثيراً.
- ما أكثر شيء يعجبك فيها؟
- عيناي.
- لماذا؟
- لأنها تذكراني بأمي.
- وشعرك بماذا يذكرك؟
- بالليل.
- هل تحبين الليل؟
- نعم، فيه راحتي، وتأملاتي.
- والنهار؟
- آه من النهار! تتورم فيه قدماي من التعب.
رأيت الألم يزداد عمقاً في عينيها، فقلت بعطف شديد:
- لا أريد أن أزيد في آلامك.. ولكنها أسئلة.. مجرد أسئلة قصيرة.
أردت أن أدخل البهجة إلى نفسها، فقلت:
- لك عندي مفاجأة، آمل أن تروقك.
بلهفة سألتني:
- ما هي؟
- احزري.
- أكره الألغاز.
- إنها كتب صغيرة، رائقة، آمل أن تعجبك، سأحضرها لك.
استجاش ذكر الكتب نفسها، لمعت عيناها، وفاجأتني بقولها:
- هل تعلمين بأني لا أدع كتاباً لإخوتي إلا أقرأه، بل وأساعدهم في فهم ما يقرأون.
بدهشة قلت:
- إنك تكبرين يا سناء، وينمو معك إحساسك بالحياة، وتذوقك للقراءة وتتدفق مشاعرك بالألم، والضيق، والحنين، والحزن، وغيرها.
أيمكنني القيام باقتراح؟
- ما هو؟
- أن تسجلي مشاعرك، وأفكارك على الورق.
بسرور قالت:
- أنا أفعل ذلك، أفعل دائماً.
- جميل جداً، آتيني بها كي أعرضها على أختي هيفاء، وكما تعلمين، هي مدرسة في تجهيز البنات، وتشجع الطالبات على الكتابة.
بهدوء قالت:
- سأريك أشياء كثيرة أحتفظ بها.
في صباح يوم ربيعي، كان الجو صافياً، والشمس مشرقة، والهواء منعشاً، حين استيقظت "سناء" متأخرة على غير عادتها، كان البيت هادئاً، وخالياً من صخب إخوتها وضجيجهم، تذكرت حديث زوجة أبيها مع أولادها أمس، تعدهم بزيارة خالتهم غداً، في إحدى ضواحي البلدة، لقضاء النهار عندها... تفقدت أركان البيت، وقامت بكل ما يلزم... تناولت الإفطار بهدوء، ولكنه ظاهري، إذ أحست بالوحشة، بحثت عن وسيلة للهرب منها... تفتحت نفسها على شيء كان مكتوماً... تنهدت بارتياح، إنه الحرية.. الحرية التي تفتقدها.. أخذت تجري هنا، وهنالك، في الليوان بين أصص الزهر، وفي الحوش، وتدور حول شجرة النارنج، وتقفز بالحبل، وتنتعل حذاء زوجة أبيها ذا الكعب المرتفع، وتغني بصوت عال... قامت بأشياء غير مألوفة لديها، لم تكن لتجرؤ على فعلها في يوم من الأيام... تأوهت وهي تتنسم بارتياح عبق الحرية... ثم وقعت نظراتها على بعض الكتب والمجلات، هتفت بلهفة:
- الآن بمقدوري أن أقرأ بصوت عال.. لا أحد ينهرني، أو يقطع علي متعتي.
لم يكن في البيت سوى هرتها التي لمعت عيناها، وهي ترى "سناء" على غير المألوف.. أخذت تجري بجريها، وتموء مع غنائها، وإن جلست تمددت بقربها، وهي تهر بنغم رقيق.
باطمئنان حدثت نفسها:
- من يدري... سأمرح كما أشاء، وأقرأ كما أشاء، وفي أي مكان أريد، إنه يوم حريتي.. آه.. ما أجمل الحرية.. كم أنا بحاجة إلى تغيير حياتي، وأن تعينني نفسي على نفسي!!
أشرق وجهها بالابتسام وهي تهرب من الخوف الذي يسكنها، وتتعرى من القلق، وتقبل على الكتاب بلهفة.
