عالمية الإسلام تعني أن الإسلام لم يكن يوماً للعرب، ولم يكن القرآن يوماً لقريش فهو ، منذ اليوم الأول سواء وهو يخاطب العشيرة الأقربين، أو يخاطب قريشاً، أو يخاطب العرب أجمعين، أو يخاطب الناس كافة، إنما يخاطبهم بمبدأ واحد؛ ويطلب منهم الانتهاء إلى هدف واحد هو إخلاص العبودية لله، والخروج من العبودية للعباد، إلى العبودية لرب العباد بل إن هذه الحقيقة هي فحوى دعوة الأنبياء جميعاً.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ لَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الأنبياء الآية: 25]
إن هذا الدين ليس إعلاناً لتحرير الإنسان العربي! وليس رسالة خاصة بالعرب إن موضوعه هو الإنسان .. أي إنسان .. ومجاله هو الأرض .. كل الأرض، إن الله سبحانه ليس رباً للعرب وحدهم ولا حتى لمن يعتنقون الإسلام وحدهم .. إن الله هو رب العالمين وهذا الدين يريد الله منه أن يرد العالمين إليه؛ وأن ينتزعهم من العبودية للبشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر .. إلى العبودية لخالق البشر، وهذه هي العبادة التي لا يمكن أن تكون إلا لله، وأن من يتوجه بها لغير الله يخرج من دين الله، مهما ادعى أنه من هذا الدين بمكان، ولقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الإتباع هو العبادة، فقال عن بعض المشركين :
((إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فتلك عبادتهم إياهم))
أما العولمة كما يريدها، ويروِّج لها دُعاتها لا تعدو أن تكون تعبيراً معاصراً عن نزعة تسلطية قديمة ، صاحبت كل قوة غاشمة على مدار التاريخ، إنها تضفي طلاءً من الذهب على الأغلال الحديدية، وتتوارى خلف أقنعة زائفة من العبارات الجذابة، والشعارات البراقة، كالعدالة، والديمقراطية، والحرية، والسلام العالمي، والتعايش السلمي، وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، فهي علقم قديم في آنية جديدة
ولعل من أبرز مظاهر هذه العولمة انهيار السدود بين الحضارات والثقافات وفرض الهيمنة الغربية في مختلف المجالات، سياسة، واقتصاداً، وإعلاماً، وفكراً؛ توطئة للاستيلاء على ثروات الشعوب، وشل قدراتها الوطنية، ومسخ هويتها، وخصوصياتها الحضارية، وتحويل أسواقها المحلية إلى أسواق استهلاكية ، تفتح الأبواب على مصاريعها أمام الشركات الأجنبية لترويج منتجاتها ، وتراكم أرباحها، وقد رأينا من ذلك بدايات مؤسفة لا تخطئها العين، تمثلت في شيوع التقاليد والأزياء، وأنماط الحياة الغربية، ومزاحمتها لمثيلاتها الوطنية مع ما يجلبه هذا الوافد الغربي من مفاهيم بلاده وقيمها، ولعل هذا يوضح الصلة بين شيوع هذه المظاهر، وبين مظاهر التخنُّث ، وضعف التدين ، وانفراط عقد الأسرة وانتشار المخدِّرات والجريمة المنظمة.
القوة الناعمة
ولقد وعى القوم دروس التاريخ فقدموا القوة الناعمة، وهي المرأة على القوة الضاربة؛ لأنها أقل استفزازاً للآخرين، وأقل ظهوراً لهم، وأقدر على شلّ قدراتهم على المقاومة، وأقتل لروح الاستبسال والمواجهة في صدورهم، وإذا كان الأسلوب التقليدي لدى القوم قد تمثل في حمْل الآخرين على فعل ما تريد، ولو باستخدام القوة المسلحة، فإن الأسلوب الأمثل اليوم يتمثل في حمل الآخرين على إرادة ما تريد، والإقبال عليه عن طواعية واختيار وهذا يتوقف بطبيعة الحال على حسن تسويقه، وجاذبية عرضه من ناحية، كما يتوقف على حجم الإغراء الذي تحمله الجوائز التي تقدم ثمناً لمَن يتعاونون مع القوم من ناحية أخرى.