كن جميلا (3)
[1]
عندما تتباطأ سيارة أخرى تمشي أمام سيارتك، فتعطلك قليلًا، لا تفكِّر في أنه من الضروري أن تضرب لقائدها البوق بشكل متواصل لتذكره بذنبه الكبير، ولكي تلفت نظره إلى بذل أقصى ما عنده لكي يتحرك الآن بسرعة طبيعية أو يفسح الطريق لتمر وحدك ثم ليحدث من بعدها ما يحدث، فكِّر في أن هذا الرجل الذي يبدو عليه العناء والتوتر والحسرة، قد واجهته مشكلة لا ذنب له فيها، وأنه لا يتمتع بتعطيلك على الإطلاق، وأنك قد عانيت من هذا من قبل، وفوجئت بزئير السيارات المتلاحق من خلفك، وكان أكثر ما ضايقك هو عدم تقدير الناس لما أنت فيه، لا مدوا يد المساعدة ولا صبروا، فلا تكن كمن كانوا من خلفك يومًا ما.
[2]
عندما تصرح لك خطيبتك بارتباك برغبتها في فسخ الخطبة، استوعب الأمر واسمع لها جيدًا، ساعدها على أن تتكلم ببساطة، ولا تمارس ضغطًا عليها بأي وجه؛ وإن وجدت إصرارًا ناتجًا عن عدم قبول، وأنه ليس هناك وشاية أو سوء فهم، فيجب أن تنسحب بطريقة تليق برجل كريم ناضج، لأنه كلما طال إلحاحك عن المقبول شاهت صورتك، وشحنك التوسل إليها بعاطفة مشوبة بالحقد. لا تفكِّر في كون المجتمع المحيط سيتكلم عن أن فلانة تركت فلانًا، ولا تفكر بأنه يجب عليك فور يأسك منها الحط من صورتها وصورة أهلها، ولا تفكر في أنها بالتأكيد سيأتي يوم عليها بعِشرة غيرك ستندم عليك؛ بل فكِّر في أن هذا أفضل كثيرًا لك من أن تستمر معك فلانة وروحها ليست معك، فكِّر في أن نظرتك لنفسك وتقديرك لها لا يسمحان لك بأن تكون سجانًا لأحد مهما أحببت رفقته.
[3]
عندما يفد إليكم في العمل موظف جديد، يظهر عليه ما يظهر على بعض المستجدين على بيئة عمل من رهاب وتوتر وترقُّب، لا تنظر له باستخفاف وتقتحمه بعين الأقدمية التي تستلذ بتلك الحالة من الضعف التي تعتري بعض المستجدين، لا تفكِّر في أنه مجرد شخص جديد لا خبرة له بالمكان يحق لك وقد استقررت في عملك أن تشعر بالتميز عليه، وأن تتكلم عنه بضمير الغائب باعتباره مجرد شيء فتقول لآخر: (خذه لشؤون الموظفين)، بل فكِّر في أنه لن يستمر جديدًا، فكِّر في أنك قد أعطيته الحق لو أثبت كفاءة وتخطاك في المكانة الوظيفية أن يردها لك ويجعل المفاجأة تأخذك عندما يقول عنك لآخر: (خذه).
[4]
عندما يتقدم موظف يعمل لديك صاحب خبرة وممن تعتمد عليهم بهدوء وببعض الحرج، بالاستقالة، لأنه حصل على فرصة أفضل، لا تأكله بعينك كأن من يقف أمام مكتبك خائن لا يعرف الولاء؛ لا تفكِّر في كونه جاحدًا يجب معاقبته بالتسويف في بعض مستحقاته، أو بتشكيك المنافسين في كفاءته إن اتصلوا على سبيل الاستفسار. لو كان جاحدًا لاتصفت أنت أيضًا بالجحود لأنك لم تمكث في أول مكان عملت به، كما أنك كثيرًا ما رحبت بـ (الجاحدين) الذين استقطبتهم بخبراتهم من أماكن أخرى. إذا لم تستطع إغراءه بالبقاء فاترك أثرًا طيبًا قد يسمح له بالعودة إن لم يوفق في مكانه الجديد، لا تفكِّر بأن دولاب العمل سيتوقف، على الإطلاق، بل فكِّر في إنك ستودع رجلًا أخذ يبالغ في مدته الأخيرة في طلباته وفي إرضاء نفسه، وسيحل محله رجل جديد سيبالغ في مدته الأولى في إثبات وجوده وإرضائك.
[5]
عندما تكون بائعًا اعتاد على التعامل مع النساء، وتدخل إليك زبونة تلفت انتباهك، وتنوي اختبارها بالملاطفة المتدرجة، إلى أن تصل إلى التلميحات الخادشة التي نفعت مع المائلات المميلات من قبل، لا تفكر في أنه يفوز بالملذات كل مغامر، لا تفكر في أن الطريقة مجربة وأنك اغتنمت عدة مرات بغير مواعدة، بل فكِّر في أنك تغامر بكرامتك، وأن الأمر قد ينتهي بسبك وإهانتك دون أن تملك الرد كما حدث من قبل؛ فكر في أنك تنفق من سمعتك بغير أن تشعر بذلك، وأن هناك الكثيرات على مر السنين لم تلحظهن توقفن عن الشراء منك بسبب عدم ارتياحهن إليك لأنهن يرينك شخصًا لا يبعث على الشعور بالراحة، يرينك غير ثقة، يرين أن وطء عتبة معرضك شبهة.
[6]
عندما تملي عليك زوجتك طلبات البيت وأنت تسجل خلفها في ورقة، وتعصر الزوجة رأسها وتضيف طلبًا آخر وتشرد قليلًا وتضيف غيره، لا تفكِّر في أنها تتمتع بالإملاء عليك، لا تفكر في أنها تتعمد الإكثار من الطلبات وتتلذذ بفرض إرادتها، بل فكر في أنها ستتعب في تجهيز الأطعمة لكم من هذه الطلبات أكثر كثيرًا من تعبك في شرائها، فكر في أنها فقط تتعمد تذكر كل ما يحتاجه البيت بدون نسيان أي شيء، ولا علاقة للأمر بظنونك حول تكثير الطلبات، فكر بأنها تفرض خبرتها في أمر البيت لا إرادتها.
;k [ldgh (3)