مفهوم الثقافة
تُعدّ صياغة تعريف جامع للثقافة أمرًا صعبًا جدًّا، ويعود ذلك لشموليّتها لجميع نواحي الحياة الإنسانية، لكن يُمكن أن تعرّف الثقافة بأنّها الخصائص والمعرفة التي تميز مجموعةً معينةً من الأفراد، وتتضمّن هذه الخصائص اللغة والعادات والتقاليد والانتماء والعُرف والإيمان والأخلاق ووحدة الدّين والقانون وتصل للموسيقى والفنون والمطبخ، كما تتضمّن الثقافة أيضًا: العلم، والخبرات المتراكمة، والحكايات الشعبيّة، والأساطير، وكافّة الفعاليات الاجتماعية، والفردية، والأنماط السلوكية الفريدة التي تكتسبها وتمارسها المجموعة، وقد تتضمّن الثقافة مفاهيم مثل القومية والعرقية وغيرها، وكلمة الثقافة مشتقّة من مصطلح فرنسي يعني النمو أو الميل إلى الأرض بمعنى الزراعة والرعاية، ووفقًا لما قالته أليساندرا دي روسي، أنّ كلمة الثقافة تشترك بأصلها مع العديد من الكلمات الأخرى ذات المعنى المتعلق بتعزيز وتطوير النمو.
ثقافة الشعوب
توجد العديد من الثقافات المتعلّقة بالشعوب والتي تكوّنت عبر العصور، ونذكر فيما يأتي بعضًا من أهمّ الثقافات
الثقافة الغربية:
أُطلِق مصطلح الثقافة الغربيّة على ثقافة الدول الأوروبية، وعلى ثقافة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تأثرت بشدة بالهجرة الأوروبية الكثيفة إلى أراضيها، وتعود أصول الثقافة الغربيّة للعصر اليوناني الروماني الكلاسيكي، وذلك عند صعود الديانة المسيحيّة في أوروبا خلال القرن الرابع عشر، وتتشكّل الثقافة الغربية من عدّة مجموعات عرقية ولغوية أهمها اللاتينية والألمانية والسلتيكية والهيلينية، وتُعدّ الثقافة الأوروبية من أهم ثقافات العالم، إذ يمكن رؤية تأثيرها في كافة القارات والبلدان في الوقت الحالي.
الثقافة الشرقية
يُقصد بالثقافة الشرقية المعايير والقيم المجتمعية للدول في شرق آسيا، منها اليابان والصين وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وفيتنام، بالإضافة إلى شبه القارة الهندية، ويُعدّ الدين من أهم العوامل التي ساهمت وأثرت في تشكيل الثقافة الشرقية خلال تطورها، كما تأثرت بشدة باقتصادها ونموه المعتمد بشدة على محاصيل الأرز وحصادها، وعلى عكس الغرب تميّز الثقافة الشرقية بين المجتمع العلماني وبين الفلسفة الدينية.
الثقافة اللاتينية
تُعدّ الدول الناطقة باللغة الإسبانية جزءًا مهمًا من الثقافة اللاتينيّة، وتُعرف أمريكا اللاتينية بأنّها أجزاء من المكسيك وأمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى، إذ تُعدّ اللغة الإسبانية والبرتغالية اللغات السائدة في تلك المناطق، واستخدم مصطلح أمريكا اللاتينية لأول مرة من قبل الفرنسيين، وتبعًا لجامعة تكساس، رغم وجود البرتغال وإسبانيا في قارة أوروبا، إلّا أنّها البلدان الرئيسية الذي أثرت في الثقافة اللاتينية، ويُشار بوصف لاتيني للأفراد الذين يتحدثون اللغات المشتقة من اللغات اللاتينية، التي تُعرف بلغات الرومانسية.
ثقافة الشرق الأوسط
تتكوّن منطقة الشرق الأوسط من حوالي 20 دولةَ، وتشترك بلدان الشرق الأوسط بالعديد من القيم والعادات وكن ليست كلها، وذلك لكثرة عدد الدول، وأهم ما يميز المنطقة انتشار اللغة العربية في جميع أنحائها، لكن تتفرد كل دولة بلهجة خاصة بها قد تجعل عملية التواصل صعبةً في بعض الأحيان، والعنصر الأساسي لثقافة الشرق الأوسط هو الدّين، وتتبع معظم دول المنطقة الديانة الإسلامية، كما تُعدّ مهد الديانة المسيحية واليهودية.
