07-06-2020, 01:36 AM
|
|
|
|
|
كن جميلا (4)
[1]
عندما تضبط صاحب السمعة المحمودة بين الناس في سقطة لا يعرفها المحيطون به، لا تفكر في أنه من الممتع والجاذب أن تلقي إلى الناس خبرًا بمليون جنيه، بل فكر في قيمة أن تمنح إنسانًا فرصة أن يفيق قبل أن يفضح بين الناس، فكر كيف ستبدو عملاقًا في نظره بعد أن بات ليلته يعض أصابع الندم ثم استيقظ على مدينة لا زالت تجهل فعلته التي فعلها. لا تفكر في أنك ستبدو في أعين البشر قناصًا بارعًا جلب صيدًا لم يجلبه أحد، فما ستقوله سيتلقفونه ليدعي كل واحد منهم البراعة، لتفقد ضربتك أي قيمة بعد قليل، بل فكِّر في أن البر لا يبلى، وأن لك من الغدرات الكثير مما ستره الله.
[2]
عندما تذهب مع أحد أقاربك سيتقدم لخطبة فتاة، لا تفكِّر في أنه من الضروري لإضافة رونق ما للعائلة أن تأتي وبغير مناسبة على ذكر أي مستشار أو لواء أو وكيل وزارة أو أستاذ جامعي أو صحفي ينتمى للعائلة ولو كان بعيدا، فكِّر في أن هذا سيفرض جوًا في الجلسة من الادعاء والتنافس والكبرياء الزائف المتبادل، ومع الإفراط فيه قد يبيِّت شيئًا من العداوة المؤجلة التي ستطفح حول مشاكل الزوجية القادمة، فكر في أنه كثيرًا ما حدث الطلاق والفجر في الخصومة بين زوجين يتوفر في عائلتيهما أصحاب هذه المناصب والمراكز، ولم يجدِ توفر هؤلاء نفعا على الإطلاق، فكِّر في أنه كثيرًا ما دامت المودة والرحمة بين زوجين من عائلتين متواضعتين لم يجد المتواضعون السمِحون من الطرفين في جلسة الاتفاق الودية شيئًا يتباهون به في أجواء البشْر والتوكل، إلا تلك الأشياء الطيبة البسيطة التي تشبه وجوههم الصادقة وملابسهم المتواضعة، كأن يقال عن العريس إنه يحمل المسؤولية منذ صغره، وإن العروس من هذا النوع الذي يعيش ويستر ويرضى بالقليل، إنه تقديم راشد، ويخص الزواج بالفعل، وهو أنفع وأقصد من أن يكون ابن خال والدة العريس لواء شرطة مساعدًا لوزير الداخلية، أو زوج عمة العروس محافظ سابقًا للوادي الجديد.
[3]
إذا وصل إليك عميل يبدو عليه أنه غير حصيف ولن يتمكن من الحكم على جودة تنفيذك لطلبه، لا تقل في نفسك (وقع أم رماه الهوا؟)، لا تفكِّر في أنه فرصة لتوفير الجهد والتكلفة بتقديم خدمة غير مستوفاة له، لا تفكِّر باستغلال جهله بفنك وحرفتك فتبالغ في السعر، فكِّر بأن العميل الحصيف يعتمد على نفسه، بينما هذا العميل غير الحصيف يعتمد عليك، ولا يليق بك أن تخدع من اعتمد عليك، فكِّر بأن هناك الكثير ممن يفتقدون للحصافة اكتشفوا عدم أمانتك من قبل بعد أن جربوا خدمتك، فكِّر بأنك تفقد كل عميل سهل وضع ثقته فيك وصارحك بأنه لا خبرة له، وبقي لك من العملاء الدائمين ما تستحق: كل شكاك شحيح يطول فحصه وسومه، فكِّر بأن من غشنا ليس منا.
[4]
إذا جالست رجلًا طيبًا محسنًا لكنه لا يدرك الكثير من القضايا التي تشغل بالك، ولا علم له بالصراعات وموازين القوى الدولية وصعود وسقوط الأمم، لا تفكِّر في أنه شخص محدود سطحي، لن يترك أثرًا في الدنيا كالذي يتركه رجل مثقف مثلك، بل فكِّر في أن رجلًا مثله، ابتنى سقفًا لبيت امرأة أرمل يحاول الأشقياء تسوره طمعًا فيها، وسد شقوقه التي يتجسسون منها عليها، هو رجل قد غيَّر الكون بالفعل، قضاء حاجة إنسان واحد مضطر هو تغيير للكون لو تدري.
[5]
عندما تحزم مع أسرتك الحقائب بعد أن قمتم بترحيل الأثاث، للسكن في محل جديد، وتتذكر علبة التونة التي اشتريتها من البقالة ولم تحاسب عليها، لا تفكِّر في أنكم طوال السنوات الماضية قد نفَّعتم الرجل ونفَّعه أطفالك بالآلاف، ولا مشكلة في الرحيل بدون سداد ثمن علبة التونة فالأمر هين، بل فكِّر في أن الرجل كان ينفِّعكم ببضاعته أيضاً ولم تشتروا أبدًا منه على سبيل التشجيع والدعم، وأنه قد يخاصمك في علبة التونة أمام الله، لا تفكِّر أنه لم يعد هناك حرج طالما أن الوجوه لن تتقابل، وخالتي وخالتك وتفرقت الخالات، فكِّر بأن صاحب المروءة يحفظ اسمه في غيابه كما يحفظه في حضوره، فكِّر بأنه لن يقول عنكم تلك العائلة التي اشترت على مدار السنوات بآلاف، بل سيقول عنكم تلك العائلة التي أكلت حق علبة التونة.
[6]
عندما تمد لك زوجتك يدها بكوب شاي في الحقل الذي تكدان فيه، وتنظر في صلابة كفها ، لا تفكِّر في أنك مهضوم برفقة هذه المرأة الخشنة، وأنك صبور على عشرة امرأة ليست للزينة، بل فكِّر في أنها صرفت شبابها في تربية أبنائك، فكِّر في أن هذه اليد تشققت وتصلبت في فلاحة الأرض معك جنبًا إلى جنب، ولا يليق بك اليوم أن تفضل عليها يدًا أخرى طرية، تأخذ منك ولا تعطيك. إن هذه اليد التي ضاعت أنوثتها في عصمتك وفي خدمتك، تستحق منك اليوم أن تربت عليها من باب العرفان
;k [ldgh (4)
**
*
|
5 أعضاء قالوا شكراً لـ طبعي حنون على المشاركة المفيدة:
|
|
|