كانت القراءة تغمرها بمتعة عميقة، ولذة كبيرة، وتستسلم إلى هذا الشعور بسرور.. الفضاء ممتد أمامها، وزهرات النارنج تفتحت ليلاً، تنشر عبيرها في الدار.. لم تكن تحس بمثل ذلك في الأيام الخوالي إلا لماماً، كانت في شغل دائم في النهار، وقيود لا تجرؤ على كسرها.. وفي المساء تلجأ إلى زاويتها وقد نالها الإنهاك.
في هذا اليوم وهي تقرأ، انطلقت وراء الأفكار المنبعثة من الكلمات، ومن بين السطور، ثم تعتريها الدهشة عندما تحس بتوقدها في ذهنها.. كم كانت تحلم بذلك لتتعرف على نفسها من خلال القراءة، وتتعرف على الناس في طباعهم وأخلاقهم، وتعيش مع الأحداث والأزمات التي مرت ببلدها الصغير، ووطنها الكبير زمن الاستعمار قبل مولدها، كان سمعها يخطف بعض الأحاديث من العجائز حين يجتمعن في أرض الحوش مع زوجة أبيها، فيشوقها التعرف إلى الماضي.. تاريخه، معاناة الشعب، فوجدت في القراءة ما تصبو إليه.
تفقدتُ "سناء" هذا اليوم، لم أشاهدها كالمعتاد في الطريق إلى البئر، علمت من جارتنا "أم مصطفى" أنها في البيت وحدها، استأنست بالخبر، فاجأتها بزيارتي.. رأيت البشاشة تبرق في عينيها، وتطوف على وجهها، قد سرحت شعرها بعناية بضفائر ألقتها على ظهرها، والكتاب بشغف تضمه بين يديها، فازدادت سروراً بلقائي.
|
|
|
|
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
01-30-2022, 11:04 PM
|
#5
|
رد: رواية مارد في صدري _1
- أراك اليوم سعيدة يا سناء.. وحيدة في البيت.
بفرح أشارت إلى القطة:
- بل مع صديقتي..
ابتسمت وأنا أدرك طريقة تخلصها من الوحشة والعزلة، بالكتاب، ومع الهرة.
سألتها:
- ألا تسمعين إلى المذياع، إنه وسيلة رائعة للاتصال بالعالم؟
- لا أخفي عليك بأني أسمع وأنسى، وعندما أقرأ أتذكر.
- سمعتك وأنا عند الباب تقرئين بصوت مرتفع.
- لأن البيت خال.. أقرأ أحياناً بهمس، أو بصمت، والقراءة الصامتة تعينني على الفهم، والتأمل فيما أقرأ.
غمزت بعيني وأنا أقول:
- ألا تخشين "أم خالد" وأنت تقرئين بصوت عال؟
بلهجة حاسمة قالت:
- يكون ذلك فقط وهي خارج البيت، كي أعوّد لساني على سلامة النطق بالفصحى، كما يفعل إخوتي.
- يبدو أنك تستمتعين فيما تقرئين.
- جداً جداً.. الجديد من المعلومات يمتعني، ويخفف من ضيق نفسي.
ضحكت وأنا أسألها مازحة:
- هل يتسنى لك الوقت والمكان المناسبان.. على علمي أنك تقضين سحابة نهارك في العمل، حتى تتورم قدماك.
تنهدت وقالت:
- هي لحظات أخطفها من خلال استراحتي اليسيرة، أما المكان فزاويتي المفضلة تحت النافذة، في الغرفة الجانبية، وذهني ينحصر فيما أقرأ، لا ينشغل بشيء آخر.
- بلا شك.. أنت تفهمين ما تقرئين.. ماذا تفعلين إذا كان الموضوع صعباً؟
- أدعه جانباً.. قد أعود إليه فيما بعد.. أحاول أن أغوص فيه كي أصطاد المعاني، وأستشفّ ما وراء السطور.. أعيد الكرة مرات.
ابتسمت وهي تقول:
- يذكرني المعنى الغامض بـ "بدر" صياد السمك في بلدتنا، أراقبه عند الشاطئ، يلقي شبكته مرة تلو المرة، ثم يجذبها فيجدها خالية.. لا يتأفف.. يحاول، وبعد جهد يجذبها بمشقة، ليجدها ملأى بالسمك، فتقفز الفرحة في عينيه كقفز السمك، ويشكر الله على ما أعطاه.. منه تعلمت الصبر في الصيد، هو للسمك، وأنا لمعاني الكلمات.
