الحلاق الشيطاني
جوني ديب وهيلينا بونهام في دور الحلاق السفاح والخبازة الشريرة ..
طوال حياتي ، أو بالأحرى منذ أن نما الشعر على ذقني ، لم أحبذ يوما أن يقوم الحلاق بحلاقة لحيتي بواسطة شفرته الحادة الطويلة ، كانت نبضات قلبي تتسارع حين يقربها ويبدأ بتحريكها نزولا وصعودا فوق رقبتي ، لا أدري من أين خطرت على بالي فكرة مجنونة مفادها بأنه سيقوم بنحري بشفرته ! .. لازمني ذلك الهاجس السخيف لسنوات حتى نسيته أو كدت ، لكنه عاد وتجدد في خاطري مؤخرا بعد أن شاهدت فيلما عن حلاق انجليزي متعطش للانتقام أحترف قتل زبائنه عن طريق نحرهم بواسطة شفرته المميتة ، يمررها أولا بهدوء وسلاسة على الرقاب الآمنة المسترخية ، ثم فجأة ، بحركة سريعة من يده الخبيرة ، يقطع الحنجرة من دون أن يترك لصاحبها أي فرصة للدفاع عن نفسه ، أو حتى للصراخ ، يموت المسكين مختنقا بدمه ، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة يضغط الحلاق السفاح على دواسة خفية فينقلب كرسي الحلاقة رأسا على عقب ملقيا بالزبون الذبيح إلى دهليز عميق يفضي إلى قبو مظلم معبق بالروائح الكريهة ، هناك تتولى صديقة الحلاق مهمة التخلص من أجساد الضحايا بطريقة سهلة ومربحة! . ببساطة تقوم بفرمهم ثم تستعمل لحومهم في حشو الفطائر الشهية التي تقدمها لزبائنها في مطعمها الذي يقع بالقرب من صالون الحلاق المجنون .
سويني يبحث عن الانتقام ..
مسلسل قتل الزبائن يستمر حتى يحقق الحلاق انتقامه أخيرا ويشفي غليله من الرجل الذي تسبب في سجنه وسلبه زوجته وأبنته ، لكن الانتقام لا يجلب الراحة والسكينة لنفس الحلاق البائسة والمعذبة ، لا بالعكس ، هو نفسه يتحول بالنهاية إلى ضحية لرغبته العمياء بالانتقام .
هذه هي باختصار حبكة الفيلم الغنائي " سويني تود : الحلاق الشيطاني لشارع فليت - Sweeney Todd: The Demon Barber of Fleet Street " من أنتاج عام 2007 والذي حقق نجاحا كبيرا في شباك التذاكر وأستحق عن جدارة استحسان ومديح النقاد .
وبالرغم من كوني لا أهوى الأفلام الغنائية ولا أستسيغها ، لكني استمتعت حقا بكل دقيقة من دقائق هذا الفيلم الرائع الذي تقارب مدته الساعتين ، سحرتني أجواء لندن الفيكتورية بشوارعها وأزقتها الضبابية المعتمة المليئة بالغموض والأسرار والمفاجئات . وشدني أداء وغناء فناني المفضل ، العبقري جوني ديب ، الذي قدم شخصية الحلاق سويني تود ، وكذلك الفنانة الراقية هيلينا بونهام كارتر التي قدمت شخصية مسز لوفيت صديقة سويني وشريكته في جرائمه .
لكن من هو سويني تود الحقيقي ؟
عاصمة الامبراطورية كانت تخفي اوجها عديدة ..
شخصية سويني تود كانت مثارا لجدل طويل منذ ظهورها للوجود أول مرة في مطلع القرن التاسع عشر ، فهناك اختلاف كبير بين الباحثين والمؤرخين حول مدى الجانب الواقعي في قصة الحلاق السفاح ، ففي حين يرى البعض بأنها مجرد أسطورة شعبية خيالية تماما ، يذهب آخرون إلى كونها مستمدة من أحداث واقعية جرت فعلا في أواخر القرن الثامن عشر . ونحن هنا طبعا لسنا بصدد الخوض والبحث في هذا الخلاف والجدل ، لكننا سنكتفي بعرض تفاصيل قصة سويني تود كما وردت في المصادر الانجليزية ولك حرية التصديق أو التكذيب .
بحسب المصادر فأن سويني تود ولد في لندن عام 1748 لأبوين فقيرين ، كانت طفولته صعبة ومفعمة بالبؤس والحرمان ، شأنها شأن حياة معظم سكان تلك المدينة العظيمة التي توصف آنذاك بأنها عاصمة الدنيا وحاضرة إمبراطورية لا تغيب الشمس عنها أبدا لسعة أراضيها وامتداد مستعمراتها حتى أقاصي الأرض . لكن الكلمات والأوصاف كثيرا ما تكون خادعة ، لندن كانت في الواقع مدينة مكتظة بالسكان تعاني باستمرار من الأوبئة والحرائق التي تفتك بالآلاف ويخترقها أقذر نهر في القارة الأوربية .
كان المجتمع البريطاني – ولا يزال اليوم لكن بصورة أخف ضراوة – مبنيا على أساس طبقي مقيت ، في أعلى الهرم يتربع الملك والنبلاء والأعيان ، يأتي بعدهم البرجوازيين من أرباب الصناعات وأصحاب التجارة ، وهؤلاء ، أي النبلاء والبرجوازيون يعيشون في عالم مختلف تماما عن ذاك الذي تقبع فيه أبناء الطبقات السفلى من عامة الشعب ، أي العمال والكادحون وأصحاب المهن الصغيرة .
طابور الفقراء امام الكنيسة ..
عالم الطبقات العليا يعني كل ما هو باذخ من قصور وخدم وحشم ومسارح ومقاصف ومصايف ومراقص ... أما عالم الطبقات الكادحة فيعني العمل لفترات طويلة ومرهقة من أجل توفير لقمة عيش بالكاد تسد الرمق . كانت أحياء الفقراء مكتظة ، بيوتهم صغيرة ، أزقتهم ضيقة يخيم عليها الظلام وتفوح منها روائح كريهة ، فنظام الصرف الصحي يكاد يكون معدوم ، والناس مشغولون عن نظافة أنفسهم بمعاقرة الخمر ، خصوصا شراب الجن الذي وفره الأغنياء للفقراء بأسعار زهيدة جدا لكي يكرعوا منه باستمرار فينسوا ما هم فيه من بؤس وحرمان ... وفوق كل هذا كان عالم الفقراء موبوءا بالجريمة والرذيلة ، كان الناس يخشون السير في الطرقات بعد حلول الظلام مخافة السلب والقتل ، فاللصوص لم يكونوا يوفرون ضحاياهم ، كانوا يسلبونهم ثم يقتلونهم ، لأن عقوبة السرقة والقتل واحدة ، الإعدام شنقا في مكان عام ، لذا كان قتل الناس خيارا أفضل من تركهم أحياء لئلا يشهدوا ضد سارقيهم .
اغلب الفقراء يعاقرون شراب الجن .. امرأة سكرانة سقط طفلها من يدها من دون أن تلتفت له ..
هناك في تلك الإحياء البائسة المخيفة أبصر سويني النور وعاش طفولته في ظل والدين مدمنين . كان أبوه قاسيا عنيفا .. وماذا نتوقع من سكير ! .. أما الأم فكانت تحب طفلها وتحاول أن تعتني به ، لكن في أغلب الأحيان كان عشقها للخمر يغلب على حبها له ، لذا شعر الطفل سويني بكراهية كبيرة نحو والديه ، تمنى لو كان باستطاعته أن يقتلهما شر قتلة انتقاما منهما على جلبه لهذه الحياة البائسة اللعينة ، وهي أمنية سرعان ما تحققت على يد القدر ، ففي ذات ليلة من ليالي زمهرير شتاء لندن ، خرج والدا سويني للبحث عن الخمر ولم يعودا أبدا ، ربما تعرضا للسرقة والقتل ، أو ربما قضيا على جانب الطريق بسبب البرد القارص .. الله أعلم .
