السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي جعل الشكر من أجلّ منازل السائرين،
والصلاة والسلام على سيد الشاكرين وإمام الحامدين،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد:
أخي المسلم:
أختي المسلمة :
إنّ نعم الله تعالى علينا كثيرة،
ومنته جسيمة،
وفضله كبير،
فكم من خير أرساه!
وكم من معروف أسداه!
وكم من بلية دفعها!
وكم من نقمة ردها
[ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَة اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار ]
34 سورة إبراهيم
,,,,,
فضيلة الشكر والشاكرين
1) أمر الله تعالى عباده بشكره والاعتراف بفضله،
قال سبحانه :
[ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ]
152 سورة البقرة
2) وأخبر سبحانه :
أنه لا يعذب الشاكرين من عباده
فقال سبحانه :
[ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً ]
147 سورة النساء
3) وأخبر سبحانه :
أن حفظ النعم واستمرارها وعدم زوالها وزيادتها
مقرون بالشكر
فقال عز وجل :
[ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد ]
7 سورة إبراهيم
4) وبيّن الله سبحانه
أن الشاكرين قليلٌ من عباده،
وأن أكثر الناس على خلاف هذه الصفة،
قال سبحانه :
[ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور ]
13 سورة سبأ
5) وأخبر سبحانه :
أن الشاكرين هم أهل عبادته،
وأن من لم يشكره
لا يكون من أهل عبادته،
فقال سبحانه :
[ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ]
172 سورة البقرة
,,,,,
حقيقة الشكر
الشكر من أعلى المنازل وأرقى المقامات،
وهو نصف الإيمان،
فالإيمان نصفان؛
نصف شكر
ونصف صبر.
والشكر مبني على خمس قواعد:
الأولى:
خضوع الشاكر للمشكور.
الثانية:
حبّه له.
الثالثة:
اعترافه بنعمته.
الرابعة:
ثناؤه عليه بها.
الخامسة:
ألا يستعمل النعمة فيما يكره المنعم.
فالشكر إذن هو:
الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع،
وإضافة النعم إلى مولي
ها،والثناء على المنعم بذكر إنعامه،
وعكوف القلب على محبته،
والجوارح على طاعته،
وجريان اللسان بذكره.
,,,,,
أقسام الشكر
قال الإمام ابن رجب:
( والشكر بالقلب واللسان والجوارح )
فالشكر بالقلب:
الاعتراف بالنعم للمنعم،
وأنها منه وبفضله.
ومن الشكر بالقلب:
محبة الله على نعمه.
قال بعضهم:
إذا كانت القلوب جبلت على محبة من أحسن إليها،
فواعجباً لمن لا يدري محسناً إلا الله
كيف لا يميل بكليته إليه؟!
والشكر باللسان:
الثناء بالنعم وذكرها وتعدادها وإظهارها،
قال الله تعالى:
[ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ]
وكان عمر بن عبدالعزيز يقول في دعائه:
( اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفراً،
أو أن أكفرها بعد معرفتها،
أو أنساها فلا أثني بها )
والشكر بالجوارح:
ألا يُستعان بالنعم إلا على طاعة الله عز وجل،
وأن يحذر من استعمالها في شيء من معاصيه،
قال الله تعالى :
[ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ]
,,,,,
الوسائل التي تبعث على شكر النعم واستمرارها وزيادتها
1) ترك المعاصي:
قال مخلد بن الحسين:
( الشكر ترك المعاصي )،
وفي بعض الآثار الإلهية:
ابن آدم
خيري إليك نازل
، وشرّك إليّ صاعد،
أتحبب إليك بالنعم،
وتتبغض إليّ بالمعاصي.
2) الاعتراف له بالنعمة
والثناء بها عليه،
وعدم استخدامها في شيء من معاصيه.
3) النظر إلى أهل الفاقة والبلاء:
فإن ذلك يوجب احترام النعمة
وعدم احتقارها،
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم :
[ إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه في المال والخلق
فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فَضُل عليه ]
{وفي رواية}
انظروا إلى من هو أسفل منكم،
ولا تنظروا إلى من هو فوقكم
فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم.
4) الانتفاع بالنعم وعدم كنزها:
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال :
[ كلوا واشربوا وتصدّقوا من غير مبخلة ولا سرف،
فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ]
5) الصدقة والبذل والعطاء:
فإن ذلك من علامات شكر النعم،
ولذلك روي أن داود عليه السلام كان يقول في دعائه:
( سبحان مستخرج الشكر بالعطاء )
6) التواضع وترك الكِبر:
فالكبر يضاد الشكر،
لأن حقيقة الكبر :
هو ظن العبد أنه المالك المتصرف،
والشكر هو :
الاعتراف لله عز وجل بذلك.
7) شهود مشهد التقصير في الشكر:
وذلك بأن يعرف العبد أنه مهما بالغ في الشكر،
فإنه لن يوفى حق نعمة واحدة من نعم الله تعالى عليه،
بل إن الشكر نفسه نعمة تحتاج إلى شكر.
8) ترك مخالطة أهل الغفلة:
فإن مخالطتهم تنسي الشكر
وتقطع العبد عن التفكر في النعم.
قيل للحسن:
هاهنا رجل لا يجالس الناس،
فجاء إليه فسأله عن ذلك، فقال:
إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة،
فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار من الذنب،
والشكر لله على النعمة،
فقال له الحسن:
أنت عندي يا عبد الله أفقه من الحسن!!
9) الدعاء بأن يجعلك الله تعالى من الشاكرين،
وأن يوفقك لطريق الشكر ومنزلته العالية.
ولذلك ثبت أن النبي قال لمعاذ رضي الله عنه:
والله إني لأحبك،
فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة:
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم اجعلنا من الشاكرين الحامدين
الذاكرين الله كثيرا والذاكرات
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.....