نظرت إلى سناء بإكبار.. بعد برهة من الصمت، تذكرت قولاً لوالدي:
- كانت المدارس في الوطن مقتصرة على المرحلة الابتدائية زمن الاستعمار، بالرغم من ذلك، فقد ظهر الكثيرون من الأدباء والشعراء.. كان سببه الإقبال على كتاب الله تلاوة، وتدبراً، وتفهماً، حتى تميزوا بالحس اللغوي، ودقة الملاحظة، بالإضافة إلى تفاعلهم مع ظروف الوطن، فتفتّقت مواهبهم الفطرية الكامنة في نفوسهم.
ببهجة قالت:
- وأنا أيضاً أتلو آيات القرآن، وأتدبر معانيها ما استطعت.
سألتها:
- ما هدفك من وراء القراءة؟
ابتسمت والأمل يخالجها:
- بناء نفسي بتثقيفها، وتغيير حياتي في المستقبل، والصبر عليها، بحيث لا يفوتني نفع فيما أقرأ.
- لكل شيء؟
ضحكت وهي تقول:
- أتغاضى عما لا يعجبني، وأكره إلزام نفسي بشيء لا أحبه.. أقرأ ما أرتاح إليه.
- إنك تنحشرين في مكان ضيق و..
- أحبه، لأنه ملك لي وحدي.. لا يشاركني فيه أحد.. المساحة تتسع أمامي من خلال النافذة، عيناي تمسحان السماء نهاراً، وتلامسان القمر والنجوم ليلاً، والنسيم يلاطفني بنداوته.
- جميل منك هذه الهمة العالية.. أهنّئ الوقت بك، إذ لا تضيعينه في الكسل، وتستغلينه في المفيد.
- الأوقات يا عزيزتي تدعوننا إليها، لم لا نهتم بها، ونكرمها؟
كنا نتحدث بهدوء.. بلا خوف أو قلق.. النهار ملك أيدينا.. ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة، مشوبة بحزن، وقالت:
- لقد حرمت من الصديقات، وزيارة الجيران والأقرباء منذ رحيل أمي، وبخاصة صديقة طفولتي "فاطمة" بنت خديجة، وجدتها أم مصطفى.. أما الآن يخفف أسى نفسي أن أجد وقتاً ثميناً –ولو كان قليلاً- أملؤه بالقراءة، شعاري الآية الكريمة:
بادرتها بسرعة:
- "وقل ربي زدني علماً".
- هذا ما أردت قوله.
- إن زوجة أبيك حرمتك من الصديقات لتستخلصك لأطفالها.. ربما.. ربما أيضاً لأنها غريبة عن بيئتنا، فلم تراعي تقاليدنا، وأخلاقنا.. اصبري يا "سناء".. على فكرة، ما أقدمه لك من كتب ومجلات وقصص هي من اختيار أبي من مكتبته، وعلمت منه أن أمك كانت قد نالت "السرتفيكا" قبل زواجها من أبيك، وعرفت بين النساء بحسن ترتيلها لآيات القرآن الكريم.
دهشت لما سمعت.. توقفت برهة.. ثم قالت:
- القراءة تستثيرني للمزيد، وتشعرني بحاجتي إليها كلقمة العيش، أجد فيها منطلقاً لروحي، ومتنفساً لذهني، وتعلمت منها أسلوباً جديداً في التفكير، والروية في التصرف.
بانبهار قلت:
- إن الله قد متعك بالموهبة، والذكاء وحسن الفهم، عوّضك بهذه الصفات عما حرمت منه.. أخشى أن أكون قد أفسدت عليك وقتك في المطالعة، لسوف أضطر للعودة إلى البيت.
كانت الهرة تتمسح بي، وتقوّس ظهرها، وترمش بعينيها، تدعوني إلى المكوث أكثر.. مسحت على رأسها، ولوحت لها مودعة.