سويني الصغير وضع في ميتم بعد رحيل والديه ، هناك عاش حياة الكفاف تحت وصاية أناس قساة يعاملون الأطفال كالحيوانات . وهي حياة أبدع في وصفها الكاتب الكبير تشارلز ديكنز في روايته الشهيرة " أوليفر تويست " . ومن هناك ، من تلك النقطة السوداء في حياته ، أنطلق سويني تود إلى عالم الأجرام والضياع . في سن الرابعة عشر ألقي القبض عليه بتهمة السرقة ، كان الإعدام هو العقوبة المعمول بها ، لكن القاضي رأف بسويني لصغر سنه واكتفى بحبسه لخمسة أعوام .
الطفولة المعذبة لم تكن شيئا غريبا في لندن ..
كان سجن "نيوغات" سيء الصيت هو المكان الذي يذهب إليه اللصوص ، كان مكانا موحشا يختلف تماما عن مفهومنا للسجن اليوم ، ففي ذلك الزمان كان على السجين أن يدفع أجور سجنه ! .. كل شيء بالمال .. الطعام ، الحمام ، الحلاقة ، القيود ، الزنزانة ... في الحقيقة كان السجن مشروعا تجاريا رابحا ، وكانت هناك منافسة كبيرة على شراء منصب "شريف" السجن ، فبالإضافة للأموال التي يحصل عليها الشريف من السجناء ، كان يجني أموالا طائلة عن طريق استرداد الديون ، كان الدائنون يدفعون لمدير السجن لكي يستخلص لهم ديونهم من المدينين ، وكان السجان لا يدع طريقة أو وسيلة تعذيب ومضايقة إلا ويطبقها على السجين من اجل حمله على تسديد دينه .
في ذلك المكان القاسي كان على طفل بعمر سيوني تود أن يحصل على المال والحماية لكي ينجو بحياته ، ولحسن الحظ تمكن سويني من أقناع حلاق السجن لكي يتخذه مساعدا له ، وهو عمل بسيط وفر لسويني الطعام والحماية وبعض المال الذي كان يحصل عليه كإكرامية من السجناء الموسرين . وسرعان ما تعلم سويني مهنة الحلاقة وبرع فيها ، لكن السجن لم يعلمه المهنة فقط ، بل علمه أيضا أن يصبح أكثر قسوة وخبثا وفاقم من نظرته الحاقدة تجاه المجتمع .
السجن كان مكانا للتربح من السجناء ..
بعد خروجه من السجن عمل سويني كحلاق متجول ، في الحقيقة هو لم يكن متجولا بمعنى الكلمة ، لأن كل حلاق كان له ركن خاص به على ناصية أحد الشوارع ، وهو يستميت في الدفاع عن مكانه ، لأن مكانه يعني عنوانه . وكثيرا ما دخل سويني في مشاكل ومعارك حامية الوطيس مع حلاقين آخرين بسبب مكان الوقوف ، ومن خلال تلك المعارك تعلم كيف يستعمل شفرته الحادة كوسيلة للتهديد .. والجرح .. والذبح .
لكن جريمة سويني الأولى لم تكن بسبب المكان وإنما بسبب فتاة ، ففي تلك الفترة من شبابه تعرف على فتاة جميلة وتوطدت العلاقة بينهما ، كانت فقيرة مثله ، وسيئة السمعة ، لكن سويني أحبها رغم ذلك . وفي ذات مساء أتى شاب وسيم متأنق وجلس على كرسي سويني ليحلق لحيته ، وبالرغم من أن سويني لم يكن ثرثارا كأغلب الحلاقين ، لكن الشاب أنبسط في الحديث معه وراح يتفاخر أمامه بمغامراته وغزواته النسائية ، تحدث بإسهاب عن قضائه سهرة حمراء الليلة الفائتة مع شابة ظريفة ، وراح يصف لسويني شكل الفتاة ويعدد محاسنها وفي أي مكان تسكن ، فأدرك سويني بالحال أن الشاب يتحدث عن حبيبته ، واشتعلت نار الغيرة في قلبه ، وفقد السيطرة على أعصابه فنشب شفرته الحادة في رقبة الشاب فقتله بالحال . وبطريقة ما تمكن سويني من التملص من تلك الجريمة ، وقطع علاقته بحبيبته .
الجريمة الثانية كانت قتله لأحد الحلاقين المنافسين ، وهذه المرة أيضا تمكن من التملص من جريمته .
وبعد عدة سنوات على عمله في الشارع جمع سويني مبلغا صغيرا من المال تمكن بواسطته من شراء دكان متواضع في شارع فليت ، وهو من الشوارع الجميلة والأنيقة في لندن اليوم ، لكن في ذلك الزمان ، قبل حوالي ثلاثة قرون ، كان مكانا يعج بالمجرمين والمومسات والمخمورين . دكان سويني كان قريبا من دار العدالة ومجاورا لكنيسة القديس دونستان ، وهي كنيسة قديمة تخفي تحتها أنفاقا وأقبية تعود لعهود قديمة وتستعمل كمدافن ، لكن في زمن شراء سويني لدكانه كان الدفن قد توقف في تلك الدهاليز المظلمة منذ أمد بعيد .
شارع فليت .. ما بين الامس واليوم ..
شارع فليت لم يكن مكانا معتادا لفتح دكان حلاقة ، لكن يبدو بأن المال الذي يملكه سويني لم يسعفه سوى بهذا المكان ، أو ربما أختاره هو عن قصد لتجنب المنافسة . على كل حال ، الدكان كان يقع في بناية من طابقين وسرداب ، في الأعلى شقة أتخذها سويني كمسكن له ، أما السرداب فجعله مكانا لخزن أكياس الشعر التي يبيعها لصناع الباروكات .
سويني وضع لافتة بيضاء كبيرة على واجهة دكانه مكتوب عليها بخط أسود عريض التالي : " حلاقة نظيفة ومريحة للذقن ببنس واحد ! " ، وأسفل هذه العبارة كانت هناك عبارات أخرى مكتوبة بلون أحمر تقول : " حلاقة الرأس .. قلع الأسنان .. فصد الدم .. تنظيف الخراج والجروح " .
من غير المعلوم متى بدأ سويني تود بقتل زبائنه ، لكن الأكيد هو أن الرجل كان أنسانا عديم الأخلاق والشرف ومستعد لفعل أي شيء من أجل المال ، كان قد جرب طعم القتل سابقا ، ووجد فيه تنفيسا لنقمته على المجتمع . أول ضحاياه كان بحارا أستلم راتبه للتو وأتى ليحلق ذقنه من اجل أن ينطلق بعدها لقضاء سهرة حمراء مع حسناوات شارع فليت ، لكن بريق المال في جيب البحار الشاب أشعل جذوة الطمع والحسد في قلب الحلاق الكهل ، ولأن البحارة عادة ما يكونون غرباء عن المدينة ، أو مسافرين يتحركون باستمرار ، لذلك نادرا ما يفتقدهم أحد ، وعليه فهم صيد سانح وطريدة سهلة لإشباع رغبات ومطامع سويني . الأمر لا يتطلب سوى حركة واحدة لينتهي بعدها مال البحار كله في جيب سويني ، أما الجثة فيسهل إخفائها في السرداب أسفل الدكان .. وهكذا تم كل شيء بسرعة ، اختفى البحار ولم يسأل عنه أحد .
سهولة الجريمة دفعت سويني لتكرارها مجددا مع زبائن آخرين ، كان يختار ضحاياه بعناية كبيرة ، كان يبحث عن أولئك الذين يحملون مالا وافرا أو مقتنيات ثمينة ، وأولئك الذين ليس لديهم من يسأل عنهم . لكن نحر الزبائن داخل الدكان ثم تنظيف دمائهم وإنزال الجثة إلى القبو ، كل ذلك كان يأخذ وقتا طويلا ويهدد بفضح ما يجري داخل الدكان من جرائم ، لذا تفتق عقل سويني عن فكرة جهنمية تضمن له التخلص من ضحاياه بسهولة ويسر ودون أي مخاطرة ، فكرة أستمدها من آلية عمل منصة الإعدام التي شاهدها مرارا وتكرارا في السجن ، فقام بحفر أرضية الدكان وصولا إلى السرداب في الأسفل ، ثم غطى الحفرة بلوح خشبي يفتح على مصراعيه عند الضغط على دواسة صغيرة مثبتة على الأرضية ، وجعل كرسي الحلاقة فوق ذاك اللوح الخشبي ، حتى إذا ما ضغط على الدواسة بقدمه أنفتح الباب السفلي وأنقلب الكرسي ملقيا بالزبون الجالس عليه نحو الحفرة في الأسفل ليسقط عبرها نحو السرداب وتتهشم عظامه على أرضيته الصخرية الصماء .. كانت حيلة شيطانية ، وسرعان ما ثبت نجاحها ، فأصبح قتل الزبائن أمرا في غاية السهولة ، أولا يلقيهم سويني إلى الحفرة ثم ينزل ورائهم فيقوم بنحرهم بواسطة شفرته ليتأكد من موتهم ، هذا طبعا إذا لم يكونوا قد ماتوا أصلا جراء السقطة ، ثم يقوم بسلبهم ملابسهم وأموالهم وكل ما يملكون .
سراديب الموتى موجودة في الكثير من المدن الأوربية ..
لكن سويني سرعان ما واجه مشكلة أخرى ، فالسرداب أخذ يمتلئ بسرعة حتى لم يعد هناك متسع لمزيد من الجثث ، وكان حل هذه المشكلة عن طريق حفر نفق يوصل بين سرداب سويني وأنفاق المدافن القديمة التابعة للكنيسة المجاورة ، إذ لم تكن تفصل بينهما مسافة كبيرة ، وعبر هذا النفق الخفي أخذ سويني ينقل الجثث ليخفيها داخل القبور والأضرحة المهجورة أسفل الكنيسة .
في تلك الفترة أيضا تعرف سويني على مسز لوفيت ، وهي أرملة تملك مطعما مجاورا لصنع وبيع الفطائر . لم تكن مسز لوفيت ذات حظ كبير من الجمال ، ولا كانت ذات مال ، لكنها كانت من النوع النرجسي المغرور ، فكانت تحسب نفسها السيدة الأجمل في لندن وتميل لارتداء الحرير واقتناء المجوهرات ، وكانت مستعدة لفعل أي شيء من اجل المال ، حتى قيل بأنها كانت تطارد القطط في الشوارع القريبة من مطعمها لتذبحها وتضع لحومها في فطائرها .
ولأن شبيه الشيء منجذب إليه كما يقال ، فلا عجب أن يفتتن الحلاق السفاح بالخبازة الجشعة ، وأن تجمع بينهما شراكة من نوع غريب ، فبدلا من أن تذهب جثث الزبائن المغدروين إلى القبو المهجور أسفل الكنيسة ، أصبح سويني يسلخ جلودهم ثم يزيل اللحم عن العظم ويرسله في صناديق مختومة إلى مطعم مسز لوفيت لتستعمله في حشو فطائها . وسرعان ما أصبح الزبائن يتقاطرون من كل حدب وصوب في لندن نحو مطعم مسز لوفيت لتناول فطائرها الرخيصة والمليئة باللحم ، وهو لحم اجمع جميع رواد المطعم على أنه أشهى وألذ لحم تذوقوه في حياتهم ! .
