لِوَقْت يسير أو لِوقت طويل .
ففي حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه ،
قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ ،
وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ : لاَ تَرْفَعْنَ رؤوسكن حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا .
رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه :
فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ،
وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي،
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا آست قَارِئِكُمْ؟
فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ
فَرَحِي بِذَلِكَ القَمِيصِ .
رواه البخاري .
قال ابن قدامة : فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ.
لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ لأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَوْرَةِ ،
فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، كَالنَّظَر ِ.
ثم أوْرَد ابن قدامة حديث عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه ،
قَالَ: فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ،
فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ إسْتِي [يعني : دُبري ] ،
ثم قال ابن قدامة :
وَهَذَا يَنْتَشِرُ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَلا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْكَرَهُ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ وَلأَنَّ مَا صَحَّتْ الصَّلاةُ
مَعَ كَثِيرِهِ حَالَ الْعُذْرِ، فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي غَيْرِ
حَالِ الْعُذْرِ، كَالْمَشْيِ، وَلأَنَّ الاحْتِرَازَ مِنْ الْيَسِيرِ يَشُقُّ ،
فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ . إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ حَدَّ الْكَثِيرِ
مَا فَحُشَ فِي النَّظَرِ، وَلا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ وَغَيْرِهِمَا .
وَالْيَسِيرُ مَا لا يَفْحُشُ، وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَادَةِ،
إلاَّ أَنَّ الْمُغَلَّظَةَ يَفْحُشُ مِنْهَا مَا لا يَفْحُشُ مِنْ غَيْرِهَا،
فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْمَانِعِ مِنْ الصَّلاةِ . اهـ .
وقال ابن رجب في شرح حديث سَهْلِ بْنِ سَعْد السابق :
وفيه : أنَّ مَن انكشف مِن عورته يسير في صلاة لم تبطل صلاته .
وقد استدل بذلك طائفة من الفقهاء، وتوقّف فيه الإمام أحمد،
وقال : ليس هو بِالبَيِّن . يشير إلى أنه لم
يُذْكَر فيه انكشاف
العورة حقيقة ، إنما فيه خشية ذلك ؛
وإنما ذُكِر في حديث عمرو بن سلمة الجرمي أنه
كان يُصلي بِقومه في بُردة له صغيرة فكان
إذا سجد تقلصت عنه فيبدو بعض عورته ،
حتى قالت عجوز من ورائه :
ألا تغطون عنا إست قارئكم .
ومذهب أحمد : أنه إذا انكشفت
العورة كلها أو كثير منها،
ثم سترها في زمن يسير لم تبطل
الصلاة ،
وكذلك أن انكشفت منها شيء يسير،
وهو ما لا يستفحش في النظر ولو طال زمنه ،
وإن كان كثيرا وطالت مدة انكشافه بطلت
الصلاة .
وكذا قال الثوري : لو انكشفت عورته في صلاته لم يُعِد -
ومُراده: إذا عاد سترها في الحال .
ومذهب الشافعي :
أنه يعيد
الصلاة بانكشافها بكل حال، وعن أحمد ما يدل عليه .
وعن أبي حنيفة وأصحابه : إن انكشف مِن المغلظة
دون قَدْر الدرهم فلا إعادة، ومن المخففة إن انكشف
دون ربعها فكذلك، ويُعيد فيما زاد على ذلك .
ولا فَرْق بين العمد والسهو في ذلك عند الأكثرين .
وقال إسحاق : إن لم يَعلم بذلك إلاَّ بعد انقضاء صلاته لم يعد .
وهو الصحيح عند أصحاب مالك . اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد