الدعاء هو طلب الداعي من الله تعالى ما ينفعه، وكشف ما يضره، وحقيقته: الافتقار إلى الله، والتبرُّؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الضعف البشري، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود والكرم إليه؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ))[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَم عَلَى اللهِ مِنَ الدُّعَاءِ))[2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي))[3]، وفي رواية عند مسلم: ((حِينَ يَذْكُرُنِي))[4].
آداب الدعاء:
1- افتتاحه بحمد الله، والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختمه بذلك، ومما يجمع الحمد والثناء والتمجيد الآياتُ الثلاثُ من أول سورة الفاتحة، فقد يحسن افتتاح
الدعاء بذكرها.
2- رفع اليدين.
3- الجزم في الدعاء، مع الإلحاح على الله، وعدم الاستعجال في الإجابة.
4- تحري أوقات الإجابة؛ كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، والسجود.
5- تكرار
الدعاء ثلاثًا.
6- التوسُّل بأسماء الله وصفاته؛ كالاسم الأعظم (الحي القيوم) أو (يا ألله)، أو بهما جميًعا، أو بما يناسب
الدعاء من الأسماء الحسنى، والصفات العليا.
7- الانكسار بين يدي الله، والافتقار إليه.
8- حضور القلب أثناء الدعاء؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وإذا جمع مع
الدعاء حضورَ القلب بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة: الثلث الأخير من الليل، أو عند الأذان، أو بين الأذان والإقامة، أو أدبار الصلوات المكتوبة، أو عند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضى الصلاة من ذلك اليوم، أو آخر ساعة من يوم الجمعة، وصادف خشوعًا في القلب، وانكسارًا بين يدي الرب، وذلًّا له وتضرُّعًا ورقَّةً، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله، فإن هذا
الدعاء لا يكاد يُردُّ" [5].
9- الصدقة قبل الدعاء، فإنه أحرى أن يُستجاب دعاؤه.
فهذه جملة عظيمة من آداب
الدعاء يحسن بالداعي مراعاتها حال دعائه.
بعض الناس قد يتوهَّم أنه لم يُستجَب دعاؤه، ثم يترك الدعاء، وهذه حيلة شيطانية، فلا تمل، فلك بدعائك إحدى ثلاث؛ فعن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ))[6]، فالدعاء كسائر العبادات، تكسب من خلاله الأجور، والحسنات، وإن لم يحصل ما سألت.
احرص في دعائك أن يكون من جوامع الدعاء، وأن يكون من الأدعية الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فإنها قليلة الألفاظ، كثيرة المعاني، وعوِّد نفسك الدعاء، حتى في دقائق الأمور اليومية، ففي ذلك اتصال بالعظيم، وتلبُّس بعبادة الدعاء.
همسة:
أخي الكريم، تمرُّ عليك في يومك وليلتك حاجات يسيرة اعتيادية، فعليك بالدعاء بتيسيرها وتحقيقها، فإن تحقَّقَتْ، فاحمد الله عليها، فإذا فعلت ذلك، فإنك ستسأل الله تعالى وتحمده ما لا تحصيه، في حين أنه قد يتبادر إلى ذهن بعض أصحاب الحاجات البحث عن خدمة البشر لهم أولًا، ولو أنهم قدَّمُوا
الدعاء أولًا ليسَّر الله مَنْ يخدمهم في حاجاتهم، ولن يعدموا خيرًا في دعائهم.
[1] أخرجه أحمد في المسند برقم (18391) 30/ 340، والترمذي في جامعه برقم (2969) 5/ 211، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود في سننه برقم (1479) 2/ 603، والنسائي في الكبرى برقم (11400) 10/ 244، وابن ماجه في سننه برقم (3828) 5/ 5، والحاكم في المستدرك برقم (1802) 1/ 667، وابن حبان في صحيحه برقم (890) 3/ 172، وحسنه عبدالقادر الأرناؤوط في تحقيق جامع الأصول برقم (4967) 6/ 667، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2165) 1/ 432.
[2] أخرجه أحمد في المسند برقم (8748) 14/ 360، والترمذي في جامعه برقم (3370) 5/ 455، وابن ماجه في سننه برقم (3829) 5/ 6، والحاكم في المستدرك برقم (1801) 1/ 666، وحسن إسناده عبدالقادر الأرناؤوط في تحقيق جامع الأصول برقم (7236) 9/ 511، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (5392) 2/ 591.
[3] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2675) 4/ 2067.
[4] أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2675) 4/ 2102.
[5] ينظر: الجواب الكافي، ص:12
[6] أخرجه أحمد في المسند برقم (11133) 17/ 213، والحاكم في المستدرك برقم (1716) 1/ 670.