مسز لوفيت تعد فطائرها الشهية ! ..
لكن لاشيء يدوم للأبد ، إذ بدأ الناس يتكلمون ويتناقلون الشائعات حول دكان سويني مع تزايد عدد الزبائن الذين كانوا يدخلون إليه ولا يخرجون منه أبدا ، ووصلت تلك الشائعات إلى أسماع الشرطة فتم وضع عدد من المخبرين لمراقبة الدكان ، وسرعان ما بدأ أولئك المخبرين يرفعون تقارير تؤكد الإشاعات التي يتداولها الناس ، وكان من ضمن ما ذكروه في تلك التقارير هو وجود صناديق تنقل تحت جنح الظلام من السرداب أسفل محل سويني إلى مطعم مسز لوفيت .
الشرطة بدأت ترتاب بأنشطة سويني تود ، لكنها لم تكن قادرة على فعل شيء ، لأنه بحسب القانون البريطاني لا جريمة من دون جثة . وفي هذه الفترة بالذات بدأ الزوار والمصلين في كنيسة القديس دونستان يشتكون من وجود رائحة كريهة داخل الكنيسة ، كانت الرائحة فظيعة إلى درجة أن راعي الكنيسة وجد صعوبة في أكمال عضته الأسبوعية ، وتم استدعاء عمال الصرف الصحي للتأكد من سلامة الأنابيب أسفل الكنيسة ، لكنهم لم يعثروا على شيء ، كان كل شيء سليم وفي محله ، لكن الرائحة زادت سوءا بمرور الأيام ، فتم استدعاء الشرطة لتفتش المقبرة أسفل الكنيسة ، وهناك داخل الدهاليز والأنفاق المظلمة وجد رجال الشرطة أنفسهم أمام مناظر لم يروا لها مثيلا في حياتهم ولا في أتعس كوابيسهم ، أول مدفن دخلوه كان يحتوي على عشرات الجثث العارية والمكدسة فوق بعضها حتى كادت أن تلامس السقف ، كانت من دون رأس ، وقد اختفت أجزاء كبيرة منها ، خصوصا الأرداف والأفخاذ ، وإلى جانبها تناثرت جلود بشرية مسلوخة ، وبالقرب منها تكومت رؤوس مقطوعة . وتكرر المنظر في المدافن الأخرى ، كانت مليئة بالجثث ، وبعظام بشرية ، كانت حديثة العهد يمكن تمييزها بسهولة عن الجثث والعظام القديمة المدفونة في القبور أصلا .
بحث الشرطة قداهم لاكتشاف النفق الواصل بين سرداب دكان سويني ومدافن الكنيسة ، فتأكدت للشرطة شكوكها في أن سويني يقوم بقتل زبائنه ويخفي جثثهم في المدافن أسفل محله بعد أن يزيل لحومهم ويرسلها إلى صديقته مسز لوفيت لتستعملها في صنع الفطائر .
في اليوم التالي تم إلقاء القبض على سويني تود ، وبتفتيش شقته التي تقع فوق الدكان عثرت الشرطة على ملابس ومحافظ ومتعلقات تعود لأكثر من مئة وستين شخصا . وكذلك تم إلقاء القبض على مسز لوفيت ، اعتقلتها الشرطة بينما كانت تقدم فطائرها لزبائن مطعمها ، وحين علم هؤلاء بطبيعة اللحم الذي وضعته مسز لوفيت لهم في الفطائر بدأ الكثير منهم يتقيئون ، وسرعان ما شاع الخبر وأجتمع الناس وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة ، إذ أن الزبائن وسكان الحي كانوا عازمين على أخذ مسز لوفيت ليقوموا بشنقها بأنفسهم على أقرب شجرة ، لكن الشرطة تمكنت بالنهاية من إخراجها سالمة ، فأنصب غضب الناس على مطعمها فأحرقته ، وتم إحراق دكان سويني تود أيضا .