كان النهار يمضي بسرعة، وسناء توزعه بين القراءة والاسترخاء، والعناية بالأزهار وشجرة النارنج، حتى إذا أقبل المساء، والقمر يبزغ في الأفق، سمعت حفيف خطوات إخوتها تقترب من الباب الخارجي، وضحكاتهم تنتشر بمرح.. أحست بشيء يطاردها، وشعرت بقلبها يدقّ كالمطرقة، ويتردد صداه في صدرها، حين داهم سمعها صوت زوجة أبيها وهي تقول:
- سنرى هذه اللعينة، ماذا فعلت في غيابنا.
لملمت سناء أشياءها، وأسرعت إلى ركنها الخاص تدسّها فيه، وهي تدعو الله أن يساعدها على قول الصواب، فلا تخطئ معها.
أخذت أم خالد تلقي تساؤلاتها السريعة بصوت مقزّز، ووجه كئيب:
- هل كنست يا بنت، هل غسلت، هل...؟
- فعلت كل شيء، كل ما تأمرين به يا خالتي.
- هل أخذت الطعام إلى أبيك في الدكان؟
- نعم، أخذته.
- هيا اغربي عن وجهي.
شعرت "سناء" بالدموع الحارة تملأ عينيها، وبهمس قالت:
- يا إلهي.. ما أفظّها، ما أخشن كلامها، وأقسى مشاعرها!!
ضمّت إليها إخوتها بحنان وشوق، ثم اتجهت إلى ركنها.. ألقت بجسدها فوق الفراش.. وبنشوة عارمة قالت:
- على كل حال.. إني أبارك هذا اليوم الذي عشت فيه بحرية.
اقتربت بوجهها من النافذة، وهي تود أن تصرخ وتقول:
- آه.. ما أجمل الحرية.. ما ألذ طعمها!! |
|
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة رحيل المشاعر ; 01-30-2022 الساعة 11:18 PM
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
01-30-2022, 11:06 PM
|
#6
|
رد: رواية مارد في صدري _1
* * *
نهضت "سناء" في اليوم التالي مبكرة، لبثت برهة وهي لا تدري أين هي، تنبهت إلى الحقيقة، بقيت في الفراش مستمتعة بالدفء والاسترخاء.. تذكرت.. لا يمكن البقاء أكثر، أعمال البيت كالعادة تنتظرها، ..ثم الخروج إلى البئر، وإلى البحر..
في هذا اليوم لم تتململ.. انتابها إحساس خفي ممتع، تماوج في صدرها، نظرت إلى الطست المليء بالأشياء، وإلى الصفيحة الفارغة، وشعرت بالرغبة في الانطلاق، وارتسم الارتياح على وجهها.. مر بذهنها صورة "خضرة"، وأختها "بدرية" العمياوين، وهما تملآن الجرار من البئر، أحست بشوق نحوهما، اعتادت على رؤيتهما، لم تكونا تتضجران من العمل، كانتا تحدثانها، وتسألان عن صحتها.. في إحدى المرات ذكرت "خضرة" أمامها "فخرية" أمها، ولكن سرعان ما ضغطت أختها على يدها، وقالت: هيا يا "خضرة"، وراءنا أشغال كثيرة.. شعرت سناء بشيء تكتمانه عنها، تساءلت في نفسها: ما هو...؟ إنها لا تدري.. شذرات من مواقف تنبهها، وتترك آثاراً غامضة، ثم لا تلبث أن تتلاشى.. بلهفة حدثت نفسها:
- لماذا في هذا اليوم بالذات تدفعني الرغبة الشديدة للخروج؟
أهي الحرية تستدعيني إلى الهرب من الضغط والقسوة؟
هل هو ولادة لشعور جديد أيقظه يوم أمس؟
لم تتردد.. خرجت والطست بصحبتها.. استدارت في الطريق المؤدي إلى البحر.. المنازل قائمة على جانبيه، مغلقة أبوابها، على مسافة بعيدة تبدو المنارة، ومن ثم البحر من ورائها.
وقفت أمام مياه البحر الغارقة بأشعة الشمس، الزوارق يؤرجحها الموج، تحمل بعض الناس إلى جزيرة "أرواد"، وأخرى تعود منها.. شعرت بشيء من البهجة تطفو في نفسها، لم تدر كنهها، هل هي لذكرى بعيدة خطرت أمامها مع أمها، وهي دون الخامسة؟.. وتغيم الخاطرة، فلم تستطع أن تسيطر عليها كانت عيناها ترحلان من الناس.. كم تمنت أن ترحل معهم!!. بكت... لم تبكي..؟.. لا تدري.. والزوارق الرمادية تختفي شيئاً فشيئاً.
كانت الذكريات تستيقظ في ذهنها، وهي تتأمل البحر، وشعور لذيذ يستجيش في صدرها، مسافات وأزمنة يختصرها التصور.. وكأن هذا اليوم بداية لحياة جديدة.
شعرت بتطور يزحف إلى نفسها، لامست صدرها وردفيها.... أحست بتغير في جسمها.. سخرت وهي ترى أن طريقة حياتها ثابتة لا تتغير، فما زالت تخضع لتحكم العادات منذ وقت الاستيقاظ من النوم، حتى وقت الإخلاد إلى النوم، تقوم بالأعمال بصورة تلقائية، تتم بحكم العادة، بتوجيه من زوجة أبيها، حتى تكون لديها السرعة في الاستجابة دون أدنى تفكير.
استلقت فوق الرمال، كانت أنفاسها تتردد مع عبق أعشاب البحر، فقررت أن تغامر ببعض الوقت، لتستمتع بالطبيعة دون خوف أو قلق.. كل ما حولها يحثها على التأمل، والتفكر في الكون، وفي نظام الحياة، وتتغلغل في خباياه بالتصور، والخيال، وفي نفسها رغبة ملحة في تحويل عاداتها التقليدية إلى أفعال فيها الشعور، واليقظة.
كثير من الأطفال كانوا يلعبون فوق الرمال، ومن النسوة من يغسلن الأشياء في تجاويف الصخور كعادة قديمة... تعمقت في الاستغراق، وتجاذبتها الخواطر، ورجعت بها الذكريات إلى ضفاف طفولتها، فأحست بالدمع يتعلق بأهدابها... انتفضت في مكانها حين سمعت صوتاً يقول لها:
- ماذا بك يا سناء، هل تشعرين بشيء؟
فتحت عينيها، فرأت طفلاً في العاشرة ينظر إليها بعطف شديد:
- ما بك، هل رطوبة الجو تزعجك؟
- لا، لا شيء من هذا.. فقط أشعر ببعض التعب، والحاجة إلى الراحة.
- هل أجلس معك؟
- لا، لا.. الواقع أني أحب الوحدة... على فكرة، كيف عرفت اسمي؟
ابتسم بعفوية وهو يقول:
- من لا يعرف اسمك.. "سناء بنت فخرية".
- أجل، أنا هي "سناء بنت فخرية".. أرجو أن لا تزعج نفسك من أجلي، أنا بخير.
بسخرية حدثت نفسها:
- ظروف حياتي تفرض علي العزلة عن البشر، أراهم ولا أكلمهم.. سئمت.. فإلى متى..؟
كانت رائحة البحر مغرية، والرمل دافئاً من أشعة الشمس، وصخب الأمواج يخلع السكون من القلب والمكان، والطيور تصوت في الفضاء، تحلق تارة، وتهبط تارة أخرى، تباغت طفو السمك، لتلتقطها بمناقيرها.. وحكايات الأطفال، والنساء الصغيرات تتناثر مع الهواء، وتتخم ذاكرة البحر.
يعصف "بسناء" الشجن، فتلوذ بالصخور، تجلس بينها، علمتنها أن تكون صلبة مثلها، هي تتحمل لطم الموج، والأعاصير، و "سناء" تتحمل صفع الألم، والقهر، كلاهما يصبر على البلايا.
بحيرة ساءلت نفسها:
- ماذا يجري لي؟
أرى اليأس يدفعني أحياناً لأفتش عن الأمل في نفسي، كي تنجلى وتصفو... ثم يقترن الألم بالبسمة، وتقول:
- أرجو أن يكون يومي خيراً من أمسي.
