05-04-2014, 03:43 PM
|
|
|
|
|
قصة طفل مشرد
بعد ليلة طويلة في إحدى المدن الصغيرة، وبعد انتظار طويل في إحدى المستشفيات، تلاشى القلق وكشف عن ابتسامة عريضة على وجه خالد عندما أخبرته الممرضة أن الله قد أنعم عليه بولد. كانت فرحة هذين الوالدين لا توصف، إذ أن أول طفل لهما ذكر. فقد كان الناس في تلك المدينة يفخرون بأولادهم ويعتقدون بأنهم سيرفعون رؤوس أهاليهم أكثر من البنات.
بعد مرور عام، وعندما كان خالد وزوجته يتجولان مع صغيرهما (فهد)، تقدم نحوهما أحد المنجمين المحتالين وقال: "ما أجمل هذا الصغير! أتودان أن تعرفا ما يحمله المستقبل لكما ولطفلكما؟" نظر خالد إلى زوجته، ثم إلى فهد، وقال: "أريد معرفة مستقبل ابني". ابتسم المنجم ابتسامةً خبيثةً ومد يده: "عشرون دينار..." أعطاه فهد ذلك المبلغ دون تردد، وكان متحمساً لمعرفة ما تخبئه الأيام لابنه، مصدر فخره. ثم أخذ المحتال يهمس ببعض الكلمات الغريبة، وقال وهو يدَّعي الحزن: "للأسف يا سيدي، إن ابنك هذا سيسبب لك الكثير من المشاكل ويفضحك أمام أهل المدينة. أعلم أنني خيبت ظنك ولكنها الحقيقة". غضب خالد ولكنه لم يصدق كلام ذلك المنجم، بل حمل طفله وعاد إلى منزله.
مرت سنتان وبضع أشهر، وكان فهد قد أكمل الثالثة والنصف من عمره. وكان كلما شاهد أطفالاً يذهبون إلى المدرسة على شاشة التلفاز، يسأل والدته: "متى سأذهب إلى المدرسة؟" وتجيبه: "عندما تصبح في الرابعة من عمرك". وكان خالد يمر بأوقات عصيبة في عمله خلال هذه السنة، حتى عاد يوماً إلى بيته والغضب ساطعٌ على وجهه، والحزن يغمر عينيه. أسرعت الزوجة إليه وحاولت معرفة ما يحدث، فصرخ خالد: "أفلسنا يا منى، أفلسنا! لقد فقدنا كل ما نملك". وقفت منى مندهشة دون أن تنطق بحرفٍ واحد. لقد كانت صدمةً كبيرة. ثم خرج فهد من غرفته وهو يجري نحو أبيه بابتسامة بريئة ووجه سعيد، فقال: "أبي، أريد شراء حقيبة؛ لأذهب إلى المدرسة عندما يصبح عمري أربع سنوات". نظر الأب إليه، فتذكر ما قاله المنجم قبل بضع سنين. ثم أخذت الأفكار الغريبة تملأ رأسه وهو يتحدث في نفسه، "ترى، هل هذا ما كان يعنيه المنجم؟ أم أنها البداية فقط؟ أيعقل أن فهد قد جلب لي هذا الحظ التعيس؟!" ثم ارتفع صوته: "هذا صحيح". نظرت إليه منى نظرة تساؤل، فقال لها: "كلام المنجم صحيح". دخل خالد ومنى إلى غرفتهما بعد نقاش طويل، وكانا قد قررا التخلص من فهد حتى لا يجلب لهما العار كما قال المنجم.
في اليوم التالي، أخذ خالد فهد معه وخرج يتنقل من محل إلى آخر، يسأل أصحاب المحلات إن كان يريد أحدهم ذلك الصغير. وأخيراً اشترى أحد الرجال فهد بثمنٍ بخس. قال خالد: "ابقَ هنا يا فهد مع هذا الرجل الطيب؛ لدينا أعمال كثيرة علينا القيام بها أنا ووالدتك. سنعود لأخذك بعد أيام قليلة". ورحل الأب ولم يَعُد بعد ذلك.
مرت أشهر وكان صاحب المتجر قد مَلَّ من كثرة سؤال فهد عن والديه، فقال له: "لقد مات والديك، وعليك أن تنساهما للأبد. أنت الآن خادم لدي ويجب أن تطيعني، أتفهم ذلك؟ لن تأكل وتشرب دون مقابل. عليك أن تعمل لترد ثمن ما أكلت. هيا، تحرك". لقد ظهر التاجر البخيل على حقيقته. وبما أن فهد كان صغيراً، في الخامسة من عمره، فقد جعله يعمل في تنظيف أحذية الناس في الشوارع، ويعطي كل ما يكسبه من مال إلى صاحبه الجشع. لقد كان التاجر قاسي القلب وعديم الرحمة. كان يصرخ في وجه فهد كل يوم ويضربه لأتفه الأسباب. وكان كلما عاد إليه فهد بمال قليل أو دون مال، عافبه بحرمانه من الطعام، حتى أصبح ضعيفاً جداً وبرزت عظامه. ولم يكن يهتم بإعطاء فهد ملابس، حتى بعد أن تمزقت ملابسه وأصبحت رثة. وكان يعمل حتى في الشتاء، حين يكون الجو بارداً والثلوج تتساقط. وفي إحدى الأيام، سقط فهد مريضاً ولم يقوَ على الحركة، ولكن التاجر لم يهتم به كثيراً، بل قال لنفسه: "سيشفى قريباً". وتوالت الأيام، واشتد المرض وضاق التاجر بوجود فهد في بيته، ولم يرد تحمل تكلفة أخذه إلى الطبيب. فلم يكن منه إلا أن طرده من المنزل. كانت ليلةً ظلماء شديدة البرودة، ولم تكن ملابس فهد الرثة تدفئ ولو جزءاً من جسده النحيف. أخذ يمشي وهو يمسك جدران المنازل، باحثاً عن مكانٍ دافئ يلجأ إليه، ولكنه لم يتحمل فسقط على الأرض فاقداً وعيه. ومضت الأيام، يوماً بعد يوم من المعاناة والتشرد والجوع. ينظر الناس إلى هذا الصغير بلا مبالاة. كم هي الحياة قاسية! طفلٌ صغير يتنقل بين سلات المهملات، ويبحث في النفايات عن شيء يؤكل. إنه يعيش على بقايا الطعام التي يرميها الناس غير آبهين بهذا الصغير وغيره من الذين يموتون جوعاً كل يوم.
وفي إحدى الليالي المثلجة، حيث ساد الظلام أرجاء المدينة، وكست الثلوج الأرض، وأُغلِقت أبواب المنازل لينعم أهلها بالدفء، وقفت سيارة أمام المخبز. نزل منها رجل في الأربعين من عمره ليشتري بعض الخبز والكعك. كانت ليلة هادئة، كل شيء فيها ساكن، حتى القطط اختفت في مخابئها لتتجنب البرد. وفجأة، سمع الرجل الطيب (صالح) صوتاً يقتل سكون الليل وصمته. "إنه صوت بكاء! ترى من الذي يبكي في هذا الوقت؟!" اقترب صالح من الصوت حتى وجد طفلاً صغيراً، بثيابٍ بالية، وشعرٍ متسخ، يجلس في زاوية قرب النفايات، متكوراً يحاول تدفئة نفسه. وضع صالح يده الدافئة على ذراع الطفل، فرفع الطفل رأسه ليرى صاحب هذا اليد الحنون. بهر صالح عندما رأى تلك العينان البنيتان الجميلتان اللتان تبعثان الدفء لناظرهما، وذلك الوجه البريء الذي أخفت الأوساخ جماله وبريقه. ثم سأله: "ما اسمك يا صغيري؟" أجابه بصوت منخفض: "فهد". "وأين والديك؟" ساد الصمت بينهما بضع ثوانٍ، ثم قال صالح: "لا بأس، تعال معي". ارتسمت ابتسامة بريئة على وجه فهد، خطفت قلب ذلك الرجل الطيب. وضع صالح معطفه فوق جسم فهد، وركبا السيارة. وفي الطريق إلى منزل صالح، تناول فهد خبزاً دافئاً كان قد أعطاه صالح له، ثم نام في السيارة، مستمتعاً بدفء المعطف.
وفي الصباح، استيقظ فهد من نومه وأخذ ينظر حوله مندهشاً "أين أنا؟ لابد وأنه حلم آخر من هذه الأحلام التي سرعان ما تزول". أغمض عينيه وفتحهما مرة أخرى "لم يختفِ شيء! يا لدفء هذا المكان!" ثم دخلت الغرفة خادمة وقالت: "استيقظت أخيراً، هيا إلى الحمام. إنها أوامر الأستاذ صالح". غسلت الخادمة جسم فهد وشعره وأسنانه. وقام حلاق صالح الخاص بقص شعر فهد الطويل وتمشيطه وترتيبه. ثم ألبساه ملابس جديدة كان صالح قد اشتراه له. اصطحبته الخادمة بعد ذلك إلى غرفة الطعام حيث كان صالح ينتظره. قالت الخادمة لفهد: "قل للأستاذ صالح عندما تدخل، صباح الخير". دخل فهد وقال بصوت عذب: "صباح الخير". رد صالح: "صباح النور. تبدو رائعاً يا بني. تعال واجلس بقربي". جلس فهد وهو ينظر إلى هذا الرجل الطيب دون أن ينطق بكلمة. سأله صالح: "ألن تأكل؟!". رد فهد ببراءة: "هل هذا الطعام لي؟" ابتسم صالح وقال: "طبعاً يا عزيزي. كل ما تشاء، كلها ملكك حتى هذا البيت. أعني إن كنت راغباً في العيش معي". اندفع فهد إلى أحضان صالح قائلاً: "شكراً سيدي". "لا داعي لأن تناديني بسيدي. اعتبرني بمثابة والدك". "بابا، أحبك".
كانت فرحة فهد لا توصف، فقد عوضه هذا الرجل المحترم عن كل الحب والحنان الذي فقده. وعاشا معاً حياة مليئة بالحب والفرح والسرور. لقد تحققت أمنية كل من صالح وفهد، فقد كان صالح يتمنى أن يكون له ابن أو ابنة تملأ حياته بالسعادة، وكان فهد يحلم أن يكون له أب حنون يملأ حياته عطفاً ودفئاً. وتحقق أيضاً حلم فهد بأن يذهب إلى المدرسة كباقي الأطفال. تعلم فهد وأصبح طالباً مجتهداً يحصل على درجات عالية. كبر فهد وأصبح شاباً وسيماً جذاباً وقوياً. ودخل إحدى الجامعات، وكرس وقته لطلب العلم حتى يرفع رأس أبيه (صالح) عالياً، وأصبح موضوم أحاديث الناس في المدينة.
جلس خالد ومنى أمام التلفاز بعد أن سمعا بأن مقابلة ستجرى مع إحدى الشخصيات المهمة في المدينة وأشهر الأطباء الشباب. وما أن ظهرت صورة فهد على الشاشة، وقفت منى وصرخت: "فهد! إنه ابني فهد". نظر خالد إليها بتعجب ودهشة. قالت له: "انظر إلى عينيه". كان فهد يتميز بعينين بنيتين جذابتين تشعان دفئاً وإشراقاً، وشعر بني ناعم، ووجه هادئ. "أنت محقة. إنه فهد!" امتلأت عينا منى دموعاً لرؤية ابنها بعد طول غياب.
وفي اليوم التالي، ذهب خالد ومنى إلى بيت الأستاذ صالح بعد أن علما أن فهد يعيش هناك. استقبلهما صالح ورحب بهما، ثم سألهما عن سبب هذه الزيارة، فأخبراه أنهما والدا فهد وقصّا عليه ما حدث. ثم طلبا منه أخذ فهد. حزن صالح ولكنه لم يرد منع والدين مشتاقين عن ابنهما، فنادى فهد. وعندما علم فهد أنهما والداه الحقيقيان، غضب ورفض العودة إليهما، وقال: "لقد تخليتما عني وأنا في أمس الحاجة إليكما، وحرمتماني من الحب والحنان والتمتع بطفولتي. عانيت كثيراً وتعذبت، فأين كنتما حينئذٍ؟ تهت وتشردت في الشوارع أبحث عن لقمة بين النفايات، فأين كنتما حينئذٍ؟ أنا آسف، ولكني لن أذهب معكما. سوف أبقى مع أبي (صالح)، ولن أتركه حتى أفارق الحياة". صدم خالد ومنى لسماع هذا الكلام. إنه محق. لقد تخلينا عنه في صغره، والآن ها هو يتخلى عنا. خرجا من المنزل حزينين متألمين. ثم سقطت دمعة ندم على خد خالد، وقال: "كذب المنجمون ولو صدقوا".
rwm 'tg lav] lwvd 'tg rwm
طويلة بال واصبر واسامح اليوم قبل بكره
احب من قلب واتحمل كبر السماء
لكن والله اني شينه لاعفت
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
المواضيع المتشابهه
|
الموضوع |
كاتب الموضوع |
المنتدى |
مشاركات |
آخر مشاركة |
( من مسرح الحياة ) ..!
|
غيم |
زوايا عامه |
0 |
05-19-2016 04:12 PM |
مسرح الاحزان
|
كبرياء أنثى |
هذيان الروح ▪● |
16 |
04-06-2016 12:50 AM |
من وحي مسرى الحبيب
|
سراج المحبة |
هدي نبينا المصطفى ▪● |
14 |
02-18-2015 08:52 PM |
الساعة الآن 09:44 PM
|