الثقافة الإفريقية
تُعدّ قارة أفريقيا منطقةً مهمّةً لجميع الحضارات والثقافات، وبدأت الحياة البشرية في قارة أفريقيا قبل حوالي 60 ألف عام، ثمّ انتقل الناس بعدها وانتشروا في مناطق العالم الأخرى، وذلك تبعًا لمتحف التاريخ الطبيعي في مدينة لندن، ويعتقد باحثون آخرون من تارتو أنّ الهجرة الأولى للبشر بدأت قبل ذلك بكثير في وقت يعود إلى 120 ألف عام، وتوصل العلماء لهذه النتائج من خلال دراسات الجينوم البشري لمختلف الحضارات والشعوب وتتبع الحمض النووي الخاص بهم.
الثقافة في علم الاجتماع
تُعدّ الثقافة من أهم مفاهيم علم الإجتماع، وذلك لإدراك علماء الاجتماع الدور المهم الذي تلعبه الثقافة في حياتنا، ولتطوّر الفرد ثقافيًا لا بدّ من تشكيل العلاقات الاجتماعية والحفاظ على النظم الاجتماعية وتحدياتها، وتحديد كيفية فهمنا للعالم ومكانة الفرد فيه، وكيفية تشكل تصرفاتنا وتجاربنا مع المجتمع، ويتضمّن ذلك الأشياء المادية وغير المادية، ويُعرّف علم الاجتماع الجوانب غير المادية للثقافة بأنّها المعتقدات والقيم واللغة والممارسات المشتركة بين مجموعة من الأفراد وطريقة التواصل فيما بينهم، وتبعًا لعلماء الاجتماع تتكون الثقافة من الحس السليم للأمور والتوقعات وتتبع لقواعد وأخلاق وقوانين تتحكم بالمجتمع، بالإضافة إلى الكلمات المستخدمة وكيفية التحدث بها وكتابتها وطريقة الخطاب والرموز المستخدمة للتعبير عن المعاني والأفكار والمفاهيم، وتتضمّن أيضًا كيفية التصرف والتفاعل مع الآخرين وطريقة السير والجلوس وتأثر التصرف بالمكان والزمان وغيرها من الأمور.
أمّا الثقافة المادّية فتتكوّن من الأشياء التي تُصنع من قبل البشر ويستخدمونها، ويتضمّن هذا الجزء من الثقافة مجموعةً كبيرةً من الأشياء، مثل المباني والملابس والأدوات التكنولوجيّة وطرق التنقل والموسيقى والفن والأدب والسينما وغيرها، ويُطلَق على الجوانب الثقافية المادية اسم المنتجات الثقافية، وتربط علاقة وثيقة بين الثقافة المادية وغير المادية، إذ تظهر الثقافة المادية وتتشكّل عبر جوانب الثقافة غير المادية، فما نُقدّره ونعرفه في حياتنا اليومية يؤثّر كثيرًا على الأشياء والمنتجات التي نصنعها، ويمكن أن تكون العلاقة عكسيّةً، إذ تؤثر جوانب الثقافة المادية على الثقافة غير المادية، مثل أن يؤدي فيلم وثائقي مؤثر وقوي وهو ثقافة مادية لتغيير مواقف الأشخاص ومعتقداتهم، أيّ تغيير الثقافة غير المادية
التفاعل الثقافي بين الشعوب
يُعدّ الالتقاء والتفاعل الثقافي بين الشعوب وليد الانفتاح الذي حدث خلال العقود الأخيرة من الزمن بين مختلف الشعوب والدول، وتبعًا للتطوّرات الجذريّة الحاصلة في مجالات الاتّصال، لم تعد أغلب الشعوب منغلقةً على نفسها، فقد خرجت اليوم من حدود وإطار ثقافتها الأصليّة وشاركتها مع الشعوب الأخرى وأثّرت عليها وتأثّرت بها، وبهذا استطاع كل شعب أن يرى نفسه في عيون ومنظور الشعوب الأخرى، ممّا ساعد الشعب على مراجعة الموروث الثقافي له عبر مختلف المراحل الزمنيّة، بالإضافة إلى المحافظة على المظاهر الإيجابية للثقافة، والمساعدة على التخلص من المظاهر المعيقة التي تُشكِّل حاجزًا أمام نمو الحضارة الإنساني وتقدمها الاقتصادي، وللتفاعل الثقافي دور أساسي في توطيد الحوار والتواصل بين الشعوب، كما أنّ الصداقة بين أفراد الشعوب المختلفة هي واحدة من أقوى طرق تعزيز التواصل فيما بينهم وتقبل الطرف اللآخر، وينبغي للمجتمعات أخذ قرار واعٍ لتوطيد العلاقات بين الحضارات.