ماحكم تمني الموت
ما حُكم تَمنّي الموت ؟
ما حُكم تَمنّي الموت ؟
مع التفصيل في هذه المسألة
الجواب :
بارك الله فيك
في المسألة تفصيل :
إن كان تمنِّي الموت لأجل مرض أو ضِيق حال أو ضرر فلا يَجوز ، وعليه يُحمَل النهي .
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يتمنين أحدكم الموت من ضُـرِّ أصابه ، فإن كان لا بُـدّ فاعلا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي .
وهذا كما يظهر من لفظه يدل على النهي عن تمنِّي الموت من أجل وُجود الضر من مرض ونحوه .
وقد بوّب عليه الإمام البخاري : باب نهي تمني المريض الموت .
ويدل عليه فعل الصحابة رضي الله عنهم ، فقد روى البخاري ومسلم من طريق قيس بن أبي حازم قال : دخلنا على خباب نعوده ، وقد اكتوى سبع كيات ، فقال : إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا ، وإنا أصبنا ما لا نَجِد له موضعا إلا التراب ، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به .
قال سهل بن عبد الله التستري : لا يتمنى الموت إلا ثلاثة : رجل جاهل بما بعد الموت ، أو رجل يفرّ من أقدار الله تعالى عليه ، أو مشتاق محب للقاء الله عز وجل .
قال الإمام القرطبي :
يجوز تمني الموت والدعاء به عند ظهور الفتن وغلبتها وخوف ذهاب الدين . اهـ .
قال الإمام النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدكُمْ الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ لا بُدّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاة خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاة خَيْرًا لِي "
فِيهِ : التَّصْرِيح بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ مَرَض أَوْ فَاقَة أَوْ مِحْنَة مِنْ عَدُوّ أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ مَشَاقّ الدُّنْيَا ، فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضَرَرًا فِي دِينه أَوْ فِتْنَة فِيهِ ، فَلا كَرَاهَة فِيهِ ؛ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيث وَغَيْره ، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا الثَّانِي خَلائِق مِنْ السَّلَف عِنْد خَوْف الْفِتْنَة فِي أَدْيَانهمْ . وَفِيهِ أَنَّهُ إِنْ خَافَ وَلَمْ يَصْبِر عَلَى حَاله فِي بَلْوَاهُ بِالْمَرَضِ وَنَحْوه فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إِنْ كَانَتْ الْحَيَاة خَيْرًا . . . إِلَخْ ، وَالأَفْضَل الصَّبْر وَالسُّكُون لِلْقَضَاءِ . اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر :
وقوله : " مِنْ ضُـرِّ أصابه " حَمَلَه جماعة من السلف على الضُّـرّ الدنيوي ، فإن وُجِد الضُّرّ الأخروي بأن خَشِيَ فتنة في دينه لم يدخل في النهي ، ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية ابن حبان : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا " على أن ( في ) في هذا الحديث سببية ، أي **بب أمر من الدنيا ، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة ، ففي الموطأ عن عمر أنه قال : اللهم كبرت سني ، وضعفت قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مُضَيِّع ولا مُفَرِّط . وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عمر ، وأخرج أحمد وغيره من طريق ع** - ويُقال : عا** الغفاري - أنه قال : يا طاعون خذني ، فقال له عليم الكندي : لِمَ تقول هذا ؟ ألم يَقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يتمنين أحدكم الموت ؟ فقال : أني سمعته يقول : بادروا بالموت سِـتّـاً : إمرة السفهاء ، وكثرة الشرط ، وبيع الحكم ... الحديث . وأخرج أحمد أيضا من حديث عوف بن مالك نحوه ، وأنه قيل له : ألَم يَقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما عُمِّرَ المسلم كان خيرا له ؟ الحديث ، وفيه الجواب نحوه ، وأصرح منه في ذلك حديث معاذ الذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة ، وفيه : وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون . اهـ .
وتمنّي الموت فِرارا بالدِّين وخشية من الفِتنة له أصل في قوله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يَمُرّ الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يَمُرّ الرجل على القبر فيتمرّغ عليه ، ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ، وليس به الدَّيْن إلا البلاء .
قال الإمام القرطبي : تمنت مريم عليها السلام الموت من جهة الدِّين لوجهين :
أحدهما : أنها خافت أن يُظن بها الشر في دينها ، وتعير فيفتنها ذلك .
الثاني : لئلا يقع قوم **ببها في البهتان والنسبة إلى الزنى ، وذلك مهلك ، وعلى هذا الحدّ يكون تمنى الموت جائزا . اهـ .
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) :
فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة ، فإنها عَرَفَتْ أنها ستُبتلي وتُمتحن بهذا المولود الذي لا يَحْمِل الناس أمرها فيه على السداد ، ولا يُصدقونها في خبرها ، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية ، فقالت : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا ) أي قبل هذا الحال ( وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) أي لم أخلق ولم أك شيئا . اهـ .
والخلاصة :
أنه لا يجوز تمنّي الموت لفقر أو مرض أو ضرر أو ضِيق حال .
ويجوز إذا كان الإنسان يَخاف على نفسه الفتنة ، أو يَخشى أن يُفَتن في دِينه .
وكذلك إذا تمنى لقاء ربِّـه تبارك وتعالى ، أو تمنّى لقاء نبيِّه صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا يُحمَل قوله صلى الله عليه وسلم : مِن أشدّ أمتي لي حُـبّـا ناس يكونون بعدي يَودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله . رواه مسلم .
وعليه يُحمَل أيضا قول أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أحب الفقر تواضعا لِرَبِّي ، وأحب الموت اشتياقا إلى ربي ، وأحب المرض كفارة لخطيئتي .
أو كان لتمنِّي الشهادة .
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل . رواه البخاري ومسلم .
والطاعون شهادة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم أجعل فناء أمتي في سبيلك بالطَّعْن والطاعون . رواه الإمام أحمد .
ولذا فقد تمنّى بعض الصحابة الطاعون لنيل الشهادة به .
روى البيهقي في الشُّعَب من طريق عن عورة بن الزبير أن وجع عمواس كان مُعافىً منه أبو عبيدة بن الجراح وأهله ، فقال : اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة . قال فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثره ، فجعل ينظر إليها ، فقيل : إنها ليست بشيء ، فقال : إني أرجو أن يبارك الله فيها ، فإنه إذا بارك في القليل كان كثيرا .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد