شموع الحب
05-22-2018, 09:26 AM
ملكية المسجد
من المعلوم أن الله - سبحانه وتعالى - مالك الملك ، وله كل شيء ، لكنه - جل جلاله وتبارك اسمه - اقتضت حكـمته أن يخـتص من شاء من عباده بأرزاق يملكونها ؛ ومن ذلك الأراضي ونحوها .
والمسجد من جهة كونه أرضا في الأصل إما أن تكون أرضه مملوكة للآدميين أو لم تصل إليها أيديهم بعد . وإذا كانـت مملوكة للآدمي ثـم وقفها مسجدا ، فإنها تخرج من ملكه ، وإن كـانت غير مملوكـة أصلا لآدمي ثـم بني عليها مسجد ، فإنها تكـون محـررة من أملاك العباد ببناء هذا المسجد .
وسيكـون الحديث في هذا المبحـث عما يتعلق بهذه الملكـية من أحكام ، كـالوقف وتسمية المسجد وبيعه ، وغير ذلك . وتفصيل هذا في المسائل التالية :
المسألة الأولى : وقف المسجد :
الوقف في اللغة : هو التحبيس http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وعرفه بعض الفقهاء بما يلي :
1- قال في مغني المحـتاج : " حبس مال يمكن الانتفاع به ، مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
- ص 83 - 2 - قال في الإنصاف : الوقف : " تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف في رقبته ، يصرف ريعه إلى جهة بر ، تقربا إلى الله تعالى http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
3 - وقال في حاشية الروض المربع : " تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به ، وتسبيل منفعته من غلة وثمرة وغيرها " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
ومعاني هذه التعريفات متحدة ، وإن اختلف لفظها .
يجوز وقف الأرض المملوكة لتكون مسجدا ، وكذا لو كانت مبنية ، وهذا الوقف من أعمال البر المرغب فيها شرعا ، وحـين توقف الأرض مسجدا فإن لهذا الوقف أحكاما ، منها :
الحكـم الأول : إذا أوقـفت الأرض أو الأرض ومـا عليـهـا من بناء مسجدا ، فهي حق مشترك لجميع المسلمون بإجماع الأمة ، حكاه ابن العربي http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وتكون خارجة من ملك صاحبها لينتفع بها المسلمون ، وتضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف وتكريم http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكم الثاني : إذا أذن للناس بالصلاة في مكان من ملكه ، فهل إذنه يعتبر وقـفا أم لا بد من لفظه بلسانه بالوقف ؟ . اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - على قولين :
القول الأول : أن المكان يصير وقـفا إذا نواه كـذلك ، ولو لم ينطق بالوقف ، إذا أذن للناس بالصلاة فيه . وبهذا قال مالك http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif وأحمد http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif حكاه في المغني عنه .
- ص 84 - القول الثاني : أنة لا يصير وقفا حتى يتلفظ بالوقفية . وبه قال أبو حنيفة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif والشافعي http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الأدلـة : استدل الأولون بأن شرط صحـة الوقف تسليمه للناس ، وهذا قـد سلمـه لهم والقـرائن تدل على أنه أوقـفـه ، وقـد نوى ذلك فـصـح وقفه http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
واستدل الآخرون : بأنه إذا قال : جعلته لله مسجدا ، أو تلفظ بأي لفظ يدل على الوقف ، فقد أسقط حقه بهذا اللفظ ، فصار كالإعتاق خالصا لله تعالى http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الثالـث : لا يحتاج وقف الأرض ، أو الأرض وما عليها من بناء لتكون مسجدا إلى حكـم حاكـم باتفاق http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif وله الرجوع في وقفه للمسجد ما لم يسلمه للناس عند الإمام أحـمد ؛ لان الهبة تملك بالقبض http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . فإن حكـم به حـاكـم فليس له الرجوع باتفاق الأئمة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وإذا تم وقـفه بلفظه أو بحكـم حاكـم ، فقد تحررت ملكية المسجد من حقوق العباد .