صارت أحاسيسها تتسع في صدرها يوماً بعد يوم، وهي في الطبيعة ترجع الحوادث، وتعلمها الحياة ما الحياة، وأن التشاؤم يندفع من داخلها وليس من الحياة... ثم أدركت أنها لم تصل بعد إلى مرحلة شجاعة الموقف، وصراحة القول، والرفض.. كانت ترخي على الطبيعة شباك الرؤية، وتشعر بالظمأ الشديد للمعرفة، تراقب فعل الريح وهو يجرح وجه البحر الأملس، ويحيله إلى حبك متتابعة، والبحر يستسلم... يصبر.. لامست وجهها بكفها، تذكرت مواقف أليمة.. شدت ما بقي من شعرها الناعم برفق، ثم أخفته تحت ياقة ثوبها، تنهدت وهي تقول:
- أنا وأنت يا بحر نذوق المرارة.. ونصبر.
كانت تعيش في جنة من فصول الخيال لذيذة، تتمنى لو أن النهار يمتد والدهر يتمطى، وتستسلم إلى أحضان الطبيعة، بنقائها، وبراءتها، وإلى الحقيقة بصراحتها.
كانت روحها الشابة تثب إلى التغيير، وتحويل العادات إلى شيء جديد، فيه الحيوية والنشاط، بالتفكير، والتخطيط.. كان في داخلها شيء يتحرك كالوحش يريد الخروج، ويكسر الجامد من المألوف، ويعتقها من القيود... حثتها أمنيتها على تحسس الحرية عند الشاطئ، مع النسيم تطوف معه، ومع الفضاء الواسع تمسحه بناظريها، ومع الطيور تحلق بتحليقها، ومع انسياب الزوارق، ووشوشة المويجات، ودغدغة السمكات، وجري السراطين وهي تختبئ في زوايا الصخور... كانت تتابع الأشياء بعينيها، فيتساقط الإعياء من هشيم نفسها، منهمراً على هشيم الرمال.
أشياء كثيرة تفتحت لها نفسها، ما كانت لتأبه لها، كان الوقت يملكها، وليست تملكه، والحرية عنيدة، شريدة تستعصي عليها، واليوم تشعر بحلاوتها، ويجنح خيالها، ويفور طبعها.
كثيراً ما ترخي العنان لأحلامها، وتمتطي الأمواج، وتجد في الطبيعة حناناً ورأفة، تخشى عليها من وهج الشمس، فتمد لها الظلال عند منحدر الصخر، ويطيب لها السمر مع السمكات الهاربة إلى الهاوية..
كنت قد خرجت من المسجد بعد حضوري درس الدين مع عمي الشيخ عبد الله المجذوب وأعلم بوجود "سناء" عند الشاطئ ذلك الحين.. بحثت عنها وجدتها تتكئ على صخرة كانت نظراتها مشتتة في أرجاء الطبيعة، وفي ذهول.. غافلتها بصمت، لمست كتفها، اندهشت.. بادرتها بقولي:
- أهنا تختبئين يا سناء؟
- لا أختبئ.
بابتسام قلت:
- إنها مجرد عبارة لا أكثر.. شعرت بحاجتي للحديث معك فجئت إليك.
- وأنا أشعر بمثل ذلك.
- أرجو أن تكوني بخير.
- فقط أشعر ببعض السأم.. تذكرت أشياء في طفولتي.
- إن كانت سيئة وجب نسيانها.. اطردي السأم من نفسك.
تنهدت وهي تقول:
- يحكون كثيراً عن الحرية في مجالس السمر، فأقتنصها هنا فقط.
أشارت إلى البحر، وبتعجب قالت:
- من يدري ما تحت الماء؟
بادرتها:
- أسماك، وحيتان، وجثث غرقى، وأشياء مهشّمة، و..
- بل أقصد الأسرار في أعماقه، كما في صدري.. آه يا عزيزتي من الوحشة، والغربة، وذكريات الماضي.. هل تبقى مدفونة يا ترى، أم ستنفجر يوماً ما؟
- بل ستنفجر، وتطفو على السطح.
قلت مازحة:
- ماذا كنت تفعلين هنا؟
ضحكت وهي تقول:
- أسير على الغيوم.
- إذاً، أهلاً بك على الأرض.
ثم بضيق قالت:
- إن في داخلي طفلة خائفة، تتصارع مع وحش.
- الوحش هو التمرد، يريد الخروج، دعيه ينفلت.
- كيف؟
- بتلاوة القرآن، والتعرف على أحكامه، وحقوقك، وبالعلم والمعرفة كلها وسائل تعينك على إخراج الوحش من نفسك.
