تستفيق.. تتوقف.. تتخير من تبدأ معه الحوار. تفك متاريس الكلام بحوار دافئ.. يتواصل.. يزيد من دفئه اندفاع صدرها بوجهها نحو محدثها بعفوية.. يعضده عبق أنثوي متسلل. تضيق المساحات بين الوجوه، وتتسع. تسقط فواصل، وتعلو أسوار تحكم حدود الحوار.
في رقة، تلح في عرض قائمة أصناف المشروبات والشطائر. في خفة تنتشل وجهها.. تتنقل.. تتوغل بين الصفوف العرضية، المقطوعة بالممر حتى تصل إلى المؤخرة الشاغرة.
تعود، مدوّنة ما طلب منها. ترمق في إطلالات مشعة سريعة وجوها لم يصل إليها وهج لحظات اقترابها الخاطفة
تتحسس عيناها جسدها على مهل. تغيب في باطن العربة، ثم تلوح صاعدة تحتضن (السرفيس)
***
يصير السهم ككتلة ضوء تخترق الظلام الدامس، تغازل أضواء متباعدة.. متناثرة.. متضائلة فيما حول الطريق.
تلقى بجسدها على مقعد إلى جوار القائد. تلتقط مسامعها همسا حالما بـفيلم يدور بتلفاز العربة. يطبق جفناها على صورة فارسها.. تكاد تسكرها لذة لحظات التداني.
يباغتها دخان سيجارة.. يتسلل إلى أنفها، ولا توليه انتباها. تهزها يد القائد ؛ لتواجهها نظرته القامعة المستفسرة. تنتفض واقفة.
تسرع. تتسمر في مكان انبعاث الزفرات. يغرز الرجل عينيه في عينيها مبتسما.. تشع نظرته المستغرقة بخليط من إعجاب مطارد، وتوسل. ترفع الشعر عن جبينها، تعالج به أثر فرط النظرات المفترسة. تحرك سباتها نحو المؤخرة الشاغرة، تهمس بصوت خفيض:
ـ إن كان لابد من التدخين.. فليكن بالمؤخرة، ولتحاذر.
وتعود.. تمسح الصفوف بعينيها الهاربتين. تداعب يدها خصلات شعرها المنسدلة، ترفعها. تشد قامتها مع صدرها المكتنز. تشعل الإيماءات، والنظرات المتناثرة حولها مكامنها المحتبسة.
يسدل الصمت ستائره، فتحتويها أريحية المقعد. يشف ذهنها المتوقد. تندلع في جوانحها الأسرار والحكايات.. تتبدى.. تتكشف.. يفرد لها الخيال بساطه، فتستسلم لغفوة.. ترتحل فيها، تعانقها أحلام عطشى. تتناثر بقع الضوء المتماهية. تتوه في محيطها المتسع. تلاحقها أطياف. تدنيها آمال. تتقلب على فراش من خواء.. تلملم أجزاء الحلم. تتلاشى منها. تأتيها. تعود للاندحار والتلاشي.
***
يلوح مدخل المدينة المبهر الأضواء. يصير بريق السهم باهتا، يذوب ضوءه في محيط الضوء الباهر.
تبرز مرة أخرى من أحشاء العربة، في ملابسها الشخصية. يتدلى شعرها ملموما، مربوطا خلف ظهرها. تكسو وجهها نظرة محايدة. يعلوها كدر ككدر ما بعد الصحو.
تتوغل بين المقاعد. تقوم بالتحصيل.. ثم تعود.. تلازم مقعدها الأمامي متيقظة، بينما يلج السهم ميدان ربوضه