الحكـم الرابع : يجـوز وقف المسجد وإن كـان من جزء مشاع ، باتفاق - ص 85 - الأئمة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . لأن عمر - رضي الله عنه - وقف مائة سهم بخـيبر ، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة : " لا يصح وقف المشاع لأنه لا يمكن تسليـمه ، ولم يفرزه " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . قلت : المشاع يمكن قـسـمـته ، ويصح بيعه ، لأنه يؤول إلى معلوم ، فـهكذا الوقف http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الخامس : لا يشترط البناء على الأرض ليصح وقفها مسجدا ، بل وقفها صحيح ، ولو لم يبن عليها مسجد إلا بعد حين من وقفها ؛ بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل للملأ من بني النجار لما قالوا : ( لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله " . إن الوقف لا يصح ، لكنه - صلى الله عليه وسلم - عطف على اليتيـمين فـأعطاهما ثـمنه ، ولم يبين وقتـها أن وقف الأرض مسجدا يشترط له البناء .
الحكـم السادس : إذا وقف جزءا من بناء كالشقـة مثلا لتكـون مسجدا ، وهيأها للصلاة ، فـقد تقدم بحث هذه المسـألة في بناء المساجد بالعمائر الشاهقة ، وأن الراجح : صحة وقفيتها .
الحكـم السابع : لا يصح وقف الأرض مسجدا ، أو البناء مسجدا ، إلا إذا هيأه للناس ، ومكنهم من الانتفاع بـه ، إما ببنائهم للأرض مسجدا ، أو تمكينهم من الصلاة فـيها ، وفيما أوقفه مبنيا . ولا يشترط عند - ص 86 - الجـمهور أن يتسلمه أحد http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . أما أبو حنيفة وصاحبه محـمد بن الحسن ، فقد اشترطا تسليمه ، واختلفا في صفة التسليم على الرواية الثانية عن أبي حنيـفة ، فـقال أبو حنيفة ومحـمد بن الحسن ، إنه يشترط الصلاة به جماعة . وقال أبو حنيفة في رواية عنه : إذا صلى فيه واحد يصير مسجدا وإن لم يصل به جماعة .
الأدلـة : دليل الرواية الأولى وقول محـمد بن الحسن : " أن تمام التـبرع بحصول المقصود به كالصدقة ، والمقصود من المساجد إقـامة الصلاة جماعة فـيهـا ؛ لأن جميع وجـه الأرض موضع الصلاة ، وإنما تبنى المساجد لإقامة الصلاة فيها بالجماعة ، فلا تصير مسجدا قبل حصول هذا المقصود " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
ودليل قول أبي حنيفة في الرواية الثانية : " أن المقصود كون المسجد موضع السجود ، وقـد حـصل ذلك بالصلاة فـيـه منفردا كـان أو بجماعة ، والواحـد من المسلمين ينوب عن جماعتهم فيما هو حقهم ، فتجعل صلاة الواحد فيه كصلاة الجماعة " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
المناقشـة : الأحناف - رحمهم الله تـعالى - يوافقون الجـمهور - رحـمهم الله - على أن الوقف إذا حكـم به حاكم شرعي فلا رجعة فيه ، وإذا أفرزه عن ملكـه ومكن الناس منه ، وتلفظ بالوقف ، فـقد صح الوقف ، وليس له - ص 87 - الرجوع ، لكن الوقف لا يتم الانتفاع به إلا إذا صلى المسلمون فيـه ، فهذا من تمام حصول الوقف ، وظهور منفعته للمسلمين ، لا من شروط صحته .
الحكـم الثامن : بيت الشعر ( الخيمة ونحوها ) : لو جـعله مسجـدا وأوقفه فإنه لا يصح وقفه ؛ لعدم استقراره ؛ ولأنه مما يتلف ، فلا يدوم الانتفاع به زمنا طويلا http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم التاسع : لا يصح أن يؤجر أحـد المسجـد ، ولا جزءا منه لمن ينتفع به في غير أوقات الصلاة ، ولا يصـح استئجار أرض أو بيت لتكون مسجدا موقوفا . وبه قال مالك وغيره http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم العاشر : إذا أوصى بوصايا وبعمارة مسجد ووقفه ، فيقسم ثلث ماله على ما أوصى به جميعا ، ويأخذ المسجد نصيبه بالمحاصة ؛ إذا لم يعين للمسجد مبلغا معينا من ماله ؛ لأن الوصية للمسجد صحيحة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الحادي عشر : هل يجوز للكافر أن يقف أرضا أو بناء لتكون مسجدا ؟ اختلف في هذا على قولين :
القول الأول : يصح وقف الكافر للمسجد . وبهذا قال الجمهور http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
القول الثـاني : لا يصح وقف الكـافر للمسجـد . وبه قـال بعض المالكية http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
- ص 88 - الأدلة : استدل الجمهور بأن الوقف صدر ممن يصح تبرعه ، وليس هو قربة محضة ، والكافر يصح بيعه وشراؤه ، فوقفه كذلك http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
واستدل بعض المالكية : بأن الوقف عبادة ؛ لأن الواقـف إنما يرجو الثواب ، والكافر لا تقبل منه هذه العبادة مع كفره بالله تعالى http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
المناقشـة : قلت : إن كـان الكافر إنما يوقـف المسجد لأهداف خبيثة ، وأغراض سيئة ، فوقفه لا يصح ، وينبغي هدم ما يبنيه المشركون لهذا الغرض ، كـما صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد الضرار http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif وينبغي ألا يتـولى المساجد إلا أهلها المسلمون . وإن كان الكافر إنما أوقف المسجد ، برا بعشيرته وإحسانا إليهم ، فهو هبة منه للمسلمين صحيحة بإذن الله تعالى . والمسلمون هم المستفيدون منها بجعلها مسجدا http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الثاني عشر : إذا ظهر شخص يدعي ملكـية المسجد بـعد بنائه ، أو كان له حق الشفعة ، أو كان للبائع حق استرداد المبيع أرضا أو أرضا وبناء ، فـإن وقفيـة المسجـد تبطل لكـونه أوقـف ما لا يملك التصرف فيه ، فإن أجازه صاحـب الحق ، صح الوقـف . قـال في المدونة : " قـلـت : أرأيـت لـو أن رجـلا بنى داره مـسـجـدا ثـم يأتـي رجل - ص 89 - فـيستحـقها ، أيكون له أن يهدم المسجد ؟ قال : له أن يهدمه " . ا . هـ مختصرا http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وقال في المهذب : " وإن صالحه لنفسه فقال : أنا أعلم أنه لك فـصالحني فـأنا أقـدر على أخذه صح الصلح " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وقال في شرح فتح القدير : " لو اشترى دارا لها شفيع فجعلها مسجدا ، كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ، وكذا إذا كان للبائع حق الاسترداد ، وكان له أن يبطل المسجد " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
وقال أبو حـنـيـفـة رحمه الله بوجوب الـقيمـة على المدعى عليـه ، أي : أن طالـب الشـفـعـة أو صـاحب الحق ليس له أن يبطل المسجد http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
من المعلوم أن الله - سبحانه وتعالى - مالك الملك ، وله كل شيء ، لكنه - جل جلاله وتبارك اسمه - اقتضت حكـمته أن يخـتص من شاء من عباده بأرزاق يملكونها ؛ ومن ذلك الأراضي ونحوها .
والمسجد من جهة كونه أرضا في الأصل إما أن تكون أرضه مملوكة للآدميين أو لم تصل إليها أيديهم بعد . وإذا كانـت مملوكة للآدمي ثـم وقفها مسجدا ، فإنها تخرج من ملكه ، وإن كـانت غير مملوكـة أصلا لآدمي ثـم بني عليها مسجد ، فإنها تكـون محـررة من أملاك العباد ببناء هذا المسجد .
وسيكـون الحديث في هذا المبحـث عما يتعلق بهذه الملكـية من أحكام ، كـالوقف وتسمية المسجد وبيعه ، وغير ذلك . وتفصيل هذا في المسائل التالية :
المسألة الأولى : وقف المسجد :
الوقف في اللغة : هو التحبيس http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وعرفه بعض الفقهاء بما يلي :
1- قال في مغني المحـتاج : " حبس مال يمكن الانتفاع به ، مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
- ص 83 - 2 - قال في الإنصاف : الوقف : " تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف في رقبته ، يصرف ريعه إلى جهة بر ، تقربا إلى الله تعالى http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
3 - وقال في حاشية الروض المربع : " تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به ، وتسبيل منفعته من غلة وثمرة وغيرها " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
ومعاني هذه التعريفات متحدة ، وإن اختلف لفظها .
يجوز وقف الأرض المملوكة لتكون مسجدا ، وكذا لو كانت مبنية ، وهذا الوقف من أعمال البر المرغب فيها شرعا ، وحـين توقف الأرض مسجدا فإن لهذا الوقف أحكاما ، منها :
الحكـم الأول : إذا أوقـفت الأرض أو الأرض ومـا عليـهـا من بناء مسجدا ، فهي حق مشترك لجميع المسلمون بإجماع الأمة ، حكاه ابن العربي http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وتكون خارجة من ملك صاحبها لينتفع بها المسلمون ، وتضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف وتكريم http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكم الثاني : إذا أذن للناس بالصلاة في مكان من ملكه ، فهل إذنه يعتبر وقـفا أم لا بد من لفظه بلسانه بالوقف ؟ . اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - على قولين :
القول الأول : أن المكان يصير وقـفا إذا نواه كـذلك ، ولو لم ينطق بالوقف ، إذا أذن للناس بالصلاة فيه . وبهذا قال مالك http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif وأحمد http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif حكاه في المغني عنه .
- ص 84 - القول الثاني : أنة لا يصير وقفا حتى يتلفظ بالوقفية . وبه قال أبو حنيفة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif والشافعي http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الأدلـة : استدل الأولون بأن شرط صحـة الوقف تسليمه للناس ، وهذا قـد سلمـه لهم والقـرائن تدل على أنه أوقـفـه ، وقـد نوى ذلك فـصـح وقفه http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
واستدل الآخرون : بأنه إذا قال : جعلته لله مسجدا ، أو تلفظ بأي لفظ يدل على الوقف ، فقد أسقط حقه بهذا اللفظ ، فصار كالإعتاق خالصا لله تعالى http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الثالـث : لا يحتاج وقف الأرض ، أو الأرض وما عليها من بناء لتكون مسجدا إلى حكـم حاكـم باتفاق http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif وله الرجوع في وقفه للمسجد ما لم يسلمه للناس عند الإمام أحـمد ؛ لان الهبة تملك بالقبض http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . فإن حكـم به حـاكـم فليس له الرجوع باتفاق الأئمة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وإذا تم وقـفه بلفظه أو بحكـم حاكـم ، فقد تحررت ملكية المسجد من حقوق العباد .
الحكـم الرابع : يجـوز وقف المسجد وإن كـان من جزء مشاع ، باتفاق - ص 85 - الأئمة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . لأن عمر - رضي الله عنه - وقف مائة سهم بخـيبر ، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة : " لا يصح وقف المشاع لأنه لا يمكن تسليـمه ، ولم يفرزه " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . قلت : المشاع يمكن قـسـمـته ، ويصح بيعه ، لأنه يؤول إلى معلوم ، فـهكذا الوقف http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الخامس : لا يشترط البناء على الأرض ليصح وقفها مسجدا ، بل وقفها صحيح ، ولو لم يبن عليها مسجد إلا بعد حين من وقفها ؛ بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل للملأ من بني النجار لما قالوا : ( لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله " . إن الوقف لا يصح ، لكنه - صلى الله عليه وسلم - عطف على اليتيـمين فـأعطاهما ثـمنه ، ولم يبين وقتـها أن وقف الأرض مسجدا يشترط له البناء .
الحكـم السادس : إذا وقف جزءا من بناء كالشقـة مثلا لتكـون مسجدا ، وهيأها للصلاة ، فـقد تقدم بحث هذه المسـألة في بناء المساجد بالعمائر الشاهقة ، وأن الراجح : صحة وقفيتها .
الحكـم السابع : لا يصح وقف الأرض مسجدا ، أو البناء مسجدا ، إلا إذا هيأه للناس ، ومكنهم من الانتفاع بـه ، إما ببنائهم للأرض مسجدا ، أو تمكينهم من الصلاة فـيها ، وفيما أوقفه مبنيا . ولا يشترط عند - ص 86 - الجـمهور أن يتسلمه أحد http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . أما أبو حنيفة وصاحبه محـمد بن الحسن ، فقد اشترطا تسليمه ، واختلفا في صفة التسليم على الرواية الثانية عن أبي حنيـفة ، فـقال أبو حنيفة ومحـمد بن الحسن ، إنه يشترط الصلاة به جماعة . وقال أبو حنيفة في رواية عنه : إذا صلى فيه واحد يصير مسجدا وإن لم يصل به جماعة .
الأدلـة : دليل الرواية الأولى وقول محـمد بن الحسن : " أن تمام التـبرع بحصول المقصود به كالصدقة ، والمقصود من المساجد إقـامة الصلاة جماعة فـيهـا ؛ لأن جميع وجـه الأرض موضع الصلاة ، وإنما تبنى المساجد لإقامة الصلاة فيها بالجماعة ، فلا تصير مسجدا قبل حصول هذا المقصود " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
ودليل قول أبي حنيفة في الرواية الثانية : " أن المقصود كون المسجد موضع السجود ، وقـد حـصل ذلك بالصلاة فـيـه منفردا كـان أو بجماعة ، والواحـد من المسلمين ينوب عن جماعتهم فيما هو حقهم ، فتجعل صلاة الواحد فيه كصلاة الجماعة " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
المناقشـة : الأحناف - رحمهم الله تـعالى - يوافقون الجـمهور - رحـمهم الله - على أن الوقف إذا حكـم به حاكم شرعي فلا رجعة فيه ، وإذا أفرزه عن ملكـه ومكن الناس منه ، وتلفظ بالوقف ، فـقد صح الوقف ، وليس له - ص 87 - الرجوع ، لكن الوقف لا يتم الانتفاع به إلا إذا صلى المسلمون فيـه ، فهذا من تمام حصول الوقف ، وظهور منفعته للمسلمين ، لا من شروط صحته .
الحكـم الثامن : بيت الشعر ( الخيمة ونحوها ) : لو جـعله مسجـدا وأوقفه فإنه لا يصح وقفه ؛ لعدم استقراره ؛ ولأنه مما يتلف ، فلا يدوم الانتفاع به زمنا طويلا http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم التاسع : لا يصح أن يؤجر أحـد المسجـد ، ولا جزءا منه لمن ينتفع به في غير أوقات الصلاة ، ولا يصـح استئجار أرض أو بيت لتكون مسجدا موقوفا . وبه قال مالك وغيره http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم العاشر : إذا أوصى بوصايا وبعمارة مسجد ووقفه ، فيقسم ثلث ماله على ما أوصى به جميعا ، ويأخذ المسجد نصيبه بالمحاصة ؛ إذا لم يعين للمسجد مبلغا معينا من ماله ؛ لأن الوصية للمسجد صحيحة http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الحادي عشر : هل يجوز للكافر أن يقف أرضا أو بناء لتكون مسجدا ؟ اختلف في هذا على قولين :
القول الأول : يصح وقف الكافر للمسجد . وبهذا قال الجمهور http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
القول الثـاني : لا يصح وقف الكـافر للمسجـد . وبه قـال بعض المالكية http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
- ص 88 - الأدلة : استدل الجمهور بأن الوقف صدر ممن يصح تبرعه ، وليس هو قربة محضة ، والكافر يصح بيعه وشراؤه ، فوقفه كذلك http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
واستدل بعض المالكية : بأن الوقف عبادة ؛ لأن الواقـف إنما يرجو الثواب ، والكافر لا تقبل منه هذه العبادة مع كفره بالله تعالى http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
المناقشـة : قلت : إن كـان الكافر إنما يوقـف المسجد لأهداف خبيثة ، وأغراض سيئة ، فوقفه لا يصح ، وينبغي هدم ما يبنيه المشركون لهذا الغرض ، كـما صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجد الضرار http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif وينبغي ألا يتـولى المساجد إلا أهلها المسلمون . وإن كان الكافر إنما أوقف المسجد ، برا بعشيرته وإحسانا إليهم ، فهو هبة منه للمسلمين صحيحة بإذن الله تعالى . والمسلمون هم المستفيدون منها بجعلها مسجدا http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
الحكـم الثاني عشر : إذا ظهر شخص يدعي ملكـية المسجد بـعد بنائه ، أو كان له حق الشفعة ، أو كان للبائع حق استرداد المبيع أرضا أو أرضا وبناء ، فـإن وقفيـة المسجـد تبطل لكـونه أوقـف ما لا يملك التصرف فيه ، فإن أجازه صاحـب الحق ، صح الوقـف . قـال في المدونة : " قـلـت : أرأيـت لـو أن رجـلا بنى داره مـسـجـدا ثـم يأتـي رجل - ص 89 - فـيستحـقها ، أيكون له أن يهدم المسجد ؟ قال : له أن يهدمه " . ا . هـ مختصرا http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وقال في المهذب : " وإن صالحه لنفسه فقال : أنا أعلم أنه لك فـصالحني فـأنا أقـدر على أخذه صح الصلح " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif . وقال في شرح فتح القدير : " لو اشترى دارا لها شفيع فجعلها مسجدا ، كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ، وكذا إذا كان للبائع حق الاسترداد ، وكان له أن يبطل المسجد " http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .
وقال أبو حـنـيـفـة رحمه الله بوجوب الـقيمـة على المدعى عليـه ، أي : أن طالـب الشـفـعـة أو صـاحب الحق ليس له أن يبطل المسجد http://feqh.al-islam.com/App_Themes/Blue.ar/Images/Tree/margntip.gif .