- صدقت، هذا ما أحاوله.
- الحياة يا "سناء" لا تتغير إلا بتغير ما في نفوسنا، حرّري عقلك، يتحرر جسدك، وستكون أمورك على خير.
طافت البسمة على وجهها، وبرقت عيناها وهي تقول:
- بحديثك تخففين عني.. وأنا معي أضحك من أعماقي، ولكنه ضحك يمتزج أحياناً بالحزن.
.. إنك تحافظين على قوتك بهذه النزهة اليومية، اعتبري مجيئك إلى البحر نزهة، كي تحافظي على عقلك بالتأمل والتفكّر، وبتثقيف نفسك.
- ولكن..
- ماذا؟
- لا أدري.. هل أحدثك عن طفولتي، لأتخلص من بعض أشباح الماضي؟
- فيما بعد.. عبّري عنها بالكتابة.
بلهفة بادرتني:
- كثيراً ما أكتب، حتى غدت الكتابة هوايتي المفضلة بعد القراءة.
- رائع، شيء رائع، ثابري ما أمكنك ذلك.
سألتها بهدوء:
- ما رأيك بمناقشة الكتاب الذي تقرئين، وتحددين فكرته؟
- هذا يسعدني، ويساعدني في السيطرة على شرود ذهني وتشتت فكري.. عسى أن أبني نفسي وأتحرر من همومي.
نظرت إليها بإعجاب وقلت:
- سبحان الله، فعلاً، إنك تتغيرين يا "سناء"!
أردفت بفخر:
- يا ابنة فخرية.
- يجب أن أبرح حالاً.
حملت الطست تحت إبطها، واندفعت فوق الرمال، ثم انجرفت في الطريق المؤدي إلى داخل الحي.. تابعتها بنظري، وأنا أخشى عليها من العتاب لمغامرتها ببعض الوقت.
* * *
|
|
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة رحيل المشاعر ; 01-30-2022 الساعة 11:42 PM
|
2 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
01-30-2022, 11:11 PM
|
#7
|
رد: رواية مارد في صدري _1
طرح في قمه الروعه والجمال
سلمت اناملك ويعطيك العافيه علي مجهودك
في أنتظار المزيد
من عطائك والمزيد ومواضيعك الرائعة والجميله
ودائما في إبداع مستمر
|
|
|
01-30-2022, 11:16 PM
|
#8
|
رد: رواية مارد في صدري _1
|
|
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ شاعر في المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
02-01-2022, 04:03 AM
|
#9
|
رد: رواية مارد في صدري _1
إختيار رائع لاعدمنا هالحضور والتميز
|
|
رحيل /سمو /معاذير غربة خلود حكاية عشق و عين هيبة شموع
أما عن كفة الأصحاب ، أنا حظي عظيم
محاطة باصدقاء* مثل النور
ياربّ لا تجعلني أرى فيهم حزناً ولا همَّاً ولا تعباً ،
واجعلني أرى فيهم فرحاً و سروراً
[/LEFT]
|
02-01-2022, 11:24 PM
|
#10
|
رد: رواية مارد في صدري _1
نقل مميز وجهد مبدع وعطاء مستمر
سلمت يمينك على ما بذلت كل الشكر لك
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
المواضيع المتشابهه
|
الموضوع |
كاتب الموضوع |
المنتدى |
مشاركات |
آخر مشاركة |
تدبر بستان المعاني
|
عين الثريا |
زوايا عامه |
18 |
05-13-2020 02:42 AM |
من بستان الحكمة
|
صاحبة السمو |
زوايا عامه |
14 |
06-08-2019 03:59 PM |
تخيل حياتك بستان
|
۩۞۩ رآقـيے بطبعيے ۩۞۩ |
زوايا عامه |
10 |
03-23-2017 10:43 PM |
بستان العجوز
|
شموع الحب |
قصص - روآيات - حكايات ▪● |
26 |
03-19-2017 10:17 AM |
من بستان الطب ::
|
مہلہك الہعہيہونے |
آلطِبُ وَ الصحْه ▪● |
25 |
06-18-2014 02:03 AM |
الساعة الآن 09:47 PM
| | | | | | | | | | |