تم اعدامه امام حشد كبير من الناس ..
مسز لوفيت سرعان ما اعترفت للشرطة بكل شيء ، ألقت باللوم كله على سويني تود ، وكانت مستعدة للشهادة ضده في المحكمة ، لكنها هي نفسها لم تقدم للمحاكمة لأنها انتحرت داخل زنزانتها بالسم . أما سويني نفسه فتمت محاكمته بتهمة واحدة فقط هي قتل البحار فرانسيس ثرونهل . طبعا اقتصار التهمة على ضحية واحدة لا يعني التفريط أو التغافل عن بقية الجرائم ، لكن بما أن عقوبة الإعدام كانت تنتظر سويني بكل الأحوال ، لذا قررت المحكمة اختصار الإجراءات والمرافعات والمداولات عن طريق تقديم قضية واحدة . ولم يأخذ المحلفون وقتا طويلا ليدينوا سويني تود ، إذ عادوا بعد خمسة دقائق فقط وأعلنوا بأنه مذنب ، فحكم القاضي عليه بالإعدام شنقا في أحد ميادين المدينة الرئيسية ، ونفذ الحكم في أحد أيام عام 1802 وسط صرخات ولعنات الحشود الغاضبة .
الطريف في قصة سويني تود هو أن أغلب زبائنه الذين نجوا من شفرته الحادة قالوا بأن كان دائم الشكوى والتذمر من ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع ! .
فطائر باللحم البشري
قصة سويني تود حازت على الكثير من الرواج منذ نشرها أول مرة في مطلع القرن التاسع عشر ، تحولت إلى مسرحية ، وهناك عدة أفلام عنها . وبرأيي فأن هذا الإعجاب بالقصة نابع أساسا من طبيعة الشخصيات التي قدمتها ، فهي صادمة وغير متوقعة ، فنحن هنا أمام حلاق ينحر زبائنه ، ومالكة مطعم تقدم لزبائنها فطائر مصنوعة من اللحم البشري ! .. وهي أمور يندر حدوثها في عالم الواقع ، لكن جميعنا لدينا هواجس بشأنها ، لا أدري ربما أكون الوحيد الذي يخاف من شفرة الحلاق ، لكن بالنسبة للمطاعم فالجميع لديهم مخاوف وشكوك فيما يتعلق بنظافتها ونزاهة أصحابها ، خصوصا وأن هناك قصص كثيرة منتشرة عن استعمال لحوم القطط والكلاب والخيول والحمير في بعض المطاعم . حتى المطاعم الفاخرة والراقية لا تخلو من مشاكل ، نعم هناك رقابة دائمة على نظافة المطبخ والأدوات ، لكن لا يمكن وضع رقابة دائمة على العمال ، والبعض من هؤلاء يبصقون في الطعام عمدا ، أو يضعون فيه القليل من بولهم أو برازهم أو سائلهم المنوي .. لا تتعجب من ذلك عزيزي القارئ .. فهذه الدنيا تغص بالمجانين والمرضى النفسيين والحاقدين على المجتمع ، وأكاد أجزم بأننا جميعا تناولنا في يوم من الأيام بعض الأطعمة الملوثة ، لكن الجيد في الأمر هو أننا لا نعلم بذلك .
لكن هل تناولنا لحما بشريا ؟ ..
السجق الذي صنعه هارمن من لحم ضحاياه ..
ربما .. من يدري .. خصوصا وأن وجود قتلة ومجرمين يطعمون أجساد ضحاياهم للآخرين ليس أمرا نادرا ولا فريدا في التاريخ ، فالسفاح الألماني فريتز هارمن كان يصنع السجق من لحوم ضحاياه ويبيع قسما منها في السوق ، ومواطنه السفاح كارل دينكه كان يبيع لحوم ضحاياه أيضا في السوق على أنها لحم خنزير ، أما السفاحة الايطالية ليوناردا جنجولي فكانت تصنع الكعك من دم ضحاياها بعد مزجه بالدقيق والسمن والسكر ، أما اللحم والأحشاء فكانت تصنعه منها صابونا توزعه بسخاء على الجيران ! .
