بسمة فتاةٌ تُحِبُّ الرَّسْمَ ، ترسُمُ الطبيعةَ ومَا لا رُوحَ فيه . أرادت يومًا أن تُعبِّرَ عن شيءٍ بداخلها ، فأحضرت عُلبة ألوانها ، ووضعتها فوق ورقةٍ بيضاء .
خرجَت مِن حُجرتها ؛ لتقومَ ببعض الأعمال في البيت ، ثُمَّ تعود لترسُم .
وبمُجرَّد أن خرجَت ، بدأت تظهرُ أصواتٌ مُنخفِضةٌ مِن عُلبة الألوان ، التي تحوي عِدَّة أقلام .
كُلُّ لونٍ منهم يقولُ : أنا الأفضل ، أنا الأجمل .
= قال اللونُ الأخضر : أنا لونُ الزروع والأشجار ، مَن نَظَرَ إليَّ ارتاحَت عيناه ، وأحسَّ براحةِ البال . وتجِدوني في البطيخ والتُّفَّاح والليمون وسَعف النَّخيل . فهل هُناك أجملُ مِنِّي ؟!
= قال اللونُ الأزرق : أنا أجملُ مِنكَ ؛ فأنا لونُ السَّماءِ ، مَن نَظَرَ إليها رآها صافيةً زرقاء ، فهَدَأ قلبُه ، وطهرت رُوحُه ، وسَمَت نَفْسُه . فتأمَّل ، فلَستَ أفضل مِنِّي .
= قال اللونُ الأصفر : لا أنتَ ولا هو ، بل أنا الأجمل ؛ فأنا لونُ الشمس . هل يُمكِنُ لشخصٍ أن يعيشَ دُونَ أن يراني ؟! وأنا أيضًا لونُ المِشمش والليمون والتُّفَّاح والبَرقُوق . وكُلُّها أطعمةٌ مُفيدةٌ يَحتاجُها الجِسم .
= قال اللونُ البُنيّ : وهل هُناكَ أجمل مِن لون النَّخيل ؟! تُعطيكم تمرًا لذيذًا ، وتستفيدون مِن سَعفها .
= قال اللونُ البنفسجيّ : وأنا لونُ الباذنجان ، الذي يُزيِّنُ كثيرًا مِن الموائد ، ولا يكادُ يخلو منه بيت .
= قال اللونُ البُرتقاليّ : وأنا لونُ البُرتقال ، الذي يحوي فيتامينات مُفيدة للجِسم ، ويُخفِّضُ عصيرُه الحرارةَ ، خاصَّةً عند الأطفال .
= قال اللونُ الأحمر : كَفَى كَفَى ، أنا أجملُ منكم ؛ فأنا لونُ التُّفَّاح الذي يُفيدُ الجِسمَ ، ويُمِدُّه بالحَديد وغيره من المواد التي يَحتاجُها ، فيكونُ سببًا في عِلاج كثيرٍ من الأمراض . وأنا أيضًا لونُ الطماطم التي تُستخدَمُ في صُنع كثيرٍ من المأكولات . هل رأيتُم بيتًا يخلو منها ؟! وأنا لونُ الفراولة والبرقوق والبطيخ . أرأيتُم فوائدي الكثيرة ؟!
= فقاطَعه اللونُ الأسودُ قائِلاً : لا ، بل أنا أجملُ الألوان ، تجِدوني في زِيِّ المَرأةِ المُسلِمةِ ، أستُرُها ، وأكونُ أفضلَ منكم .
= فقال اللونُ الأبيض : اسكتوا ، اسكتوا ، وهل هُناكَ أجملُ وأروعُ وأحلى مِنِّي ؟! لونُ الصَّفاءِ والنَّقاءِ ، ولونُ اللبن الذي هو مِن أفضل المشروبات ، والذي يحتوي على كثيرٍ من المَواد التي يحتاجها الجِسمَ . وكذلك لونُ الفّلِّ ذي الرائحةِ الجميلة . وأنا الأفضلُ على الإطلاق في ملابس الرِّجال .
كانت بسمة تستمعُ إليهم مِن بعيدٍ وتبتسِم .
ثُمَّ بدأت أصواتُهم تعلو ، وكُلُّ لَونٍ يُحاولُ أن يُبرِزَ نَفْسَه ، ويُقنِعَ الآخَرينَ بمِيزاتِهِ وفوائده وجماله .
فأقبلَت بسمة إليهم ، وأمسكَت بهم ، وقالت : كُلُّكم أحبابي ، كُلُّكم أصحابي ، كُلُّكم لا يُمكِنني الاستغناءَ عنكم . فالأزرقُ يُهَدِّئُ قلبي ، والأخضرُ يُريحُ عيني ، والبُنيّ يَجذِبُني ، والأسودُ يَستُرُني ، والأبيضُ يُشعِرُني بالطُّهرِ والنَّقاء ، والأحمرُ والبنفسجيّ والبُرتقاليّ ألوان أطعمةٍ أُحِبُّها ، وملابس أتزيَّنُ بها ، والأصفر لونُ شمسٍ في الشتاءِ تُدفِئني ، وفي الصيف تُطهِّرُ ملابسي . فلِكُلٍّ منكم فائدةٌ يا ألواني ، ولا داعي للشِّجار والخِصام . لا يُمكِنُ للونٍ أن يبقى وَحده في هذا الكون ، وأن يَدَّعي أنَّه الأكثر فائدةً ونَفعًا . ولا يُمكِنُ للونٍ أن يَستأثِرَ بحُبِّ الناس دُونَ إخوانِهِ مِن الألوان الأخرى .
ثُمَّ أمسكَت بسمة بألوانِها ، وبدأت ترسُمُ على الورقة .
رَسَمَت شمسًا – باللون الأصفر – دليل الأمل ، وسُلَّمًا – باللون الأسود – دليل الصّعود نحو العَطاء . ورَسَمَت كُوبًا به لَبَن – باللون الأبيض – دليل الصَّفاءِ . ورَسَمَت أشجارًا وحَشائِش – باللون الأخضر – دليل التَّفاؤل . ورَسَمَت شجرتيْ باذنجان لونه بنفسجيّ ، وبُرتقال لونه بُرتقاليّ . ورَسَمَت سماءً بها غيوم باللونين الأزرق والأبيض . ورَسَمَت باللون البُنيّ نخلةً بها تمرٌ أحمر .
وبعد أن أنهَت رَسْمَتها ، وَضَعَت ألوانَها بجانِبِ بعضِها داخل العُلبة ، وقالت : كُونوا هكذا دائِمًا مُتعاونين . أرأيتُم كيف استفدتُ منكم جميعًا ؟! فاتَّحِدُوا ولا تختلِفوا ، واجتمِعوا ولا تفترِقوا .