السفاح الروسي نيكولاي جيموغوليف كان مولعا بالصيد منذ نعومة أظفاره ، وفي مرحلة ما من حياته أنتقل من صيد الحيوانات إلى صيد البشر ، كانت ضحيته الأولى فلاحة شابة ، وكان يستمتع بأكل أجساد ضحاياه ويولم منها أحيانا لأصدقائه .
وفي روسيا أيضا قام مالك كافتيريا بالقرب من الكرملين بقتل والد زوجته عام 2011 أثر خلافات بينهما ، ثم قام بفرمه ووضع لحمه في الفطائر التي باعها لزبائنه لمدة ثلاثة أيام .
أما الصيني تشانغ يونغمنغ فقد قتل 11 شخصا في بلدته الواقعة في مقاطعة كونمينغ ، كان يقطعهم إلى شرائح يجففها تحت أشعة الشمس في باحة منزله ثم يبيعها في سوق البلدة على أنه لحم نعام ، أما الأحشاء فكان يطعمها لكلابه ، والعظام يدفنها في الحديقة ، وقد القي القبض عليه وأعدم في عام 2013 .
وفي البرازيل أقدم جورج نيغرومونتي على قتل امرأتين بمساعدة زوجته وعشيقته ، قاموا بتقطيع الضحيتين وأكل أجزاء منهما ، أما بقية اللحم فقد استعملوه في حشو فطائر صغيرة تعرف بأسم ايمباندا كانوا يبيعونها للجيران . هؤلاء الجيران غضبوا بشدة بعدما اكتشفوا طبيعة اللحم الذي تناولوه فقاموا بحرق منزل القتلة وسووه بالأرض .
ثلاجة السفاحة الفلبينية مليئة بلحم البشر ..
وفي اندونيسيا تم إلقاء القبض على سيدة فلبينية قامت بقتل أكثر من ثلاثين شخصا على مدى سنوات ، بضمنهم زوجها . كانت مدمنة على أكل اللحم البشري ، ولم تكتفي بأكل لحوم ضحاياها بل أولمت منها لأقاربها وأصدقائها . بعض أولئك الأقارب تكلموا بحسرة عن تلك الولائم السخية التي كانت تقيمها قريبتهم ، قالوا بأنها كانت كريمة النفس ! .. تضع لهم الكثير من اللحم في الطعام ، وهو لحم لم يتذوقوا ولا عرفوا أشهى وأطيب منه طعما ورائحة ! .
في نيجيريا عام 2014 كان أحد القساوسة الأجانب في زيارة لمدينة انامبرا عندما قرر أن يتناول غداءه في مطعم محلي ، وبعد أن تناول شريحة كبيرة من اللحم طلب الحساب ليفاجئ بثمن الفاتورة المرتفع ، فأشتكى للنادل من غلاء الأسعار ، فأخبره هذا الأخير بأن السعر مناسب جدا قياسا بطبيعة اللحم الذي تناوله ، لأن ما تناوله للتو هو لحم بشري ! .. القس المذهول خرج من المطعم إلى مركز الشرطة مباشرة ، وبمداهمة المطعم تم اكتشاف وجود كمية كبيرة من اللحم البشري إضافة إلى رأسين بشريين مشويين موضوعين بالفرن ، وعثر أيضا على ملابس وهويات وأسلحة ، وتبين بالتحقيق مع مالكي المطعم بأنهم يحصلون على اللحم من العصابات التي تصطاد البشر ، وبأن تلك اللحوم رائجة ومطلوبة بسبب اعتقاد الناس بأن اللحم البشري يكتنف على قوة سحرية وفوائد صحية جمة .
hgpghr hgad'hkd